صحيفة المثقف

طه باقر استاذ السومريات وقارئ الطين

كاظم شمهوديعتبر طه باقر من اوائل علماء الآثار في العراق ومن الاوائل الذين قرأوا الالواح الطينية السومرية وترجم ملحمة كلكامش وقاد فرق التنقيب لمديرية الآثار العراقية منذ سنة 1945 الى سنة 1949 حيث كشف خلال هذه الفترة اكثر من الفي لوح  قديم من حضارة بلاد الرافدين  ..

ولد الاستاذ طه باقر في مدينة الحلة ( بابل )عام 1912 وهو من اسرة كريمة اتصفت بالعلم والبحث والتدريس ومن سادة بني هاشم، تخرج من الثانوية عام 1931—بتفوق وكان واحد من الاربعة الاوائل الفائزين  في العراق، وقد اختير كأحد الطلاب لدراسة علم الآثار في شيكاغو في الولايات المتحدة . وبعد انهاء دراسته التي استمرت اربعة سنوات عاد الى العراق وعين في مديرية الآثار ثم مدير للمتحف العراقي عام 1945 ثم  مديرا للآثار العامة في العراق .. ويذكر انه عندما عاد من الخارج  استقبله اهل الحلة بالافرح والورود وحملوا سيارته على الاكتاف ...

1789  ملحمة كلكامشقام طه باقر بترجمة ملحمة كلكامش وهي اول الترجمات العربية ولكنها كانت مأخوذه من اللغتين الانكليزية والالمانية اي مترجمة عنها، غير ان باقر استطاع من ترجمة اللوح الحادي عشر من السومرية والاكدية الى العربية بشكل مباشر، لكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن لماذا لم يقم باقر  بترجمة كل الملحمة من النص  السومري او الاكدي الى العربية ؟ يذكر ان السبب في ذلك يعود الى ان  النصوص متفرقة الى عشرات الكسر الصغيرة والتي تحتاج الى كادر متخصص لهذه المهمة الصعبة ... بينما نجد ان علماء الآثار الاجانب الذين اموا العراق قد استطاعوا من حل رموز الخط المسماري منذ منتصف القرن التاسع عشر، وحملوا معهم آلاف الالواح الطينية وكسرها الى متاحفهم .

و يذكر ان الترجمات  الاجنبية الاولى لملحمة كلكامش كانت قد اعتمدت على تحرير النص وليس قراءة سطوره حسب النص بمعنى انهم عملوا على ترجمة مضون النص .

و يضاف الى ذلك فقد قام باقر بتأليف عدد كبير من الكتب القيمة عن تاريخ بلاد الرافدين ومن اشهرها هو كتاب – مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة -1973 حيث يعتبر من اهم ما كتب عن تاريخ حضارة وادي الرافدين وكان باقر ينوي اصداره بجزئين ولكنه لم يكمل الثاني فتوفى عام 1984 . كما اشرف على مجلة سومر الاثرية فترة طويلة من الزمن .

1786  زقورة أور

مضايقات واستفزازات:

تعرض الاستاذ طه باقر الى اشد المحن والمآسي اثناء عمله العلمي والتدريسي  في جامعة بغداد في زمن البعثيين ولكنه اصر على مواصلة بحوثه العلمية كاستاذ اكاديمي مستقل . ففي عام 1963 وبعد سقوط عبد الكريم قاسم اعتقل باقر وفصل عن وظيفته  بعدما  قضى   كل حياته في التنقيب والتدريس والبحث عن ماضي بلاد النهرين وحل رموز الكتابات المسمارية وترجمة وفهم نصوصها حيث كان اول عراقي اصيل يقوم بذلك العمل . ثم اضطر الى الهجرة الى ليبيا للعمل في التدريس هناك، بعد ذلك دعي الى العودة الى العراق، ولكنه اشترط الا يكلف بمنصب رسمي سياسي غير التدريس في الجامعة .

1786  زقورة أور

كما تعرض الى النقد والشتم من قبل المتطفلين على الثقافة ومن ازلام النظام البعثي السابق، الذين لم يعرفوا مكانة باقر وكتبه  وتألقه في علم الآثار،  ربما كان ذلك حسدا منهم او نتيجة لتصحيحه لكتب بعض علماء الآثار الاجانب الذين كانت ترجماتهم ضعيفة ومتناقضة، ولكن بمرور الايام اثبت طه باقر اعلميته  واحقيته و ريادته في علم الآثار  من خلال كتبه الفريدة والدقيقة في دراستها لتاريخ بلاد الرافدين . ومن جملة ما كشفه  باقر ذلك الختم الاسطواني السومري الذي يحمل معادلة رياضية، وقد تكلم باقر عن ذلك في مقابلة تلفزيونية مسجلة على شريط طوله حوالي دقيقة واحدة وهو كل ما تبقى من شريط طويل قد تعرض للحرق بعد سقوط النظام عام 2003 .

1787  طه باقر وعبد الكريم قاسم

و يذكر ان عدم الاهتمام بمكانة باقر وتعرضه لشتى المضايقات قد  دفعته الى القول (الم يكن من الافضل لو اني قبلت ذلك العرض من جامعة شيكاغو للعمل فيها بعد انتهاء دراستي) .كان باقر كامل الولاء لبلده ووطنه وهو رجل عالم ومفكر تقدمي  رغم تعرضه لصنوف العسر في المعيشة، حيث بقى في ولاء تام الى الطبقة الكادحة ولم يطيق العيش تحت اي راية حزبية او مذهبية كانت  ، بل كان  همه الاول هو كعالم واستاذ  اكاديمي يخدم بلده وشعبه، وهو يقول (نحن العراقيون علينا ان نكتشف تاريخنا بجهدنا ودماغنا الذي نحمله). الله يرحم استاذ العراق طه باقر  ويرحم كل علماء ومفكري العراق وشهدائهم .

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم