صحيفة المثقف

الشرقاطي

صحيفة المثقفالى .. حارس بوابة آشور الأديب فهد عنتر الدوخي

ذكرى أيام المستنصرية الجميلة

يا صَديقيَ النَبيلْ . .

لَقـدْ تَجاوزَ العُـمرُ السِتّينْ !

وَحينَ التَقْـينا

كُـنّا يوْماً في العِشْرينْ !

مَنْ كانَ يُصدِّقُ إنَّ العُمرَ ، سيمُـرُّ هكَذا . .

أسْرعَ مِنَ الضَّوءِ بِلا عَـثراتٍ ؟

حَزينْ !

تَـرَكَنا وَراءَهُ . .

بِخَـيْبةِ الحروبِ ،

وَتَـرقُّبِ السِنينْ !

وَأصدِقاءٌ بنكْهةِ الثمانياتِ

وَذاكرةُ القطارات . .

تمْخُـرُ عُـبابَ الليْلِ بِأنينْ

أسْبوعاً بعـدَ أسبوعْ

مرّةً الى الشِّمالِ

وأُخْـرى الى الجّنوبْ

ولا يَزالَ الحُـبُّ فـينا يا صَديقي

لمْ يعرِفْ النُضوبْ !

كأنَّهُ سِمْفونيّةَ يَنْـبوعْ

وَهمْسُ صَبايا وضِحكاتْ

وَليالُ عِـشْقٍ وخَـيباتْ

قَـلباً واحداً كُـنا بكُلِّ النَبضاتْ

وَجُـنيْنةَ وَردٍ مُلوّنةٍ بِالأحْبابْ !

مِنْ كلِّ بيتٍ فيكَ يا عـِراقْ . .

كانَتْ نَسْماتُ اللَيْلِ تُداعِبُ أهْدابَ الُعُيونْ

وعَصرّياتُ آذارْ

مُنذُ كُنّا نَهْمسُ لِلأشْجارْ

ظَلّتْ مُزدانةً بالرَبيعِ والأزْهارْ

نَديّةٌ كَطيبةِ قَـلْبِكَ ، ذاكِرةُ المُستنْصريّةِ !

في كُلِّ شِبْـرٍ مِنْها ذِكْرياتْ . .

ونَزيفُ دُموعْ

خَلْفَ الأسْوارْ

عِـنْدما كانَ الغَـدُّ هُناكَ مَحْضَ أحْلامْ

بِغصّةِ الشَغَفِ والحَنينْ

(2)

يَوماً كانَتْ سَفْـرتُنا الى سامرّاءْ

أتذْكُـرُها ؟

وَكَيفَ كُنَّ الجَميلاتْ

يَمْشينَ الهُوينا بِزهوِ تِلكَ الأيّامْ

وتِلكَ الصّديقةُ الفارِعَةُ السّمراءْ . .

كأنَّها شَهْـرزادُ أو عُـشْتارْ

تُدغْدِغُ بهاءَ الرّوحَ بالابتِسامْ !

ومَرّةً أُخْرى ، سافَـرْنا الى المَوصِلِ الحَدْباءْ

أمِّ الرَبيعينِ ذاتُ الكبْرياءْ

يا صَديقيَ الشِرْقاطيُّ . .

ألم تكن أنتَ ابنُها البارْ

وحفـيدُ حَضارتِها

ووَجهُ آشورَ والنَّهارْ ؟

(4)

وَبَعـدَ كُلِّ تِـلكَ السّنينْ

يا صَديقي . .

ما عادَ في العُـمرِ غَـيرَ قَـلبٍ موْجوعْ

ومَنافيَ وشتاتْ

ومَوتٍ وإرهابْ

وبقيةِ أصْحابْ

وبَيْن سَنا الروحِ والأرضُ الخَرابْ

وجعُ الأيّامِ . .

يَعْصِرُ قلوبَنا

يَطْحنُ ذاكِرتَنا بِكُلِّ ذاكَ الأسى

وَبِكلِّ قَسْوتهِ يُداهِمُنا الوَقتُ

وأنتَ كَما أنتَ !

مُنذُ ذلكَ الحينْ

لازلتَ تَـتوضّأُ بالمَحبةِ

وَفياً لتلكَ الصُحْبةِ

والمَدينةِ وقُـراها

وبوابةِ آشورَ التي قَـلبُكَ اصْطَفاها

(5)

وفي مَساءاتِ ذاكَ العِشْقِ آنَذاكْ

وتأمُّلاتُنا في ذاكِرةِ الوَجَعِ الآنْ !

يمُرُّ في البالِ سِحْـراً ، صَوتُ أمِّ كلثوم . .

(ذِكرَياتٌ عَـبرَتْ أُفْـقَ خَيالي

بارِقاً يَلْـمعُ في جُنْحِ اللَيالي

**

ذِكرَياتٌ داعَـبتْ فِـكْري وظَنّي

لسْتُ أدْريَ أيّها أقْـربُ مِنّي)

وَبيْـنَما يَبقي الأملُ يُلامسُ شِغافَ قُـلوبِنا

فحَتّى اللحْظةِ يا صَديقي . .

لا مَـفـرَّ مِنْ وَجِعِ الذِكْرياتْ !

***

د. ستار البياتي - بغداد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم