صحيفة المثقف

الإخوان المسلمون والشيعة الإثنا عشرية في علاقات ملتبسة (4)

محمود محمد علينعود ونختم حديثنا عن العلاقة الملتبسة بين جماعة الإخوان المسلمون والشيعة الإثنا عشرية، فنقول: عندما انبثقت ثورات الربيع العربي في عام 2011م، أعلنت إيران من خلال علي خامنئي، أن تلك الثورات تمثل امتداداً للثورة الإسلامية في إيران، وقد كان لإيران أسبابها في "اكتشاف" إسلامية الربيع العربي. فذلك التعريف يقي الجمهورية الإسلامية "شرور" ربيع الآخرين؛ ذلك أن حراك الشارع الإيراني عقب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، اعتبر "محرَّكاً من الخارج وتقف وراءه قوى الاستكبار وأعداء الإسلام"، وبالتالي فإن نقيض ذلك هو ما يجري عند العرب، وهو بالاستنتاج الرسمي الإيراني نعمة أوحت بها الثورة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عقود: فعساكم يا أهل إيران تتعظون من منافع صناعة إيرانية تُصدّر إلى الجوار، بدل الإستكانة إلى منتجات الخارج وأفكاره المشبوهة حول الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان!

وعندما وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلي سدة الحكم، قامت إيران لتبارك وصولهم كما بينا في مقالنا السابق، ولتذكرهم بالعلاقة الطيبة التي جمعتهم مع الثورة الإسلامية منذ عام 1979، وحتى قبل ذلك (مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي كان ترجم قبل الثورة كتابين لسيّد قطب).

وفي فترة حُكم الإخوان القصيرة لمصر (2012-2013)، ظنّت إيران أنها قد حقّقت أطماعها بالوصول إلى أرض الكنانة، فكانت أول دولة في العالم تُقدِّم التهنئة للإخوان بفوزهم بالسلطة. ولقد قام قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" العميد قاسم سليماني (1957-2020) بزيارة سرية إلى القاهرة، أجرى خلالها محادثات مع مسؤولين كبار مقرّبين من الرئيس محمد مرسي. وكذلك زار سليماني سرّاً "حزب الله" في لبنان و"حركة حماس" في قطاع غزة.

بيد أن جماعة الإخوان المسلمين تناقضت مع الحكم في تونس ومصر والأردن وسوريا وبلدان أخرى، حيث خرجت علي خط التضامن التقليدي ما بين "جماعات" الإخوان المسلمين وحكم الثورة في إيران، فلقد كان صعباً على "إخوان" سوريا أن يهضموا الوجود في خندق واحد مع إيران المتحالفة والداعمة لنظام الأسد (الأب والابن) في سوريا. علاوة علي تغير موقف الشيخ يوسف القرضاوي والذي كان من قبل يعبر عن تضامن وتأييد لإيران، أضحي يندد من خطر التمدد السياسي الإيراني في البلدان العربية تحت عباءة التشيع.

من خريف إلى ربيع استغنى "الإخوان" عن العراب الإيراني المتراجع النفوذ، وراحوا يقتربون من واشنطن ؛ حيث طار اليها عصام العريان في أوج الأزمة الدستورية الاخيرة في مصر. راح "الإخوان المسلمون" يستوحون أصول الحكم في العصر الحديث من نصائح أميركية لم تُخف مباركة إدارة أوباما لتسلّم جماعة الاخوان المسلمين لمقاليد الحكم هنا وهناك. أدلى راشد الغنوشي (شيخ "الإخوان" في تونس) بأفكار في واشنطن كانت تعتبر محرّمة في عصر "النهضة" المعارضة. تحدث "إخوان" الأردن عن حوار مع الإدارة الامريكية. وقام خالد مشعل زعيم "الاخوان" في فلسطين بزيارة تاريخية إلى غزة تحت بصر الاسرائيليين وحماية غربية أمريكية لا غبار عليها.

وهنا أدركت الولايات المتحدة، انه من الصعب احتواء الاسلام او منعه من اعادة “دولة الخلافة الاسلامية”، وامام هذا الفشل في القضاء على الاسلام جرى التحول الى الخطة البديلة الا وهي احتواء الاسلام عن طريق السماح لتشكيل دولة اسلامية وفق الشروط الامريكية، وكان الاخوان المسلمين في نظرهم خير بديل للتنظيمات "الجهادية".

ولما كان جماعة الاخوان المسلمين معروفون بمبدأ ” نصف الحلول او بالمنهج التوفيقي” وهو قريب من المنهج الميكافيلي” الغاية تبرر الوسيلة “. وهو نفس الإستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في تغيير مسارات الحركات “الجهادية” فعلى سبيل المثال نجحت أمريكا بتحقيق انحراف في مسار القاعدة وشبكتها لتصوب هجماتها محلياً.

والسؤال الآن : متى بدأت علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالإخوان المسلمين؟.

ارتكزت السياسة الأمريكية تجاه جماعة الإخوان المسلمين خلال ثورة 25 يناير 2011 في مصر علي عدد من المحطات في العلاقة بين الجماعة والولايات المتحدة، وكانت المحطة الأولي هي رغبة الولايات المتحدة تسليم الحركات الإسلامية المعتدلة الحكم في دول الربيع العربي ؛ حيث لم تقرر الولايات المتحدة الأمريكية بأن هذا القرار هو وليد اللحظة، وإنما ارتكز علي "العديد من التطورات في العلاقة ابتداءً برابطة الطلاب المسلمين، ومنظمة ترست الإسلامية في أمريكا الشمالية، ومجلس شوري الإخوان في أمريكا، والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، والمجلس الأمريكي الإسلامي، والجمعية الإسلامية الأمريكية، والاتصالات الرسمية بين الجماعة وأمريكا، ومن ثم خطاب كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في العام 2005 في الولايات المتحدة الأمريكية لا تعارض وصول الإسلاميين للحكم".

وهنا يذكر " روبرت داريفوس " مؤلف كتاب "لعبة الشيطان" أن علاقة الولايات المتحدة بالإخوان المسلمين ليست وليدة الحدث بثورة 25 يناير 2011 م،  بل تمتد لعقود طويلة خلت. ففي أواخر 1953م، حين برز سعيد رمضان زوج إبنة حسن البنا كمسؤول سياسي وخارجي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وكان لقاء رمضان مع الرئيس "دوايت إيزنهاور"، في البيت الأبيض نقطة انطلاقة لرمضان كمسؤول عسكري أيديولوجي للجماعة، والذي قال :" إن عنف الجماعة نابع من إعادة تشكيل المنطقة العربية وفق المواصفات الإسلامية السلفية، وقد كانت الولايات المتحدة تنظر لرمضان على أنه حليف محتمل لها بحربها ضد الشيوعية ".

وقد كان مؤتمر جامعة "برنستون" للثقافة الإسلامية الذي تم دعوة سعيد رمضان للمشاركة به، مؤتمراً أمريكياً يهدف إلي "التعرف علي قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقد كان السفير المصري هو من يقوم بهذا الدور، وبعد ذلك أصبح رمضان حليفاً للسعودية بعد وفاة حسن البنا إلي جانب ارتباطه مع مخابرات عدد من الدول الغربية" .

إلا أن العلاقات بين الجماعة والولايات المتحدة بقيت بين مد وجزر تبعاً لمعطيات كل حقبة وظروفها. فقد بنت الولايات المتحدة علاقات مع الإخوان المسلمين كحليف لها، خلال الحرب الباردة في صراعها مع الشيوعية بالأساس، ولتقويض فكرة القومية العربية والناصرية التي جمعت بين الاثنتين؛ الفكر القومي والموالاة للشيوعية.ولكن عقب الثورة  في إيران عام 1979 عرف الإخوان أول خلاف لهم مع الولايات المتحدة الإسلامية كما يشير "جلبير الأشقر"، "على إثر ترحيبهم بمجيء نظام الخميني عقب ثورة اعتبرت مناهضة  للولايات المتحدة وأعطت دفعة قوية لتوسع الأصولية الإسلامية على الصعيدين الإقليمي والعالمي. بيد أن هذا التنافر سرعان ما تم تجاوزه بسبب التدخل السوفييتي في أفغانستان نهاية عام 1979 الذي أحيا التعاون بين واشنطن والإخوان" .

فقد شكل الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي بتحالف الولايات المتحدة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الرابطة الإسلامية، وأخرون – بدعم يصل إلي ثلاثة مليارات دولار وبإشراف وتعاون ودعم السعودية وباكستان، تحولاً في الحركة الإسلامية قوي الإسلام السياسي، وذلك "عبر محاربة الشيوعية، وإعداد كادر جديد مدرب علي القتال العسكري وتعزيز روابط المسلمين بين شمال إفريقيا، ومصر، والخليج العربي، ووسط آسيا، وصعود الإسلام السياسي الاقتصادي من خلال قوة البنوك الإسلامية، وتعزيز قوة المؤسسات الدينية المصرية" .

وفي عام 2005 كانت بدايات التحول في السياسة الأمريكية نحو الضغط باتجاه إشراك الإخوان المسلمين في السلطة في مصر بشكل أكبر؛ فقد شهدت "انتخابات مجلس الشعب في هذا العام عن فوز جماعة الإخوان المسلمين في مصر بـ 88 مقعداً مقارنة بانتخابات العام 2000، التى حصدت بها الجماعة 17 مقعداً تطوراً ملحوظاً للجماعة، وقد جاءت هذه الانتخابات في ظل الإصلاحات التى كانت الإدارة الأمريكية تطالب الرئيس مبارك بها، والمتمثلة في التعامل بشكل ديمقراطي مع أحزاب المعارضة المصرية، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين ".

ونظراً للمطالبات الأمريكية للرئيس مبارك بوجوب إصدار تعديلات تسمح بالتعددية والمشاركة السياسية، والديمقراطية، والحرية، والعدالة دون قيود على الأفراد أو الحركات، ونظراً لمبادرة الإصلاح التى هدفت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تطبيقها في دول الشرق الأوسط رغبة منها في وقف امتداد الحركات الإسلامية في العالم العربي، أصدر الرئيس مبارك تعديلات دستورية في العام 2007 هدفت إلي تطبيق مشاركة أوسع لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات.

وقد أسهم ظهور المرشد " مهدي عاكف " بتقديم شكل جديد لبرنامج جماعة الإخوان المسلمين في مصر، عبر تأكيده على أن الوقت مناسب لإنشاء حزب سياسي مصري في العام 2007 – فكرة إخوانية من أيام المرشد "عمر التلمساني" – وقد برر "عاكف" رغبته بإنشاء حزب سياسي جديد من أجل فك الحصار الأمني الذي يفرضه النظام على الجماعة وأفرادها، ورغبة منهم في الحصول على الترخيص من لجنة الأحزاب المصرية .

وإلي جانب أن إيجاد حزب جديد يساهم في تقبل الشعب والنظام لجماعة الإخوان المسلمين لخلافة الرئيس مبارك، "برر عاكف أيضاً ضرورة إنشاء حزب جديد لأسباب تعود لشيخوخة النظام، وللظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر، وللضغط الأمريكي لمزيد من الديمقراطية في المنطقة العربية، ولفوز الإسلاميين في عدد من الدول المجاورة في الانتخابات، وفوز العام 2005م في انتخابات مجلس الشعب المصري، ولرؤية الجماعة بوجوب استهداف ومغازلة الحزب الحاكم لتقبل الجماعة كجزء من النظام السياسي" .

ولعل من أهم الدوافع ارتدادات هجمات 11 سبتمبر 2001م تبدل الأجندات على كلا الطرفين؛ حيث  دشن الرئيس الأمريكي السابق بوش (الابن) أجندة الحرية، القائمة على فرض الديمقراطية بالقوة على الأنظمة العربية، كأفضل وسيلة لأمن واشنطن والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وقد فسرت "كوندوليزا رايس" في العام 2005م هذه السياسة على اعتبار أن هجمات 11 سبتمبر "جاءت كنتيجة لتصاعد التطرف في الشرق الأوسط، والذي يفرزه غياب قنوات أخرى، كالنشاط السياسي والإجتماعي، للتعبير عن الرغبة في التغيير؛ الأمر الذي يستدعي الولايات  المتحدة اتخاذ مسارها الخاص لإحداث التغيير في المنطقة" .

ومن هنا تبدلت أجندة الإخوان المسلمين، سعيا للنأي بتنظيمهم قولاً وعملاً عن التنظيمات "الإرهابية"، وبدأوا يتكيفون مع الواقع، مبدين أنهم منفتحون على تقديم  من العملية السياسية ً، فقد أدركت جماعة الإخوان أهمية أن تضغط واشنطن على الرئيس "حسني مبارك" لإعطائهم هامشاً من الحرية للعمل. وبانعطافة لتغيير قواعد اللعبة كما يعتقد الصحافي "برادلي هوب" Bradley Hope، أصبح الكثير من مفكري الجيل الجديد الإسلاميين، يعتقدون كونهم التنظيم الأكفأ والأكثر شعبية في المعارضة والرابح الأكبر من أي انفتاح سياسي. وهذا ما عكسته، توجهات وتصريحات قيادات الجماعة في تلك المرحلة .

ففي استراتيجية لتحسين صورتهم أمام الغرب، بدأت جماعة الإخوان بمبادرات للوصول الى الجمهور الغربي والترويج لاعتدال الجماعة؛ فأطلقت الجماعة مبادرة بعنوان "مشروع إعادة تقديم الجماعة للغرب، والتي تضمنت استشارات مستفيضة من خبراء خارجيين. وفي مبادرتهم للإصلاح الداخلي في مصر عام 2004م، أكدت الجماعة على احترام القوانين والمواثيق الدولية . ما يعني ضمنيا آنذاك، استعداد محتمل لقبول كامب ديفيد. وفي مقابلة  مع وكالة "أسوشيتد برس" Associated Press في العام 2005 م، سعى المرشد العام للإخوان المسلمين مهدي عاكف، إلى طمأنة الغرب من أن الجماعة لن تحاول تغيير سياسة مصر الخارجية إذا ما وصلت إلى السلطة بما في ذلك التصريح علنا "نحترم كل الاتفاقيات" (التي وقعتها مصر، مع إسرائيل) وفي العام 2006م؛ يقول شادي حميد أن :"عبدالمنعم أبا الفتوح أخبره "أنه مستعد لقبول حل الدولتين، مع سيادة كاملة لدولة فلسطينية، وكذلك الحال للدولة الإسرائيلية . وكتب خيرت الشاطر بصحيفة الجارديان البريطانية في نوفمبر 2005 م مقالاً بعنوان كما "لا تخافونا " للدفاع عن ديمقراطية الجماعة، وتعريف الغرب بالإخوان" .

وقد ساهم تغيير الخطاب الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين في أن تخطو خطوات كبيرة في الوصول إلي السلطة، من خلال استعمالاتها لمفردات، "مثل: التنمية، والدعوة، والوعظ، ووضع حلول للمشاكل السياسية، والارتكاز على مشروع نهضة، أي أن مشاريع هذه الحركات كانت عبارة عن استجابة لواقع إيجابي، أو مأزوم، أو لمنعطفات تاريخية سياسية".

علي أية حال، فإنه علي الرغم من أن هذه التطمينات تتناقض مع المبادئ المعلنة تاريخياً لجماعة الإخوان المسلمين، وعقيدتهم التي استقطبوا بناءً عليها تأييد الجماهير ودعمها، تحسنت صورة الجماعة نسبياً في وسائل الإعلام الأمريكي، واعتبرت جماعة معتدلة على الرغم من تناقضاتها. وبذلك يكون تفاعل الولايات المتحدة مع الإخوان المسلمين ممكناً لاعتبارات استراتيجية، طالما أن الخلاف خلاف مصالح لا أيديولوجيا، وطالما نبذوا العنف والتزموا بالمعاهدات والمواثيق الدولية؛ حيث لم تعد الخلافات الأيديولوجية والهويات محدداً من محددات السياسات الخارجية الأمريكية، كما كان الحال إبان الحرب الباردة؛ بل ربما يرجع ذلك إلي أن عدائية الولايات المتحدة حيال الإسلاميين سببها مناهضة الحركات الإسلامية للمصالح الأمريكية الاستراتيجية، وليس في المسألة أي عداء ثقافي .

وثمة نقطة جديرة بالإشارة، وهي أنه في يوم 28 يونيو 2007 م اعتمدت وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" سياسة جديدة، ترخص لدبلوماسييها الاتصال الرسمي بالإخوان المسلمين في مصر والعراق وسوريا، وبقية الدول العربية، واشترطت تعليمات رايس لسفرائها، ومساعديها أن تكون البداية هي الاتصال بممثلي الجماعة المنتخبين في البرلمانات، والنقابات المهنية، ثم تمتد الاتصالات لتشمل الزعماء الآخرين للجماعة.

وفي الشهر التالي، أي في يوليو 2007 " نظمت مجلة "نيوزويك" وصحيفة "واشنطن تايمز" لمن أسمتهم بالمعتدلين الإسلاميين، ودام الملتقي أسبوعاً كاملاً، وحضره من هؤلاء المعتدلين، رجلا الدين الشيعي اللبناني الشيخ محمد حسين فضل الله، والزعيم الإخواني الأمريكي من أصل باكستاني "مزمل صديقي"، والسفير الألماني الأسبق في المغرب " مراد هوفمان"، وهو مقرب جداً من جماعة الإخوان، والدكتور طه جابر العلواني من المفكرين المصريين المقربين من الجماعة، والشيخ راشد الغنوشي مؤسس وزعيم حركة النهضة التونسية ( وهي فرع لجماعة الإخوان )، والدكتور طارق رمضان الأستاذ بالجامعات السويسرية والبريطانية، وحفيد الشيخ حسن البنا ونجل الدكتور" سعيد رمضان"، ونشرت وقائع المنتدي، ومقالات لجميع هؤلاء المشاركين لمدة 7 أيام متتالية في المجلة والصحيفة، وكان جوهر المنشور هو أن الجهاد ( أي العنف) في الإسلام لا يشرع إلا لأغراض دفاعية هي مقاومة عدوان خارجي أو طغيان داخلي" .

وبعد ذلك توالت الاجتماعات على نطاقات أضيق، وعلى مستويات أكثر رسمية وخبرة عملية، وكانت كل الاجتماعات العلنية للمنظمات الإسلامية، تدعو مسئولين أمريكيين خاصة من الخارجية، ومكتب التحقيقات الفيدالي، وكانوا يلبون الدعوات بكل سرور، وتجري بالطبع محادثات مهمة على هامشيها .

وبدأ المسلمون الأمريكيون المنخرطون في الارتباط البناء مع الحكومة الفيدارلية يحصدون الثمار، ومعهم بالطبع جماعة الإخوان الأم في مصر، وكانت أولي تلك الثمار تعليمات حكومية أمريكية :" من الخارجية، ومن وزارة الأمن الداخلي، ومن المركز القومي لمكافحة الإرهاب، بوقف استخدام التعبيرات التالية في المكاتبات الرسمية، وفي البيانات العلنية: المتطرفين الإسلاميين، والجهاديين، والمجاهدين، والفاشية الإسلامية، الإرهاب الإسلامي" .

وكان من الضروري إقناع السيناتور الجمهوري "جون ماكين" John McCain بهذه التحولات وجدواها، وكان "منير فريد " أحد قيادات الجمعية الإسلامية لشمال أمريكا، قد أجري أول اتصال " للإخوان بـ"جون ماكين"، واقتنع الرجل في النهاية، وأصبح فيما بعد المدافع الرئيسي في الكونجرس عن الارتباط البناء مع الإخوان المسلمين؛ فقد استطاع هذا الرجل أن يقنع معظم أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بالكونجرس في أوائل عام 2009م، إلي التوصيات التالية :"إعادة تسمية الجماعات الإسلامية – مثل الإخوان بالناشطين الإسلاميين بدلاً من المتطرفين أو الأصوليين، وتصنيف جماعة الإخوان كجماعة تنبذ العنف، ووقف استخدام تعبير الجهاديين لأنه يربط الإسلام بالعنف، وإشراك المسلمين الأمريكيين في الحوار كجسر للتواصل مع العالم الإسلامي " .

وفي هذا العام 2009م، الذي بدأ يتولى الرئيس "باراك أوباما" منصب الرئاسة في العشرين من الشهر الأول فيه أي في شهر يناير، كان من قراراته الأولي تعيين السيدة "داليا مجاهد" مستشارة خاصة، ولم يمر سوي أقل من شهرين على تولي إدارة أوباما الحكم، حتى قبلت وزيرة الخارجية الجديدة السيدة "هيلاري كلينتون" الدعوة لإلقاء الخطاب الرئيسي في مؤتمر مركز دراسات الإسلام والديمقراطية، "وهو إحدي وحدات المعهد الدولي للفكر الإسلامي، ويديره إخواني تونسي هو الدكتور" رضوان المصمودي". وتأسس هذا المركز كمبادرة مشتركة بين المعهد الدولي للفكر الإسلامي، وجامعة جورج تاون، بفضل جهود الدكتور سبوزيتو نفسه " .

وفي الرابع من يونيو عام 2009م ألقى الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" خطاباً القاهرة، دعا لحضوره عشرة من أعضاء كتلة الإخوان المسلمين في البرلمان المصري ، لم تكمن أهمية الخطاب فيما حمل في طياته من دعوة الى إصلاحات ديمقراطية، بقدر ما هو دعوة لمكافحة التطرف العنيف  وضيقه على تنظيم القاعدة والتنظيمات التي تدور في فلكه. فقد أكد أوباما بأن الحرية الدينية "هي في صلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع الإسلام، ولن تكون . كما أن الإسلام ليس جزءا من المشكلة المتعلقة بـمكافحة التطرف، بل هو جزء مهم في تعزيز السلام .كما تعهد أوباما بالدفاع عن حقوق الإنسان والحقوق السياسية في كل مكان .هذا الى جانب ملاحظاته حول الديمقراطية، وتمكين المرأة  في الشرق الأوسط، والتنمية الاقتصادية ".

وفيما يتعلق بدعوة أوباما أعضاء من الإخوان المسلمين إلى الخطاب، فقد تكون دلالاته سياسية، لما حمل الخطاب من رسائل ضمنية حول المبادئ الديمقراطية والقيم الإنسانية وتمكين المرأة والتنمية الاقتصادية والسلام ؛ بمعنى أن إدارة أوباما "وضعت محددات لأي قوة سياسية، حزب، أو نظام حتى يحظى بدعم وتأييد أمريكي. ولكن الباحث "عمرو عمار" في كتابه " الاحتلال المدني"، رأى أن دعوة أوباما للإخوان تدلل على إعلان رسمي عن دعم جماعة الإخوان في مصر، وإعلان غير رسمي من الإدارة الأمريكية بالتخلي عن نظام مبارك، وهو ما يمثل تجليا لخيوط المؤامرة على الشعوب العربية ".

من كل ما سبق يتضح لنا بأن الإدارة الأمريكية التي يرأسها "أوباما"، حين شجعت علي عمليات التحول الديمقراطي، من أجل أن تضع سياستها المتعلقة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، في سياق متسق مع أهداف الاستراتيجية لشعوب المنطقة، إلا إن ذلك تأخر كثيراً، بحيث إن ربيع الثورات العربية، لم يمهل بعض القيادات العربية التقليدية طويلاً، فجاء التغيير سريعاً في تونس ومصر مطلع عام 2011، وفي ليبيا نهاية عام 2011م، وفي اليمن مطلع عام 2012م، بفعل انتفاضات شعبية، وأياً كانت أسماء ساحات الاحتجاجات (ميدان التحرير، دوار اللؤلؤة، شارع الحبيب بورقيبة، ساحة التغيير) فالهدف ظل واحداً، وهو سقوط الأنظمة التي تؤمن بفكرة الدولة الوطنية، سواء كان كلياً عن طريق تغيير شامل للنظام، أو جزئياً عن طريق إدخال بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ليحل محلها أنظمة لا تؤمن بمفهوم الدولة الوطنية. وقد رأت إدارة أوباما أن خير من يقوم بهذه المهمة "جماعة الإخوان المسلمين"؛ فهم أجدر من ينفذ مشروع تفتيت الوطن العربي، ومشروع الشرق الأوسط الكبير، والفوضي الخلاقة، من خلال تبنيهم كذباً وزوراً شعارات " الإسلام هو الحل"، والإسلام منهم برئ.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم