صحيفة المثقف

حول اوامر الله ومأزق يوثيفرو

حاتم حميد محسنحديث يوثيفرو مع سقراط كان حول واحدة من أهم القضايا الفلسفية التي تتعلق بالسؤال حول الأفعال الخيّرة اخلاقيا، وهل ان الله أرادها لأنها خيّرة بطبيعتها، ام انها خيّرة لأن الله أرادها؟ المسألة هنا مرتبطة بالأخلاق الدينية . اذا كان الشيء جيدا فقط لأن الله يقول انه جيد، عندئذ فان الله سيكون بإمكانه قول أي شيء، وسيُعتبر جيدا وهنا سيكون الامر اعتباطيا. اما اذا كان الله يأمر بفعل الشيء لأنه خيّر، فسوف لن يعد معيارا للخيرية وسيكون تحت رحمة معيار خارجي. غير ان هناك خيار ثالث وهو ان الناس ذوي الايمان يؤكدون على سيادة الله وخيريته الأصلية. هذا الخيار لن يسمح بأي معيار موجود خارج الله او فوقه. سنحاول توضيح المضامين الفلسفية لكل من الخيارات الثلاثة.

الخيار الأول:

ويسمى نظرية الأوامر الالهية. ويقوم على ان ما هو أخلاقي وغير أخلاقي انما اُمر به من الله. الله هو الأساس في نظامنا الاخلاقي وان مصدر الأخلاق هو الانجيل. حتى لو كنا لا نعرف حقا منْ كتب الانجيل فان الاخلاق التي يجب اتباعها تأتي فقط من مصدر واحد وهو الله. فائدة نظرية الأوامر الالهية انها مبسطة، عندما يكون لديك سؤال حول الأخلاقي وغير الأخلاقي فما عليك الا بالرجوع الى الكتاب. العديد من القواعد الاخلاقية في الانجيل يمكن إعتبارها خارج الموضة وانها كُتبت منذ الاف السنين.

جاء في الوصايا الدينية ان على المرأة ان تتجنب استعمال الضفائر، ولازال العديد من المسيحيين يعتقدون ان الوصايا العشر هي صحيحة وان العديد من هذه الامثلة حول الاخلاقي وغير الاخلاقي موجودة في الانجيل. مع نظرية الاوامر الالهية نأتي الى المازق الحقيقي ليوثيفرو.

مأزق يوثيفرو ورد في كتاب لإفلاطون، حيث جرى امام المحكمة نقاشا بين سقراط ويوثيوفرو حول سبب وجودهما هناك. سقراط كان متهما بافساد شباب اثينا، اما يوثيفرو كان حاضرا هناك لمعاقبة والده حول جريمة قتل. سقراط شعر بالصدمة عند سماعه يوثيفرو يوجّه تهمة القتل لوالده، وبعد ذلك يستمر النقاش في الاخلاق. يوثيفرو متأكد انه يعمل الشيء الصحيح لأن الآلهة أمرت به. سقراط يسأل سؤالا "هل الافعال الصحيحة صحيحة لأن الله امر بها ام ان الافعال الصحيحة امر بها الله لأنها صحيحة؟ هذا هو ما عرف بمأزق يوثيوفرو.

ان الخيار الاول يؤكد على ان الافعال الصحيحة هي صحيحة لأن الله أمر بها. في هذا المأزق نحن نقبل ان اوامر الله وحدها هي من يجعل الافعال صحيحة. الاخلاق المرتكزة على الخيار الاول قد تصبح مختلفة اعتمادا على الكيفية التي يشعر بها الله في ذلك اليوم. ربما امر الهي يجعل كل شيء مؤلما وغير انساني، ومع ذلك تبقى تلك الافعال جيدة. لو تصوّرنا مثلا ان الوصايا العشر جاءت معاكسة تماما لما نقوم به اليوم، وان الله يأمر بالافعال الاخلاقية وغير الاخلاقية فقط بإصدار قول بشأنها الا يعني ذلك نوعا من الفوضى الاخلاقية؟

الخيار الثاني

 اذا كانت الافعال الصحيحة التي أمر بها الله هي جيدة بسبب انها جيدة، هذا يعني ان شيئا ما خارج الله هو الذي يخبره ما هو الصحيح وما هو الخطأ. القضية التي تبرز هنا هي ان الله لم يخلق القواعد الاخلاقية، وانما هناك شيء آخر قام بذلك، وهناك اشياء لايستطيع الله ان يأمر بها، واذا كانت عقيدتنا ان الله خلق كل شيء، سيكون من الصعب القبول بهذا الخيار. الآن وبعد ان ناقشنا وقارنّا بين نظرية الاوامر الالهية ومأزق يوثيوفرو سنناقش دور السيادة الالهية في هذه المشكلة الفلسفية.

الخيار الثالث

بعض الناس طرح خيارا ثالثا و هو فكرة ان الله هو الخيرية. الله لايرغب عشوائيا بما هو خير، لذلك فان الخيرية تنطلق من جوهر الله. نحن قد نستعمل العقل لإكتشاف جوهر الله، والذي هو الحقيقة والخيرية. فمثلا، اذا قلنا ان قوانين اينشتاين هي صحيحة، فنحن عندما نكتشف عقلانيا مثل هذه القوانين، انما نكتشف جوهر ذهن الله. كذلك، عندما نكتشف ان العبودية سيئة، نحن نكتشف الجوهر الاخلاقي لله. باختصار، الله لايرغب الخيرية عشوائيا كما في الخيار الاول والثاني، وانما الله هو الخيرية، لذا فان الخيرية تنطلق من جوهر الله.

من المؤسف ان هذا الخيار يقع في نفس المأزق. لننظر في السؤال "هل الله يختار خيريته؟" بعض الناس يقول ان الله هو كلي القدرة (قادر على كل شيء) ولذا هو يستطيع اختيار جوهره. اذا كان هذا صحيحا، عندئذ فان الله يمكنه اختيار جوهرا مختلفا. لكن هذا يقود الى نفس المأزق. هل ان شيئا آخرا هو الذي يصنع جوهر الله ام ان الله يختار جوهره؟ المشكلة في هذا الخيار هي ان الله يمكنه اختيار اي جوهر، كما في حالة اختيار قتل الاطفال لغرض المتعة . اما اذا كان الله لم يختر جوهره، عندئذ فان شيئا مستقلا عن الله اختار له ذلك الجوهر. في هذه الحالة، يكون جوهر الله والخيرية مستقلين عن الله وسيصبح ابا جيدا او انسانا وسيطا بدلا من ان يكون مصدر الخيرية. باختصار، الخيار الثالث سينهار ويسقط في أحد الخيارين الاولين. سقراط عرض فقط الخيارين الاولين ولم يعالج الخيار الثالث طالما ينتهي الى الفشل .

 

حاتم حميد محسن

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم