صحيفة المثقف

شعر الدارمي.. بين ما قيل عنه وما يُقال

ناهض الخياطظلّ شعر الدارمي مثار اهتمام الباحثين في الشعر الشعبي العراقي، لمعرفة مكان انطلاقته، وأسباب تسميته . وقد شارك الشاعر الشعبي (حامد اكعيد الجبوري) بهذا الاهتمام بمقالة نشرها في جريدة (طريق الشعب) بعددها 165، وأعاد نشرها في (مركز النور الثقافي في شهر مايس \ 2020 .

ومما قاله في مقالته: (الدارمي أو غزل البنات من الألوان المحببة في الشعر الشعبي العراقي . ووزنه (المجتث): مستفعلن فعلان مستفعلاتن .. أو تأتي مستفعلاتان بدل مستفعلاتن .

وسمي الدارمي، وكما يزعمون: إن أول من قاله شابة من (بني دارم)، وهم بطن من بطون (تميم) . فنُسِب اسم الشعر الدارمي لهم .

ويورد (الجبوري) رأي الدكتور (هاشم العقابي) فيه: (إن شعر الدارمي وجِد له جذر بلقى رقُم طينية في طلول مدينة (بابل) التاريخية .

ويشير (الجبوري)، أيضا، إلى الباحث الآثاري الحلي (طه باقر) في هذا الأمر، وعثوره في الشعر البابلي على ما يحاكي وزن الشعر الدارمي عندنا .

ويقول (الجبوري): وأجد أن الدارمي يصح أن نطلق عليه شعر الومضة التي شاعت كثيرا هذه الأيام .)

ومثّلَ (الشاعر الجبوري) من نظمه نموذجا لهذا الشعر: سندس زهر ليمون لو ياسمينه

النحل ما ينلام من يمر بينه

وذكر نماذج آخرى للدارمي من الشائع في تراث غنائنا، ومنها:

ربي استر اعله هواي من ممشه الغروب

زغير واخاف عليه ما ساحك دروب

بعد اطلاعي على مقالة الشاعر الشعبي (حامد الجبوري)، وما طرحه من الآراء حول تسمية الشعر الدارمي عندنا، وجدتُ أن الباحثين فيه، لم

يقدموا لنا مثالا واحدا لهذا النوع من الشعر بلغته وببنيته الخاصة به في ما جاء لنا من شعراء (دارم) آنذاك، وفي أولهم الشاعر (مسكين الدارمي) الذي لم يترك لنا غير الشعر العمودي الفصيح .

كما لم يكلّفوا أنفسهم في البحث عن المعنى الدلالي لكلمة (دارم) التي نسبوا هذا النمط الشعري لها !

وحين فتحَ (المعجم الوسيط) صفحاته لي، وجدت فيها ما يحقق غايتي، فرأيت في معنى (دَرَمَ) و(دارم) معا ما يوضح لنا السبب في تسمية هذا البيت الغنائي عندنا . وقد وردتا فيه كما يأتي:

1: (دَرَمَتِ الأرنبُ والفأرةُ والقنفذ .. دَرْما ًودَرَمانا ً: قاربتِ الخطوَ في عجَلة . ويُقال .. دَرِمَ الصبيُ والشيخُ: مشى مِشية َ الأرنب والقنفذ ونحوهما .

2: (الدارم): شجر شبيه بالغضى تستاك النساء به، فيُحمّرُ لثاتهن

تحميرا ً شديدا ً) .

في المعنى الأول لها: تقارُبُ الخطو في عجَلة كتفعيلة (وزن المجتث): (مستفعلن فعْلان مستفعلاتن) .

وفي المعنى الثاني: (سواك لفم النساء) .

وهنا تأخذنا كلمة (الدارم) إلى كلمة (الديرم)، وهي لفظة شعبية تٌطلق على قشور نباتية كقشور الغضا، بحمرة داكنة، تستعملها النساء من أجيال سابقة، لتحمير شفاههن، وهو خاص بهن كما الشعر الدارمي بخصوصيته للعاشقات !

وفي هاتين الكلمتين نرى، كيف تعاضدت الدلالتان معا على تسمية هذا النمط المائز ببنيته ومعانيه، بتسميته (بشعر الدارمي) أو {غزل البنات}.

 

* ناهض الخياط

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم