صحيفة المثقف

كيف نقرأ استطلاعات الرأي في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020

محمود محمد عليتشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 المقرر إجراؤها يوم الثلاثاء 3 نوفمبر من عام 2020 اهتماما ً كبيراً ؛ حيث تمثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية الـ 59 التي تجرى كل أربع سنوات. سيختار الناخبون ناخبين رئاسيين، سيقومون بدورهم بانتخاب رئيس جديد ونائب رئيس جديد من خلال الدائرة الانتخابية أو إعادة انتخاب المرشحين المنتهية ولايتهم. وعملية الترشيح هذه هي أيضا انتخابات غير مباشرة حيث يدلي الناخبون بأصواتهم باختيار مجموعة من المندوبين لمؤتمر ترشيح الحزب السياسي الذي سينتخب بعد ذلك بدوره مرشح حزبه للرئاسة، وستُجرى الانتخابات الرئاسية بالتزامن مع انتخابات مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، ضمن عدة انتخابات على مستوى الولايات وعلى المستوى المحلي.

وهنا يمكننا القول بأن هناك جوانب فنية معقدة لهذه الانتخابات، لكن يوجد اعتقاد عند البعض بأن انتخابات الرئيس الأمريكي، هو انتخاب حر مباشر، وهو في الحقيقة ليس انتخاب حر مباشر، وإنما جزء كبير منه ليس انتخاباً مباشراً، وإنما تنتخب من ينتخب، هذا الإطار المعقد هو ليس البسيط في ديمقراطيات أخري، وهو صوت لكل مواطن يذهب ليصوت لمن يرغب أن ينتخبه، والأمر الثاني في هذه الانتخابات هي أنها تستغرق مدة طويلة، لكنها هذا العام استثنائاً قد تأخذ مدة أطول، نتيجة أنه يوجد تصويت بالبريد، وهذا يمثل إطار فني جديد مستحدث وغير مسبوق، وبالتالي لجأوا إلي هذه الوسيلة لمن لم يستطع الذهاب إلي أماكن الاقتراع، والأمر الثالث أنه يوجد منذ البداية وهو أول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أن الرئيس الأمريكي رقم 45 توجد أزمات في التصويت عليه، حيث كانت أمريكا خلال الـ 44 رئيس سابق لا توجد أزمات، أما الآن فإن الرئيس ترامب يمثل أول رئيس أمريكي توجد أزمات في بقاءه أو خروجه من الانتخابات : هل يبقي أم يغادر لصالح بايدن ؟ .. فالرئيس الخامس والأربعين هو وجوده أو خروجه الأكثر خطورة وحساسية في تاريخ الانتخابات الأمريكية .

في الأسبوع الماضي وجدنا الرئيس الأمريكي السابق " أوباما" عندما خرج علي شاشات التلفار أكد علي كلمة مهمة، وهو أنه حض الديمقراطيون علي أن يجعلوا الفارق بينهم وبين الجمهورين كبير إلي الحد الذي لا يتم اللجوء فيه إلي المحكمة الدستورية ويحدث تقاضي من قبل ترامب والجمهوريين .

وبالتالي فإن هذه الانتخابات أصلاً هي معقدة، ويضاف إلي هذا التعقيد جائحة كورونا، ويضاف إليها انتخابات عبر البريد، ويضاف إليها أيضا تشكيك الرئيس ترامب الذي يمكن أن يلجأ إلي القضاء ليعطل وصول الرئيس الجديد إلي البيت الأبيض؟

والسؤال الآن : كيف نقرأ استطلاعات الرأي طبقا لما أشارت إليها صحيفة الجاردن والتي تؤكد أن هناك أكثر من أربعين مليون أمريكي شاركوا في الانتخابات المبكرة، وأن 20% منهم كانوا علي قاعدة بيانات في عام 2016 لم يشاركوا في الانتخابات، ولكن هذه المرة يشاركون عن بكرة أبيهم، علاوة علي أن ولاية "تاكسس" كانت الأعلي مشاركة في الانتخابات حتي كتابة هذا المقال، وهو أكثر من نصف العدد الذي كان موجوداً في عام 2016، كما أن نسبة الديمقراطيين المشاركين في العملية الانتخابية أكثر حتي الآن من ذي قبل .. فهل تمثل هذه الأرقام واستطلاعات الرأي بحيث تصب في اتجاه بايدن، وبالتالي يتم الاعتماد عليها كرؤية للنتائج المتوقعة خلال أيام قليلة ؟

والإجابة تتمثل أنه كما هو واضح من استطلاعات الرأي السالفة الذكر، والتي تشير بايدن ولكن ليس هو التقدم الكبير والفارق في الأصوات، وإنما الكثيرون من الإعلاميين يتحدثون عن أنه فيما قبل استطلاعات الرأي لم تكن صحيحة، والكل قد توقع من قبل أن " هيلاري كلينتون" هو الفائزة ولكن فاز ترامب، وبالتالي فإن هذا يمتد إلي عدم الثقة في استطلاعات الرأي 2020م، وهنا يمكن القول بأن استطلاعات الرأي في الماضي في معظم أوقاتها كانت صحيحة، ولكن هناك مرتان كان هناك سقوط مدوي في الرأي، وذلك حين فاز الرئيس " ترومان"، حيث كان الكل يتوقع أن خصم ترومان سوف ينجح لكن نجح ترومان، وهيلاري كلينتون ثم نجح ترامب .. ترامب وترومان كلاهما اللذين شهدت انتخاباتهما فشلا ذريعا في التوقع بنتائج الانتخابات .. والأمر الثاني في عام 2016 لم تفشل كل المؤسسات في التوقعات لكن كانت هناك إحدي المؤسسات القوية من قبل الجمهوريين توقعت مجيئ ترامب إلي سدة الحكم .

فالبعض يشير إلي أن أغلب المؤسسات قالت بفوز هيلاري كلينتون في توقعاتها، وبالتالي يوجد في التوقعات خللاً إحصائياً حدث في عام 2016، وهو أن هناك كتلة من البيض غير المتعلمين عندما قامت استطلاعات الرأي بعمل عينات من هؤلاء لم يأخذوا عينة ممثلة بشكل دقيق لهؤلاء البيض غير المتعلمين؛ بمعني أنهم كانوا من ذي قبل يأخذون عينات من جماعات من أصول إفريقية وأوربية وأسيوية أشبه بتكوين في أخذ عينة ممثلة لتيارات وقوي المجتمع . وهنا نجد أن الخطأ الذي ارتكبته استطلاعات الرأي في عام 2016 وهو أن تلك الاستطلاعات لم تعر جانبا لحيثية كبيرة ولا وزن كبير للبيض غير المتعلمين، حيث أنهم لم يكن تأثيرا من ذي قبل، وهنا حدثت المفاجأة في 2020 في أن هؤلاء البيض قاموا بالتصويت، وبالتالي أفشلوا كل عينات استطلاعات الرأي السابقة التي تم أخذها .

الآن ولأول مرة نتوقع أن عدد كبير من البيض الأمريكيين أن يشارك في الانتخابات الأمريكية نتيجة الاستقطاب الايديولوجي الذي كان غائبا قبل مجيئ ترامب في 2016، حيث لأول مرة تشهد الولايات المتحدة الأمريكية انقسام فكري وعقلي عقائدي في أمريكي.

وبالتالي سنجد حزب الكنبة الأمريكي سيخرج عن بكرة أبيه ليشارك في العملية الانتخابية بسبب هذا الاستقطاب الأيديولوجي ليصوت إما لصالح ترامب أو لصالح بايدين، وهنا سنجد أن التوقعات ستكون في منتهي الصعوبة ؛ لاسيما وأن الفارق بين بايدن وترامب حتي لحظة كتابة المقال من خلال المناظرة الأخيرة بينهما هو فارق قليل، وطبقا لعلم الاحصاء، فإن الإنحراف المحتمل في النتائج هو الذي أدي لهذا الفارق، وبالتالي لا يوجد أحد يتوقع عما إذا كان بايدين سيفوز في الانتخابات أم لا، وإنما المؤشرات الأكثر تصب في هذا الاتجاه.

وثمة نقطة مهمة وضرورية نود أن نشير إليها إلي عزيزي القارئ وهو أن هناك في العملية الانتخابية يوجد ما يسمي بالتصويت الشعبي الطبيعي من خلال ذهاب الناس لكي تدلي بأصواتها، ثم يأتي بعد ذلك المجمع الانتخابي، والذي يمثل كل الولايات الأمريكية بالوزن النسبي وفقاً لعدد السكان، وفي كل الولايات فيما عدا ولايتين بالنسبة للمجمع الانتخابي إذا فاز مرشح بعدد أصوات أكثر في ولاية يحصل علي كل الأصوات في تلك الولاية، وبالتالي فإن المجمع الانتخابي يوجد به 583 مقعد، وأن من يحصل علي 270 صوت هو الذي يعتبر فائزا في انتخابات الرئاسة الأمريكية .

قصدت أن أنبه القارئ الكريم لهذه المعلومة كي أنتقل إلي للحديث عن الوزن الموجود للكتل المختلفة في العملية التصويتية في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تكون لها علاقة سواء بالأمريكان البيض أو ذوي البشرة السمراء، أو التي لها علاقة بالبعد الديني سواء بالنسبة للمسيحيين أو اليهود.

وهنا نتساءل هذا السؤال : بالنسبة للكتل التصويتية تتمثل في من هؤلاء المشار إليهم : هل في الأمريكيين البيض أو ذوي البشرة السمراء ؟ .. أم في المسيحيين أو اليهود؟

والإجابة علي هذا السؤال يمكن القول بأنه لو رجعنا للتاريخ سنجد أن مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية حسب ما يعتقد " هينتجتون" وغيره، مستقبل أسباني، أي ذوي الأصول الأسبانية في المستقبل هم الأغلبية، وبالتالي لم تصبح أمريكا فيما عليه الآن أنجلو – ساكسون، وإنما ستكون في المستقبل أمريكا الإسبانية، علاوة علي الوافدين من المكسيك أو أمريكا الجنوبية فهؤلاء علي مر الوقت يزدادون بقوة، وفي جزء أمريكا الإفريقية، وإنما الجزء الديني لا يمثل الحجم الأكبر، وبالتالي الكتلة الأكبر كما قلنا تتمثل في الكتلة الإسبانية وهي ذات خلفية كاثوليكية، وإنما في كل الأحوال في هذا السياق الموجود فإن الكل يلجأ إلي أي طريق ليخاطب ذوي الأصول الإسبانية ويقول كلاما إيجابيا لصالحهم.

وهنا يتم اللجوء إلي المشاهير لمخاطبة أصحاب تلك الأصول، وهذا التوجه لجأ إليه الجمهوريون ؛ فعلي سبيل المثال رونالد ريجان ( الممثل الأمريكي الشهير) والذي أصبح فيما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن تأثير المشاهير مهم جدا ، والكل يحاول أن يلجأ بالمشاهير من السياسيين أو من الفنانين، أو من رجال الدين، وذلك بهدف توجيه مريديهم أو عشاقهم للشحن التصويتي .

عموماً، تظل الانتخابات الرئاسية الأمريكية من أمتع ما يمكن متابعته ومشاهدته مرة كل أربع سنوات؛ ففى كل مرة يبهر الأمريكيون العالم، لا سيما الجزء الذى نقبع فيه. فالمناظرات الملتهبة والسباقات المشتعلة وحملات المرشحين وما يتعلق بها من كود ملابس مخطط مسبقاً، وتنسيق مشاهد محكم، واختيار الأشخاص الذين يظهرون فى خلفية التصوير بحنكة وحكمة بالغتين، ناهيك عن الشعارات المبهرة، التى ينقلها بعضنا «نقل مسطرة» بعد تعريبها أو تمصيرها مع إضافة «التاتش» الخاص بنا بالطبع، وغيرها كثير من عناصر بالغة الإثارة والتسلية؛ بالإضافة إلى التسلية، فإن جانباً من أثيرنا كما تقول أمينة خيري يتم ملؤه بتحليلاتنا العميقة عن الانتخابات والرؤساء وأسس الديمقراطية وما يجب أن يفعله الأمريكيون وما لا يجب أن يفعلوه، وذلك فى ضوء حكمتنا وخبرتنا ورؤيتنا العميقة والسديدة.

علي كل حال ننتصر ما تسفر عنه نتيجة الانتخابات الأمريكية في الرابع من نوفمبر القادم، واعتقد أن ترامب هو الفائز بها ..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

....................

المراجع

1- مساء dmc - أحمد المسلماني يحلل الدين والسياسة في الانتخابات الأمريكية ( يوتيوب).

2-الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 – ويكبيديا الموسوعة الحرة.

3- أمينة خيري : نظرة عربية للانتخابات الأمريكية (مقال)..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم