صحيفة المثقف

الكِبَارُ يَكْذِبُونْ..

علجية عيشالكذب ظاهرة اجتماعية متفشية، تولدت في نفوس البعض من ضعاف الشخصية والمرضى نفسيا، أو الذين لا يعانون من اي مرض عضوي أو نفسي ولكن النفاق تَمَلَكَّهُمْ لتحقيق غاية ما، كلٌّ ودوافعه التي يبني عليها حجته، تجرد الإنسان من كل القيم الإنسانية من أجل "المصلحة"، وأصبح المجتمع موبوء ومريض، يقول أحد المفكرين التنويريين أن الكذب مؤسسة اجتماعية قائمة بذاتها، الأغلبية من الناس يكذبون، الأب يكذب على أولاده وكذلك الأم، الصديق يكذب على صديقه، الجار يكذب على جاره، الراعي يكذب على رعيته، والمُشَرِّعُ يكذب على الشعب، المعلم يكذب على تلامذته، والمسؤول المحلي يكذب على المواطنين، يخادع ويماطل ولا يقوم بواجبه، السكرتير يكذب، والحارس يكذب، التاجر يكذب ويغش في الميزان، الإمام يكذب أحيانا على المصلين لأنه يتكلم بلسان السلطة لا بشرع الله، من أجل أن يدفع بهم لإنتخاب مرشح ما، وعن طريقهم يمرر مشروع ما، والكاتب أيضا يكذب أحيانا على قرائه، ينشر لهم ما لا علاقة له بالواقع، هذا ما تجلىَّ لنا، وفي كل هذا وذاك، الكذاب خائن لا يؤتمن عليه.

الكذابون أو الكَذَبَة كُثُرْ وهم "مبدعون"، يبتكرون الكِذْبَةَ ويرددونها حتى تتحول إلى حقيقة، يؤمن بها الناس، الكذاب يتراءى لك بالخير والصلاح حتى تطمئن له، ومن ثم ينال مأربه ويحقق مطلبه، والكذابون لا يخدعونك بالكلام فقط بل حتى بابتسامة تبدو أنها بريئة، ومن هذا المنطلق وجب ان نطرح السؤال التالي: هل الكذب حالة تولد مع الإنسان أم هو مكتسب؟، ومتى يبدأ الطفل الكذب؟ ومن وراء تعلمه الكذب؟ هذا الطفل الذي نشأ في أسرة جعلت من الكذب قيمة إنسانية تعيش بـ: "الهف" وتشبع بما يحيطه وتاثر به، لماذا نعاقب الصغار على كذبهم ونحن نرى الكبار يكذبون؟ هو سؤال موجه للمختصين في علم الإجتماعي التربوي وعلم النفس، ليسلطوا الضوء على هذه الظاهرة التي أفسدت المجتمع وأطاحت بأنظمة وحضارات، يحاول البعض أن يبرر كذبنه بأنها كذبة بيضاء.

الواقع هو أنه لا توجد كذبة بيضاء وأخرى سوداء، أو كذبة ملوّنة، يتلون فيها الكذّاب كالحرباء كلما حلت مناسبة ما، ستمعت إلى كثير من الناس وجدتهم يكذبون، وكان الكذب مرسوم في عيونهم، وهم يتلعثمون في الكلام، يحاولون تصوير الأشياء بصورة مثالية، والكذابون طبعا أنواع، فهناك الكذاب الذي يشكف نفسه من الوهلة الأولى، وهناك الكذاب الذي يخادع و يراوغ ويستمر في مراوغته، ولكن أخطرهم أولئك الذين يرتدون ثوب الإستقامة، فهذا يرتدي رداء التديّن، وذاك يضع ربطة عنق ويحمل في يده حقيبة دبلوماسية، وآخر يمشي وخلفه حراس مسلحون، الغريب أن عامة الناس تصدق الإنسان الكاذب أو الكذاب، ولا يراعون من يكون صادقا في كلامه، الأول يعرف كيف ينمق كلامه بأسلوب خبيث مخادع، والثاني جريئ صريح ولا ينافق، الشخص الأول (الكاذب) لا يمكنه أن يأتي بشيئ قد يفيد المجتمع، لأنه يعتمد على الدعاية المزيفة، ويُسَوِّقُ الأكاذيب، ولأن "التبعيون" نفخوه كما ينفخ البالون، أعطوه حجما أكبر من حجمه، رفعوه إلى منزلة لا يستحقها فباعوا أنفسهم وهم لا يشعرون. 

في الحياة إثنان فقط يجوز لهم الكذب، الطبيب حين يكذب على مريضه كي لا يجعله يقلق أو يدفعه إلى الإنتحار عندما يكون في حالة ميئوس منها، والكذب في وقت الحروب، ونقف هنا مع أحد المفكرين التنويريين وهو المفكر السوري ندرة اليازجي، فقد تحدث عن الكذب ومن هم الكذابون (الكَذَبَة)، وقال أن الكذب عامل من أهم عوامل تقويض الحضارة وتهديم عرش الفضيلة، فالكذب يؤدي إلى تحقير الشخصية الإنسانية، ويزرع الشك في الناس، فلا يصدق الواحد منّا الآخر، والكذابون ممثلون بارعون، يؤلفون لك مسرحية وهمية صامتة وعلى خشبة المسرح يمررونها أمام أناس لا يفقهون (صمٌّ بكمٌ عميٌ) أو أناس جبناء، المشكلة فينا نحن طبعا ونتحمل مسؤولية ما نبتلعه من كذب، لأننا نرى بعض الناس يحدثوننا بأشياء وهمية كاذبة ولكننا نوافقهم، وقد نندفع مع أكاذيبهم لنُشِيدَ بهم ونضعهم في مرتبة الأنبياء أو الآلهة، هو الصراع الذي يشل المجتمع ويقضي على كل القيم النبيلة لأن نزعة المال والجاه لعبت دورا كبيرا في حياتنا، وأصبح البريئ متهما والمجرم حر طليق.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم