صحيفة المثقف

بلاغة ترسيم الصورة في قصائد ملحمة التكتك ليحيى السماوي

محمد يونس محمدروح ترسيم الصورة

الشعر يسعى وظيفيا الى تمثيل مشاعر واحاسيس او ايحاء عن الواقع، لكن روح الشاعر في الوعي تكون أشبه بفارس همام في المفردات الشعرية، ويسعى في الصورة الشعرية أن ينتصر للمعنى الحبيس يحرره ليجعله يكون علامة الحرية، والشاعر دائما يبحث عن واقع مختلف غير مستهلك، ويهدف الشاعر الى اعادة تفسير الوجود هنا عبر احساسه الشعري، وفي توصيف يعتبر روح ترسيم الصورة، وهذا يعني أن الشعر عالم مختلف، وفي تفسيره يكون الا ذاتاً شعرية مغامرة في اللغة برشاقة وبإيحاء يهتم بالمعاني المختلفة، او بالتي من التعبيرات تحرك المشاعر تجاه معنى مكتسب من فكرة جدلية، وفي نصوص ملحمة التكتك ليحيى السماوي هناك عدة جمل شعرية تؤكد المقصد، حيث لن تجد قصيدة بلا ذلك القصد، وقد تمكن الشاعر من تقطيع مفردات ويعيد بناء المفردات، وليس ذلك من اجل ايدلوجيا خاصة او عامة، بل من اجل المعنى الحياتي الذي ذبل، وفي قصيدة – صهوة – يهتم الشاعر بكسر سياق اللغة التاريخية، وفنيا يعيد بناء صورة تاريخية بعد رسمها من جديد كي توافق حقيقة معنوية:

اياك أن تركب يوما

فرس الحجاجْ

..

إن كان لابد من الركوبِ

فاركبْ

صهوة الحلاجْ

إن تلك الروح سعت الى اعادة انتاج التاريخ شعريا، وتلك الجمل الشعرية دل لنا أن ترسيم الصورة في القصائد قد تقلب من اجل معنى مهم، وهذا المقطع الشعري دل لنا على هدف الروح الشعرية الذي لا يرفع لافتة الاحتجاج، بل جعلها في الجمل الشعرية يبدو مقصدها، وخصوصا في قلب المعنى الشعري، وفي قصيدة – انتخاب – قدر الشاعر تفسير الشعر أن يكون بضمير حر، وشعور انساني اعمق مما تشعر به الذات، حيث هنا يصل الشاعر أن يكون معادلا لنصه الشعري، وتكون الروح بترسيم حر لا يحدده الا القيمة الجمالية  :

نحن

لسنا سقراط

فلماذا شربنا

سم الحبر البنفسجي

من تلقاء

اصابعنا

تلك القصيدة التي اختصرت نفسها من اجل أن يبقى المعنى الشعري كما سعى اليه الشاعر، واختصار كيان القصيدة زاد من قيمة المعنى، وكما أن موسيقى القهر الشعرية رغم ألم ايقاعها انت بادية بوضوح، وهي تعادل معنويا لافتة الاحتجاج، كما نقر هنا رغم الألم كانت مشاعر كيان القصيدة تسعى الى عدم الانتحار النفسي الذي عاشه سقراط بشجاعة، بل الى التضحية والشهادة لدخول مدار الحرية التامة الذي اختطه الحسين في كربلاء، وفي قصيدة – ماقاله النهر والقوس – والتي من اشهارية العنونة تشير لنا على وجود تلفظ قولي، اي هناك وحدة صوتية، لكن تلك الوحدة الصوتية في الشعر تجاوزت تحديد لفظ الصوت بشريا، ففي الشعر النهر والقوس ايضا يمتلكان طاقة صوتية:

قال لي النهر

كن مثلي

فأنا حين اسير

لا ألتفت الى الوراء

قال القوس

كن مثل سهمي

لا ينطلق

الا الى الامام

شكلت الصوتية الشعرية انفراج المعنى عن السياقية، وقد جعله البناء الشعري يكتسب من فلسفة النهر والقوس أفكاراً مهمة، خصوصا في المواقف وتأكيد وجود لافتة الاحتجاج خصوصا في ترسيم المعنى المختلف .

مبادرة البلاغة –

شكل محور قصائد – ملحمة التكتك – مبادرات في الكتابة الشعرية الى تفسير معنى مهم ليس شخصيا او ذاتيا، بل معنى يجتمع به كل الذي يسعى يبني الحياة، وتلك المبادرات الشعرية قدمت امثلتها في القصائد دون تزويق، بل اعتمدت على الحس الشعري القريب جدا من المعنى الحياتي، واستفادت المبادرات من اللغة الشعرية كثيرا كي ترسم صوراً تعتمد  على البلاغة الشعرية من جهة، ومن جهة اخرى على التناص الشعري، فنجد نفس البلاغة واضحا في اولى القصائد، فقصيدة – جلالة الخليفة – اعتمدت على الوعي الشعري في رسم صور جديرة قيميا  :

ما الفائدة من رسمك للرعية

قوس قزح

اذا كنت ستطفىء خضرة الحقول

وصفرة السنابل

وزرقة لسماء

وحمرة الشفق

وبياض الصباح؟

تميز هذا المقطع الشعري بكثافة لونية زادت من قيمة الجمل الشعرية، وبدت القصيدة كما لوحة من جهة هناك بعد للكفاح في الحياة، وهناك بعد اخر معتم ويجعل المستوى البصري لا ينجذب اليه، بل على العكس، وفي المقطع رغم الشعور القهري لكن هناك احساس بوحدة الجمال التي تعكسها الالوان، وفي قصيدة بلاغة شعرية اخرى نجد أن قصيدة – تماثل – قد اعتمدت على وحدة عضوية لكن مهدت لها أن تكون تناصية في الجمل الشعرية، حيث كان الخشب وحدة تناص قد بدت في الجمل الشعرية بامتياز يعكس بلاغة مبادرة :

قبقاب الحمام وكرسي الخليفة

خشبهما من شجرة واحدة

كذلك سرير الامبراطور

وتابوت الشحاذ

بدت الجمل الشعرية جميعا تشترك تناصيا في مفردة – الخشب – حيث أن القبقاب والكرسي والسرير والتابوت تلزمها الوحدة التناصية في الاتفاق كأنها اجزاء خشب متعددة التوصيفات، وهنا توجد بلاغة في تأكيد الاشتراك الوظيفي، وفي قصيدة – ما قاله العصفور- هناك مبادرة الى البلاغة الموضوعية، والتي شعريا تبدو كما مذهب فلسفي مشوف الطلاسم  :

قال العصفور

أن يكون المرء سنبلة تنبت

في الارض

خير له من أن يكون

حقلا شاسعا

في صورة معلقة  على جدار

قدمت تجربة الشاعر يحيى السماوي في قصائد – ملحمة التكتك – خطابها الشعري المستحدث والمعاصر، والذي كان اشبه بلافتة احتجاج بليغة وبمشاعر سامية على الموقف الايدلوجي، وكما صاغ لنا جملا شعرية بليغة في البناء وانتاج المعنى الحر وليس الحبيس سياقيا، فكان المعنى يضج بالاختلاف والتجدد .

 

محمد يونس محمد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم