صحيفة المثقف

أشياء من النقد والترجمة.. وأشياء أخرى من النقد والنقد الذاتي

قلولي بن ساعدنبه المفكر التونسي أبويعرب المرزوقي في كتابه "أشياء من النقد والترجمة" منشورات دار جداول 2012 إلى تفشي ظاهرة في ساحة الفكر العربي وهي ظاهرة الإدعاء بأنه لدينا في العالم العربي مشاريع نقدية عربية قادرة على تحرير الجماهير العريضة من "الوعي الزائف" ومن الجهل و"الجهل المقدس" بتعبير أوليفييه روا ومما نعاني من تخلف على كافة الأصعدة وقال بصريح العبارة:

"لقد صارت أكثر الكلمات مدعاة للتقززعندي هي كلمات من جنس المشروع الفكري ودور ومسؤؤولية المثقف ورؤى الفيلسوف وغيرها".

وهي كلمات يقول المرزوقي أنه لا معنى لها واقعيا ويعتبرها قد "تحولت بكل أسف إلى معيار رديء للنجاح في الوسط السياسي والإعلامي" أي المجال الذي حدده "بمنطق الشللية والفئوية سلطان كل سلطان" .

لذلك فنجومية الفكر في نظره " لادور فيها للوسط الأكاديمي ومجال بحثه للحدث الثقافي إلا بشروط الإنتساب إلى منطق مؤسسات السلطان السياسي والثقافي ذي الطبيعة السفسطائية " مشددا في الوقت ذاته أن الباحثين عن الألقاب والتسميات الكبيرة هم أعراض هذه الأمراض المزمنة التي تعاني منها ساحة الفكر والمعرفة في حاضرنا العربي الإسلامي  ولعل ما ساعد على تفشي هذه الظواهر برأي مفكر بارز بحجم أبو يعرب المرزوقي هوما آل إليه أمر هذه العناوين إذبات إطلاقها غير محدد المصدر إن لم يكن ذا مصدر مشبوه لا يتعدى مافيا الأحزاب والشلل ومراكز البحث التي يتسول أصحابها على الأمراء للقاءات الثرثرة الإيديولوجية واللهاث وراء الأضواء حتى صارت وضعية من يريد أن يسمع إلى فكر ذي فاعلية فعلية أو حتى رمزية أشبه بمن يريد أن يزور سوقا شعبية بحثا عن أناغيم بيتهوفن بين الزمارين والطبالين وفي أضواء الأعراس الرسمية العربية أعراس التزييف الدائم لكل أوجه الحياة العامة التزييف غير المقصور على النخب السياسية  .

2032 ابو يعرب المرزوقيوالواقع أن المرزوقي لم يسستثن نفسه أيضا من النقد مقتربا في هذا السياق مما كان قد سماه عبد الكبير الخطيبي "النقد المزدوج" أي نقد الأنا والآخر أي أنه لم يتردد مطلقا في أن يمارس على ذاته نوعا من "النقد الذاتي" الذي لا يزال المثقف العربي بعيدا عنه ويتهيب من طرحه لأنه يطال الذات العربية التي كان يرى المفكر المغربي محمد عابد الجابري أنها على الصعيد النفسي " لاتقبل النقد إلا في صورة مدح أو هجاء".

إذ ينفي المرزوقي عن كل كتبه من أبحاث فكرية ومن ترجمات بما في ذلك ما قدمه في سياق ما سماه "بالإبستمولوجيا والإبستمولوجيا البديلة" صفة المشروع .

وهو يؤكد بتواضعه الجم أنه لا يدعي أي مشروع ولا يملك مشروعا أصلا بل كل ماقدمه لا يعدوأن يكون  في نظره مجرد "محاولات لفهم بعض الظواهر التي لم يتقدم عليها مشروع سابق التصور" وهو يتأسف على  أن القراء يلصقون به و بمن يقرأون له الصورة الطاغية حين يصنفوه بمنطق النجومية لحظة القراءة  .

وعليه ليس غريبا أبدا أن يستشرف مفكر بارز بحجم علي حرب في كتابه الشهير " أوهام النخبة أو نقد المثقف العربي " ما سماه " بنهاية المثقف " بعد أن لاحظ عدم جدوى أي دور المثقف وفشله الذريع في أداء الرسالة التي يتوهم أنه حاملا لها لتنوير الجماهير والنيابة عنهم في التفكير والتدبر يستوي في ذلك عنده الإسلاميون والعلمانيون واليساريون والقوميون وغيرهم .

والدليل على ذلك أن ما يعرف بثورات "الربيع العربي" بصرف النظر عن آثارها السلبية وعن القوى التي كانت تقف وراءها وموقف المثقف النقدي منها أشعل شرارتها الأولى صاحب عربة لبيع الخضر والفواكه هو " البوعزيزي " وليس أركون ولا الجابري ولا أدوارد سعيد ولا الخطيبي ولا نصر حامد أبوزيد وهم الذين غادروا الحياة قبل أن يتفاجأوابها على ما يستنتج ذلك الروائي الخير شوار في مقال صحفي كان قد كتبه منذ سنوات .

فكل هؤلاء لم يستطيعوا إحداث ثغرة في بنية المجتمع العربي بالرغم من الأهمية الكبيرة لمشاريعهم الفكرية في جانبها التحرري من الوعي العربي الزائف أو المغلوط مما لا يعني بالضرورة عدم أهمية هذه المشاريع النقدية في غياب "تبيئة " الأفكار الواردة فيها حتى لا تشكل عبئا على الفرد العربي أو يصاب بالغربة الفكرية حين يتأمل فيها أو يحاول قراءتها وعملية " التبئئة هذه تحتاج إلى جهد جماعي ليس في قدرة المثقف العربي التصدي لها وحده  لأنها تطال البناء الثقافي الغائب تماما في مشروعات الدولة الوطنية ما بعد الإستعمارية وبلغة المرزوقي نفسه العمران الثقافي الذي لا ينفصل عن صورة العمران البشري القائم في نظره في بعدين:

البعد الأول هو البعد الفعلي ويعني بذلك النظام السياسي والنظام التربوي.

والبعد الثاني هو البعد الرمزي ويعني به الجهاز الأكاديمي والبحث العلمي .

وعلى هذا الأساس فهو يرد ذروة التخلف التربوي في العالم العربي إلى ثلاثة أبعاد أخرى إثنان هما:

الحكم والتربية والبعد الثالث وهو البعد الأصيل والجامع كما يرى ويعني بذلك المعرفة  العلمية التي يفسر قصورها على أساس ضعف الأداء التربوي وضعف تطبيقات هذه المعرفة في العلاج النظري والممارسة العملية .

وهذا البعد الأحير يعتبره المرزوقي مربط الفرس في تقويم فاعلية الفكر والمفكرين مبررا ذلك بأن أصناف التخلف العربي  أربعة:

الإقتصادي والثقافي والسياسي والتربوي .

وتلك هي العلة الكبرى العلة الماثلة في نظره في ذلك التهافت الشبه جنوبي على العمل السياسي عند النخب .

 

قلولي بن ساعد  / كاتب وناقد من الجزائر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم