صحيفة المثقف

إنه استسلام لسلطة الورق والحبر

نبيل عرابي".. لا أكتمكم أن الإنسان مخلوق محدود بأعضائه.. لا يستطيع اختراق نظام كوني مسرف في الغموض.."

سليم الرافعي

كلنا يعلم أن الرحيل الأبدي نتيجة حتمية، وأصعب ما فيها رحيل مَنْ نُحب، حيث يتحوّل هذا الإنسان إلى مجرّد ذكرى. هذا الكائن العجيب، المبدع، الخلّاق الذي أعطاه الله من نوره عقلاً، واستخلفه في الأرض ليعمرها ويحييها، وما يكاد يفرغ – بعض الشيء – من عمله وإبداعه، فيلتفت ليتأمله، حتى تقول له الدنيا: وداعاً!

إنها سُنة الكون، أن يترُك بعضنا بعضاً.. وأن تتسابق أعمارنا نحو نقطة النهاية، مخلّفين وراءنا كل تلك الجبال من الهموم والأسى، وكل تلك الذكريات الأليفة والوجوه الحبيبة التي سبقتنا. إنها معادلة حتمية، مقدمتها أقسى من نهايتها! ونهايتها الزاد الأبدي نحو اللاعودة، حيث لا يوجد للإنسان من شيء سوى الذكرى، والروح التي تخفق في الأرجاء، ترفرف حول مدارجها وأهلها وأحبابها.

لذلك، فحين تستوقفك الكلمة الرقيقة، الممزوجة بالإحساس المرهف الجميل الصادق، المتلمّس قدر المستطاع لأعماق النفس البشرية، والباحث دوماً عن أسطر ينثر عليها نتائج تجواله، مستعيناً ببحر اللغة الذي كلما خضنا غماره، وجدنا أنفسنا نقف عند شاطىء من شطآنه الممتدة على مساحات واسعة من كوكب الأرض، لمئات من السنين خلت، فإنك سوف تتسمر مكانك، سوف تتأمل، سوف تُفسح لها في الروح مقداراً تستحقه، ومقاماً يليق بها، وسوف تهمس في سرّك: هذه هي الحياة التي لا تُبقي إلا الذكريات، وهذه هي حال من اختارته الكتابة لسان حالها. وهذه هي حال مَن استسلم بكل صدق وعفوية، ورغبة حقيقية لسلطة الورق والحبر، وسعى من خلال ذلك إلى تقديم ماحملته إليه الروح، خلال صولاتها وجولاتها، في أثير النفس البشرية، وعالم الغموض والخيال الواسع المحيط بها.

 

نبيل عرابي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم