صحيفة المثقف

عن الصفاء النفسي نتحدث!

يسري عبد الغنييقصدُ العلماءُ بالصفاء النفسي أن يكون الإنسان في انسجام دائم مع نفسه ومع الآخرين، والتعبير في لفظه تعبير مجازي، فالسماء الصافية هي السماء التي لا يحجب أديمَها غيمٌ، والماء الصافي هو الماءُ العذبُ الرقراق الذي لا تشوبه شائبة ولا يخالطه كدرُ، وهذه الحالة -أعني حالة انسجام الإنسان مع نفسه ومع الآخرين ومع الأحداث- هبةٌ أو طبعٌ أو منحة يمنحها الله لبعض عبيده، ولكنها مع ذلك يمكن أن تتولد في نفسه رويدًا رويدًا بالممارسة والمران والتجربة، فباستطاعة الإنسان مهما كان مستوى تفكره أن ينعَم بهذه الميزة ويظفر بهذه النعمة، نعمة الصفاء النفسي، عن طريق ضبط عواطفه وكظم غيظه عند دواعي الغضب، والتزام الهدوء وعدم الاستجابة للانفعالات النفسية المدمرة والتحلي بروح الصبر والاتزان والتفاؤل وتوقع الخبر، والنظر إلى الحياة والأخبار نظرًا بهيجاً مشرقاً، والرضا بما قسم الله، وعدم التطلع إلى ما عند الآخرين أو حسدهم على ما منحهم اللهُ به من نعمة وخصهم به من فضِل، والتكيف مع الأحداث والوقائع مع محاولة تعديل ما يمكن تعديلهُ ولكن دون أن يصاحب ذلك همٌ أو قلقٌ أو توتر، والزهدُ في الشهرة وحب الظهور، فكثيرُ من الناس يسعى للشهرة ويحبُّ الظهور، وهو يتطلعُ دائماً وأبدًا إلى ثناء الناس ومدحهم واعترافهم بقدره وإشادتهم بفضله. وإذا لم يتم ذلك -وهذا أمر طبيعي سواء أكان الشخص يستحقُ هذا الثناء أم لا يستحقهُ- تعكر مزاجه وساءت حالته وركبه الهمُ، ولازمه الأسى وجثم عليه الحزن لمجرد أن الناس أو فردًا منهم لم يشد بعمله أو يشكرْه أو يُثني عليه أو أنه نقده أو عابه أو تداركَ بعضَ أخطائه، فهو يطلبُ من الآخرين ما لم يطلبْه من نفسه ويسعى للشهرة بأي ثمن، ويصاب بالقلق والحسرة إذا لم تثمْر جهودهُ أو لم يظهْر أثر صنيعه أو تجاهله الآخرون أو لم يشيدوا بعمله أو نقدوه وأبانوا بعض أخطائه. وأهمُ من ذلك كله، أو حجر الزاوية في الصفاء النفسي الايمان الحق بالله عز وجل والمحافظة على الصلة الدائمة به، فالإيمان الصادق العميق يصفي النفس من كل الشوائب وما أكثرها داخلنا، فالمُتدين عصيٌّ على القلق، بعيدٌ عن الهَمّ، وهو دائماً منشرحُ الصدر صافي النفس، رخيُّ البال، واسع الأفق، هادئ متزن، لا تعصف به الأهواءُ ولا تزعزعه الأحداثُ. ومن هنافإننا ندعو أولئك الذين ينشدون الصفاء النفسي إلى أن يلجؤوا إلى الله - سبحانه وتعالى - ففي جنابه سوف يجدون سكينة النفس وطمأنينة الروح وهدوء البال.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم