صحيفة المثقف

أقلام ثقافية

صدر للمؤلف والكاتب كنعان مكية رواية "الصخرة " في عام ٢٠٠٠ م وتمّت ترجمتها عام ٢٠٢٢ م عن دار الجمل الى العربية على يد الاستاذ الدكتور "سليم سوزه" وتعتبر رواية "الصخرة" احدث روايات مكية بعد روايته "الفتنة"

كنعان مكية هو معماري أكاديمي عراقي من مواليد مدينة بغداد، العراق عام 1949 م. حصل على الجنسية البريطانية عام 1982 م.

الصخرة: رواية ذات طابع تأريخي تُجسد مجموعة من الأحاديث والروايات وربما الأساطير الميثولوجية حول " القدس" والصخرة المقدسة في القرن الاول الهجري.

نُشرت هذه الرواية باللغة الإنكليزية في: "مؤسسة الدراسات الفلسطينية".

تلك الراوية تجمع بين ثلاثية الأديان التوحيدية (اليهودية، المسيحية، الأسلامية) ضمن سياقها التأريخي والروايات الواردة والاحاديث والأبحاث التي تمحورت حول ثنائيتين (صخرة بيت المقدس) وصخرة (مكة) الحجر الاسود.

جسم الرواية: صنعه مكية على ثلاثة اقطاب استنبط منها حكايته مدعومة اقطابه الثلاثة بالأدلة التاريخية التي وضعها ضمن مُلحق روايته " المصادر " وتلك هي نفسها الثلاثية الانفة الذكر لكن تتجسد ضمن سياق الشخصيات لتتمحور في نتيجتها الى ثلاثيّة الأديان التوحيدية، فالقطب اليهودي الذي مثله كعب الأحبار وتفاصيل اسلامه وسردياته التأريخية للنص الذي يعتمده القاص حول قُدسية الصخرة، بل حول روايات الكون والخلق وادم والأنبياء، كعب الذي يروي عنه ابنه "اسحاق " اخذ يتمظهر بالراوية وكأنه يتحدث عن الديانة اليهودية والذي اكده مكية بالمصادر التأريخية، ثم القطب الاخر المتمثل " صفرينيوس " الذي مثل النصرانية " المسيحية " ومن ثم القطب الإسلامي الذي مثلته شخصيات عدة ابتداءا من محمد الى الخلفاء ونهاية بـ عبد الملك بن مروان، وضع صاحب الرواية الخليفة " عمر بن الخطاب " ضمن السياق الزمني للحدث في تلك الراوية كون المصادر تُشير الى ذلك من خلال فتحه بيت المقدس، كما هو الحال مع عبد الملك بن مروان الذي شيد بنيانه هناك.

{بثلاثيّة الأقطاب هذه مثل ثلاثية الاديان التوحيديّة}.

تمحورت الراوية وفق تلك الثلاثيّة على مناقشة اشكالية متمثلة " بالصخرة " التي في بيت المقدس بفلسطين، ومايدور حولها من احاديث وروايات أو اساطير. وأيضاً حول الحجر الاسود في مكة وما تدور حوله الروايات.

واضعاً جميع التحولات التأريخية ضمن نسقها التأريخي وفقاً للمصادر.حتى قبل الهجرة وما تضمنته روايته من حروب الرومان وقسطنيطن على اليهود، مرورًا بالغزو البابلي..

هكذا شكل مكيّة بناء روايتهِ ضمن انساقٍ متعددة ركزت ثلاثيّة الاديان التوحيديّة تمظهراتها في ابطال الرواية، ومركز الرواية الذي تتبع " الصخرتين".

يقول مكية ان بطل الراوية هي " الصخرة " وانا اقول ان أبطال الرواية هم الديانات التوحيديّة ومركز الراوية هو " الصخرة " وربما الصخرتين، احدهما كان نيترون والآخر إليكترون الفعل الفيزيائي المُحرك للراوية.3607 رواية الصخرة

الراوية من منظور قارئ: هذّه الرواية التي تقع في حدود ٥٠٠ صفحة مع المصادر والملحق، في أول قراءتها تعتقد انها تتكلم عن خيال تأريخي او ملحمة من الملاحم الأسطورية، وما ان تغادرها عند النهاية، تجد ان الكاتب قد وضع مصادرهُ بجميع تفاصيلها مستندًا على تلك المصادر المستفيضة في طرح الآراء للديانات الثلاثة حول " صخرة بيت المقدس " ومن ثم حول " الحجر الاسود " داعمًا سرديته بتلك المصادر، لم يصيب القارئ اي شعور بالملل وهو يحتضن سطور هذه الرواية وكأنه يعيشها بلحظاتها التأريخية راجعًا الى الماضي بقرونٍ خلت.

وكأنه احد ابطال رواية "الصخرة" المكلفين اما بإكتشاف الحقيقة، او بصيانة ما تم تحقيقه، أو بمحاكمة تلك الحقيقة، وإرجاعها اما إلى الذهول، او الى اللامعقول او لربما الى الخرافات!.

جسدت الراوية الانتقالات التأريخية بصورة مركزة وممتعة جدًا للواقع الاسلامي للنبي و بعد وفاة النبي محمد (ص) والانتقال الى الخلافة وكيف سارت الخلافة الى بنو أمية وما فعلوا؟.

حيرة تنتابُ القارئ وهو يبحثُ بين سطور الصخرة على ملاذٍ منطقي يُشبع له تساؤلاتهُ الماضية والحاضرة، عن جميع انواع الصراع الذي قادته البشرية من اجل تلك الصخرة! فحرب العقائد لازالت، لم تموتَ بعد.

الصخرة من منظور نقدي:

تتلائم رواية كنعان مكية ضمن سلسلة الروايات التي تحمّل الإثارة في متونها غير المحتوية على النسق الدرامي، لكنها ضمن الأثارة التأريخية تحوي جانباً من الاكتشاف الذي يحمل الاستغراب. السردية في الراوية جميلة ومتنوعة تكاد تكون سردية لكاتب مؤرخ يحكي قصص القرون الغابرة ضمن احداثٍ متسلسلة وضعها في سياقٍ قصصي، فالأصلح وانت تقرأها كانك تقرأ كتابًا للتأريخ منضدة متونهُ ضمن فصول.

الذي يميزها كونها "رواية " لسانُ حال الراوي (اسحاق بن كعب) و هو محور لسان النُطقِ بالاحداث والسردية والحواريّة لاغيره.

يتراءى لي انني اقرأ شيئًا مشابها لنصوصِ " دان بروان " وهو المؤلف الأمريكي لقصص الخيال والإثارة الممزوجةبطابع علمي وفلسفي حديث بأسلوب مشوق، كـ شيفرة دا فينشي.

سبقت هذا العمل الروائي رواية اخرى تحمل نفس المضمون لكن اكيد لا تحمل نفس المتن والصناعة والحرفة فلكل رواية متنُها وسرديتها التأريخية وبراعة كاتبها، تختلف ضمن وحدة الموضوع والشخصيات والهدف و هي: (صخرةأورشليم للدكتور مروان العلان) قصة الصخرة التي تقبع تحت القبة حاليا.

الراوية والترجمة: عقد المترجم فصلًا في ايضاح طبيعة ترجمة هذه الرواية والصعوبات التي واجهتهُ وكمية البحث التي استند عليها في اظهار النصوص الاصلية كماهي من اللغة الإنكليزية الى اللغة العربية، علمًا ان الرواية مترجمة أيضًا للتركية، لكن صاحب الترجمة العربية الاستاذ الدكتور " سليم سوزه " وضع بما لايقطع الشك كمية الدقة والجهد والبحث والتنقيب واللغة الممكن صيانتها ضمن الجو التأريخي للقرون الماضية لإيصالها بشكلها الحالي الى القارئ وهذا ما اكده كنعان مكية في فصل الملحقات والمصادر ايضًا.

الصخرة والفتنة:

هل لنا ان نقارن الفتنة أو جمهورية الخوف باعتبارها ابرز روايات مكية بهذه الرواية؟

الصخرة تتفرد وتنفرد عن سلسلة احداث الروايتين السابقتين بعدة اسباب، اهما العمق التأريخي الغابر لأحداث رواية الصخرة عبر قرونٍ خلت، وكيف استطاعَ الراوي ان يُثير شعلة النور على هذا الماضي السحيق وكيف ازال رماد الحروب وغبار الزمان عن حكاية تتناولها الروايات والاساطير والمعتقدات الى يومنا هذا، بل تتبلور على ضوئها الصناعة السياسيّة والقرارات وحتى العلاقات الدبلوماسية…

فالصخرة من هذا الجانب تتفوق تأريخيا على الروايتين السابقتين من حيث حساسية الحدث ودقة الموضوع وزمكانية الصراع.

تتحد: للرواية سرٌ اخر تتحد فيه مع افقٍ سياسي ماضي وحاضر، وضع شكله ومضمونه وارسى مبادئه حراس المعبد ورهبان الكنسية وأوصياء الكعبة ضمن معقولية او لا معقولية اتحاد الديانات الثلاث.

والصراع المرير الذي يقود العالم اليوم ماهو الا جزء من صراعٍ دام لقرونٍ خلت، كان أولها هزيمة اليهود على يد النصرانية " الرومان" الذين نسوا تلك الهزيمة واختاروا عدوًا اخر لها!

***

انور الموسوي

 

المدينة عندها مجال شاسع للنظر والتأمل والجمال.

تبرز المدينة العتيقة أو "البلاد العربي" كما يسميها البعض بمميزات معمارية تعود لتاريخها وتعاقب سكان وحضارات وثقافات حيث كانت الحضن والمكان للتفاعل وهو ما برز في طبيعة تركيبتها المعمارية وعاداتها وتراثها وتقاليدها ومشهدياتها المتعددة شأنها شأن عديد المدن ضمن تشكلات المدينة العربية الاسلامية .. هذا الأمر منح العديد من المبدعين في المجالات الأدبية والفنية التشكيلية مجالات من التماهي معها محاورة ومحاولة للتوغل في عوالمها وجمالها الدفين..

و في هذا السياق كانت اشتغالات الفنانة التشكيلية ايناس لزرق حيث تعددت لوحاتها لرصد هذا البهاء بالمدينة.. ومن هنا وضمن أنشطتها الثقافية والمشاركاتها الفنية التشكيلية في تونس وخارجها تواصل ايناس لزرق نشاطها الفني التشكيلي ضمن عملها الفني حيث تتعدد أعمالها الفنية بين مشاهد من جمال المدينة بسحر امكنتها وأجوائها والتراث والمرأة وقد تعددت مشاركات الفنانة التشكيلية ايناس الأزرق ومنها المعارض الخاصة والجماعية واشتغلت على المرأة وحالاتها والتراث والمدينة وجمال المشاهد في تلوين به الكثير من حميمية الأشياء وجمالية التعاطي وفق تعبيرية بينة تقول بالشغف الكامن في ذات الفنانة بالرسم وعوالمه.. هي المرأة في مشهدية لونية حيث الزخارف وجمال النقوش والاطلالة البهية على موسيقى وايقاع مدينة تونس الجميلة بأزقتها وقبابها وناسها وصخبها القديم الهادئ كموسيقى الأرجاء الناعمة.. (من شرفة بالقلب.. يعلي اللون من شأن دهشاته حيث مدينة ونساء وقباب وحالات شتى لنشيد ملون ندعوه مرارا.. لنسميه الحنين.. وفسحة هذا القلب المكلل بالأغاني.. والشجن المبين..).نعم.. هي فكرة التلوين عندما همت الطفلة بالجمال الكامن في المشاهد.. فمن شباك تنعم هي بالنظر لترى المرأة وهي تحكي خيزا من سيرتها التونسية وقد أمسكت بخيوط اللعبة.. لعبة القول بجمال التفاصيل.. وهي تفعل كل ذلك فانها تفصح عن وجيعتها وحزنها المخفي وشجنها المبين.. هكذا هي الألوان لديها.. نظر وتأمل قتلا للبشاعة والكامن فينا من فوضى وضجيج...ايناس لزرق فنانة تعلي من قيمة الأشياء والمدينة عندها مجال شاسع للنظر والتأمل والجمال..

***

شمس الدين العوني

أغاني رمضان القديمة ما زالت تملك علينا أسماعنا وقلوبنا كلما استمعنا إليها كل عام.. إنها تعيد لأذهاننا أطياف من حياة قديمة لفها ضباب الأيام. لكنني أثق أن نفس هذه الأغاني لها نفس التأثير الوجداني على أبنائنا من الجيل الحالي.. إنها ليست حالة نوستالجيا إذن، وإنما استعادة لحالة متفردة من أجواء رمضانية قديمة أجاد الفن التعبير عنها حتى تحولت لتراث أصيل لم نستطع حتى اليوم تقليده أو تجاوزه.

تلك الحالة من الحنين للفن القديم تفرض سؤالاً جوهرياً حول الحالة الفنية والثقافية قديماً لنقارنها بما نراه اليوم. وهل الثقافة اليوم تطورت وارتقت أم ارتدت وتراجعت؟

لو ألقينا نظرة سريعة على قنوات الفضائيات التي تعد بالمئات، وما تحويه من برامج ودراما وأفلام لوجدنا أنفسنا أمام شلال هادر لا قبل لحواسنا باحتماله؛ ملايين ومليارات يتم ضخها لصناعة إعلامية ذات ميزانيات ضخمة متميزة، وتحولت صناعة الإعلام إلى صناعة كبري مؤثرة مربحة ومتجاوزة للحدود. حتى أن بعض الدول العربية أعادت صياغة هويتها الثقافية من خلال إعلامها وحده. وبات ثقلها الإقليمي مرتبط بثقلها الإعلامي والثقافي!

النظرة العابرة لكل تلك القنوات وما تنتجه يومياً من برامج تتنوع في مضمونها بين الأخبار والرياضة والدراما والأغاني وبرامج التوك شو، كلها غارقة في بحر من الإعلانات المتدفقة على مدار الساعة. ومعلوم أن أرباح القنوات يعتمد في الأساس على تلك الإعلانات التي باتت هي الهدف وهي الرسالة، وكل ما حولها من إنتاج ثقافي يخدم هذا الهدف الأوحد!

معني هذا أن التطور الكبير الذي حدث في الديكورات والإمكانيات والتقنيات لم يتم استخدامه لرفع كفاءة المنتج الفني ورسالته الثقافية، وإنما لخدمة أهداف أخري مادية أو سياسية أو تنافسية وأن التطور الهائل الذي حدث للبرامج والمنتجات الثقافية والفنية والرياضية والدرامية حدث على مستوى الشكل وحجم الإنتاج، بينما تأثر المضمون تأثراً سلبياً وانحدر مستواه رغم كثرة ما يُعرض ويُقدَّم. والدليل أن أكثر المسلسلات والأفلام تكراراً من حيث عرضها هي تلك التي تم إنتاجها قديماً بين الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي. فلماذا انحدر مستوي الإنتاج الفني مضموناً وقيمة وتأثيراً رغم كثرة ما يقدم، ورغم أننا لم نعدم المواهب في كل مجالات الإبداع الثقافي والإعلامي من تأليف إلى إخراج إلى تمثيل إلى تلحين إلى هندسة صوت وإضاءة ومونتاج وغيرها من وسائل وأدوات الإنتاج الفني التي تطورت تطوراً مذهلاً غير مسبوق؟!

إشكالية الكيف والكم

المائدة الرمضانية الإعلامية متخمة بعشرات المنتجات المرئية. وعلى رأس تلك المائدة مسلسلات بلغ عددها نحو ثلاثين مسلسلاً!! فمتي وكيف نشاهد كل هذه المسلسلات أو بعضها؟!

المنتجون لا يهتمون بإجابة السؤال ولا يلتفتون إلى حجم المشاهدات بقدر اهتمامهم بتكديس إنتاجهم الدرامي تكديساً في الفضائيات خلال موسم رمضان. وبعض المسلسلات يتم بثها على عدة قنوات. ثم يعاد عرضها نهاراً وليلاً كأنها منهج دراسي ينبغي للجمهور حفظه واسترجاعه مراراً! هكذا صار حجم الإنتاج هو الأهم، وكأننا أمام مصنع لتعليب المنتجات الدرامية بأحجام تكفي لإشباع جمهور فقد شهيته بسبب التخمة التي تسببها مثل تلك المنتجات فائقة الدسامة ثقيلة الهضم!

أذكر أن بعض الزملاء الصحفيين كان دائم السخرية على حالة الإسهال التي انتابت استوديوهات التليفزيون ليتحفنا بعدد هائل من البرامج الرمضانية والسهرات التليفزيونية والمسلسلات الدرامية، ولم يكن لدي التليفزيون حينئذ إلا ثلاث قنوات فقط! فكيف إذا رأي اليوم هذا الكم الضخم من إنتاج يطمر بعضه بعضاً حتى لا تكاد تذكر من كل هذه البرامج والمسلسلات إلا واحداً أو اثنين، والبقية الباقية يدفنها النسيان؟!

يبدو أن هناك علاقة عكسية بين حجم الإنتاج وجودته، ويبدو أن المسئولين عن مثل هذا الإنتاج لم يعد لديهم الوقت الكافي لإعادة النظر في تلك الإشكالية بين الكيف والكم.

نموذج شديد الوضوح

سأضرب مثلاً ببرنامج اشتهر خلال السنوات القليلة الماضية وهو برنامج "صاحبة السعادة" للفنانة إسعاد يونس. وقد بدأت مشوارها في الفن من باب الإذاعة وعملت كمذيعة ماهرة وصحبتها في تلك الرحلة الإعلامية الشهيرة إيناس جوهر. وكلتا المذيعتين وصلتا إلى شهرة كبيرة في مجال الإذاعة، ثم تحولت إسعاد يونس للتمثيل، حتى عادت لمكانها الذي بدأت منه كمذيعة ذات دور ثقافي وخط فكري ميزها عن غيرها من الفنانات.

برنامج صاحبة السعادة لاقي شهرة واسعة، وحقق مشاهدات بالملايين، رغم أنه كان مصاباً بنفس حالة النوستالجيا التي أصابتني. وكثير من حلقات البرنامج استضافت عدداً من نجوم تلك الفترة الذهبية من زمن الفن الجميل. وهو ما يعني أن العودة للماضي هي عودة فرضتها ظروف الفن اليوم، وأن ثمة أشياء تنقص "وصفات" الدراما والإعلام اليوم، وأن مقادير الطبخة الإعلامية الحديثة تنقصها نكهات وتوابل لم تعد متوافرة اليوم. ولهذا تبدو طبخات الفن أحياناً بلا طعم. وأن العودة للماضي هي في الأصل محاولة لاكتشاف سر التركيبة الغائب عن المشهد الإعلامي والثقافي والفني.

إسعاد يونس نفسها تنتمي إلى جيل سابق. وهي تحمل في ذهنها وفي دمها أسرار الطبخة ذات النكهة الأصلية القديمة. ولهذا نجح برنامجها. ثم إن برنامجها، ومثله برامج أخري كبرنامج مني الشاذلي، اهتم بالحوار مع رموز الفن ونجوم الدراما والسينما. وهي تيمة ناجحة لها أمثلة كثيرة في ذاكرة التليفزيون المصري المليئة بالكنوز..

من ذاكرة التليفزيون

نجوم الفن والسينما والغناء أسهموا في إثراء ساحة الإعلام وإبراز أسماء اشتهرت في ساحة الإعلام وباتوا نجوماً من نجومه. وكثير من الإعلاميين البارزين اليوم صعدوا للنجومية من خلال برامج حوارية استضافوا فيها عدداً من نجوم الفن والرياضة والفكر والأدب.

وإذا كنت قد ضربت مثالاً ببرنامج صاحبة السعادة، فإن النماذج الشبيهة له من ذاكرة التليفزيون في رمضان مليئة بأمثلة مشابهة من البرامج والإعلاميين. ولعلنا نذكر المذيع الشهير "طارق حبيب" الذي ارتبط اسمه بشهر رمضان؛ إذ كان يفاجئنا كل عام ببرنامج مختلف في فكرته وطريقة عرضه. وكان للمذيع أسلوب مميز جذاب وبديهة حاضرة أكسبت برامجه تألقاً وجاذبية واشتهر ببرامج مثل: أوتوجراف، واثنين على الهوا، ودوري النجوم، ومن الألف إلى الياء. وكلها ما زال يتمتع بنفس الجاذبية والإمتاع عند إعادة عرضه على بعض القنوات الفضائية واليوتيوب.

تلك الفترة وما قبلها امتازت بعدد كبير من مشاهير الإعلاميين والإعلاميات نعرف منهم مفيد فوزي ورمسيس ومني الحسيني ومدحت شلبي ونجوى إبراهيم وطارق علام وكثيرون غيرهم. وإذا شئنا الحفاظ على الصدارة والتميز في وسط إعلامي عربي ضج بما حواه فإن الأفضل هو التركيز على المضمون والرسالة الثقافية مهما كان الكم قليلاً في سبيل جودة المنتج الثقافي واحتوائه على خلاصة تلك الخبرات المتراكمة في شتي مجالات الإبداع.

أمسيات رمضان الثقافية

من بين البرامج التي اشتهرت قديماً برامج ثقافية جادة نالت شهرة لم تقل عن برامج حوارية وفنية ورياضية. ولعلنا لا ننسي برنامج أمسية ثقافية للشاعر فاروق شوشة. وبرامج تناولت السيرة الذاتية لبعض نجوم الفن كبرنامج (نجوم لها تاريخ) لحسن إمام عمر. وبرنامج (مع النجوم) للكاتب الساخر عبد الله أحمد عبد الله. وبرامج ثقافية وفكرية لعدد من العلماء والأطباء والمتخصصين كبرنامج العلم والإيمان للدكتور مصطفي محمود، وبرنامج عالم البحار للدكتور حامد جوهر. وبرنامج جولة الكاميرا لهند أبو السعود. كانت جميعها تعتمد في الأساس على موهبة خاصة لمقدمي تلك البرامج. بالإضافة للمحتوي الثقافي الدسم لتلك البرامج بما جعلها تستمر وتصل إلينا ليعاد بثها وعرضها حتى اليوم.

إنني إذ أستعيد ذكري زمن الفكر والفن الجميل فإنني لا أتقمص حالة النوستالجيا، وإنما أحاول لفت انتباه المسئولين وأصحاب الفكر والرأي النافذ لأهمية البحث عن الجوهر والمضمون والموهبة. لأن القيمة الثقافية الحقيقية هي فقط التي تبقي ويُكتب لها الاستمرار والدوام.

***

عبد السلام فاروق

المعروف عن (نوروز) انه يعني في اللغة الكردية (يوم جديدNew day)، فيه تتم الأرض دورتها السنوية حول الشمس، لتبدأ دورة جديدة تدخل فيها شهر الخصب وتجدد الحياة . وفيه تبدأ الافراح استبشاراً بحلول عهد جديد تتحول فيه الطبيعة الى جنة خضراء، يتوجه اليها الناس لمعانقتها وترتدي فيه العائلات الكردية الزي التقليدي المزركش بالألوان الفاتحة والزاهية ،وتصدح فيه ألاهازيج، وتتشابك الأيدي في حلقات رقص ودبكات ومهرجانات غنائية شعبية تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، تتخللها مقاطع شعرية تتحدث عن الثورات ضد الطغاة،حيث يعدّ نوروز رمزا للتحرر من الظلم والاضطهاد في كردستان وعدد من دول المنطقة.

  واجمل ما يدهشك ان هنالك علاقة بين (نوروز) و(تموز وعشتار). فالمعروف عن حادثة “تموز” أنه في آخر مرة يذهب الى تحت الأرض ثم يأتي الى وجه الأرض كإله، وانه كان يحتفل بموت وحياة “تموز” في وطن سومر، وانه في 21 آذار في كل عام كان السومريون يعقدون احتفالات كبرى في حياة “تموز” ويعرفون هذا اليوم بعيد (زكمك). والحادثة ذاتها ترد في ملحمة الشاعر الكردي الكبير احمدي خان، (مم وزين) حيث يبدأ الملحمة بيوم نوروز 21/ آذار، فهنالك شبه كبير بين قصة (تموز وعشتار) وقصة العاشقين (مم وزين)..اذ تمتليء حياة (مم) بالعذاب والفراق بعد معرفته لحبيبته (زين)..وتصبح حياتهما مشابهة للحياة الكارثية لـ(تموز) الذي يذهب الى الاسفل فيما يودع (زين) في السجن الى الموت.

   ومن اسرار نوروز ان 21 آذار الذي يصادف اليوم الأول من العام الكردي الذي يمتد تاريخه الى 700 سنة قبل الميلاد، كان يوم عيد عند السومريين!، وانهم كانوا يحتفلون به تحت مسمى عيد (زكمك)، وأن (كاوا) الكردي هو (تموز) السومري!.

 فماذا  يعني هذا؟وما الرسالة التي يبعث بها الى من استلموا السلطة بعد 2003؟

 يعني: أننا العرب والكورد شعبان لنا تاريخ مشترك حتى في الطقوس والأساطير والأعياد، وأن نوروز (كاوه) او نوروز (سومر) الذي وحّد العرب والكرد آلآف السنين، سيبقى ينعش مشاعر التآخي بين الشعبين!. ويعني.. ان من هم في السلطة وقادة احزاب وكتل سياسية، عليهم ان يعوا أن الشعبين العربي والكوردي سيبقيان متحابين..اليوم وغدا.

وكل نوروز والعراق بأن ومحبة وسلام.

***

د. قاسم حسين صالح

 

عزيزي القاري هذه بعض الخواطر الفكرية والأدبية الناقدة لبعض الظواهر العامة في المشهد الثقافي عساها تلتقي بما يحول في خاطرك، ولنبدأ بمفهوم الرواية ما بين الغث والسمين:

الرواية الناجحة تحيّد كاتبها المُلْهَمُ لأنها كائن حي مستقل بذاته له هوية واسم وعنوان وقضية، وتتحول كلما امتد بها الزمن إلى بحر يعج بالحياة بكل متناقضاتها، لا بل ويحمل على أمواجه أساطير وملاحم يصنعها عشاق التأمل وصناع الحياة، لذلك يبحث عنها رواد المعرفة وعشاق السندباد، أما الضعيفة التي تُفَصَّلُ على ذوق الناس وشروط لجان التحكيم (أحياناً) وأهواء النقاد المتفذلكين، فلا بد وتتكئ على قدرة كاتبها في فنون الدعاية والتسويق المبتذل، القائم على الاسترجاء والاستمناح، فهي كبركة السباحة التي تُجَدَّدُ مياهُها كلما غشاها عفن الرواد التافهين؛ لذلك تموت إذا ما أُسْعِفَتْ بالاستكتاب وعقد الندوات التي تغمرها المجاملات في كثير من الأحيان إلا من رحم ربي.

***

تجربتي في كتابة المقالة

كتابة المقالة الناجحة تقوم على مواكبة الحدث وتطوراته، والتنقيب عن الأسباب المتوارية، ثم استنباط الأهداف من المستجدات المتنامية، وربطها من ثم بجذور القضية المعنية؛ حتى تتحول إلى رؤية تتسع حدقتها حتى الإشباع، ثم تَضْيَقُّ من أجل أن تتركز عملية إنتاج الفكرة في الخلاصة التي تتضمن رسائل الكاتب وتوصياته لتعم الفائدة.

فالكتابة على هذا النحو مسؤولية فكرية ومعرفية تصاغ بأسلوب يناسبها وفق خبرة الكاتب حتى تمثل رؤيته المتكاملة.

هذه حصيلة خبرة ألفي مقالة تنوعت مواضيعها ما بين النقد الأدبي والسياسة والاقتصاد والفكر، ونشرت في أشهر المواقع والصحف العربية عبر مسيرة عشرين عاما وقمت بتجميعها في أكثر من 15 مخطوطة نشر معظمها إلكترونيا.

***

إذا لم يقرأ الكاتب أكثر مما يكتب فاعلم بأنه سيصاب بالهذيان فيسهل حصاره.

***

قد يفشل الخبير الإقتصادي في إدارة دكان صغير ما لم يستلهم أفكاره من أمزجة أهل الحي وحاجاتهم.. فالعلاقات جزء من أي استثمار.

وقاعدة التفاعل مع الناس تبدأ من مبدأ: حافظ على صديق، إصنع صديق، حيّد عدو.. واجه عدوك بالحوار.. وإلا فامتلك أدواتك قبل المواجهة على أن تترك أبواب التفاهم مواربة.

***

سقراط بجلال قدره فشل في أن يصنع الأمان في بيته، لأنه قضى عمره في إضاءة مصابيح الحكمة والمعرفة للعالم، وترك أهله في العتمة يعمهون!

***

الرداءة نسبية. بقي أن يتفق المبدعون على محدداتها.. فقد يكون قول الفيلسوف إذا انفعل رديئاً.. ووفق ما يعتلف المرياع يفعل قطعان التابعين الذين يغشاهم العمى حينما يقدسون الفيلسوف على علاته.. في المحصلة من أشكال الرداءة في النص المحتوى الهابط..

***

الصراع الطبقي والطائفي والجهوي في ذروته ونتاج ذلك على الأرض يتعاظم، لكن تجربة غزة ولدت خارج الصندوق لذلك تحولت إلى فكرة عالمية مؤثرة، ولأنها أحرجت مواقف التيارات المتناحرة كلامياً تحولوا لمحاولة وأدها، حتى يتخلصوا من العار

***

التفاهة أحياناً تصدر من مفكر يعتقد بأنه محصن من الخطأ فيهرف أحياناً بما لا يعرف.. هذا حمق وبلاهة.

***

ربما لا تجد دار النشر منفعة من المنجز المعني بالنشر، لاعتبارات فنية حتى لو خالفت توجهات المفكر على اعتبار أنه لا حصانة لفيلسوف أو أديب، إلا إذا اعتقد المفكر بأنه إله صغير يمتلك الحصانة ورأيه مطلق ونافذ.. مثل بعض الذين ينخرطون في نقد الأعمال الجيدة دون أدوات فقط من باب الفذلكة لإثبات الذات التي تبحث عن الحجم المفرغ ولو كان بلا محتوى.. يحدث كثيراً.. هؤلاء أصادفهم كثيراً ولكن إهمالهم أحياناً يمنحهم الإيمان بمشاعر السوبرمان..

***

"كيف تكتب" لعبة جميلة نمارسها بعد صلاة التراويح

إنها أجمل لعبة معرفية تحفيزية ناقدة، جمعتنا في بيت الصديق د. رمضان علي المتخصص في اللسانيات في مرج الحمام، وتقوم هذه اللعبة على فهم قواعد اللغة العربية من خلال إحداث بعض الأخطاء اللغوية الدقيقة ومن ثم محاولة الكشف عنها وتصويبها من قبل اللاعبين، تحت عنوان ما بين الخطأ النادر والصواب، يتخلل ذلك حوارات في النقد والأدب وقضايا عامة أخرى لإشغال الوقت بعد صلاة التراويح بما هو مفيد.

للأسف اكتشفنا بأن بعض من يدّعون الكتابة يجهلون مبادئ اللغة إلى درجة أن أحدهم لم يستطع إعراب المنصوب في حالة جمع مذكر السالم. والبعض منهم عهدناهم أثناء كتاباتهم على حساباتهم في الفيسبوك يكتبون بلغة ركيكة وهذا أمر طبيعي جداً، وفجأة تحولوا إلى كتاب هواة، يكتبون بلغة سليمة وإن كانت المواضيع ضحلة، معتمدين في ذلك على برنامج الذكاء الاصطناعي في كتابة النصوص والتعليقات باعترافهم أمامنا بعد أن أحرجتهم أخطاؤهم.

قلنا لأحدهم بأن هذا يعتبر تزويراً، وينم عن عدم الثقة بالنفس وهو لا أخلاقي ما لم يقر صاحب النص بالحقيقة، فمثل هذه التقنيات لا تصنع مثقفين بل تشوه الأسوياء وهي مكشوفة كونها لا تسلط الضوء على جوهر الموضوع، وتعتمد على معلومات قديمة في بناء النصوص بإسلوب إنشائي مكثف ومتشابه في البنية وإن اختلفت في المعلومات بحسب السؤال الموجه للبرنامج، مع أن هناك برامج بوسعها اكتشاف الحقيقة لخطورة ذلك على التعليم الجامعي ولا أريد أن أقول "على الثقافة" وخاصة أولئك الذين يشعرون بالنقص دون مبرر.

فتقبل صاحبُنا ملاحظاتِنا مع أنه مقاول مرموق وحاصل على ماجستير اقتصاد، ويهتم بشؤون الثقافة من باب الإعجاب، حتى أن كلّ من يجتمع به من الأصدقاء يتحول بيته إلى صالون ثقافي لغزارة معرفته في الشؤون العامة.. فهل يحتاج صاحبنا إلى اللغة السليمة حتى يشار إليه بالبنان، فالأجدى بأن يكتب على سليقته فهو ليس في مسابقة لغوية حتى يحاسب على الهنّات اللغوية؟عجبي!.

يوم غد لدينا مجموعة جديدة من الأصدقاء في لقاء سيجمعنا في بيت الصديق المثقف عارف المحسيري ابو محمد في العاشرة مساءً بإذن الله.

***

بائع الخضار إذا كان مزارعاً، قد يحسن تقدير منتجات الأرض، فلا يبخس بها، كما يفعل الدلال في السوق الذي يناور على أقل الأسعار.

***

بقلم: بكر السباتين

20 مارس 2024

بغلة القبور، ومحكمة الشيخ الكامل الليلية.

مدخل أساس: بعيدا عن الملاحظات المعيارية التي تنتقد (الخرافة/ الأسطورة)، أشتغل على لملمة ولو جزء يسير من الأحجيات الشعبية (الشفهية / التراث اللامادي) والتي كانت تؤثث جلسات الأسر التقليدية والشعبية. حيث كانت الجدة والعمة تبدع في الحكي والقصص الخرافية المخيفة... كان الملك سيف ذو يزان ... ورأس الغول... وبغلة القبور من مستملحات الحكايات الشائعة والرائجة ... اليوم أحكي لكم بعض ما ورد من خرافات بغلة القبور... لا أمارس نشر الخرافة، وإنما أبتغي التوثيق فقط لجيل ما بعد (الطابليت) والهاتف الذكي...

من بين الحكايات التي كانت تثير الرعب في الصغار كما في الكبار، قصة بغلة القبور التي كانت تروع أطراف مدينة مكناس ليلا. بغلة القبور حسب ما ورد من حكي شفهي، كانت تحمل مواصفات الحيوان بمتمثلات الإنسان في شقه العلوي، أي أنها خليط في بنيتها الجسمانية. بغلة تسكن قبور الموتى، ولا تخرج إلا ليلا بعد صلاة العشاء، وتعود إلى المقابر وحالتها الأولية قبل بيان الخيط الأبيض من الفجر.

تحكي الحكاية أن كل مقبرة بمكناس، كانت تخرج منها بغلة للقبور ليلا، كانت تلك البغلات يقمن بترويع الساكنة وبعث الخوف فيهم ليلا، وبكل من تجرأ الخروج، أو اضطر إلى البقاء خارج بيته ليلا. وكانت بغلة القبور كما ورد في حكايات عمتي (رحمها الله) امرأة ارتكبت ذنب الحد، وهي في ثوب الحداد الأبيض، فعند موتها وغضبة الله عليها، تم مسخها إلى صفة جنية في هيئة نصف امرأة من بداية العنق وهي تحمل فيما تبقى جسد بغلة، مكبلة بسلاسل غلاظ.

تَصْمُت العمة (رحمها الله)، ونحن في شوق التجمهر حولها لمعرفة طاقة وقوة بغلة القبور. حينها تورد العمة (رحمها الله) أن بغلة القبول كانت تمثل القوة الضاربة في حي الزيتون بمتسع العراسي و خرير السواقي الليلية. كانت تسمع آتية من بعيد وهي تجر رنين سلاسل حديدية. كان الفزع التام يأتي من عيونها التي تشابه لعنة عيون ميدوزا في الأسطورة الإغريقية، فعيونها تشع منهما نيران بركان حارقة لمن يجرأ النظر فيهما بالتحدي !!!

ومن عجيب سلوكيات بغلة القبور أنها كانت رحيمة بالنساء، فلا تؤذي أية امرأة وقعت في طريقها، وبالعكس كانت تستهدف الرجال تنكيلا، وقد تعبث بعقولهم وأجسامهم فيصبحون (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ/ قران كريم/ سورة المنافقون)، بعد ممارسة عملية الإخصاء التام!!!  تبتسم عمتي رحما الله خفيفا وتقول: كانت الزوجة عندما تغضب من زوجها تدعو له بلقاء بغلة القبور في ليلة مظلمة يطول بزوغ فجرها !!! حينها كانت قهقهاتنا تتعالى بيننا !!! كانت انطلاقتها من مقبرة سيدي عياد، وكانت تقف على حوافرها الورائية بدون حدوة عند باب باب كبيش ولا تقدر على تجاوزه ولو لبضعة خطوات. و لا يُعلم سبب عدم تجاوزها لحدود باب كبيش. وحين ضاقت ساكنة حي الزيتون من تصرفات بغلة القبور خاصة في موسم الصيف والحصاد. حملوا شكواهم إلى القيمين عن ضريح الهادي بنعيسى، وعن ضريح سيدي اسعيد.

كانت خصلة النية تُصاحب طيبة ساكنة الزيتون، كانت البركات تُوزع بغباء النية على أقطاب المدينة، كانت العلاقة وثيقة بين الشيخ والمريدين الطيعين الأوفياء. حقيقة كانت تصوراتنا ونحن صغار السن، انعقاد محكمة للجن تشابه محاكم شياطين جبل (شمهروش). كنا نتمثل كل بغلات القبور حاضرة وهي تضع عيونها أرضا احتراما لشيوخ الأضرحة والزوايا. في تلك الليلة تقول عمتي (رحمها الله) كما وصلتها من أخبار متواترة بالزيادة والتحريف والتشويق: حضر الساحة الخلفية لضريح الشيخ الكامل قرب البئر الموالي للمقبرة رموز أولياء الله كل على هيئة وصفة طيور الهدهد، إلى الحمامة، إلى النوق البيضاء والأحصنة التي تشع نورا. كان في تلك الليلة جمع طارئ لرفع الضرر والحد من تجلياته على الساكنة، كان تسمع نقاشات بين من حضر غير مفهومة اللغة بالبيان ، كانت بغلات القبول لا تتحرك ولا تحدث رنينا لتك السلاسل المتدلية منها.

من خوفنا ممن حضر وترأس محاكمة بغلات القبور بمكناس، كنا نسمع إلى حكي العمة (رحمها الله) ونحن في بنج من الحركة والتفكير. انتهت المحكمة قبل أن يصعد مؤذن الفجر لصومعة الضريح. حين نزع الشيخ الكامل سلهامه الشديد البياض، ومرره برفق على رؤوس كل بغلات القبور.كان الصمت يوازي صمت ساكني قبور مقبرة الشيخ. كان الحكم برفع الضرر، والتوسل إلى الله لرفع غضبه عن بغلات القبور، والعودة إلى مقامهن الأخروي بنهاية الظهور، والتعسف على الجنس البشري الحي.

تقول عمتي (رحمها الله) من ذاك اليوم انتهت أحداث بغلة القبور، وباتت تلك الليلة تخلد بالذبيحة الآتية من حي الزيتون عند بوابة الشيخ الكامل وسيدي سعيد. لكنها تركت بصمات حوافرها على باب كبيش على حجرة الرخام المزينة لأطرافه، وبعدها بات النسوة الغاضبات عن أزواجهن يضعن شموعا عند حفرة حوافرها تيمنا ببغلة القبور التي تأخذ الحق من قوة الرجال بالخصي، وعند هدم باب كبيش سوء تدبير وقرار، تحول النسوة إلى حدود اليوم على وضع الشمع في غار بالسور الإسماعيلي قرب الشراشر العلوية.

خاتمة أساس: لن، ولا نمارس تمجيد الخرافة، ولا نتبنى تلك المشعوذات اللاحقة بالموروث (اللامادي) الشفهي مكناس، ولكن نقوم بتجميع مجموعة من الحكايات الخارجة عن سياق المنطق والعقل، أولا لأجل التوثيق والتقاسم، وثانيا لأجل وصل الماضي بالحاضر، وأخذ المسافات البعيدة عن كل الخرافات غير الحقيقية.

 ***

محسن الأكرمين

لا يتكئ الكاتب الناجح والذي يريد أن يحترف الكتابة على موهبته فقط بل يقرأ سير الكتاب العظام و يتعلم منهم أسرار الكتابة ويأخذ بنصائحهم التي تختصر له الطريق تجعله يتسلح بالخبرات الفنية ويمتلك أدوات الكتابة فلا تستغرب إن قلت لك أن الكتابة الآن وخاصة في الغرب صارت تدرس وتعلم في معاهد وتقدم في دورات إبداعية والكتابة قرار يتخذه الكاتب ويتحمل تبعاته يقول جيمس سكوت:

(أنا أتذكَّرُ جيداً اليوم الذي قررتُ فيه أن أكون كاتباً، حيث كَتبتُ في دفترِ يومياتي «اليوم قررتُ أن آخذ الكتابة على مَحمل الجِدّ، وأن أستمرَّ دُون توقف، وأن أتعلَّمَ كلَّ ما يُمكن تَعَلُّمُه لأصبح كاتباً ناجحاً) هذه العبارة أوْردَها “جيمس سكوت” في مقدمة كتابه (الحبكة والهيكل) والذي جعل مقدّمتَه أشبهَ ما تكون بالسيرة الذاتية، لرِحلتِه الشاقة والطويلة لتعلّم صنعة الكتابة" (1)

يعطي  الكاتب  والروائي ومدرب الكتابة الأميركي جيمس سكوت الحائز على جائزة  كريستي للتميز  مجموعة من النصائح الهامة لكل من يريد أن يبدأ مشوار الكتابة نحو الاحترافية والتميُّز، وكانت أول خطوة دعا إليها، هي أن تُحبَّ الكتابة حبا صادقا، وألا تتخلى عنها أبدا مهما حدث، وألا تتنازل عن حُلمِك في أن تصير كاتبا متميزا في يوم من الأيام، ثم أسرد مجموعة من النصائح الأخرى نُجمِلُها في التالي:

* لا تيأس أبدا، وحافظ على معنوياتِك مرتفعة دائما.

* تَمسَّك بِحُلمِك في أن تصير كاتبا ناجحا، وابذُل كل ما في وُسْعِك لتحقيق حُلمك.

* يجب عليك ألا تُعَوِّلَ كثيرا على معرفتِك المحدودة، بل يتوجَّبُ عليك البحث عن الكتب والمدربين المتخصصين في مجال الكتابة، ليساعدوك على تطوير مستواك باستمرار.

* .يجب عليك أن تلتزِمَ بمُخططٍ تدريبيّ جادٍّ ومستمر.

* اجعل مَكتَبَك أو المكان الذي تَكتُبُ فيه مليئا بالمؤشرات الإيجابية.

* اجعل لوحاتٍ على جدران مكتبتِك مكتوبٌ عليها عباراتٍ وأقوالٍ تُحبِّبُكَ في الكتابة.

* انسخ أقوال مشاهير الكُتَّـابِ وصُوَّرِهم وزَيِّــن بها مكتبتك.

* جعل أيَّ يشيء في مُحترَفِك الكتابي يدل على حُبِّك للكتابة، ويجدد فيك باستمرار حُبَّ الوصول إلى هدفِك

* أكتب عباراتٍ تحفيزية واجعلها خلفية لشاشة حاسوبك.

* اقرأ للكُتَّـاب المشاهير، واقتنِ الكُتب الأكثر مبيعا في العالم.

* عندما تشعر أنك تحتاج إلى الكتابة افعل ذلك مباشرة وبدون رسميات، ولا تهتم بما تكتب، المهم أن تُمرِّن نفسك على عملية الكتابة.

* لا تقلق بشأن كتاباتِك السابقة التي تبدو لك غيرَ ذي جدوى، اعتبرها خواطرا أو مجرد انسكابٍ حرٍّ على الورق. وستكتشف الفقر الإيجابيَّ مع مرور الزمن.

* عندما تحس أن ما تكتبه قاصرٌ وناقص، فاعلم أن مُستواك يتحسن وأنك بدأت تلاحظ الفرق بين كتاباتِك القديمة والحديثة.

* لا تكتب وأنت قلق أو متوتر أو متشنج، الكتابة في هذه الحالة تكون متدنية على جميع المستويات.

* حدد لنفسك حصةً مَعلومة للكتابة كل يوم، وانضبط معها، وإذا أهملتْ الكتابة يوما لسبب من الأسباب، فلابد أن تعوضه. هذه الطريقة ستختصر عليك الوقت، وستجد نفسك من الكُتَّــاب المكثرين في وقت قياسي.

* حافظ على الاستمرارية والإصرار على الكتابة، ولا تستسلم أبدا.

إذا أردت عزيزي الكاتب أن تكون ناجحا في كتابتك فاستمر ولا تنقطع عن الكتابة فهناك فرق بين الكاتب الناجح و غير الناجح ..

"الفرق بين الكاتب الناجح والكاتب غير الناجح يكمن في الإستمرار والإصرار على الكتابة. فهناك فيلق من كُتاب الرواية الذين ظلوا لسنوات لا يلاقون أي قبول. ولكنهم واصلوا الكتابة واستمروا لأنهم يحتضنون في داخلهم كُتّاباً. وهذا هو ما أنت عليه الآن. وذلك هو ما أنت بصدده إزاء هذا الكتاب. فعندما أصادف أي من تلاميذي الكُتاب أكرر كلمتين (واصل الكتابة). وهذه هي أفضل نصيحة. فهل أنت مقتنع بهذه الحقيقة؟ وهل أنت مستعد لتأليف حبكة تجعل القراء يسهرون الليالي؟ تعال معي لأريك كيف تفعل ذلك"(2).

***

الكاتب: شدري معمر علي  -الجزائر

.......................

1- الحسن بشوظ ، الكتابة مِن الهِواية إلى الاحتراف، موقع بالعربية.

2- وصايا جيمس سكوت بل، صحيفة الأيام البحرينية.

 

اعتدت في شهر رمضان المبارك من كل عام اختيار كتاب مميز ليضاف إلى قراءاتي الاعتيادية في سائر الأيام.

واخترت هذا العام كتاب (محمد جواد مغنية من التجديد الفقهي إلى الدولة المقاصدية العصرية) لمؤلفه المفكر جواد علي الكسار.

والكتاب من الإصدارات الحديثة لدار الشؤون الثقافية العامة، وهي مشكورة جداً على هذا الإصدار الرائع، ويقع في 535 صفحة من القطع الوزيري، وتضمن معلومات كثيرة ومتنوعة، وأفكار تنويرية راقية، وتجارب حياتية ناضجة، وقد كتب بأسلوب جميل يشد القارئ المثقف منذ السطور الأولى.

عن حياة المترجم له قال المؤلف في أحدى الومضات:

(محمد جواد مغنية، عاش حياة قاسية يتيم الأبوين، بعد أن فقد والدته دون الخامسة، ووالده وهو في الثانية عشر من عمره، مشرداً بلا مأوى، ولا معيل يرعاه أو كفيل يوفر له مستلزمات الحياة، ولو على مستوى الكفاف!

هكذا مضت بواكير حياته الأولى؛ عقبات كأداء من اليتم والتشرد والفقر وفقدان المأوى، فواجه ذلك كله بثبات مشوب بالتحدي والعناد، عندما جرب حظه في عاصمة بلده بيروت، بألوان المهن المتواضعة من قبيل بيع الصحف والكتب العتيقة، والمشروبات الغازية وصناعة المعجنات المحلية، إلى أن جاءت هجرته إلى حاضرة النجف الأشرف، لتكوم هي المنعطف الذي غير مسار حياته بالكامل، فصار العالم والمتكلم والمفسر والفقيه، ومنظر الفكر الاجتماعي والسياسي، والداعية التنويري الغيور، والمنافح عن الإنسان ومشكلاته والشعوب وقضاياها.

كان عظيم الهمة، بالغ العزيمة، جلداً مثابراً، يعمل دون كلل أو ملل، يمضي من اليوم والليلة بين 14 – 18 ساعة عمل، منكباً على الإنتاج بحثاً وتدويناً حتى الليلة الأخيرة من حياته).

وعن الفكر السياسي للعلامة محمد جواد مغنية يقول المؤلف إنه (شهد المزيد من أنسنة الدولة وجرها من أفقها الهلامي؛ أفق دولة التصورات والأماني، دولة اللامكان واللازمان، المعلقة في أعالي التاريخ وعالم المثل، إلى دولة الإنسان على الأرض وفي هذا العالم!)، وقد جرؤ على "أسلمة" الأنظمة الإنسانية، بمعيار الرؤية المقاصدية القائمة على إقامة القسط في حياة الناس ميزاناً لفعلها.

ويصف المؤلف كتابه الممتد على مئات الصفحات بأنه دراسة وطفية تحليلية لأفكار ورؤى ونظريات وغيرها الكثير، والأهم أنها مسعىً لاكتشاف الأسس المعرفية العميقة التي تقوم عليها هذه النظريات والبنى الفكرية التي ترتكز إليها.

***

جواد عبد الكاظم محسن

أكتب لكل المغاربة أينما يوجدون وحيثما وُجدوا، أكتب عن الوطن الإنسان والأرض. أكتب عن برزخ الترف وأهل الحل والعقد والديمقراطية التمثيلية. أكتب عن تجليات أسباب البؤس وهمِّ الحياة. أكتب عن الوطن الذي نتقاسم هواؤه بلا رسوم ضريبية، أكتب عن وطن لا نقدر القبض فيه على عدالة الاستفادة من ثرواته بالإنصاف والمساواة.

 أكتب عن كل أصنام وعبيدي كراسي السيطرة السياسية، والتحكم في الرقاب والأرزاق. أكتب عن مخلفات توزيع الثروة بالتفاوت، أكتب عن أشكال الفساد، و حربائية الريع (حلال). أكتب عن القيم وحقوق العباد والوطن، وعن جفاف بئر القيم و أخلاق العناية في وطن التمايزات، قبل موسم الجفاف والعطش. أكتب عن عوزنا في تجديد قيم تُوازي التحولات الاجتماعية. أكتب عن نكوص رؤية الخير بالموازاة مع طوفان المكر والخداع (الحديداني) والفساد والشر. أكتب عن تحويل المثُل السليمة والأخلاقية إلى ماض يوصف بالرجعية. أكتب عن صفقات التحديث بتسويق ثقافة التفاهة الهجينة، و طمس محتويات الثقافة الملتزمة النظيفة.

الوطن الذي يسكني، ويوحدنا بالعدل عبر تسلسل رقم بطاقة، هو الذي أكتب عنه بفخر، وبلا مشوشات من نخبة الفكر الخاملة، ولا من النقاد المتشائمين، ولا من اللغويين الشكليين في النحو الكلي وسياسة الرفع والنصب والجر والراحة داخل ردهات الثقافة النفعية. هو الوطن الذي وزعت فيه مشاتل طفيلية أنبت الوصولية والانتهازية والنصب والاحتيال والفساد. هو الوطن الذي صُنعت فيه بصيغة المبني للمجهول، المستبد بالسياسة، والممتهن لها. هو الوطن الذي لم ينصف كل مواطنيه بالعدل والمساواة والحق في حياة الكرامة.

أكتب إليكم جميعا يا من يتحركون بلا أسناد العدالة الاجتماعية على أرض الوطن الطيبة، يا من يتحركون بتلف وسط زحام الحكرة واحتكار الغلاء. أكتب إليك أنت والآخر ، ونحن بالمذكر والمؤنث في مغرب العمق وهوامشه القصية والدانية. أكتب عن رائحة عرق تعب الحياة ووجع ضبابية.  كل الكتابات تبقى يتيمة بثوب نظافة كفن حدوث موت المستقبل. كل الكتابات تستكين إلى معقوفات قسوة الحياة و توتر التفكير السياسي البديل، ما بعد هذه الحكومة؟.

 حين أكتب تنطلق الذات بالتعبير عن بعض متنفسات كَرْب الحياة. تبدأ الريشة تبحث عن مداد الكرامة والعدالة، وحماية القانون من القاعدة الشعبية بالبدء. لكنها قد تنكسر لزوما أمام عيوني، وبين أناملي عمَّا فسد ويُفسد تفكير بناء آليات إدارة التغيير ضمن استمرارية الاستقرار الاجتماعي.

أكتب عن المواطن البسيط  حد الروعة. أكتب عن مطالب معدودة على رؤوس اليد الواحدة (كرامة/ عدالة/ حرية/ إنصاف/ حكامة). أكتب عن المواطن الذي يمني نفسه بتعليم عمومي وفق رؤية الإنصاف وتكافؤ الفرص و الجودة. أكتب عن المواطن الذي يرى العدل في نيل الرعاية الصحية  بالمجانية. أكتب عن المواطن الذي لا يقبل الإحسان المفبرك والمخدوم. أكتب عن المواطن الذي تمرغت إنسانيته وسط مطارح الأزبال بالهبش والنبش في القمامة. أكتب عن المواطن الذي يطمح إلى بلوغ بداية سلم الكرامة في المعاملة و المساواة عند الدولة.

أكتب إليكم جميعا عن بوابات خلق مصالحة توافقية بين كل مكونات الشعب المتفردة والمشتركة. أكتب عن جبر الضرر والتعويض عن موائد البؤس والفقر والعوز لغالبية الشعب.

لن أكتب لجهابذة الكتاب والفكر وهم   في منتجعاتهم على الأرائك متكئين. لن أكتب لنقاد القسوة التقليديين ومسقطي المناهج الغربية بأمانة النقل، لأن مهمتي كانت دائما تكسير الجدار الرابع، والثورة على تصويباتهم الفجة. لن أكتب عن فِطْر الشكلايين من ذوي النحو الكلي، فَهُمْ في قياس الكلمة بين الرفع والجر والنصب مُلتصقين، ولا زالوا مع إخوة كان في التصب يمارسون ثقافة (أبا هند فلا تعجل علينا...). لن أكتب عن الانطباعيين  في المدح والتكريم، بل أنا بحق أمارس  حقي في الكتابة عَمَّا في حياة المواطنين من تهافت واضطراب في وطن (أهل المكارم).  

***

محسن الأكرمين

 

المقال مهدى الى الصديق محي الإشيقر

يبدو أن عودته لبلده وبعد فترة إغتراب قصري ربما زاد على الثلاثة عقود من السنين قد تركت أثرا كبيرا عليه، وخاصة إثر تلك الزيارة التي قام بها لشارع المتنبي الذائع الصيت في بغداده. فها هو بين دفتي ذلك المكان العريق وليتفاجئ بالعديد من المتغيرات، منها ما سُرَّ به قلبه ومنها ما لم يكن بالحسبان. فما لفت إنتباهه على سبيل المثال تلك التجمعات الجانبية المتنوعة وما رافقها من أحاديث ونقاشات صاخبة، وبشكل خاص الجادة منها وفي مُختلف المجالات. كذلك عديد الأنشطة المقامة والتي تراوحت بين مَنْ إجتهدَ بالغناء وعلى طريقته ظناً منه بأنه سينال من الرضا ما سُيفتح له باب الشهرة واسعا، والتي ستساعده بدورها على ولوج مبنى الإذاعة والتلفزيون برحابة وثقة، كما كان سائدا من أعراف في عهود سابقة.

وَمنهم مَنْ راح يرسم ما يطيب له من خطوط طول وعرض ويداخل فيما بينها وعلى نحو عشوائي في أغلبه، محاولا تقليد بعض الرسامين العالميين ممن كانت لهم الحظوة في تأسيس وبناء تلك المدارس الفنية التي باتت منهلا ومصدرا للملتحقين الجدد، حاثين الخطى للسير على ذات النهج، آملين أن تفتح لهم كل المداخل الموصدة. ومنها وللأسف مَن مدَّ يديه بعيدا، طلبا لمن يشفق عليه ويُكرمه بما تجيد به النفس الأمارة بالحب وبالرحمة، ولعل أعداد الفئات الأخيرة وللأسف ما يشير الى تزايدهم وبشكل مُلفت على وفق ما شاهدتهُ  وما أنبأني به كذلك مَنْ كان برفقتي.

في ذات الشارع وبينما كان يزجي الوقت، فقد شدَّت ناظريه مجموعة من الصور المرصوفة على واجهة أحد المحلات، لعدد ليس بقليل من المفكرين والشخصيات البارزة، والتي لعبت في وقت ما دورا كبيرا وشكلت منعطفا هاما في رفد الإنسانية بمعارفها وعلومها، ككارل ماركس وهيغل وإبن خلدون وأنجلز وآدم سميث والفارابي وإبن سينا. فضلا عن تعليقه وعلى الجانب الآخر من واجهة المحل وفي مكان بارز منه، لصورة ذلك الشاعر الماجن أبو نؤاس، كما يحلو للبعض أن يطلق عليه من تسمية. وتعليقا على هذه الصورة وما لفتَ إنتباهي لها هو تعرضها كما يبدو الى محاولات عبث وتشويه متكررة، ومن قبل نفرٌ ضال وبذرائع شتى، وهذا ما أكده لي أيضاً صاحب المحل حين إستفساري عن الأمر. ناسين ولا زال التعليق له، بأن ما نشاهده على أرض الواقع من موبقات ووقاحات وإنحرافات، ومنذ وقوع ما يسمى بالتغيير، لتشيب لها الولدان وتهتز لها العروش.

وبسبب تعذُّر العثور على ما هو أوضح منها وأكثر قربا وشبها به، ولأنه أيضا أي صاحب المحل، يمتلك من الذائقة أجملها، فقد راح معلقا بجانب صورة أبو نؤاس رسما تخطيطيا لأحد الشعراء المتصوفة المعروفين والبارزين، والحديث هنا عن كبير القوم، إبن الفارض أبو حفص شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي، المولود في مصر المحروسة والملقب  بسلطان العاشقين.

ثم راح كاتباً تحتها وبخط كوفي واضح وشديد الأناقة مع إضافة علامات الإعراب المناسبة، التي أضفت على جمال كلمتها جمالا، كذلك ستساعد القارئ على تحريكها وبلغة صحيحة نظيفة، لا يطالها عيب، بل ستطرب لها الأسماع، بعض من أبيات شعره، والتي جاءت على هذا النحو:

مالي سوى روحي وباذلُ نفسه

في حب مَنْ يهواه ليس بمُسرفِ

*

فلئن رضيت بها فقد أســعفتنـي

يا خيبة المسعى إذا لم تُســـــعَفِ

في هذه اللحظات، ألفتني وقد توقفت طويلا عند أبيات الشعر هذه وما حملته من دلالات وَعِبَر. ثم شرعت ومن شدة تفاعلي معها وتأثري بها وكي لا يسمعني أحد بترديدها همسا بيني وبين نفسي ولأكثر من مرة، الاّ أن العقال قد فلت وافتضح أمري حتى تنبَّه لي صاحب المحل وليعلق: لقد ذهبت أيام العشق وذهبت معها مَنْ كنتَ تهواها. هنا ما كان لي الاّ أن أردٌ عليه: في هذه الأبيات، ألمَسُ عشقا زاهدا، سمِّهِ إلهياً أو سَمِّه صوفياً أو ناسكا إن شئت. وعلى إثر ذلك فقد إمتد الحديث بين صاحب المحل وبيني وبما يعطي إنطباعا بأننا على تناغم وألفة ومنذ عقود خَلَتْ.

ثم أعقبها بأن قام صاحب المحل وبعد أن فتح لي قلبه ليفتح لي أيضاً باب مخزنه الداخلي، وهذه وعلى ما جَزَمَ لي من الأفعال النادرة التي يقوم بها إن لم تكن من المستحيلات، وليقودني الى ما يخبأه من تُحف وصور ذات شأن وقيمة ودلالة، والتي من بينها تلك اللقى التي ما كان لها أن ترى النور في عهود سابقة لولا فسحة الإنفتاح النسبي الذي يشهده البلد، والذي بلغ حداً من التسيب في بعض من جوانبه، وربما هي نعمة أو عثرة فلتت من بين عيني الرقيب دون رغبته أو إرادته وسوف لن تدوم طويلا، حيث سيلتفت لها سدنة الحكم ليقدموا على حجبها عن العامة ولو بعد حين.

ومن بين الصور التي عرضها على سبيل المثال، تعود لبعض الممثلين العالميين كغريغوري بيك وجيميس ستيورات وكاترين دينوف، فضلا عن آخر ظهور لمخرج فيلم الرسالة مصطفى العقاد قبيل رحيله عن الدنيا بفترة قصيرة وبصحبته أنتوني كوين الذي قام بأداء دور حمزة إبن عبد المطلب وبكفاءة عالية، حيث أثبت وبما لا يدع مجالا للشك بأنَّ ما قام به من أداء، ليفوق كثيرا حتى على بعض الفنانين العرب فيما لو أنيط بهم الدور، وذلك بإعتراف نقاد السينما أنفسهم وكل من له صلة بهذا الفن.

غير أنَّ ما لفت إنتباهي أكثر ومن بين كل الصور التي عرضها داخل المخزن وبسرية عالية، هي تلك اللقطة التي تعود الى الممثل العالمي الراحل عمر الشريف، متوسطا في جلسته مجموعة من الرجال وفي إحدى صالات القمار. وأظنها قد ألتقطت أثناء إحدى زياراته المعتادة والتي كان يقوم بها الى هوليود بين حين وآخر.

وبمناسبة الحديث عن عاصمة السينما العالمية فقد سرَّني أيضا بعرض صورة الممثلة الأمريكية الراحلة مارلين مونرو، والتي تعود الى فترة الخمسينات وهي الفترة التي شهدت بدايات تألقها، حيث تظهر فيها شبه عارية. ثم راح مستذكرا وعلى هامش هذه اللقطة ما أحاط بها من واقعة، حين قال: كاد أحدهم وممن ركب موجة التدين مؤخرا ومع مجيء سلطة الحكم الجديدة، أن يقدم على تمزيقها بعد أن صَعُبَ عليه سرقتها، لولا تنبهي له وبمساعدة أحد الزبائن لما كان ينوي القيام به وفي اللحظات الأخيرة.

وآخر تلك الصور التي عرضها عليَّ صاحب المحل تعود للباشا نوري السعيد، آخر رئيس وزراء العهد الملكي الذي يحلو للبعض بتسميته بالبائد، حيث يظهر فيها واقفا وبجانبه صهره الضابط العتيد جعفر العسكري. وبالمناسبة فقد ساومتُ وناورتُ كثيرا على الصورة الأخيرة بهدف شرائها الاّ أنه رفض ذلك رفضا قاطعا، حيث عدَّها من بين مقتنياته الخاصة والتي لا يمكن التفريط بها وبأي شكل من الأشكال وبأي ثمن كان.

وعن هذه الظاهرة أي الإنتشار الكبير والواسع للصور الممنوعة وما يشبهها من نوادر، فقد وجد لها صاحب المحل وبحكم خبرته ورصده ومواكبته للتطورات السياسية ولعهود مختلفة، تفسيرا يبدو مقنعا والى حد بعيد، حيث أدخلها في باب ما أسماه بالفوضى العارمة التي يشهدها البلد وكذلك ضياع البوصلة وما يرافقها من تخبط، حيث لم يعثر أصحاب السلطة وحتى اللحظة على قرار أو خيار أو أرض مريحة يستقرون عليها. أو أن ما نراه وفي تفسير آخر له، فهو ناجم عن فلسفة جديدة في الحكم، عمادها دع السلطة لصاحبها، قبالة أن يُترك للشعب فعل ما يراه مناسبا، حتى وإن عمَّت الفوضى وضربت أركان الدولة من أقصاها الى أقصاها، شريطة أن لا يتقاطع الطرفان (أي الحاكم والمحكوم) أو يصطدمان ويُفسخ العقد المبرم شفاها بينهما، إنطلاقا من تلك القاعدة التي طالما أنقذت العديد من أنظمة الحكم الديكتاتورية والتي مفادها: ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

مع حلول ساعة الأصيل وإسترخاء ضوءها وغفوته على كتفي نهر دجلة، راحت أمواج النهر تتراقص لتبعث في نفس الناظر مشهدا، شديد في جماله،  ساحرا. في لحظات كهذه ستبدو الشمس كمن أعطت إيذانا للزائرين بمبارحة المكان وليجد صاحبنا نفسه سائرا مع الركب أسوة بغيره، وذلك بعد أن أنهى جولته وأشفى غليله. غير انه ولكي تكون خاتمته مسكا، تعمَّدَ التأخر قليلا عن ركب المغادرين وليتوقَّفَ عند ذلك الصرح الثقافي العظيم، وليطوف حول نصب الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي، متأمله، محاولا الربت على كتفيه. ولأنه قد تَعَذّرَ عليه تحقيق ذلك بسبب مقامه العالي، إستعاض عنها ببضعة كلمات حانيات، مباركا له إختياره من نهر دجلة والذي لا يبعد عنه سوى بضع خطوات، صاحباً وجليسا وأنيسا لتبديد وحدته ووحشته إذا ما جُنَّ الليل. غير انه سيعاتبه أيضا: أما كان لك ولصاحبك النهر في أن تزجيا الليل حين يجفاكما النوم بتلك القصيدة التي تقول فيها:

أرقٌ علــى أرَقِ ومــثليَ يـــأرَقُ

وَجَوىً يزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ

*

جُهدُ الصبابةِ أن تَكونَ كَما أرى

عَــينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلْـبُ يَــخفِـقُ

وإذا ما ملتُ قليلا للتحدث عن شاعرنا طيب الذكر وسيد المقام، فهو لم يعش تلك الحقبة الذهبية من الزمن والتي أسماها المؤرخون بالعصر العباسي وبكل ما حملت من زهو وسمو فحسب، بل كان كذلك شاهد حق وناطق صدق عليها. يوم كانت بغداده عاصمة للدنيا وشاغلة للناس، يأتونها من كل بقاع الأرض ومن كل فج عميق، إذ هي محجَّهم وقبلتهم وموئلا للطامعين والطامحين، لينهلوا من فنونها وآدابها ومن كرمها، إبتغاءاً لسعادة الروح قبل الجسد، فعطاءها ليس له حدود ولا أظنه سينضب، رغم ما تعانيه في هذه الآونة من كبوة، وعلى أيدي غزاة أوباش.

وبعد أن إتخذ من أحد الفروع المفضية الى الشارع الرئيسي وجهة له وصولا الى مسكنه القريب من هناك، تناهى الى مسامعه وعبر مكبرات الصوت مشاجرة أطرافها أكثر من إثنين على ما يبدو، تبادلوا خلالها أقذع الكلام وألوان من الشتائم والسباب، الّا أن الأمر لم يدم طويلا حيث جرى تنبيههم من قبل أحد الواقفين. وعند إقتراب صاحبنا أكثر تبين أن هناك تجمعا صغيرا يحيط بما يشبه الدكة وقد إعتلاها بضعة أشخاص، كان من بينهم بل متصدرهم ذلك الذي كثيرا ما كتبت عنه وضده صحافة الخارج المعارضة، بسبب تلونه وتنقله بين أحزاب عدة، كان من بينها ما هو محسوب على اليسار وبشقيه، قيادته ولجنته المركزية، كذلك إنتماءه فيما بعد لما يسمى بالتيار القومي العروبي، وأخيرا إصطفاءه لإحدى المجاميع الدينية وبعد أن ضربته صحوة الضمير على ما إدعى وروج له، ولابد له ما دام الحال كذلك من العودة الى صفاء الروح وإرضاء الضمير ومغادرة الدنيا لملاقاة خالقه بقلب خاشع مطمئن سليم.

في هذه الأثناء وعند توقفه الإضطراري إنتظارا لخلو الطريق، فقد وصل مسامعه قول أحدهم للآخر: أتعرف هذا الشخص المعتلي الدكة .... لقد ساوم أرملة صديقه، مبديا تقديم كل أشكال المساعدة لها، قبالة ليلة حمراء يقضيانها معا. أمّا صاحبنا ولأنه إستهجن الموقف فلم يطل به المقام حيث مرقَ من بين بضعة من الواقفين، ليتجه صوب الشارع الرئيسي والذي سيقوده الى بيته مشيا على الأقدام.

الذي خفف من وطأة ما لاقاه قبل قليل، هو مشهد الإنتقال الى العالم الآخر وما يحدثه من تداعيات داخل النفس البشرية، والتي لم يكن ليتوقعها، ولعلها ستبعث في روحه شيئ من السكينة. فقد مرَّ من أمامه موكب جنائزي طويل، تتقدمه إحدى العجلات الخاصة والتي تحمل بداخلها نعش أحد رجال الدين من أهلنا المسيحيين وهي متجهة صوب إحدى الكنائس القريبة في العاصمة، وذلك لأداء فريضة القداس على روحه، وعلامة الصليب قد بانت واضحة وهي تعتلي مقدمة العجلة. وأزاء هذا المشهد ما كان على المارة وأمام حالة خشوع كهذه الاّ التوقف إحتراما للراحل ولجلال الموت.

في هذه الأثناء لفت إنتباهه وفي الجانب الآخر من الشارع وحيث يقف، رجلان وهما بكامل قيافتهما العسكرية، في حالة إستعداد وإنضباط تامين وهما يؤديان التحية عرفانا وإحتراما للرجل الراحل، ولتأتي إنسجاما مع تلك العادات والتقاليد الأصيلة التي ورثوها وتشبعوا بها، وما أملته كذلك المؤسسة العسكرية التي ينتسبان اليها. في هذه الحركة التي أقدما عليها أعاداني الى تلك الطقوس التي جُبلنا عليها يوم كنّا صغارا وَتنامت حتى كَبُرت معنا.

أخيرا، تلوح لي ومن بعيد وفي آخر النفق حزمة من الضوء، تكاد أن تخترق الظلمة، حاملة معها بشائر خير ورسائل حبٍّ لجمهرة من العاشقين. أمّا عن شجرة التفاح التي سقيناها سوية فستثمر يا صاحبي ويحين قطافها ونشم عطرها، وسيعود العراق الى أهله من جديد.

***

حاتم جعفر - السويد / مالمو

ها هي اللحظة بكامل بهائها حيث يقبض الحالم.. بنظرة طفل على جمرة شؤونها وشجونها في غفلة من الزمن قولا بالبهاء الكامن فيها من جمال وقسوة وأمل وشجن في حالة من والحب والحيرة والأسئلة الفاتنة.. انها فتنة الصورة وهي تحاور الأشياء والعناصر والتفاصيل نحتا للسيرة والدواخل حيث للأمكنة والجهات والمعالم والمشاهد والكائنات ومختلف العوالم تلك الأسرار التي بها وفيها واليها يبوح القلب بما يعتري شواسعه ذهابا تجاه العميق من الأشياء والدال عليها..

هكذا هي اللعبة الفنية مع الصورة التي هي حالة قنص وحوار مع الزمن  لابراز الأهمية والجميل والبشع بكثير من صدق اللحظة وما يعتريها من انشائية ممكنة قولا بجمالية أخرى تقترحها الآلة التي تطلب وهنا النظر بعين القلب لا بعين الوجه لتقول بالنهاية تلك الصورة ما يخطه المبدع بل أكثر فهي تغني أحيانا وأكثر هذه الأحيان عن الكلام.. والكلمات.. الصورة أبلغ من النص..

من هنا نمضي مع تجربة في مجال الفن المتصل بالصورة والفوتوغرافيا حيث القول بالمكان والمعمار وما به تتسع الذاكرة وهي تفصح عن المهمل والمتروك والمهمش والبهي الذي لم يعد موجودا ليخلف الحسرات بفعل اللامبالاة والاهمال لتتعدد هذه المعاني تجاه الأزقة والأحياء والعمارة والأمكنة والمشاهد والشخوص و.. وغيرها وكل ما دل ويدل على شيئ من أحوالنا الشتى..

انها الصورة بأهمية ما تخطه لتقترح علينا نصوصها من سرد وشعر وتوثيق وتأريخ.. بابداعية وحلم وحنين وغناء لا ينتهي معه العزف والنزف.. هي الصورة حيث العين الدالة الى ثيماتها تقود الفنان الى ما غفل عنه القوم.. الى جوهر الأشياء في كثير من الحب.. حب الالصورة والمصور وما هو موضوع تصوير.. هذا الحب الذي هو عنفوان رفعة وسمو للقول بالذات تجترح فعلها الجمالي ولا ترنو لغير ما هو كامن في ذلك على أنه عين من عيون الفن القصر الفسيح عالي الأسوار والحكايات ويطلبه ذلك من مكابدة ودأب واصرار..

و من هنا أيضا نمضي ضمن سياقات الفن مع عوالم الفنان الفوتوغرافي عاشق الصورة وما يحف بها من ممكنات ودلالات.. الفنان أمين بوصفارة الذي يبحث ومنذ سنوات في مجالات هذا الفن عن لعبته المشتهاة مثل أطفال الأحياء متجولا بينها مثل قناص ماهر يتخير مكامن الأهمية في التعاطي مع الآلة لأجل القول بالحالة..

في عمله الفني غوص في تفاصيل الأمكنة حيث المواضيع على قارعة الطرقات يحاورها ويحاوله بما به من دهشة ولوعة وحنين.. وهكذا كانت مؤلفاته المصورة عناوين متعددة لما تخيره طيلة عقود لتكون الثمرة معارض فردية وجماعية ومشاركات في تونس وخارجها وصولا الى الكتاب الأنيق بعنوان " تصور لمصور " الذي يحكي شيئا من قصته الجميلة هذه مع الصورة وفنونها وشؤونها وشجونها..

الكتاب في صفحاته يأخذك الى مجالات شتى من عوالم تونسنا الجميلة بأمزجتها وأحوالها المختلفة ولكن بكثير من حميمية الفن ولحظاته الفارقة وذلك بروح فنان هام بالأشياء يجترح ضمنها حيزا من فكرة الصورة لديه.

فناننا أمين بوصفارة أصيل مدينة المهدية التي شهدت خطاه الأولى في التعلق بالصورة والتصوير منذ طفولته وقد برز عشقه هذا بنادي التصوير بدار الشباب بالمهدية وعمره 12 سنة في عام 1986حيث كانت له تجارب عمل كمصور بخابر التصوير وفي منتصف الثمانينات من القرن الماضي تخير الذهاب والمغامرة في فنون الصورة والتصوير بعد تزايد شغفه بعالم الفوتوغرافيا ليصبح كل ذلك همه وفي كثير من النزوع الى الجمالية والابداع لتبرز في صوره المنجزة تلوينات من حياة الناس والمشاهد والجدران وما علق بها من عبارات دالة وصور وخربشات والمعمار و.. غيرها.

برزت خصوصيات العمارة والمعمار في الأحياء التونسية في صوره وفي هذا الكتاب الفني وخاصة المباني التي شهدها القرن التاسع عشر وما بها من آثار مبتكرة تعود الى فترات المعماريين من ايطاليين ومالطيين وفرنسيين وغيرهم.. صور لجمال عابر وبعضه مقيم حيث الصور التي تكاد تكون الأخيرة قبيل التداعي والاندثار.

أمين بوصفارة فنان خبر عوالم وخفايا وعطور الصورة بما هي مادة قول ووسيلة ذكرى وذاكرة وأيضا شاهدة عصر قدام هذا الخواء والسقوط الذي تشهده الانسانية التي تدوسها العولمة قتلا للخصوصيات والهويات لأجل التنميط حتى يكون الانسان رقما ومتحفا مهجورا..

هذا وقد انتظمت لهذا الكتاب الفني – الكاتالوغ الأنيق للفنان بوصفارة عدة حصص وحفلات للتوقيع بحضور عدد من الفنانين والنقاد والذين هاموا بعالم الصورة حبا وعشقا وغراما وبالنظر لمحتوى هذا الكتاب المتضمن لشيء مهم من ذاكرتنا. ذاكرة العناصر والأشياء..

الأمين طفل شغوف يحمي شغفه بالصورة بهذا الدأب اليومي والانكباب على ما به يتجدد ويجدد من علاقاته المختلفة بالناس والأمكنة والتفاصيل والعوالم نحتا للقيمة وقولا بالفن يعلي من شأن الدلالات..  ودفعا باتجاه رغبات شتى ومنها رغبات الطفولة المقيمة بدواخله كذات حالمة ومسافرة ومقيمة في ذات الآن  حيث الصورة تسطو على الكثير من مساحات الانسان الوجدانية والجمالية والحضارية.

***

شمس الدين العوني

حرصتُ ومعي عدد من الزملاء للحصول على مجلد أنيق وجميل ضم بين دفتيه الأعداد المائة الأولى من جريدة “ زوراء” التي صدرت في العهد العثماني أيام الوالي المتنور مدحت باشا، وعُدَّ صدورها لأول مرة في حزيران 1869 م عيداً للصحافة العراقية. وقد أوفى الزميل يحيى الزيدي بالوعد الذي قطعه لنا بأنه سيتواصل مع مركز ژین للتوثيق والدراسات في السليمانية، وهو الجهة التي قامت بنشر المجلد ضمن مشروع مشترك مع مكتب التفسير للطبع والنشر للحصول على نسخة منه لكل منا، وخلال بضعة أيام كان المجلد في متناول أيادينا.

يمكن اعتبار مجلد اعداد “ زوراء “ في سنتها الأولى، من أواخر الأعمال المهمة التي أنجزها المؤرخ الكبير عماد عبد السلام رؤوف، فقبل يوم من وفاته كما تخبرنا كلمة المركز كان قد اطلع على صورة صفحة منظفة مسحوبة للجريدة ففرح بها كثيراً لأن الصفحة الأصلية لم تكن بمثل هذا الوضوح الذي جاء نتيجة جهود ومحاولات كوادر فنية متخصصة استغرق عملها نحو سنة قامت بتنظيف المستنسخات الإلكترونية غير الواضحة بسبب ما علق بها من بقع وحبر منشور على صفحاتها، غير أن المفاجأة كانت في وفاة الدكتور عماد في اليوم التالي الجمعة السابع عشر من حزيران 2021 بعد يوم واحد من اطلاعه على تلك الصورة، إذ لم يمهله القدر ليتابع ويرى نتاج جهده في فهرسة الأعداد المائة ودراستها منذ أن أبدى سروره بهذا المشروع حين طرحه عليه المركز قبل عام من وفاته.

يعرف الكثير من الباحثين وطلبة الدراسات العليا في تاريخ الصحافة العراقية حجم المعاناة التي كانوا يبذلونها للحصول ولو على عدد واحد فقط واضح من جريدة “ زوراء” التي كانت تصدر باللغتين العثمانية والعربية، فما بالك وأن هذا المشروع يضع بين أياديهم مائة نسخة منها واضحة نسبياً، ويمكن للدارس أن يخرج بعد تصفحها بالعديد من الأفكار والانطباعات والأحكام المهمة حول ملامح الحقبة التاريخية التي صدرت خلالها الجريدة وطبيعة الأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وقت صدورها . ولكي يسهل المؤرخ الراحل على الباحثين وعموم القراء عملهم فقد صنع ما يشبه المعجم الصغير للمصطلحات الواردة في الجريدة مرتبة بحسب الحروف الهجائية التي “ تناولت مختلف جوانب الإدارة والحضارة في العراق عهد ذاك “، كما أعد فهرساً للمواقع والمدن والبلدان، وآخر لأعلام الناس الذين وردت أسمائهم ضمن الأخبار والحوادث والموضوعات المنشورة في تلك الأعداد مما وفر الكثير من الجهد لمن يأتي بعده.

وأحسب أن الرحيل المفاجئ للمؤرخ عماد عبد السلام رؤوف، قد ترك أثره في ظهور بعض الهنات البسيطة التي لا تقلل من أهمية هذا العمل التوثيقي الكبير الذي يشكر القائمون على انجازه، وأولها كتابة اسم الجريدة معرفاً على غلاف المجلد، وهذا مخالف لاسمها مجرداً من لام التعريف، فهي “ زوراء” لا “ الزوراء”. فضلاً عن أن الأرقام التي تدل على أماكن الفهارس من مواقع وأسماء غير دقيقة، وتبدو كأنها وضعت لنسخة أخرى غير هذه النسخة. كما وردت بعض الأغلاط الطباعية الطفيفة في كلمة المركز وبالأخص في قلب الفاء إلى قاف وبالعكس، مع أن الدكتور رؤوف يكرر في أكثر من مكان بأن “ زوراء” التي كانت تُطبع بطريقة الترتيب اليدوي “جاءت خالية من الأخطاء المطبعية” !.

***

د. طه جزّاع

هي جغرافيا التشاؤم بالمعنى الذي لا ترقى إليه الكثير من العقول، كون خلفيته تتأسس على الأفكار العظيمة التي تعرّي كل شيء تقريبا، تكشف زيف الديموقراطية، مثلا.

من منظور جوزيه ساراماغو، أقلّه، والذي هو مستهل هذه الرواية المنفلتة، أو الأفق الفاضح لأقنعة السياسي، من غير أن تتم بواسطته، عملية إشباع فضول ورؤى شخوص عالم المابين، ضمن حدود مثل هذه السردية، سردية التحول، وهوس المسخ.

أمجد والعجوز الضريرة دوجة، فضلا عن السارد، لبنات بارزة جدا، في هذا البناء السردي القائم على الأفكار الكبيرة، ورؤى التجديد والمغايرة.

يقول الراوي:

كنت وما أزال في الرحى. مر علي الزمن ثقيلا، واضطررت للبقاء، لم يكن عندي شيء في بلادي أسكن إليه. زمني تيبس فجأة، وصارت ساعاته حجرا، وما رويته رأيته بعيني رأسي، وسمعته، أو أخذتني في روايته الأهواء وحالات القول. ص(8).

إنها نافذة للغرائبي مكيفا، أو بالأحرى مضمّدا للزائد من جرع الحياة غير المرغوب فيها، على تراكم وعلقمية تكاليفها، كي يكابد الكائن بالتالي، كدمات ثقافة التفاؤل الزائف، حين يكون التشاؤم الواعي أداة استغناء عنه.

 هنا بطل الرواية الأول، بعدّه ساردا أيضا، وبعد أن يستقر في بلدة برلتراس، يجد في أمجد الرفيق الوفي والأنيس الصدوق، فيصعق بذبول المشهد، حدّا ينسيه هدفه من تأمم كهذه قلعة ناهضة على أنقاض حضارة قديمة.

أمجد بدوره يصمت عن جرح هجران خليلته له، وهو الأب لخمس فلذات، كأن لديهما القواسم المشتركة ذاتها، والتي تدفع بهما إلى الانخراط بقوة في حياة تشاؤمية تجاور المستويات الرمزية للتحول، وتنشد الأسفار في أفلاكه.

بديهي إذن أن نستوعب منسوب هذه الغرائبية، وأن نتنفّس معاني الحلمية المدموغة بإبداع التحول، بين جناحي عالم فوضوي دموي مضطرب، تماما مثلما يترجم ملامحه استذءاب الإخوة الأعداء، هوية الكائن بين الأدغال الدامسة، تظل مجرد هوية مشوهة، ومقامرة خلط أرقام ليس إلاّ.

هو تجلّي أنوي متشرّب لعقيدة التشاؤم الواعي:

 أما أنا فلقد حملوني في الليل، وأنزلوا سروالي، وكشفوا عن ربلتي اليسرى، وامتدّت يد بمخالب إلى الدمغة الحديدية الباردة، فوضعت فوق النار حتى احمرّت وتوهّجت، ثم ألصقت بتشفّ في لحمي، أحسست بشدق يفترّ، وبجسم غير بشري يدفع الدمغة الحمراء في لحمي، ويرجعها إلى مكانها. وانطبعت أرقام أربعة على مؤخرتي، ورميت إلى الخارج. الآن أنا إنسان مدموغ في مؤخرتي، رقم، مجرد رقم، بلا اسم. من يتذكر لي اسما في برلتراس؟ ص(12).

لعله شعور الوحدة القاتل، في عالم من الأرقام الباردة، بما ينم عن الإنكار والتجاهل والنبذ.

قد تكون السوداوية التي ترسمها قضبان السجون، وقد يكون جحيم الحياة وخريفها الذي حوّل الكائن إلى مجرد رقم، ونكرة بين معطيات الطبيعة وفي غمرة صراع الكائنات.

يقول الراوي:

لا أنا حسن الوزان، ولا الحسن البصري، ولا الحسن بن علي. أنا حي الله حسن، المعروف بالزيني، حسن بن بحارين من كفر بعيد، لا أفكر إلا في الستر. وها أنا لا يسترني شيء في أرض لا بحر فيها ولا سماء. أنا رجل من ذلك الزمان، اسمي الأصلي حسن، أما الزيني فاسم يناديني به الناس، قدر لي أن أبعث في حكاية كهذه، وها أنا أقبل بقدري، وأتم ما كتب لي. تمر الأزمنة متطاولة، ولا يتغير شيء. أهل برلتراس كما هم من بداية عهدهم، يترمدون إلى أن يتبخروا. وصبح يتنفس بملء منخريه، وهو يفرد جناحيه القويين، ويطير مسلطا عينيه على الوحش الرابض بهدوء في الأسفل.ص(231).

 إنها الهوية الحقيقية في استعدادها وقابليتها لتقديم جملة من التضحيات والتنازلات، طلبا للستر فقط، غير أن جل ما تحظى به، هو الباعث على الترمد، حدّ التبخر وفقدان كل شيء.

فإلى أي حضيض قد تهوي مثل هذه الشخصيات المكابدة لشتى صنوف المذلة والهوان.

أهي تستحق؟ كونها باعت بأبخس الأثمان، أصواتها، وبدل أن تزرع الأفق لاءات، وتتشبث بثقافة الرفض لواقع القمع وتمظهراته، تناهضه بكل ما أوتيت من قوة، فلا تذهب، بالتالي، تضحياتها هباء.

أم أن هناك ما هو مقصود لسلب الكائن إنسانيته، ومسخه، وجعله مجرد تابع أعمى وأبكم وأصمّ؟

أسئلة عميقة ومحرجة من هذا القبيل، تزخر بها سياقات الرواية، وتلهج بها ألسن شخصياتها المتماهية في قواسم مشتركة عدة، تحقن شريان هذه السردية بملح التشاؤم المشروع مثلما يجسّده الوعي.

التشاؤم عن وعي، لا حالة نفسية تحكمها المرَضية أو الإكلينيكية، باعتباره، أي التشاؤم، المرآة الفاضحة لنظير هذه السادية في استعباد واضطهاد الكائن وسحق هويته.

مهما يكن فسقف الحرية يعلو ولا يُعلى عليه، لذلك يتم تدوير أسئلتها على هذا النحو، وبأسلوبية المزج بين واقع انقماع الكائن وتسلحه بثقافة التشاؤم، نكاية في رمادية المشهد.

أسلوبية "كافاكية" أغدقت على السردية من طقوسيات المسخ والتحول، وفق شاكلة تليق بما تكابده مثل هذه الكائنات من أزمات وجودية كبرى، ضمن خارطة لتجاور الجنائزي والغرائبي.

والجميل في العمل، أن تجب فصول الشعر، في ذروة إقحام مخاتل، زمكانية التشخيص في استغراق سردي جواني متسارع، يستوعب موسوعية الإسقاطات.

الشعر كبلسم يذكرنا بألوان فجرعروبتنا المفقودة.

كعادته، يُفلح الروائي المتمرس نصر سامي، في توسيع معاني الإنسانية، موقنا بأن المعجم يفترض أن يكون على مقاس الوجع، وأن يفيض بانتهاكات سياقية، استحضار الزمان والمكان والتاريخ، عبرها، يتم، في أفق خدمة المعنى المبتكر، مباهاة بالموروث، وانتشاء بعصارة ذاكراتية ملهمة.

يقول:

لمن الديار بتولع فيبوس

                              فبياض ريطة غير ذات أنيس

هذا البيت لعبد الله بن سلمة الغامدة، وهو يلامس جوانب من جور المكان، فتغريب روح الكائن، انتهاء.

وإذن... هي رواية انبعاث، تفرج عن تفاصيله، شقوق خلفية تشاؤمية، تفتي بفوضوية مرتِّبة، وهدم بان.

حين تتملك الذات الساردة، مثل هذه النظرة التشاؤمية والتي أساسها الوعي العميق بالواقع.

***

أحمد الشيخاوي

شاعر وناقد من المغرب

......................

هامش:

انظر رواية: برلتراس، لنصر سامي، طبعة أولى2023، مسكلياني للنشر والتوزيع، تونس العاصمة.

 

غالباً ما يراودنا الحنين إلى الأمكنةِ التي تركت في داخلنا أثراً ما..

أثرٌ أقربُ ما يكون إلى ذكرى جميلة، عَصيّة على مغادرةِ الذّاكرة..

ذكرى تبقى مطبوعة في لمساتها الأخيرة على جدار الذّكريات..

وعندما نستدعي حضور الأمكنة عبر الذّاكرة، نشعر كما لو أنّنا نستعيد ملامح إنسان أثير لَدينا..

فالمكان المطبوع في ذاكرتنا والمتوغّل عميقاً في مجرى الشّعور، يقارب في ملامحهِ أو يقترب من ملامح الإنسان..

فطالما دفعنا الحنين لرؤيةِ أمكنةٍ باتت في عداد الذّكريات وأضحَت محضُ ذكرى، تنمو جماليّاً بمرور الزّمن، وتأخذ شَكلاً مغايراً، له نكهة ورائحة ولون لم يكن يتوافر عليها المكان في أوّل عَهدنا به.

ما مبعث تلك التّغيّرات التي حَدَثَت في مجرى الشّعور؟ فالمكان لم تُجرِ على ملامحهِ تبدّلات، بَقيَ كما هو في الذّاكرة، ولكن بقي الحنين إليهِ يزداد بإطراد، تتضاعف وتيرته كُلّما طوى الزّمن مسافة خلاله مروره، تاركاً جمرة الحنين تَتّقد..

ما علاقة الزّمان بالمكان؟ أيّةِ وشيجةٍ تصل بينهما؟

المكان كما يتراءى لنا مخلوقاً قائماً بذاته، مخلوقٌ كما نحن، مشدودٌ لجذورهِ أكثر مِنّا..

هل سمع أو رأى أحد ما مكاناً غادر مكانه!

الأمكنة لا تغادر أمكنتها ولا تستطيع أن تتحرّر من مكانها، مستأنسة في عزلتها، وربّما تأمّلاتها السّرمديّة، ولكن كيف تُلقي بظلالها عَلينا؟ بتأثيرها؟ بالحنين؟ بالتّوق إليها؟ كيف أفلحت في تبديل مشاعرنا حيالها؟ ما صلتنا نحن بالمكان، ذلك المخلوق المُحايد؟!

إلّا إذا أعددنا المكان كما نحن بوصفه روح، فنتبادل التّأثير فيما بيننا..

لا أستطيع أن أخال المكان بلا روح، وإلّا بماذا أُفسّر أو أسوّغ إنشدادنا إليه إن لم يكن يملك روحاً؟ روح كانت تفيض عَلينا بجمالها وحنينها ومؤثّراتها.. وعندما نُغادرها في وقتٍ ما، تبقى ذكراها مطبوعة في الدّاخل تلازمنا.

لو كانت الأمكنة خالية من الرّوح أو بلا إحساس أو لاتملك وجدان فَلِمَ نتوقُ إليها؟

رُبّما ينبري أحد ما ويقول: الأمكنة لا تملك أيّ شيءٍ من الذي ذكرت، وإنّما أنت تُضفي إليها من عنديّاتك ما ليس فيها.. هل بوسع مشاعرك أن تنجذب لأمكنةٍ لم تَرها أو تعش فيها؟

الجواب: لو لا المكان لما كانت الحياة ولا الذّكريات ولا المشاعر والجمال، نحن خارج المكان عَدم، المكان هو من يُضفي على وجودنا معنىً جَماليّ..

الجمال الذي نتحسّسه هو نتاج المكان، فالأمكنة لا تموت ولا تغادر، نحن من يَرحل ويتحلّل وربّما يغدو جزءاً حميماً من المكان عبر تحوّلات عضويّة تصيب الجسد، وربّما نغدو حجراً أو شجراً أو عشباً طافياً على سطح مياه ما..

وربّما كُنّا نحن جزءاً من مكانٍ ما في سالف العصور، وما حنينا إلّا توقٌ إلى جزئنا الذي تركناه هناك يمرّ بتحوّلات الزّمان.. جزئنا الذي تركته الرّوح القديمة، التي عادت إلينا ولكن بملامحٍ مغايرة..

 الأمكنة لا تموت، فما زالت الكهوف شاخصة، ماثلةٌ للعيان..

مات الإنسان وترك آثاره على الكهوف التي لن تموت أو تبرح مواقعها..

***

علاء البغداد - باحثٌ وكاتبٌ من العراق

 

عند تلك المحطة توقف قطار الحياة ليترجل فارس جديد من فرسان التشكيل تاركا أثره في قاطرته والقاطرات المجاورة أعمال فنية وانسانية كثيرة وغزيرة ستواصل رحلتها في قلوبنا وقلوب كل من عرفوه من الفنانين والاصدقاء والمحبين (الفنان عبد القادر عزوز في ذمة الله).

يبدو أثر البيئة واضحا في تلك اللعبة العفوية والتلقائية التي يسترسل من خلالها الفنان عبد القادر عزوز كما طفل عابث في كومة تراب قادر على التوقف متى أراد محتفظا بذاك الأثر الباقي والمتبقي من تلك اللعبة لمتلق عابر وقادر على تلمس تلك الجماليات المكنوزة.

البيئة بكل مكوناتها أزقة حارات بيوت تراب وعمائر هي المحرك الأساس لذات الفنان ولا يمكنها أن تكون كذلك إن لم تنتعش في مختبرات الذاكرة مشحونة بكل الآثار المرافقة شوق حنين دفء وهو يترجم أثرها هذا من خلال ذاك المجموع المشتق والمنبثق عن الترابيات والبنيات والقادر على العيش وسط هذا الدفء حتى وإن كان لونا مغايرا (من الألوان المكملة).

سر السحر في أعمال الفنان عزوز يتجلى في بساطة التلخيص للشخوص الانسانية كما ظلال متلاحمة ومترابطة   والخط الطفولي الراسم لحدود الاشكال المكتشفة والتشطيبات العابثة هنا وهناك وهو من حيث التكنيك يعمل وفق تراتبية مترابطة ما بين شفافيات الألوان المائعة والسائلة والمتروكة لتشق طريقها العفوي  وعجينة اللون وما تصنعه الفرشاة والشعيرات من تأثيرات تغني سطح العمل فهو لا يعنيه المنتج النهائي بقدر ما تعنيه تلك المتعة المتواصلة مع تلك التأثيرات وما تحققه من غياب وتلك إحدى أهم سمات فن الطفل (المتعة اللحظية  المبرر والغاية).

بتلك الروح استطاع الفنان الوصول الى حلول لكافة الاشكالات التي يطرحها العمل الفني لتتحقق معادلة التوازن والتناغم ولتعكس ألوانه عبر وعيه الفطري لتلك العلاقة ما بين الحار والبارد والأسود والأبيض ذاك الأثر الصادم  للون في النقطة الذهبية وذاك الاحساس المتناغم في مجمل العمل ككل.

***

الفينيق حسين صقور

تكاثرت الأعياد علينا والأيام حتى بتنا نعيش بين عيد وآخر أعيادا كثيرة. في صمت العينين قد يبدو التاريخ يؤرخ لكل الدموع النازلات من عيون بنات حواء ما بين يوم 8 مارس الماضي والآخر الحاضر بمتغيرات الذات والجسد، ثم يُنتج 8 يوم مارس في المستقبل قصة حب من زمن متاعب همِّ الحياة. مرات عديدة، تبدو التساؤلات عالقة بعلامات استفهام كبرى، وترتد على الشفاه المطبقات لتقتنص بَوح: أحبك سيدتي، حتى ولو كان يوم 8 مارس ممطرا من دمع السماء، فأنا كرهت الجفاف وجفاء العيون اللاصقات.

 لم أسلم من تيار شدِّ العيون العسلية استهلالا للحديث، وإعلان أنَّ الحب ليس رواية شرقية ولا غربية، ولا تربطه ب8 مارس إلا وردة عارية من أشواك الحياة !! مع الأيام بدوت أعشق تلك العيون العسلية، وحين يتموج اللون متغيرا مع قرب الأجساد والأرواح. في صمت كلام العيون، فأنا فقير في قراءة علامات الترميز والإضمار في يوم المرأة يوم 8 مارس، ولم أقدر يوما على فك شفرات ظلال العيون المخملية، لكني ما بعد يوم 8 مارس سأصبح متيما بحبك سيدتي.

في السرِّ أكتب رسالة حب في يومك سيدتي 8 مارس، وأُمزق كل ذكرياتي الباقيات، وأسميك الخوف والشجاعة. في كل الليالي الممطرة، أكتب شعر الصمت بأنين الرياح وموج البحار، ومن بدايات أُنشودة أمزق بوح الغزل على وجه الحياة، وأقف معاندا ظلي المعاكس في يوم 8 مارس الممطر من سماء الغيث بالبوح والحب.

أناديك يوم 8 مارس، بكل صور بلاغة فرح اللغة بذات (العينين الصاحيتين الممطرتين). أناديك الحكايات، التي لا تنقضي بنوم شهريار عند سماع حكي شهرزاد الأسطوري. أناديك في السر، وأعلن العصيان والثورة على يوم 8 مارس، وعند مرمى حرائق بقايا الحب، وأزداد جمالا بحضور أميرة (وجعي في حبي) أمام عيوني ابتداء من عيدك العالمي.

حبك سيدتي يحلو زهرا مع يوم 8 مارس، وجع من ذات الوجدان، آت من عمق قلب الحياة ومتاعبها. حبك مثل البارود يوقظ العشق والحكايات الأزاهير، ويُفتن بادية العشق. حبك قسمة ارث من وجعي الخفي والظاهر، فكيف لي أن أفسر ما لا يفسر وأنت الوجع الجميل؟ أحبك وجعي بلا منومات عشق، أحبك بلا انقلاب على عرف الحياة، ومواثيق عشاق العالم. أحبك، كالطفل وهو يرقص نشوة تحت تيار سحر العيون العسلية، وتحت رذاذ ماء المطر.

سيدتي صاحبة يوم 8 مارس: لم يكن عشقي الممنوع والمباح بفيضه الروحاني عالقا فوق الجسر، فهو دائما كان في مأمن بدوام روحي العاشقة، ولم ينجرف يوما بسرعة مياه عمق الوادي والتيار. يوما بعد يوم، قد كنت أَغلقت صفحات روايات الحب عند مرمى نار الحزن، مثلما ألغيت مسافات الذكريات البعيدة. يوما بعد يوم، لم أعد أستسغ طعم اختلاف عطر النساء، ولا فزع موج طوفان المواجع والألم، إلا أنت (وجعي في حبي... وفرجي الأبدي).

سيدتي صاحبة يوم 8 مارس: أيتها الأيام المتسربة بين الأيدي والقلوب، حبيبتي عرشها في سفينة بحر لا شط له غير قلبي. تتواجد عند كل حروف النداء: أحبك يا وجعي وفرحي، أنت القلب والحياة بحجم حنيني عشاق العالم. أنت الورد بلا شوك، ينبض مقطوفا بدم الحياة.

سيدتي ملكة يوم 8 مارس: ذات العيون العسلية، أرى العالم يتأثث في لوحة على مرمى كل العيون على الجدار. ألعب.. أرسم.. أبكي.. أضحك.. ألون الحياة من الأبيض الداكن بالسواد، بمساحيق تجميل العيون المخملية.. أنت وجع حبي، فمدي يديك.. نرقص على شرفة الحياة.

***

محسن الأكرمين

 

ماكس هايفلر؛ تعتبر احد روائع الأدب الهولندي، وهي للكاتب الهولندي ادوارد دوفاس ديكر 1820ـ 1887 م الذي اختار اسم مولتاتولي كاسم أدبي والذي يعني "أنا أعاني" باللغة اللاتينية. وقدا اختير هذا الأديب في سنة 2002 م كأكبر أديب في تاريخ الأدب الهولندي..

وُلد بالعاصمة أمستردام، ينتمي الى عائلة تمتهن التجارة، ولما صار شابا يافعا ً سافر الى جاوة، وفي تلك البلاد البعيدة  شرع في ممارسة أعمال تجارية وسياسية، اذ عُين سنة 1851م، حاكما في مالقا. وفى سنة 1857م عين حاكما في جزيرة جاوة.

وهذه الحياة السياسية جعلته يقترب أكثر من معاناة السكان المحليين، والظلم الذي يتعرضون له من طرف الإدارة الاستعمارية في اندونيسيا.

وبدأ يعلن عن تذمره من تلك المعاملة الغير عادلة، والانتهاكات اللا إنسانية، وبالمقابل اقترح بعض التصورات الإصلاحية التي تخص شؤون تسيير المستعمرات.

هَدد بأن يقال من منصبه اذ واصل الاحتجاج، فلم يأبه بذلك وعاد الى هولندة ساخطا، وفي  بلاده لم يستطع آن يبقى صامتا فشرع في نشر مقالات تحوي شهاداته عن الوضع السيئ في المستعمرات الهولندية القاصية ما وراء البحار والمحيطات.

وفي سنة 1860م نشر رواية ماكس هايفلر التي تصور وتفضحُ ممارسة المستعمرين الهولنديين في اندونيسيا، وحاولت السلطات أن تمنعها لكن عبثا فالرواية اشتهرتْ في هولندة، وفي كامل أوروبا، وهي اليوم تُعتبر من روائع الأدب الكلاسيكي الهولندي. وكان لها تأثير مباشر على السكان المحليين اذ باشرت الإدارة الاستعمارية في اندونيسيا إصلاحات واسعة تتعلق بالمجتمع المحلي والنشاط الزراعي.

وكانت هذه الرواية، بداية لإنتاج أدبي متنوع ومتميز، أشهره رسائل الحب 1861، أفكار 1862،توتييه بياتريس 1877، ومدرسة الأميرات. غادر مولتاتولي بلده هولندة، لكي يعيش في مدينة صغيرة في منطقة الراين بألمانيا، توفي سنة 1870م.

***

بقلم عبد القادر رالة

كما تاتي الغيوم وتذهب، وكما تتراصف السحب حتى يصبح الجو غائما معتما، يمكن بكل سهولة ان تنقشع بعد لحظات. قد تنزل الامطار غزيرة وقد تزخ زخا خفيفا ثم يصبح الجو بعد ذلك الطف. قد تهب العواصف عنيفة هوجاء تقتلع كل ما يعترض طريقها وتصب جام غضبها. لكنها في النهاية تهدأ.

أليس كذلك ؟؟

اذا لماذا تظل أنت عابسا؟؟

 لماذا تسمح أن تظل حزينا مطولا؟؟

لماذا تسمح للجو أن يظل مكفهرا في قلبك اكثر مما يجب؟؟

يقول ايكهارت تول في كتابه قوة الآن:" ...فالسلبية ليست الطريقة الامثل للتعامل مع أي حالة أو وضعية، وفي الحقيقةإنها في معظم الحالات تبقيك ملتصقا فيها ، محدثة تغييرا حقيقيا. أي شيء عمل بطاقة سلبية سوف يصبح ملوثا وفاسدا بواسطتها ومع مرور الوقت سيظهر ألما اكثر ، تعاسة أكثر وأكثر من هذا، فان أي حالة سلبية روحية داخلية ستكون معدية : التعاسة تنتشر بسهولة أكثر من المرض الجسدي"..

لماذا اذا تسمح لشمسك أن تظل غائمة مطولا؟؟

الآن عليك أن تأخذ القرار ان يكون ربيعك مزهرا مشرقا وشمسك دافئة لذيذة .

الآن خذه هذا القرار وانطلق ..

إن كان لك جناحان اطلقهما في فضائك الرحب وحلق.

وإن كان لم ينبت لك بعد جناحان إسمح لهما  ٱن ينبتا من ريش  أحلامك الصغيرة ..

لا شيء يمكن له أن يدوم  طويلاً في حالة سكون لأن الحركة والتغيير  والتطور والنمو هي سنة الكون..

لاتبقى حالة واحدة الى ما لانهاية ، فخذه قرارك بأن يكون الغد أجمل وأن يكون اليوم أروع.خذه قرارك أن تكون اللحظة الحاظرة هي لحظتك أنت والابنة الشرعية لشغفك وأحلامك وطموحك ولذاتك الحقيقية.المتاصلة فيك النابعة من فطرتك التي خلقك الله عليها ككائن لا محدود ..

يقول اكهارت تول:" ..ومن الممكن وبسهولة إسقاط أشكال عديدة من اللاوعي الاعتيادي عندما لاتريدها ولا تحتاجها بعد الآن ، حالما تعرف أن لك الخيار أنك لست مجرد إنعكاس لحزمة من الحالات، كل ذلك يؤهلك للدخول الى( الآن).من دونها لن يكون لك أي خيار."

يشرح لنا هذا الكاتب المبدع ان الموضوع كله يتمثل في صورتك الذهنية  لديك عن نفسك عن واقعك وماضيك وحاضرك، وهو أمر يعتمد على قدرتك على الحلم والتخيل التي حباك الله بها متى كانت عزيمتك قوية وإرادتك ثابتة وهدفك واضحا وتخليت عن الصورة الذهنية السلبية التي تخزنها في عقلك عن ماضيك المؤلم باوجاعه وجراحه ونفضت عنك رداء المفعول به وتخلصت من دور الضحية .واعتبرت ان كل ما تعرضت له مجرد درس قد يكون تعرض غيرك لاقسى منه ، درس تعلمته وخلصت من خلاله الى نتائج واضحة.

ستتغير صورتك الذهنية عن القادم متى تخليت عن كل مخاوفك مما يمكن أن يحدث غدا وفي المستقبل و انتبهت بادراك  وتبصر أن المستقبل في الحقيقة لازال في علم الغيب..لازال غير موجود أصلا..كيف تصنع بنفسك شبحا يخيفك ويعيقك عن التقدم ..

غير صورتك الذهنية عما هو قادم وهي سستتغير تلقائيا  نعم ورغم قتامه الصورة  السائدة ستتغير عندما تؤمن حد اليقين أن من خلقك يحبك.أليس رائعا أنك من صنع خالق عليم مبدع ورحيم؟؟

 فأنت في كنف عزيز مقتدر.

لقد وهبك الله القدرة على تغيير مابك بشرط أن تغير ما بنفسك. ووعدك بالتلطف بك ومكافأتك على حسن سعيك واجتهادك في اختيارك لطريقه هو.

ليس كل ما يحدث حولنا إلا آيات مفسرة وجلية  بأنه  مهما عظم الألم لا مجال لليأس. إنك ترى وتسمع وتعيش على وقع معركة الحق ضد الباطل كل تفاصيلها الموجعة لا تزيد المؤمنين الا ثباتا وفرحا يتعجب له الجاهل ولا يفهمه الا من ملك اليقين بلطفه جل في علاه .

" لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ" الشورى اية 19

***

عواطف نصرلي

تونس في 06 مارس 2024.

 

لقد تغيرت أمور كثيرة في عصر الثورة التكنولوجية ولم يبق شيء على حاله كما يقال، فقد بدأ الإنترنت يذلل الكثير من الصعاب التي كانت مستحيلة منذ أكثر من عقد من الزمن فقد أصبح الإتصال والتواصل أسهل وكذلك سهولة إيصال المعلومات بطريقة مبهرة وبوسائل كثيرة منها المكتوبة والمسموعة والمرئية . وبين الحين والآخر تظهر التطبيقات والبرامج أكثر تطوراً مما سبق حتى أننا أصبحنا  لا نستطيع مواكبة اقتناءها أو الإطلاع عليها لسرعة تطورها وظهور الأحدث منها !، ولا أريد في هذا المقال أن أتحدث عن التطور في هذا الجانب من التكنولوجيا وإنما ما أود طرحه هو علاقة القارئ مع الكتب وتأثير التكنولوجيا عليه بصورة كبيرة فمن خلال ظهور مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، انستكرام، توتر ... الخ ) وظهور المنشورات والصورة وانتعاش فن كتابة الخواطر والومضات والقصص القصيرة جداً ؛ أثراً كبيراً في العزوف أو تفضيل تلك الفنون على فنون القصة الطويلة أو الروايات أو كتب السير الذاتية ... إلخ . ومن جانب آخر ان لظهور الكتب الالكترونية أثر كبير على طباعة الكتب التي تعتبر عمود الثقافة منذ أن اخترعت الطابعة على يد غوتنبرغ عام 1447 فأصبحت الكتب الالكترونية تحل محلها شيئاً فشيئاً، وصار بالإمكان قراءة المحتوى الأدبي أو العلمي من خلال التطبيقات الالكترونية الخاصة بالكتب إذ تتوفر بعض الكتب بصورة مجانية واقتناءها سهلاً للغاية، ولكن وبرغم هذه التسهيلات في الحصول على الكتب برزت ظاهرة جديدة بين جمهور القراء وهي ظاهرة الملل من القراءة وأظهرت بعض الدراسات أن السبب هو أن القراء يهتمون بالمنشورات القصيرة التي تُنشر في مواقع التواصل الإجتماعي وكذلك الفيديوهات والصور أكثر من اهتمامهم  بالكتب وينتهي الوقت بسرعة دون الشعور به!، في حين أن البعض من القراء لا يعترف  بالكتب الالكترونية ويهتم فقط بالكتب الورقية على أساس كونها فعلاً عاطفياً وليس معرفياً فقط من خلال لمس الورق وشم رائحة الكتب والاحساس بالتفاعل مع الكتاب الورقي أكثر من الكتاب الالكتروني . وهنا تظهر مشكلة غلاء الأسعار بالنسبة للكتب الورقية خاصة الكتب التي لها شهرة واسعة أو التي تصدر حديثاً، فيبقى القارئ في حيرة من أمره بين عدم حبه للكتب الالكترونية وبين غلاء الأسعار بالنسبة للكتب الورقية !. أما بخصوص استعارة الكتب كما في السابق فقد بدأ هذا النظام بالتلاشي نوعا ما فأغلب المكتبات أصبحت لا تفضل نظام الاستعارة لأسباب عديدة منها عدم إعادة الكتب أو إعادتها تالفة أو عدم وجود رواد لهذا النظام كما في السابق . ومن أسباب العزوف عن القراءة هو كثرة وسائل الترفيه وبنفس الوقت الكسل والملل الذي أصبح يغزو أغلب الناس بسبب اختلاف طرق العيش والبحث عن لقمة العيش . كذلك الاندفاع نحو التكنولوجيا الذي له أثر كبير في المزاج العام وعدم الاهتمام بالمطالعة، هذا بالإضافة إلى عدم اهتمام الأبوين منذ الصغر بالأطفال وحثهم على المطالعة وقراءة كل ما هو مفيد في حين يتجه أغلب الآباء  إلى توفير الهواتف المحمولة للأطفال من أجل التخلص من مشاكستهم أو ازعاجهم !.  ولابد هنا من الإشارة إلى أهمية الإنتباه إلى بعض الأمور من أجل الاهتمام بالمطالعة والقراءة ومن أهمها توفير المكتبات العامة من قبل المؤسسات الحكومية وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسات الخاصة، اقامة مسابقات للقراءة والمطالعة وتوفير جوائز من أجل الحث على المطالعة، زيادة الاهتمام من قبل الأهل بالجانب الثقافي للأسرة من خلال توفير القصص والكتب العلمية للأطفال وتشجعهم على القراءة، دعم الكُتاب والمبدعين من قبل المؤسسات الخاصة والعامة وتوفر مطابع من أجل نشر منتوجاتهم الأدبية والعلمية بكلفة أقل حتى يتسنى بيعها بمبالغ مالية معقولة وتكون سهلة وفي متناول الجميع .

***

الكاتبة سراب سعدي

في قاعة محمد العروسي المطوي باتحاد الكتاب التونسيين يوم 16 فيفري 2024 وقعت جلسة ادبية موضوعها "السردية في النص" تراسها الأستاذ الشاعر لطفي الشابي مدير نادي القصاصين وقد حضرها جمع محترم من الروائيين والقصاصين والشعراء والنقاد.. وكان لنا لقاء مع الكاتبة "روضة قعلول" التي امتعتنا بحديثها عن تجربتها وعن مجموعتها القصصية التي تحمل عنوان "امراة بنصف وجه" وبصراحتها التي يندر مثلها في الوسط الادبي والثقافي التونسي الذي اختلط فيه الحابل بالنابل ما بعد الثورة.. تقول الكاتبة ان الكتابة ظهرت لديها فجاة ولا تدري كيف.. كما كان لنا لقاء ثانيا مع الكاتب "لسعد بن حسين" الغني عن التعريف

إلا ان هذا اللقاء كان استثائيا بكل المقاييس، ومختلفا تماما، قد كان حديثه شيقا ومتسما بالهدوء والرصانة.. رغم انه لا يخلو من السخرية المبطنة.. اثناء قراءته لأقصوصة من مجموعة يستعدّ لنشرها بدا وكانه في حالة مخاض لما يجتره ويخفيه داخل نفسه،.. فوضع ساقا فوق اخرى وكانه يبحث عن التوازن ثم اخذ يفضي بتان وبصوت فيه شحنة من شجن الحزن رغم ابتسامته الصفراء التي تبدو مغتصبة، من بين الانين.. عما خزن ويخزن بداخله من امور اقل ما يقال عنها شخصية.. ومن خلال سرده الذاتي عرفت انه في هذا النص لا يتحدث من فراغ.. او من خيال بل كان يروي او يقص احداثا ملموسة ومعيشية بحته ربما لا يعرفها إلا هو او بطل الاقصوصة.. لا تمت الى المخيال او التهيآت بشيء لا من بعيد ولا من قريب بل هي احداث واقعية صرفة حدثت في حياة البطل الخاصة والخاصة جدا.. كان من الممكن الاحتفاظ بها لنفسه.. إلا انه راى ان يطلع الناس عليها.. من هنا نستنتج لماذا قصص الكاتب "لسعد بن حسين" لا تزال تلاقي رواجا كبيرا.. وحظوة لدى المترجمين والمخرجين السينمائيين التونسيين لانه كاتب واقعي يستمد نصوصه من واقعه الحياتي، المعاش ومن تجاربه الشخصية، لا يلجا الى الخيال مثل اغلب الكتاب.. كما عرفنا انه يكسب درجة عالية من العناد النفسي او كما يقال بالعامية "صحة الراس" الذي يسكنه ويتصارع معه.. حيث ان هذا العناد يظهر جليا في قوله انه ذهب الى الطبيب وكيف نبهه بظهور خط برتقالي فجاة منبها ان بينه وبين الاصابة بمرض.. مسافة قصيرة جدا.. إلا انه ظل يدخن السجائر الى اليوم.. ورغم مقاطعته للبضائع الامريكية بقي يدخن كل صباح سيجارة اماريكية لانها خفيفة!.. أما بقية اليوم يدخن سجائر محلية لانها ثقيلة.. هنا تتجلى نفسه الماردة التي تتصارع بداخله.. والمسيطرة عليه فتظهر في التناقض مع ما يريد وما لا يريد.. وصراحته الجريئة التي طفت على السطح رغم اننا في زمن مقاطعة السلع الامريكية والاسرائيلية يمكن ان تنتج عنها مضايقات قد لا تحمد عقباها!..

بالرغم من مظهره الذي يعطي للوهلة الأولى انطباعا بانه متواضع جدا وبسيط للغاية.. ويوحي بانه انسان ثابت ورزين.. إلا انه لا يثبت في جلسته ورجلاه متشابكتان الواحدة فوق الاخرى وهو دائم التقلب تارة يميل الى اليمين وتارة الى اليسار.. إلا ان خلف هذا المظهر تختفي شخصية عنيدة.. قليلة الكلام.. وربما المغرورة المبطنة بالبساطة في هيئته.. إلا ان الكاتب حين يتكلم لا يترك مجال الكلام لغيره.. ولا المشاركة مع انه يرى الطرف المقابل يحاول مناقشته إلا انه يتجاهل الاصبع المرفوعة ويواصل حتى ينتهي من الكلام.. هنا نفهم انه من النوع الذي يستولي على مساحة الحديث.. او لنقل وقت الحديث.. وقد يكون من الذين لا يقبلون الحوار البتة او النقاش وهذا يعد نوعا من السلوك الدكتاتوري.. او الاستبداد الحواري.. وحتى لا نقول حب السيطرة على الموقف.. يذكرك بالرجل السيد الرجعي القديم الذي يمسك العصا ولا يتحكم بها سواه..

ان الكاتب في الحقيقة كان يبث في اقصوصته لواعج نفسه للسان القلم ثم للورقة ويشرّك القراء سيرته الذاتية وما يتفاعل ويتعامل بداخله.. وعله في نفس الوقت اراد ان يسدي نصائح للقراء.. فاخذ من نفسه انموذجا ومثالا حتى لا يقعوا في الخطا الذي وقع فيه.. حيث ان الكاتب اعترف اعترافات ضمنية مصحوبة بنقد ذاتي فيه صرامة مخفية لسيرته الحياتية في اسلوب خفيف فيه نوع من السخرية.. لقد برهن من خلال الاقصوصة انه كان موبخا لنفسه في قالب نقدي ذاتي.. كما انه ناقم عليها بل لنقل ساخط عليها وعلى تصرفاته، مقرا بانه انسان عنيد جدا وعصبي من خلال رفضه الاقلاع عن التدخين.. وهذا ظاهر جليا في اعترافه بانه " رغم مقاطعته للسلع الامريكية إلا انه كل صباح يدخن سجارة اماريكية لانها خفيفة" وبوصفها نعرف انه كان يبحث عن تعلة واهية يرضي بها نفسه لتدخين السجائر الامريكية رغم المقاطعة التي اصرها.. كما اننا من خلال الاقصوصة ايضا نجد الكاتب غير راض على تصرفاته فهو يوبخها ويؤنبها وذلك في تصريحه الذي قال فيه انه تزوج ثلاث مرات وطلق ثلاث مرات، وكانه متعجبا من حاله تلك.. إلا ان المرة الثالثة كانت مغايرة تماما لان زوجته الثالثة كانت حامل في شهرها الثالث حين طلقها.. وهنا يبدو جليا انه من الرجال الذين يخلون بواجباتهم الاسرية وإلا هل يعقل ثلاث زوجات لم يجد مع احداهن الانسجام والتفاهم!.. والراحة!.. والهناء!.. والدفء العائلي والحب!.. والسعادة الاسرية!.. والاستقرار!.. وهنا نتساءل هل كان يبحث عن زوجة سي السيد التي ترضي عناده.. ونفهم ايضا انه كان متفرغا تفرغا لا نقل كليا بل شبه كلي لحياته الشخصية المتمثلة في انغماسه في الكتابة،.. ربما يدري وربما لا!.. وربما يشعر انها ميدان حياته وعالمه الرحب الفريد المزروع والمغروس،.. والمطرز بالحروف.. والنقاط،.. والفواصل،.. والكلمات.. عالمه الخاص والخاص به جدا.. كما اننا من هذا السلوك ندرك انه كان زوجا مهملا لحياته الاسرية.. ولابوته وتاكد لنا هذا حين صرح في فضفضته التي اعترف فيها اعترافا صريحا بانه كان مهملا لنفسه واخطا في حقها خطا جسيما تمثل في طلاقه لزوجته الثالثة وهي حامل في شهرها الثالث ومع ذلك لم يسال عنها!.. ولا عن مصير الجنين الذي في بطنها!.. والمعروف علميا ان الجنين في مثل هذه الفترة الحساسة يكون عرضة للاخطار منها الاجهاض وهذا ليس بالخفي إلا انه ظل مهملا لها ولجنينها الذي هو في الاصل ابنه الوحيد والبكر.. حتى انه لم يحضر ساعة ولادته!.. ولا لحظة ختانه!.. لذا نستخلص من كل هذه الاحداث والاعترافات انه نادم شديد الندم خاصة حين يقول بكل اسف وعبارات تقطر حزنا «انه لم يتعجب من عدم حب ابنه له» وذلك عائد لعدم وجود الروابط العائلية!.. والابوية!.. والمحبة المتبادلة بين الاب وابنه الوحيد!.. والدفئ العائلي الرابط بينهما!.. واكتشف ان لا شيء يربطهما سوى الدم واللقب واسم الاب.. انه يوبخ نفسه بل يعذبها لانه ادرك تمام الادراك انه اخطا في حق نفسه.. وفي حق ابوته لابنه!.. وبذلك ضيع اجمل الفرص التي يتمناه كل انسان في حياته.. لذا لم ينعم بالحياة المستقرة!.. وفرط في الحياة الاسرية باستهتاره واهماله لها وبعدم اعطاء الاولوية لها وجعلها في الدرجة الثانية وربما الثالثة وربما الاخيرة وربما لم يكن لها اعتبارا ولا معنى في حياته اصلا وهذا ما انجر عنه الانفصال عن ثلاث زوجات!.. ومازاد اقراراه بانه اب مهمل.. يظهر هذا الندم والتوبيخ والتحسر الخفي في اقراره بانه فاشل.. ليس هذا وحسب بل هو ايضا انسان متناقض مع نفسه حين يقول انه لا يعد نفسه كاتبا إلا انه يحب ان يقدم نفسه للطرف المقابل بانه كاتب!.. متناقض حتى مع ما يريد وما لا يريد ويسمي نفسه فاشلا لانه لم ينجح في حياته الاجتماعية وذلك بتحطيمه لحياته الاسرية واخطا في حق ابنه في الابوة والتمتع بها.. احساس بالذنب الفضيع يطارده كنفسه المصارعة له..

***

الكاتبة: فوزية بن حورية

 

"سبحان خالق نفسي كيف لذتها

 فيما النفوس تراه غاية الألم"

كُتب الكثير عن الشاعر المتنبي الذي طغى على ساحة الأدب العربي منذ تألقه وإلى يومنا هذا، ففيما نكتبه نذكر أبياتا من قصائده، التي نتفاعل معها كمنبع للبلاغة والإبداع الشعري الألمعي الأصيل.

والعديد من أبياته تعادل عشرات وربما مئات القصائد التي قيلت بعده. فهو شاعر إخترق القرون وإنتصر على الزمن، فصرعه بكلماته الخالدة.

كان الرجل مغامرا يطارد حلما عصيا، فقرر تجسيده بالشعر، ليطلق مآرب نفسه فيه، ويكون مملكته وعرشه وكرسي وجوده الإنساني المنير، الذي لا يعادله كرسي أو مملكة أرضية، لأنه يصنع الخلود ويشيّد جنان الأبدية وأكوان السرمدية.

وهكذا أمضى عمره في تفاعلات متوهجة مع واقعه ورموز القوة والإقتدار فيه، فلم يعرف الهدوء والسكينة، كأن أيامه تستعر أينما حلّ أو نزل.

"أمط عنك تشبيهي بما وكأنه 

        فما أحد فوقي ولا أحد مثلي"

وعاش المتنبي حيا بيننا، لأنه قال ما فينا بوضوح وشجاعة وتقنية فنية متميزة.

وفي قصائده تتجلى صراعاته مع ذاته وواقعه، ومحاولاته للوصول إلى أهدافه النرجسية، ذات الرؤى الذاتية الكبرى.

وربما أمعن في حب ذاته ورؤيتها كما هي في خياله وأعماقه البعيدة، لدرجة أنه فاق في تقييم نفسه واقع حاله وحقيقة أيامه ومقاساته.

فكان منفصلا عن وجوده في واقع الحياة العراقية والعربية، ومنطلقا في فضاء خياله الرحيب. وفي قصائده يشير إلى نكران ما هو عليه ويقترب مما يراه عن نفسه ودوره وقيمته وحكمته وعقله.

" سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا 

           بأني خير مَن تسعى به قدم

*

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

         وأسمعت كلماتي مَن به صمم"

وقبل أن يغامر في رحلته التي كان واضحا بأنه سينتهي فيها، توفرت لديه المعلومات والأخبار التي تشير عليه أن يعدل عن طريق وجهته لأنه سيلاقي حتفه حتما، لوجود الاستعدادات للقضاء عليه .

لكنه أنكر ما وصفوه له بدقة وحذروه من عواقبه بشدة، وإتبع نداءات ذاته وصوت خياله، وإنقطاعه عن واقعه ونكرانه لمجريات الأمور والأحداث فيه.

ففي رواية ما جرى قبل شروعه برحلة الختام جاء ما يلي:

" وكان أبو الطيب قد مر بأبي نصر محمد الحلبي فأطلعه على حقيقة الأمر، وما ينويه فاتك من الشر له ونصحه بأن يصحب معه مَن يستأنس به في الطريق، فلم يزدد إلا أنفة وعنادا وأبى أن يصحب معه أحدا قائلا: أنا والجراز في عنقي، فما بي حاجة لمؤنس.

ثم قال: والله لا أرضى أن يتحدث الناس بأنني سرت في خفارة غير سيفي.

فحذره أبو النصر كثيرا فما كان منه إلا أن أجاب: أبنجو الطير تخوّفني ومن عبيد العصا تخاف عليّ؟!!

والله لو أن محضرتي هذه ملقاة على شاطئ الفرات وبنو أسد معطشون لخمس، وقد نظروا الماء كبطون الحيات، ما جسر لهم خف ولا ظلف أن يرده، معاذ الله أن أشغل فكري بهم لحظة عين!! فقال له أبو نصر: قل إنشاء الله.

فقال: هي كلمة مقولة لا تدفع مقضيا ولا تستجلب آتيا.

ثم ركب وسار فلقيه فاتك في الطريق فقتله." (ديوان المتنبي، دار الجيل بيروت)

لقد عاش المتنبي خمسين سنة (915-965 م)، يمدح ويهجو، وفي الحالتين كان شعره مؤثرا ومدويا، وبقدر ما تجزل مدائحه العطايا عليه، فهجائياته تثير الضغينة والعداء.

"وفي قصة مقتله يُحكى أنه قال قصيدة هجا بها ضبة بن يزيد العيني، وكانت والدة ضبة شقيقة فاتك إبن أبي جهل الأسدي، فلما بلغته القصيدة أخذ الغضب منه كل مأخذ وأضمر السوء لأبي الطيب.

ولما بلغه مغادرة المتنبي لبلاد فارس وعلم بإجتيازه بجبل دير العاقول تتبع أثره، فاقتتلوا حتى قتل المتنبي مع ولده محسّد وغلامه مفلح على مقربة من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد في السابع والعشرين من أيلول عام تسعمائة وخمسة وستين ميلادية." (نفس المصدر)

والقصيدة التي قتلته عنوانها " أنصف القوم ضبه" ومطلعها:

ما أنصف القوم ضبه 

  وأمه لطرطبه .

وكلمة طرطبة تعني المرأة العظيمة الثديين أو المسترخية الثديين. وقد تبدو عيبا وعورة في زمانها، وتثير شكوكا عن معرفة ذلك، لأنه من خصوصيات المرأة التي لا يعرفها إلا أفراد عائلتها المقربين، ولهذا إشتد غيظ أخيها وقرر أن يقتله.

وعند قراءة القصة وتحليلها وما جرى قبل قتله بوقت قصير، يتبين أن السلوك كان أقرب إلى الانتحار، لأنه ألقى بنفسه في قبضة المتربصين له من غير إستعداد كافي، وإنما إمعانا بالفتك بالذات، وكأنه يريد أن يعاقب نفسه وينتقم منها، ويتخلص من ثقل الحياة وأوزارها.

وهو ينأى بكل ما فيه عن واقعه ويتفاعل مع فضاء خياله وهيامه النرجسي العظيم، فأصابه ما أصابه، ولما إستيقظ أدركته نهايته المريرة، فكأنه كتب شعرا عجز عن كتابته بالكلمات فكتبه بدمه وروحه، وبرأسه الذي تدحرج فوق التراب.

و"إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا

ألا تفارقهم  فالراحلون هم"

***

د. صادق السامرائي

6\12\2009

أمسكت بقلمي لا اعرف لماذا ولكن ربما تملكني شيطان الكلمة؟.

امام عيناي تنهمر ذكرياتي كالمطر المصحوب بالرعد والبرق،تارة اضحك ومرات عديدة تنتابني نوبة من الحزن لا اعرف لها سببا . وبدأت أتساءل هل سبب ذلك هو شعوري بالذنب ام القلق والخوف من ذلك المصير المحتوم الذي سألقاه بعد أن تغادر روحي جسدي؟.

واذا بعقلي وانا في هذا الشتات الفكري تسيطر عليه فكرة انني مدين باعتذار. وأتساءل وانا في حالة من الحيرة، في لحظة بين الأمل والرجاء من ناحية والخوف والقلق من الناحية الأخرى اعتذر لمن؟. وبلغة اخر من هو الي انا مدين له بالاعتذار؟.

هل هو الآخر سواء تجسد في شخص أو جماعة؟ هل هو العالم المحيط بي بكل ما يحوي من أشياء؟؟.

وإذا بي افيق من سكرتير للحظات وأجدني أقول لا ليس الآخر فهو أخذ مني وأعطاني، أراحني وأتعبني. حنَّ عليَّ وقسى. لذلك فالمعادلة متساوية لذا فأنا لست مدينا للآخر باعتذار. لمن إذا انا مدين بالاعتذار؟.

أدركت الإجابة نعم انا مدين لذاتي بهذا الاعتذار لما سببته لها من ألم ومشقة، من حيرة وقلق وخوف، جعلتها تقف حائرة بين الأمل واليأس، بين الحب والكراهية،بين الخوف والرجاء...الخ من هذه الثنائيات المتناقضة. لذا فإن حديثي موجه إلي ذاتي التي أشعر أنها فارقتني.

فيا ذاتي الغالية والقريبة مني والبعيدة عني اغفري لي خطيئتي في حقك ،تجاوزي تلك الجدران  التي جعلتك تقبعين بينها كسجين حكم عليه أن يقضي عقوبته في حبس انفرادي. اغفري لي تقصيري في حقك وجعلتك خادمة للآخرين وهم لا يستحقون ذلك، اصفحي عن تقصيري معكي في أدنى حقوقك وهو الحفاظ عليكي.

اعلم يقينا أنني مذنب في علاقتي معكِ فأغفري ذنبي وتجاوزي عن سقطاتي فأنت اكبر من أن تعامليني بالمثل. فأنا ملئ بالأثام والذنوب والأخطاء وأنت نقية طاهرة فهل لك أن تنتشليني من هذا المستنقع؟. ولكن كيف وأنا وأنت نعيش في قالب واحد تحيط به من كل الجوانب مغريات زائفة، آمال واهية، والحقيقة الوحيدة التي لا مفر منها أننا نعيش حالة من الخداع والمراوغة المتبادلة بيننا وبين هذا العالم الخارجي بكل مكوناته ومحتوياته.

يا معشوقتي اقبلي اعتذاري لأني جعلتك تحلمين بعالم مثالي وتعيشين واقعاً حيوانيا بكل ما تحوي الكلمة من معنى. جعلتك تأملين في كلمات جوفاء-حب، مساواة، عدالة، حرية، كرامة....الخ- وتعيشين نقيضها. وعدتك بعالم مملوء بالمحبة والسلام وألقيت بك في غيابات جب يعج بالكراهية والحكام. جعلتك تغوصين معي بين أغوار الأفكار والكلمات في عالم تحكمه العملات. بحثت معك عن انا واعية في عالم يحكمه الجهلاء. جعلتك حبيسة عالم مثالي وتعيشين عيشة الغرباء. وأنت لا ذنب لك إلا أنك سكنتي جسد وعقل انسان مهموم بالفكر. فسامحيني وتقبلي اعتذاري.

***

ا. د. شعبان عبد الله محمد

أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بسوهاج

 

ها أنتَ يا ساكنَ كوكب الأرض المنفي في دنياك تركض وتركض، تركض ركض الوحوش الضارية أحيانا وأنت لا تفكر إلا في ما تبتلعه وما تَقضمه وما تَحتَسيه بعيدا بعيدا عن أدنى إحساس بما يكتوي به أقرب الناس.

لِنَقُل إن لكل روح تسكن الأرض حكاية، وإن لكل جسد يذبل تحت وطأة الهموم أوجاعا، وإن لكل قلب آلاما تَعتصره وتمضغه في صمت قاتل، صمت جنائزي يُردي أصحابه ويعلقهم على حبل الحياة كشريط اللحم المالح.

ولهذا قد لا يخطر، على بال إنسان، أن الأطفال المعذبين، في كل مكان، لا يجرؤ الواحد منهم على أن يتقاسم مع ذويه والمقربين منه الكثير الكثير من الأشجان. لذلك يحتاج الأمر إلى شجاعة قلبٍ مبدع، فنان، يجيد التعامل مع الأزمات بإتقان.

فلا أحد من الناس قد يعرف ما يريدك هذا أو ذاك أن تعرفه عنه، وتحديدا نتحدث عن هذا الجيل الصاعد من فلذات الكبد التي تخطو خطاها الأولى على طريق الحياة جاهلة ما تُضمره ظلمة الطريق ووحشة الزمن.

صَدِّق يا صاحبي أنه الزمن الذي لا يسمح بانتشال من سقط منك، ولن يسقط منك إلا أطفالك وأنت غارق في عماك، ذاك عمى البصيرة لا البصر، عماك وأنت تنشغل بقسوة عن قطعة من قلبك ناسيا أو متناسيا أن من حقها عليك أن تجس نبض بوصلة روحها لتقيس ضربات الألم والأمل عندها إن كان هناك أمل.

من هنا بدأت فكرة المدرِّسة الأميركية كاتي شوارتز وهي تحاول أن تقرأ بحكمةٍ أسباب تخبط تلاميذها في دوامة الحياة إلى درجة تراجعهم عن تسديد الأهداف المرجوة في ملاعب التحصيل الدراسي.

فقد انتبهت كاتي شوارتز إلى أن الأمر لا علاقة له بفشلها في طرق واستراتيجيات التدريس التي تنهجها، وإنما الأمر أكبر من أن يتصوره عاقل، لأن المسألة تتعلق بحاجز، أو لِنُسَمٍّه سُورا نفسيا يقف حائلا بين التلاميذ وعملية التلقي.

كانت فلسفة كاتي شواتز التعليمية والإنسانية مسعِفة لها لتجدد البحث في أبجديات علاقة الطفل/ التلميذ بالمجتمع أو البيئة التي ينحدر منها، لذلك وزعت على تلاميذها منشورا يبحث عن جواب لسؤال واحد: ماذا تريدني يا عزيزي أن أعرف عنك؟

ولا غرابة أن السؤال الذي طرحته كاتي شوارتز على كل تلميذ واسع وفضفاض إلى الدرجة التي تسمح لكل واحد منهم بأن يجيب بحرية ولا يجِد نفسه سجين التقيد بشرط من شروط الإنجاز.

المفاجأة أن أجوبة التلاميذ كانت صادمة إلى درجة قصوى، صادمة إلى الحد الذي لا يتوقعه خبير بلغة العقل والمنطق. غير أنها من ناحية أخرى كانت بداية الخيط الذي يبشر بإعادة نسج قميص الثقة بين التلميذ والمعلمة، وبناء على كل جواب تحددت خطة المعلمة في تجديد ربط جسر التواصل بينها وبين التلميذ من جهة، وبين التلميذ ومحيطه وبيئته من جهة أخرى.

سؤال كاتي شوارتز التاريخي مَهَّدَ لخطة عمل جديدة بطلها التلميذ الذي عِوَض أن يتم جَلْدُه، نفسيا، علينا أن نفكر في مشروع رد اعتبار لثقته بنفسه، ومن ثمة نعمل على تعزيز قدراته التي سيعرف هو لاحقا كيف يفجرها بأريحية.

لكل هذا، حبذا إعادة النظر في علاقة التلميذ ببيته وبيئته قبل إلقاء المسؤولية على المدارس، فقبل أن نسائل صُنَّاع الهندسة التعليمة، ونحمِّلهم مسؤولية فشل التلميذ، لماذا لا نتأسف على لامسؤوليتنا وتقصيرنا في ربط العلاقة كما ينبغي مع أطفالنا.

صاحِبْ ابنك الصغير، لاعِبْه، دعه يخبرك بشجاعة عما يضايقه ويسرق صرَّة الفرح من جيوب قلبه، عَوِّده على فن البوح والاعتراف بعيدا عن العصا المتمردة تلك التي تنهال عليه عمياء، رَتِّبْ أفكاره، وحاول أن تشرح له أن التعليم ليس معركة طاحنة تَكسر سيقان الرغبة في التعلم عنده.

كن شجاعا وتحمَّلْ شيئا من مسؤولية فشل أطفالك في الدراسة، ولا تجعل من الواحد منهم كبش فداء لخيبتك الثقيلة وأنتَ تُضمر عمق الهوة النفسية بينك وبينه.

شكرا كاتي شوارتز.

***

د. سعاد درير

 

من وحي رواية الحرف القرمزي

في عالم تتعمق فيه العواطف ويتم فيه الحفاظ على الأسرار بعناية فائقة، فإن قصة قصة حبي الحقيقية مع هيستر برين تقف بمثابة شهادة خالدة على قدرة الحب على التحمل. بينما كان ضوء القمر يتلألأ على الشوارع المرصوفة بالحصى في بوسطن في القرن السابع عشر، ظهرت من الظل قصة حب مزدهرة بين روحين، متحدية الأعراف المجتمعية وغارقة في أعماق الرغبة المحرمة. هنا، وسط خلفية من الحماسة البيوريتانية والأخلاق الصارمة، تكشفت قصة حبنا، ونسجت نسيجا من العذاب والفداء والتفاني الذي لا يتزعزع. جسّدت هيستر برين، منارة الأنوثة الغامضة، نعمة الملاك ونار التمرد. مزينة بالحرف القرمزي على صدرها، رمز خطيئتها، وأصبحت رمزا لللعنة ومثالا للصمود. وفي حضن هذه المرأة الرائعة وجد قلبي العزاء، متحديا التوقعات التقليدية وأشعل شعلة عاطفية لا يمكن إطفاؤها. نما حبنا في الظل، وهي علاقة سرية ازدهرت وسط الجمود القمعي لمجتمعنا البيوريتاني. بينما كان سكان المدينة العفيفون يهمسون بثرثراتهم التأملية، همسنا بوعودنا بالتفاني الأبدي، ونعتز باللحظات المسروقة من الأسرار الهامسة والقبلات المسروقة، غير مدركين بسعادة للعاصفة التي تتجمع في الأفق والتي من شأنها أن تضع حبنا على المحك النهائي.

لقاؤنا الأول:

كان اللقاء الأول بمثابة بداية قصة حب ملحمية مليئة بالعاطفة والشدائد، محفورة إلى الأبد في سجلات التاريخ. لقد كان يوما مصيريا، حيث ألقت الشمس ألوانا ذهبية على قرية نيو إنجلاند البيوريتانية الصغيرة، حيث جمعنا القدر معا تحت أعين المجتمع المتفحصة. وبينما كنت أتجول في ساحة السوق المزدحمة، ملأ الهواء صخب التجار الذين يبيعون بضائعهم. أحني رأسي قليلاً لتجنب نظرات الحكم واللوم، وارتفع قلبي عند فكرة الانخراط في صخب الحياة اليومية. لم أكن أعلم أن القدر قد قرر أن ذلك اليوم سيكون استثنائيا. في ذلك السوق المزدحم، وقعت عيني عليها لأول مرة، هيستر برين، المرأة التي تجاوز جمالها حدود الفهم البشري. كانت مزينة بحرف قرمزي على صدرها، وكانت تنضح بجاذبية جامحة، مما أثار همسات الفضول والرهبة لدى المتفرجين. ومع ذلك، لم يكن مظهرها المذهل وحده هو ما أسرني، بل الهالة الأثيرية المحيطة بها، مظهر من مظاهر القوة وسط الشدائد. عندما التقت أعيننا عبر بحر الأجساد الصاخبة، بدا أن تيارا كهربائيا يتدفق عبر عروقي، ويربط أرواحنا معا في لحظة. توقف الزمن عندما اقتربنا من بعضنا البعض، وكانت ظروف الترقب تزيد من كثافة الهواء. أكاد أسمع همس القدر وهو ينسج نسيجه المعقد، ويتشابك في قلوبنا إلى الأبد. مع كل خطوة تقترب، تسارعت نبضات قلبي، مرددة صدى الاعتراف الذي لا يمكن إنكاره بالأرواح الشقيقة التي انفصلت منذ فترة طويلة ولكن تم لم شملها أخيرا. في تلك اللحظة الواحدة، توقف العالم من حولنا عن الوجود، وأصبحت أرواحنا هي محور نظر الكون الوحيد. كان الأمر كما لو أن كل سحر القصص الخيالية قد امتد إلى الواقع. عندما وقفت أمامها أخيرا، كانت شدة علاقتنا واضحة، وتحدثت كثيرا في الصمت الذي يلفنا. بدت الكلمات غير كافية عندما كنت أحدق في عينيها، باحثًا عن آثار الضعف أو اليأس، ولكن بدلًا من ذلك، وجدت المرونة والتصميم. بينما كانت أوركسترا من العواطف تدور في داخلي، استجمعت الشجاعة لمخاطبتها، وكان صوتي بالكاد يفوق الهمس: "هيستر برين، جمالك لا يعرف حدودًا، لكن قوتك وتحديك هو ما يبهر روحي. هل لي شرف معرفة اسمك؟" رقصت وميض المفاجأة في عينيها الداكنتين، وابتسامة ناعمة تجتذب زوايا شفتيها. عندما لفظت اسمها، لم تكشف عن هويتها فحسب، بل كشفت أيضًا عن عمق روحها، الأمر الذي دعاني إلى التعمق في قلب هذه المرأة الغامضة. وهكذا بدأت رحلتنا، وبرزت قصة حبنا كمنارة أمل وسط عالم يعاني من الأحكام والأعراف المجتمعية الصارمة. لقد أرسى لقائنا الأول في ذلك السوق النابض بالحياة الأساس للحب الذي سيصمد أمام أقسى العواصف، لأنه كان حقيقيا ومصنوعا في بوتقة الشدائد.

اللقاء الثاني:

عانقت شمس الصباح الباهتة بكل لطف الشوارع الضيقة لمدينة بوسطن الاستعمارية، وأضاءت الحجارة المرصوفة بالحصى كما لو كانت جواهر متلألئة تحت الأقدام. وفي وسط هذه الأجواء الساحرة، قادني القدر، بكل طرقه الغامضة، إلى لقائي الثاني مع هيستر برين الغامضة. وبينما كنت أتجول في قلب المدينة، كانت ذكريات لقائنا الأول تستهلك أفكاري، والتي تركت بصمة لا تمحى على روحي. كانت رؤيتها تقف هناك على المشنقة، رمزا للحزن والقوة، تطاردني في كل لحظة من يقظتي. حتى في عزلتي الهادئة في دراستي، تغلغلت صورتها في أفكاري، وأثبتت أنها مصدر إلهام لا يقاوم ويلفت انتباهي. وهكذا، في ذلك الصباح المشؤوم، تآمر الكون، في مصادفته الغريبة، على إعادة توحيدنا مرة أخرى. كما لو كانت يدا غير مرئية، وجدت نفسي منجذبا نحو ضواحي المدينة، حيث يعرض سوق صغير مجموعة من الزهور النابضة بالحياة، كل زهرة تتفتح في رقصتها الحزينة. وهناك وقفت، هيستر برين، وسط مشهد فن الطبيعة، واقفة مثل صورة تنبض بالحياة. كان حرف A باللون القرمزي المعلق في عنقها ، وهو شهادة قرمزية لروحها التي لا تنضب، يزين صدرها ولكنه يحمل نعمة أثيرية تكذب الإدانة المجتمعية. كان حضورها يلفت انتباه المارة، ومع ذلك ظلت بلا خجل، كما لو أن ثقل حكمهم لا يعني الكثير في ظل ثباتها. عندما اقتربت منها، بدا أن هناك رابطا غير معلن يسد الفجوة بيننا، ويتخلص من تقاليد المجتمع ويتركنا وحدنا في عالم من صنعنا. التقت أعيننا، وفي تلك اللحظة، لمحت عمق مرونتها، وميض الضعف داخل نظرتها المظلمة التي كانت تعكس نظري. هناك، وسط سيمفونية الزهور، انكشف حديثنا، محجوبا بالعقلانية والعمق العاطفي. وتدفقت الكلمات بيننا بسلاسة، واختلطت بالتجارب المشتركة والفهم العميق للحالة الإنسانية. من خلال قصصها، تلك الحكايات الحميمة المحفورة في روحها، غامرت في عالم لم أكن أعرفه من قبل، حيث يتشابك الحب والألم في رقصة معقدة. وفي وسط حديثنا لمست شوقا غير معلن، شوقا حاضرا في رعشة صوتها ونعومة نظرتها. لقد كان شوقا مشتركا، قوة لا يمكن إنكارها تدفعها نحو القبول والتحرر. عندها أدركت أنه من خلال معرفتنا القصيرة، أصبحت صديقها المقرب، وحليفها في هذه المعركة ضد الأعراف المجتمعية القمعية. قبل أن يفترقا، كان هناك وعد خفي معلق في الهواء، يحمل معه ثقل الرغبات التي لم تتحقق. كنا نعلم، حتى في ذلك الوقت، أننا مرتبطون برباط لا يمكن تجاهله، وقد نسجته معا خيوط الارتباط العميق والتجارب المشتركة. وبينما كنت أشاهدها تختفي وسط الحشد الصاخب، وظلها محفورا في قلبي، كنت أتوق إلى المناسبة التالية عندما تتشابك مساراتنا مرة أخرى، مقدرا لنا إعادة اكتشاف أعماق حبنا وتفاهمنا المتبادل. في تلك اللحظة، وسط جمال نسيج الطبيعة وهشاشة الاتصال البشري، أدركت أن رحلتي مع هيستر برين قد بدأت للتو، وأن قصة حبنا ستظل محفورة إلى الأبد في سجلات الزمن كدليل على الانتصار. الحب على الشدائد.

التعاطف في عالم المشاعر الإنسانية:

يكون التعاطف بمثابة منارة رقيقة للضوء، تنير جوهر إنسانيتنا المشتركة. إنه شعور أثيري يسمح لنا بالتعرف على المعاناة والمصاعب والتجارب التي يواجهها الآخرون. ولم تكن هيستر برين، بطلة رواية "الحرف القرمزي" لناثانيال هوثورن، استثناء من هذه الدعوة العالمية للتعاطف والرحمة. عندما أتعمق في الطبقات المعقدة من قصة هستر المؤثرة، يتخلل قلبي شعور غامر بالتعاطف. منذ البداية، تجد هيستر برين نفسها محاطة بمجتمع لا يرحم، مجتمع تغذيه القيم المتزمتة والحكم الذي لا ينضب. بعد أن أدانها مجتمعها لارتكابها الزنا، فإنها تحمل العار العام للحرف القرمزي - وهو رمز لا يمحى لخطيئتها. ومع ذلك، في تلك اللحظة من الشدائد، يتردد صدى التعاطف في روحي مثل تنهيدة الفهم اللطيفة. لا يسعني إلا أن أشعر بعمق تجاه هيستر، وهي تجتاز تلك الشوارع غير المرحب بها، مثقلة ليس فقط بابنتها الرضيعة بيرل بين ذراعيها ولكن أيضا بثقل ازدراء المجتمع على كتفيها. على الرغم من تجاوزاتها المميتة، تبث هيستر القوة والمرونة، وهي سمات تدعو إلى التعاطف الخالص ليزدهر داخل كياني. وفي معاناتها الهادئة تقبل عقابها دون أثر للعداء أو الاستياء. في عزلتها، وسط أوراق الشجر الجامحة في برية نيو إنجلاند، تقوم بخياطة الملابس ذات الجمال الاستثنائي، بينما تتحمل بصمت النظرات المجهولة والهمسات القاسية لزملائها من سكان المدينة. إن قدرتها على الحفاظ على كرامتها وبوصلتها الأخلاقية في مواجهة الاضطهاد تثير الإعجاب والتعاطف العميقين. علاوة على ذلك، يتم تضخيم جاذبية هيستر المسببة للتعاطف من خلال التزامها الثابت بالخلاص ونكران الذات. وبدلا من الاستسلام لظلمة الذنب والندم، فإنها توجه حبها لبيرل إلى قوة من المودة العميقة، وبالتالي تروي قصة أم يستهلكها إخلاص لا يتزعزع. ومن خلال تفاني هيستر الذي لا يتزعزع، نشهد سيمفونية حنان الأم ومرونة الروح الإنسانية، مما يثير فينا شعورا عميقًا بالتعاطف مع تجاربها ومحنها. بينما تتعرج عبر الممرات الضيقة لوجودها، يجب على هيستر أن تتنقل عبر لقاءات مع عشيقها السري، القس آرثر ديميسدال، وهو رجل يعاني من الاضطرابات الداخلية والعار السري. في هذه الشبكة المعقدة من الحب غير المعلن، يتدفق التعاطف، متشابكا مع فهم مؤثر للأعباء الهائلة التي يتحملها كلا الشخصين. ترتجف قلوبنا شفقة على روابط الحب التي انقطعت، وتأسف على الفرص الضائعة للسعادة والرفقة المشتركة. في النهاية، يتجاوز كفاح هيستر برين سردها الفردي، ليظهر كنموذج مقنع للتجربة الإنسانية ككل. إنه يعيد إحياء الفهم بأننا جميعًا نؤوي ندوبا مخفية وصراعات شخصية، بغض النظر عن مدى إخفائها بدقة تحت طبقات من اللياقة. من خلال سعي هيستر الدؤوب لتحقيق النمو الشخصي، والتنوير الروحي، والفداء، نشهد كيف يمكن للتعاطف، في أنقى صوره، أن يتجاوز البنيات المجتمعية ويكون بمثابة شريان الحياة للرحمة والتفاهم والفداء النهائي. بينما أفكر في الرحلة التحويلية التي قامت بها هيستر برين ضمن صفحات "الحرف القرمزي"، فإنني أعترف بامتنان بعمق التعاطف الذي تثيره داخل غرف قلبي. إنها حكاية يتردد صداها مع الخالدة.

الوقوع في الحب:

 في أعماق مستعمرة خليج ماساتشوستس، وسط مجتمع قاسٍ لا يرحم، حيث سادت المعتقدات البيوريتانية والقواعد الأخلاقية الصارمة، تكشفت قصة حبنا مثل زهرة نادرة في حقل قاحل. بدأ الأمر بنظرة خفية، وتبادل الأرواح، وتشابك الأقدار الذي سيغير مسار حياتنا إلى الأبد. كانت هستر برين، التي كان اسمها همسا على شفاه أولئك الذين تجرأوا على التحدث بها، امرأة ذات جمال لا يمكن تصوره، مزينة بشعر أبنوسي لامع يتدلى على كتفيها مثل ستارة متلألئة. كانت عيونها الزمردية، المشعة والثاقبة، تشير إلى روح نارية مختبئة تحت رباطة جأشها. ومع ذلك، كان حرفها القرمزي، المزخرف على صدرها، هو الذي أسر قلبي منذ اللحظة الأولى التي التقت فيها أعيننا. كان ذلك في وسط سوق مليء بنظرات المجتمع البيوريتاني الدامغة، عندما حدقت لأول مرة في وجه هستر، مكشوفا وضعيفا ليراه العالم أجمع. في تلك اللحظة القصيرة المسروقة، كان هناك خيط غير مرئي يربط بين أرواحنا، ويجمعنا معًا بشكل لا يرحم، ضد تيارات التوقعات المجتمعية وثقل الضمير الجماعي. الحب في أنقى صوره وأكثرها اضطرابا، لا يعرف حدودا ولا قيودا ولا حدودا. وبينما تشابكت قلوبنا، وتبادلت القبلات المحرمة في فجوات سرية، وتبادلت النظرات المسروقة همسات خافتة، ازدهرت رابطتنا في جو من التمرد الإلهي. بدا أن جوهر حبنا ذاته يشع، متجاوزا هوامش وجودنا، إكسيرا قادرا على تحدي الأغلال الموضوعة علينا. في هدوء البرية، حيث حجب حضن الطبيعة الهادئ أعين معاصرينا المتزمتين الرافضة، وجدت قصة حبنا العزاء. لأنه في تلك اللحظات الأثيرية، عندما غابت الشمس وراء الأفق وأضاء القمر طريقنا المحظور، تناغمت أرواحنا في سيمفونية من العاطفة والرغبة. توقف الزمن، وتلاشى العالم في غياهب النسيان، ولم يتبق سوى كون يتكون فقط من حبنا وعاطفتنا. ولكن، للأسف، لا تخلو قصة حب من التجارب والمحن. كان ثقل علاقاتنا غير المشروعة يحمل ثقيلا على أكتافنا، مما هدد بكشف النسيج الرقيق الذي نسجناه. ومع ذلك، وبتصميم لا ينضب، تغلبنا على العاصفة، وظهر حبنا أقوى وأعمق وأكثر ثباتا من أي وقت مضى. كما ترى، فإن حبنا تجاوز ما هو سطحي، متحديا حدود التوقعات المجتمعية وملقيا جانبا زخارف المطابقة الدنيوية. كنا مقيدين بالمعرفة المقدسة بأن الحب الحقيقي هو قوة لا تعرف الحدود، تشرق بتحد وسط ظلمة الدينونة والإدانة. أن أحب هيستر برين، وأن أشاركها في أعماق روحها، كان امتيازا منحته لي السماء. لقد كانت رحلة عبر مشهد من المشاعر: العاطفة، والتفاني، واليأس، وفي نهاية المطاف، الخلاص. قصة حبنا، مثل سيمفونية محرمة، تعزف على خلفية من الخلاف المجتمعي، لكنها جريئة بحزم في رفض الصمت. في سجلات الزمن، ستبقى حكايتنا، تهمس في قلوب أجيال لا حصر لها. لأنها ليست مجرد قصة حب، ولكنها شهادة على روح النفس البشرية التي لا تقهر وقوة الحب لتجاوز الحدود الموضوعة.

استمتع بلحظات الحقيقة:

في نسيج الحياة المعقد، توجد سلسلة من اللحظات المحددة التي تضيء وجودنا، وتكشف لمحات عن ذواتنا الحقيقية. هذه اللحظات ثمينة، ومحفورة في سجلات رواياتنا الشخصية، وتذكرنا إلى الأبد بالمشاعر المذهلة التي شعرنا بها أثناء حدوثها. مثل هذه اللحظات، عزيزي القارئ، هي جوهر قصة حبي الساحرة مع هيستر برين الغامضة. بينما كشف الزمن عن قصته الآسرة، ونسج شبكة القدر المعقدة من حولنا، خلال لحظات الحقيقة هذه تم نطق شدة حبنا الخام بهدوء في الكون. كان العناق الرقيق تحت الامتداد الشاسع للسماء المضاءة بالنجوم يهمس بوعود الإخلاص الذي لا ينضب، مصحوبا بسيمفونية متناغمة من الزيز، كما لو أن الطبيعة نفسها استمتعت بعلاقتنا العميقة. مثل رائحة الوردة المتفتحة التي تنبعث في الهواء، كان حضور هيستر ينضح بهالة مسكرة استحوذت على حواسي. ومع كل لقاء عابر، تنكشف الحقائق، وتتجاوز تفاهات العالم، وتنتشر مثل بتلات زهرة متفتحة معقدة. في سكون هذه اللحظات العميقة، اكتشفت حبا عميقا جدا، يمتلك القدرة على شفاء الجروح المحفورة في روحي. في ظل عزاء الكلمات الهامسة والأحلام المشتركة، قمنا أنا وهيستر بتكوين رابطة غير قابلة للكسر، متحديين الأعراف المجتمعية وطغىوا على انتقادات عالم الأحكام. عشنا لحظات الحقيقة بشجاعة لا تتزعزع، عالمين أن حبنا سيصمد أمام الرياح العاتية التي تسعى إلى زعزعة أسسه. مثل جوهرة لا تقدر بثمن، كان حبنا يتألق أكثر مع كل لحظة تمر، ويلقي تألقه ضوءا مشعا على ظلال الشك. يقال أن الحب غالبا ما يكون مصحوبا بالتضحية والمعاناة، المنسوجة في نسيج العاطفة والرغبة. في لحظات الحقيقة هذه، وجدت أنا وهستر أنفسنا نبحر في مياه غادرة، ونكافح ضد تيارات الشدائد. لقد تم اختبار حبنا، وتم تجريد مشاعرنا، مما كشف عن العمق العميق لالتزامنا تجاه بعضنا البعض. في مواجهة بوتقة الحكم والرفض، خرجنا أقوى، وحبنا معزز بالإخلاص الذي لا يتزعزع. في التأمل، تكون لحظات الحقيقة هذه بمثابة منشور، يكسر الطبقات الدقيقة لقصة حبنا، ويضيء ظلالها وتعقيداتها العديدة. وفي هذه اللحظات أتذكر العمق العميق للعاطفة، التي تتجاوز حدود الفهم البشري. حب قوي جدا، يتحدى حدود الزمن، ويحفر بصماته على نسيج الأبدية.

عزيزي القارئ، بينما أروي لحظات الحقيقة الساحرة التي ترتكز عليها قصة حبي، أناشدك أن تبحث عن هذه اللحظات التحويلية في حياتك الخاصة. احتضن الضعف الذي يصاحبهم، لأنه في عالم الحقيقة تُزرع بذور الارتباط العميق. في هذه اللحظات، يتم ربح وخسارة الثروات، وتتشكل الأقدار، ويتم اكتشاف الحب الحقيقي. لأنه في هذه اللحظات، عندما أمسكت بيد هستر الرقيقة في يدي، عرفت، بما لا يدع مجالا للشك، أن حبنا كان قوة يمكنها التغلب على الجميع.

في الختام، أثبتت الحكاية الغامضة لقصة حبي الحقيقية مع هيستر برين الآسرة أنها رحلة غير عادية مليئة بالعاطفة والمكائد والتفاني الذي لا ينضب. كسيمفونية رائعة لحنتها السماء، تشابكت دروبنا في رقصة مبهرة، تقودها يد القدر المعقدة. روح هستر الحازمة، المزينة بأناقة ورشاقة لا يمكن إنكارها، سحرت روحي، ودفعت حدود الحب واختبرت حدود الأعراف المجتمعية. أثناء اجتيازنا متاهة بوسطن البيوريتانية، أشعلت قصة حبنا جحيما من العواطف، تغذيه الرغبات الجامحة التي تحدت الأعراف القمعية. أصبح حرف هستر القرمزي رمزا لاتصالنا المحظور، رمزا جريئا شجعنا على اعتناق الحب الذي تجاوز عالم التقاليد. وبصمودها الذي لا يتزعزع، تحملت ثقل ازدراء المجتمع، وبرزت كمنارة للقوة وسط بحر من الأحكام والنفاق. انكشف حبنا في الظلال المتألقة لسقالة المدينة، حيث كنا نسعى أحيانا إلى العزاء والحميمية السرية. وفي تلك اللحظات الأثيرية اكتشفنا عمق تواصلنا، الذي ربط أرواحنا في نسيج من المودة يتحدى حدود الزمان والمكان. كل لقاء مسروق كان يزيد من شوقنا، ويغذي رغبة لا تشبع لا يمكن إخمادها بإدانة المجتمع. من خلال التقلبات المتعرجة لروايتنا، تحولت هيستر إلى قوة لا تنضب من المرونة، تنضح بجو ملكي يستحق الاحترام والإعجاب. لقد ألهمتني روحها التي لا تقهر، إلى جانب الإحساس العميق بالذات، بالتخلص من أغلال التوقعات المجتمعية واحتضان ذاتي الحقيقية معا.

***

محمد عبد الكريم يوسف

في زيارتي الآخيرة الى بلدي العراق وديرتي قرية الهويدر، حظيت بلقاء أهل وأصدقاء ورفاق وأحبة فارقتهم سنوات طويلة، كان من بين هؤلاء الأحبة الشاعر والروائي إبراهيم البهرزي، ذات مساء ندي، وأنا جالس على أسرة مقهى دردي الأثيرة في قرية الهويدر مع الاصدقاء فراس الشيباني رئيس أتحاد أدباء وكتاب ديالى والباحث والاستاذ عبد الكريم الكفشي في زاوية تلك المقهى وفي متعة الحوار حول هموم الوطن وعطر الذكريات . أقترح علينا الاستاذ فراس الشيباني بزيارة الشاعر إبراهيم البهرزي في بيته بمدينة بهرز، فقادنا بسيارته الى بيته، وقد أستقبلنا برحابة صدر وشوق كعادته مرحباً بنا، وعلى مجعات القهوة المرة دارت أحاديثنا المتنوعة حول الوطن والثقافة والسياسة بين الأمس واليوم في الموقف والمبدأ .

وبعد أن أرتشفنا فناجين قهوته المرة بادره الاستاذ فراس الشيباني بنشاط أتحاد الادباء القادم بأستضافتي للحديث عن تجربتي في الغربة والتجربة والكتابة . وقال له : نحن نرغب ستكون أنت يا إبراهيم في إدارة الامسية، ورغم تردده في البدء برغبته في العزلة وتردده في حضور تلك اللقاءت وبعده عن تلك النشاطات، لكنه أعرب عن تقديره لنا في حرارة هذا اللقاء بعد هذه السنوات الطويلة رحب بتلك الفكرة، وكنا ممتنيين له ولموقفه في تقديره لحضورنا وهذه من شيمه الكبيرة . وكان خير لقاء وحضور ومحاور .

في نهاية اللقاء أهداني روايته الآخيرة ” حسن أوبك ” المنشورة عبر دار نشر درابين في العاصمة بغداد وفي صفحة واقع ٢٦٧ من القطع المتوسط وبغلاف معبر بدقة وأنيق عن أسم وأحداث وشخصيات الرواية، والتي تدور أحداثها في العراق وحصراً في مدينة بعقوبة، كما كان واضحاً من خلال تجسيد الشخصيات وبناؤها ولغة حواراتها وواقعية الزمان والمكان .

ومن الصفحات الأولى في الرواية تشدك وتشير لك الاحداث عن عمق المأساة التي مر بها شعبنا بعدة حقب تاريخية قريبتين الى المتابع والمشاهد والمرحلة، حقبة نظام البعث وتعامله مع أبناء شعبه، وتهاوي ذلك النظام بفعل الدبابة الامريكية والنتائج المدمرة من خلال شخصيات الرواية بين الموقف والتزلف والتذبذب في المواقف في التعامل مع الوضع الجديد على حساب المباديء وسنوات النضال .

تمكن إبراهيم البهرزي وبحرفية عالية وبعين سياسي راصد للاحداث بدقة وأمانة في تتبع مسيرة التطورات التي عصفت بالعراق وأهله من خلال عرض تطورات كل شخصية في العمل ومواقفها من الاحداث في الفترة السابقة، فترة نظام البعث وما بعد رحيله في بناء درامي متصاعد على شتى الاصعدة السياسية والاجتماعية والفكرية والإخلاقية ومنظومة العلاقات بين تلك الشخصيات وتوجهاتها الفكرية والسياسية .

النموذج الساطع في مفصل التطورات التي حلت بالعراق جراء إحتلاله هو شخصية خليل الترزي وسرعة تنقلاته من حضن النظام الدافيء السابق الى حضن النظام السياسي الجديد والذي نصبه المحتل ومن خلال تشبثه السياسي الجديد بإنتمائه الشيوعي السابق وتسلسله عبر تلك المنظومة لكي يكون له شأن وموقع جديد متنكراً ماضيه التعيس وناكراً حقوق أم محمد وزوجة حسن أوبك السيدة سامية أخت البعثي المتغطرس الرفيق سامي والذي ينتهي به المشوار بقتله على يد الإحتلال بعد محاولته بنصب عبوة ناسفة لدبابات الامريكان، وهو أخ الشيوعي سمير المطارد، والذي يعيش في مملكة السويد، وقصة عودته الى العراق بعد الإحتلال والتداعيات التي واجهته .

في بدايات قراءتي للرواية تشدك أحداثها لتسلسلها الزماني وبناؤها الدرامي، إضافة الى الاسلوب والبناء واللغة الصافية والمعبرة عن تكوين أركان العمل وشخصياته ورؤاه المستقبلية بإعتباره شاعر وسياسي . أرتأيت أن أنشر هذا الانطباع الأول عن الرواية لغاية في نفسي لدراسة مستفيضة قادمة عن الشاعر والرواية والحدث !.

***

محمد السعدي

مالمو/ آذار ٢٠٢٤

 

بدعوة شَرف من المكتب الخاص للدكتور حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق ورئيس إئتلاف النصر، إلتئم بمنزله الكريم (70) كاتبا وأديبا ومثقفا وفنانا وناقدا وأكاديميا، ونَقل الدعوة لمجموعة (70)، الرجل  الإنسان الدكتور سلام الزبيدي، وقال، إنها جَلسَة أسبوعية مفتوحة، وتعقد بشكل دوري للنُخب المُجتمعية في العراق الحبيب، وكنت أحد ال (70) ..

و(إهتز قلبي) لكلمة الدكتور العبادي الترحيبية من فرط جمال الكلمات وعذوبتها، ومن فرط الموضوعية التي تحدث بها أمام مجموعة (70)، وملخصُها الثناء على الدور الكبير الذي يقوم به الكاتب والأديب والمُثقف والفنان والناقد والأكاديمي في دعم المُتغيرات والإصلاحات التي يشهدها العراق في جميع مناحي الحياة، و(حشى فوهة المدفع بالإطلاقة الصحيحة) حين أكد، أن أي بُنية للنظام السياسي لا يُمكنها الصمود من دون بُنية ثقافية، وغاص أكثر حين قال، أن الأدب يُمثل تأريخ ثقافة الشعوب كونه يُعزز الوعي بالهوية الوطنية ومواجهة التحديات الفكرية والإجتماعية التي يَمر بها العراق ..

وحديث الدكتور حيدر العبادي هذا صحيح مئة بالمئة حين قال: عندما نقول أن بُنيتنا ديمقراطية، فقَيم الحُرية والمسؤولية والعدالة هي البُنى الأساس لضمان كون النظام ديمقراطيا وعلى السِكة السليمة، ونشاطره الرأي حين ذهب بعيدا وهو يؤكد، أن هذه هي مُهمة الأديب الذي تقع عليه مسؤولية ذاتية، وأن يَخلص في تحمل المسؤولية كونه يقع عليه دورا مُهما في إصلاح المُجتمع والدولة ..

إستبدل (قلبي إهتزازه) ب (إهتزاز الجَسد) بأكمله، حين طرَّح بعض أركان مجموعة ال (70) المأساة التي يواجهها الكاتب والأديب والمُثقف والفنان والناقد بوصفهم الأداة المُهمة لإحداث التغيير الإجتماعي والسياسي، وعاد (قلبي) من جديد لِيشارك (إهتزاز الجَسد)، حين أتاح الدكتور حيدر العبادي فُرصة للنقاش المفتوح حول سُبل دعم المشهد الثقافي في العراق، بما في ذلك تحسين فُرص النشر لِلكتاب وتطوير منافذ الأدب والمساحات التي ينشط فيها، حتى (هاجم أصحاب النقاش)، الذي كان يُديره بعناية وحكمة شديدتين الزميل الأنيق سعد اللامي، على الدكتور العبادي بأراء وأفكار كانت مضامينها حزينة لكنها كانت موضوعية جدا، وكنت قريبا من التوقع من أن الدكتور العبادي سيمتعض لكن توقعي هذا لم يكن في محله، حينها تخلَّص (القلب) و(الجسد) من (الإهتزاز)، وصارا مُستقرين تماما حين راح الدكتور العبادي يزيح الحُزن والألم من (صدور المُهاجمين) وهو، يرد على نزالاتهم بموضوعية الفارس الشُجاع وحكمته في كيفية تخطي الصِعاب من خلال إيجاد الحلول المُناسبة لها، وتلك هي مواصفات الرجل  الإنسان الذي يُشجع على النقد الموضوعي، حتى صار مُقترحي الذي قدمَّته للدكتور العبادي يحظى بقبوله وقبول مجموعة ال (70)، ويقضي المُقترح هذا بتشكيل (مجلس لدعم الثقافة العراقية)، ويستهدف دعم الكاتب والأديب والمُثقف والفنان والناقد، وتبني نتاجاتهم الفكرية كونهم الأكثر تأثيرا في إحداث التغيير الإجتماعي والسياسي الموضوعي بحسب الدكتور العبادي، والهادف إلى تحقيق المصلحة العامة، وتعزيز المسار الديمقراطي من خلال وضع الإستراتيجيات وخطط تطوير الأداء، وتقديم الأفكار الإبداعية، وتفعيل التواصل والعلاقات بين بين الجهات المعنية، والإسهام بطرح مُبادرات مُنظمة في مجالات الأدب والثقافة والفن المُشتركة بما يخدم العراق، وذلك هو الهجوم الموضوعي الذي بدأه صانع الحياة الأديب الأريب شوقي كريم، وخَرَج منه سالما وهو، يتلقى ثناء الدكتور العبادي وشُكره وتقديره له على موضوعية طرحه ..

يومها تذكرت (الطركاعة) (إللي طاحت) على شوقي كريم حين كان قد هاجم (صدام) في عقر قصره مُنتقدا بذات الموضوعية، وقادته من (القصر الجمهوري) هذا، المُستبدل بمقترح صهيوني منذ اليوم الأول من أيام الإحتلال الأمريكي للعراق ب (المنطقة الخضراء)، إلى السِجن ليقضي فيه بضعة من سنوات الشباب، وتذكرت يومها (جماعة تضاد) التي أسست في زمن النظام السابق، وكان شوقي كريم أحد أركانها ..

وفي الختام أسال، هل تكون مجموعة ال (70) صنوا او بديلا ل (جماعة تضاد)، مع ملاحظة أن هذا السؤال قد يُؤوقنا ويربكنا، وقد يجعلنا نستعظم، نحن شريحة الأدباء، حجم المُهمة الفلسفية الموضوعية  العسيرة المُلقاة على عاتقنا في إحداث التغيير الديمقراطي ووضعه في الإتجاه الصحيح بدلا من (التغليس السياسي) القائم منذ (23) عاما، وما زالت أركان (التغليس) تتصايح (أشتردون بعد طمينة الدكتاتورية .. وجبنالكم الديمقراطية) ..

وفي هذا السِياق كان ذلك (التغليس) أحد أسباب مُهاجمة المجتمع للنظام الديمقراطي القائم، والسعي لمحاكمته كما لو أن البعض ينصبون أعواد المشانق من دون محاكمة موضوعية، ولم يعوا أن (الموضوعية) ونقودها هي عكس (الأنا  الذات) مُتناسين أن (الموضوعية) هذه مُعززة للوعي المُجتمعي، وإن التخلي عنها، وعن الفكرة، تبتعد عن الإدراك الحسي لفهم حقيقة ما يجري من حولنا وما يدور في الفلك السياسي ..

اِن ظاهرة تكريم المبدعين وذكر خصالهم الحميدة بعد موتهم لم تكن حكراً على الثقافة العربية، إنما هي عقلية عربية، فالموت عند الإنسان في الثقافة العربية يرتبط بالكمال، وعليه أعتقد أن هذه الامتدادات التراثية أثرت على السلوك الثقافي وهو أننا لا نحتفي بالتجارب إلا إذا مات صاحبها، وهذا الأمر يجب تجاوزه من خلال إعادة علاقتنا

يتعرض الكثير من المبدعين ممن قدّموا خدمات جليلة لأوطانهم للإهمال والنسيان وبخاصة في أواخر أعمارهم، فيعيشون الفاقة والفقر أحياناً، أو المرض في أحيانٍ أخرى وكأنهم نسيٌ منسي، بعد أن ذبلت سنيّ أعمارهم على طريق خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم

سمعنا خلال السنوات الماضية  الكثير من القصص لمبدعين لم يأخذوا حقهم من الاهتمام، بل إن بعضهم لم يجد ما يسد رمقه أو علاج مرضه، ولم تلتفت لهم المؤسسات الثقافية العربية أو المسؤولين، وهذا يشكل نكراناً لجهودهم وخدماتهم.

يقول أحد الكُتّاب: “نحن نجوّع الرموز والكتاب والشعراء حتى نقتلهم جوعاً وغبناً، ثم نحتفي بهم بعد موتهم ونضع صورهم على العملات ونسمي الشوارع بأسمائهم، ونقيم المهرجانات التي تصرف عليها الملايين وتستفيد منها فئة معينة”، وعلى الأغلب لا يتم ذكرهم أو تكريمهم والاحتفاء بهم، إلا بعد موتهم، وهو ما سماه بعض الكُتّاب ب (التكريم القاسي) أو التكريم (بعد فوات الأوان)، وكان رحيل هؤلاء المبدعين منبهاً أو صحوةً أعادت لنا وعينا فاكتشفناهم ولم نكن نفطن لوجودهم بيننا، أو كنا نتجاهلهم، بل هم مبدعون لهم آثارهم التي عُرِفوا من خلالها.

وفي مكان آخر يقول كاتب آخر: “كلمة مديحٍ لي وأنا على قيد الحياة خيرٌ من ألف كتابٍ يُكتب بعد موتي، ولكن للأسف يكرّم المبدع بعد موته فأين نحن منه في حياته”. وكأننا في حالٍ كهذا نقول له: أيها المبدع العربي الكبير، إننا ننتظر موتك لنقوم بتكريمك والاحتفاء بك، ولكنك ستبقى مهملاً لا أحد يهتم بك وأنت حي، وكأني بلسان حال الفقيد يقول:

لأعرفنك بعد الموت تندبني

في حياتي ما زودتني زادي

*

فإن حييت فلا أحسبك في وطني

وإن مرضت فلا أحسبك عوادي

إن تكريم المبدع العربي في حياته يرفع من شأنه أمام مجتمعٍ يعرف به أبناء وطنه أكثر فأكثر ويزداد إبداعاً، والمبدعون في جميع المجالات بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية، يمثل التكريم بالنسبة لهم اعترافاً من المجتمع بإبداعاتهم، والاهتمام بالمبدعين في حياتهم يعطي صورة عن احترام الأمة ثروتها البشرية واعتزازها بحاضرها من أجل بناء مستقبلها، كما أنه يمثل صورةً إيجابيةً للأجيال اللاحقة لتشجيعهم على الإبداع والتميّز، أما إهمال هذه الفئة فإنه يمثّل تجاهلاً للجهد الذي قدّموه وعدم الوفاء لتاريخهم الإبداعي وسنوات عمرهم التي أفنوها في سبيل خدمة وطنهم العربي ومجتمعاتهم.

د. رحيم هادي الشمخي

تكريم المبدعين ظاهرة ثقافية وسلوك حضاري في حياة أي مجتمع كونه يحفز ويحافظ على التوازن الفكري والنفسي للنخب المثقفة من شعراء وأدباء وفنانين تشكيليين، غير أنه وبحسب ما تمليه ذهنيات تأبى التغيير ولا تريد تخطي أشياء ما عادت نافعة ولا لائقة سواء لشريحة المبدعين أو للحراك الثقافي ككل، وهي متفشية في الوطن العربي، لا يعترف بالمثقف والمبدع إلا إذا تمدد في قبره وتأكد أنه لن ينهض أبداً... عندها يفزع الكل ويجري أولو الأمر من مسؤولين وقائمين على الشأن الثقافي لإقامة احتفاليات التكريم وتنظيم الملتقيات والندوات على شرف رحيل المبدع، فكأنما يعربون عن فرحتهم بمغادرته الحياة وتخلصهم منه...

وإن كنا لا نعارض تكريم المثقفين الراحلين لما يحمله من عرفان لأعمالهم وما أضافوه للحقل الثقافي والمعرفي، فإننا نتساءل مع جل المثقفين والمبدعين: متى نقلع ونكف عن هكذا حرمان وتنكر وتجاهل للمثقف فقط لأنه موصوم بالحياة ويعاني من شبهة الحاضر ونجري لتبجيله والاحتفاء به فقط لأننا تأكدنا أنه ما عاد هنا... مات وغاب عن الوجود؟

لقد سمعنا خلال السنوات الماضية  الكثير من القصص لمبدعين لم يأخذوا حقهم من الاهتمام، بل إن بعضهم لم يجد ما يسد رمقه أو علاج مرضه، ولم تلتفت لهم المؤسسات الثقافية العربية أو المسؤولين، وهذا يشكل نكراناً لجهودهم وخدماتهم.

وللأسف الشديد فالرموز والكتاب والشعراء نقتلهم جوعاً وغبناً، ثم نحتفي بهم بعد موتهم، نسمي الشوارع بأسمائهم، ونقيم المهرجانات التي تصرف عليها الملايين وتستفيد منها فئة معينة، وعلى الأغلب لا يتم ذكرهم أو تكريمهم والاحتفاء بهم، إلا بعد موتهم، وهو ما سماه بعض الكُتّاب ب (التكريم القاسي) أو التكريم (بعد فوات الأوان)، وكان رحيل هؤلاء المبدعين منبهاً أو صحوة أعادت لنا وعينا فاكتشفناهم ولم نكن نفطن لوجودهم بيننا، أو كنا نتجاهلهم، بل هم مبدعون لهم آثارهم التي عُرِفوا من خلالها. وكأننا في حالٍ كهذا نقول لهم: أيها المبدعون العرب الكبار، إننا ننتظر موتكم لنقوم بتكريمكم والاحتفاء بكم، ولكنكم ستبقون مهملين لا أحد يهتم بكم وأنتم أحياء.

اِن ظاهرة تكريم المبدعين وذكر خصالهم الحميدة بعد موتهم لم تكن حكراً على الثقافة العربية، إنما هي عقلية عربية، فالموت عند الإنسان في الثقافة العربية يرتبط بالكمال، وعليه أعتقد أن هذه الامتدادات التراثية أثرت على السلوك الثقافي وهو أننا لا نحتفي بالتجارب إلا إذا مات صاحبها، وهذا الأمر يجب تجاوزه من خلال إعادة علاقتنا بالحياة إلى مجراها الطبيعي وأن نكون أبناء الحياة وإذا جاء الموت كنا أبناء الآخرة، أما أن نكون أبناء الموت قبل أن يأتي ونكون سفراؤه بالحياة وهو لم يكلفنا بذلك أمر غريب وبشع، بالمقابل لا يمكن أن نقول عن التكريم سوى أنه تقليد طيب مهما كانت نوايا القائمين عليه لأنه يدخل في ثقافة الاعتراف وعليه لابد من تكريسه في مشهدنا الثقافي والسياسي والاجتماعي والإعلامي، علينا أن تكون لنا الجرأة وأن نعترف بالتجارب الجيدة والجادة مهما كانت حتى وإن لم توافق مزاجنا الفكري، وعلينا أن نعترف بالجيد حتى نخلق نوعاً من التراكم والإمداد والتواصل.

ولا يختلف كثيراً عما يحصل حالياً مع بعض المبدعين وأصحاب الفكر، والذين يعمون أعينهم تحت وطأة ضوء خافت لتأليف كتاب تاريخي وثائقي مهم أو للكتابة عن أديب يستحق الوقوف عنده، وتفنى عظامهم على بسط يتيمة ترسم نقوشها على أجسادهم ثم يموتون عليها ويدفنون تحتها دون أن يدري أحد بهم أو يعيرهم أدنى اهتمام.

وفي ظاهرة غريبة نسمع أن فنانين ومبدعين عرب كرموا في الخارج بدول عربية وأوربية بينما يقومون بدور مزمار الحي الذي لا يطرب ببلدهم... و إذا أتينا لمعاناة الأدباء والكتاب نرى المشكلة أكثر تعقيداً وأشد إيلاماً، فربما تكون مقولة أن القارئ هو من يمنح الكاتب انتشاره صحيحة، حينما يتم الترويج لهذا الكاتب بالشكل الذي يستحقه. أمّا حجة أن شعبنا العربي لا يقرأ في زمن تغلبت فيه الصورة على الكتابة ليست دقيقة، بل إن صحوة ثقافية تسود مجتمعنا بعد ابتذال الصورة وعدم تعبيرها. كما لن نقول إن الأدب الأصيل اللافت للانتباه ذهب مع الريح، بل يجب أن نسأل كيف لأديب يفترش البساط ويلتحف السماء أو السقف القرميدي أن يحقق انتشاراً لرواياته ويوزعها بآلاف النسخ وبتكلفة باهظة حتى يُعرف، وهنا تبرز مسؤولية الحكومات العربية وغيرها في البحث عن المبدعين، وتكريمهم بتحويل كتاباتهم إلى أعمال سينمائية ودرامية تلفزيونية.

اِن التراجع والانحسار الذي حدث على المستوى الثقافي العربي، جعل المثقف في حالة يرثى لها، نحن مصابون بالانكسار، كل ما في واقعنا يسيطر عليه أشباه المثقفين الذين يتيوؤون مناصب في مجالات مختلفة في هذه الحياة لا سيما في مجال الإبداع الثقافي، المثقف عندما يصاب بالترف الفكري أي يصبح لديه كماً معرفياً وحشداً للمعلومات في مخيلته وهذا الترف يستخدمه للممارسة اليومية للتعبير عن هموم شعبه وعن محيطه، وإن لم يستطع أن يعبر عن ذلك فهو يمتلك آلة تعطيل الحركة والتفاعل والحيوية والتواصل ويمتلك من القدرات، آلة التآمر لجعل المثقفين الحقيقيين في موقع هامشي، لأنه يخشاهم وهو يعرف أنهم الأحق بمنصبه وأنهم الحق في أن يتبوؤوا المكانة التي يستحقونها في وجدان الأمة، حين نقول إننا متخلفون فهذا ليس وصفاً شعرياً، إنما نمط علاقة الناس فيما بينهم لأننا لسنا منفتحين على العالم وعلى ذواتنا، وحين نتكلم عن الأمراض والأوبئة التي تعشش بدواخلنا فإني لا أحمّل الناس مسؤولية ذلك إنما أحمّل الأزمة الشاملة التي تمر منها الأمة العربية، ولهذا أقول إن التكريم الذي يأتي بعد الموت يعتبر انتقاصاً من قيمة المبدع، ولا يقدم هذا التكريم أي إضافة للمكرم الراحل، لأنه في حكم الغائب ولا يرى ولا يحس بطعم ولذة تكريمه لا من بعيد ولا من قريب.

فالمبدع إجمالاً يعيش حالة انهزام مستمرة وحنين دائم إلى وطنه وإلى حالة مجتمعه، فهو يحتاج إلى مساعدة ومساندة الآخرين له، وحالة المبدع في الوطن العربي تنذر بالخطر إذ هناك من لا يتوفر على على قوت يومه ويستدين أموالاً حتى يتمكن من الاستمرار في هذه الحياة، وهناك الكثير من الحالات التي تعاني من ضيق العيش وتحيى حياة الضنك والفقر، رغم أن المبدع يفرط في صحته ويستهلك طاقته ويتآكل داخلياً، كل ذلك في سبيل إنتاج مادة فكرية تستعمل كمرجع يستمد منه حلولاً لتساؤلات تطرحها التنمية البشرية والاقتصادية…

في محاولة منه لتبيان أننا لا يجب أن نحيل واجب التكريم والجزاء إلى اللاهوت، بل يجب أن نبدأه نحن. وأنا أقول: (ما أجمل أن ينال العظام الخلود الذاتي قبل موتهم أيضاً، وحينها لا بأس من الأسف عليهم بعد وفاتهم لا بسبب تقصيرنا نحوهم بل لفقدانهم فحسب).

عندما اشتد المرض على الدكتور علي الوردي وبعد أن تجاوز الثمانين من عمره أرسلت له دعوة لتكريمه في أحد النوادي الأدبية أو الثقافية -وهو المؤرخ وعالم الاجتماع العراقي المعروف- فاعتذر بهذا البيت «لأبي فراس الحمداني»:

أَتَت وَحياض المَوت بَيني وَبَينَها

وَجادَت بِوصل حَيث لا يَنفَع الوَصل!

نعم يا وطن.. فلا بعد الموت تكريم، ولا بعد المرض عرفان، وسيكون من اللائق جداً أن يكرم المفكر والعالم والمبدع ورجل الدولة في أوج عطائهم كمحرك لتطور الوطن بتطور مبدعيه وتحفيزهم ودفعهم إلى الأمام، فاجعلوا التكريم مرتبطاً بالحياة لا بالموت.

أعلان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ، توقيع محضر عقد مع شركة مصرية لتشييد مدينة "علي الوردي" السكنية الجديدة، جنوب شرقي بغداد، وفيما وصف المشروع بأنه "الأكبر" بين مشاريع المدن الخمس,, واطلاق اسم الفنان الكبير فائق حسن على المجسر الجديد ببغداد فعل من أفعال التخليد , تحسب لصالح حكومة السيد السوداني،كذلك قامت الحكومة المحلية في البصرة بإطلاق اسم الاديبين محمد خضير وكاظم الحجاج، على شارعين في المدينة، ولا يقع تمثال الشاعر موفق محمد في بابل خارج التفكير العملي هذا، الذي يقضي ببعث الروح الوطنية، عبر قناة الثقافة في ضمير الشعب التي مزقتها الاديان والمذاهب والطوائف والحروب بالنيابة وغيرها

يفرحنا جداً حين يكون قادتنا بهذا الوفاء , ويؤسفنا جداحين لم يبادر أي مسؤول في الدولة ولا الوزير المعني طيلة السنوات الماضية لجعل تكريم المبدعين في مجالاتهم من أولويات سياستنا الداخلية فلطالما سمعنا عن تكريم فلان بعد وفاته، وهذا لا يتفق إطلاقاً ومبدأ الوفاء والعرفان لمبدعينا من أدباء وشعراء ومفكرين وموظفين في كل القطاعات، فأتساءل دائماً لماذا لا يتم تكريم المبدعين وهم أحياء؛ بل وفي عز عطائهم وليس بعد أن يبلغوا من العمر عتيا. حتى أصبح لسان حال البعض أن لا يأتي ذلك اليوم الذي أُكرم فيه لارتباط هذا اليوم بالموت أو أرذل العمر في أحسن الأحوال وكأن المرض أو الموت يوقظنا من غفلتنا عن تقدير هؤلاء والاعتراف بعطائهم,, لقد صدق أوغست كونت حينما قال: (الرجال العظام ينالون الخلود الذاتي بعد موتهم عن طريق تكريم الأجيال المتلاحقة لهم) إلى متى نبقى لا نعرف قيمة عظمائنا، إلا بعد أن نفقدهم ولا نحتفي بالعظام إلا بعد موتهم؟ أما التكريم ما بعد الموت فإنه وفاءٌ متأخر, لذلك نرى أنه من الضروري من القائمين على الهيآت الثقافية والفنية في العراق , وربما, الوطن العربي أن يهتدوا إلى تكريم المبدعين قبل أن تغلق جفونهم ويغادرون عالم الأحياء ويلتحقون بعالم الأموات لأنه حينها لا يجديه التكريم نفعاً ولا ضراً، فالتكريم بالنسبة للمبدع وهو حي يزيد من قيمته ويضاعف أعماله وطاقته مما يمكنه من مواصلة إنتاجه وعطائه. فمن المهم تخليد العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، من أجل تخليدهم واستذكار منجزهم الإبداعي لتشجيع الشباب على اقتفاء آثارهم في التميّز والإبداع، لكن الأهم من هذا كله الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير العيش الكريم لهم وفاءً لما قدّموه, من المهم تخليد العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، من أجل تخليدهم واستذكار منجزهم الإبداعي لتشجيع الشباب على اقتفاء آثارهم في التميّز والإبداع، لكن الأهم من هذا كله الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير العيش الكريم لهم وفاءً لما قدّموه, إلى متى نبقى لا نعرف قيمة عظمائنا، إلا بعد أن نفقدهم ولا نحتفي بالعظام إلا بعد موتهم؟

تختلف الشعوب على الزعامات السياسية، وتزداد نسب الحب والكراهية بين شخصية وأخرى، وبين نقطتي اليمين واليسار يتأرجح كثيرون، ممن اختلفوا على هذا وذاك، وهو امر طبيعي في السياسة، وفي الاقتصاد ربما، وباقي مفاصل الحياة المادية، لكنها لا تختلف على قيم الفن والجمال والشعر والموسيقى، فهذه أدوات محايدة، لا تؤثر فيها الميول ولا الاتجاهات، ورأينا خلود امرئ القيس والمتنبي والجاحظ وناظم الغزالي ومائدة نزهت ووو في ضمائرنا، ولم تنل من بريق اسمائهم وافعالهم تقاطعات الحياة، ولا بنادق المحتربين. كان وزير المستعمرات البريطاني يقول:" بأن حكومة جلالة الملكة اليزابث فخورة بانها تصدر الى العالم أرقى المكائن والمعدات ومعها شكسبير".

ربما يرى البعض بأننا لم نخلق في ثقافتنا وأدبنا من الاسماء الى ما يرقى الى الافعال تلك، وأنَّ ثقافتنا عاجزة عن استيعاب مثل هكذا تسميات في شوارعنا وساحاتنا العامة، وهو قول مردود، لا قيمة له، ذلك لأننا لم نسوّق مثقفينا كما يجب، وأنَّ أسماءهم واعمالهم تم تجاهلها بفعل ممنهج وقصدي، لصالح كل ما هو ديني وطائفي ومذهبي ومحترب في حياتنا، إذْ لم تأخذ الاسماء التي فرضتها على أعيننا بعضُ الجهات أهميتها وشيوعها من كونها فاعلة، ومؤثرة في الحياة، لكنَّ الاصرار على وجودها هناك هو الذي منحها حق الشيوع والتسيد. هناك العشرات والمئات من الصور التي تصادفنا يومياً ولا نعرف تواريخ ومنجزات أصحابها، ولم نقف على شيئٍ عن أعمالهم، لكنها لم تكن لتوجد وتكتسب شرعية وجودها خارج الرافعات الدينية والطائفية التي تقف وراءها.

نعلم أن وجود أمثال هؤلاء هو وجود آني، مرهون بوجود القبضة الحديدية التي تفرضهم، وأنَّ البقاء للأصلح، كما تقول القاعدة الحياتية، إلا أنَّ ذلك يضرُّ بمصلحة البلاد، ويبقي على الكراهية والبغضاء في النفوس، لأننا مجتمع متعدد الطوائف، ومختلف المشارب والاهواء، وعدد الذين ينشدون الحياة فيه يفوق عدد الذين مازالوا يرددون نشيد الموت، وسنن الوجود ترجّح كفّة الصفح والعفو والعيش الآمن المشترك. ذات يوم ستنتهي الحاجة الى أمثال هؤلاء، فلماذا نضع العصيَّ بعجلة التحول والتطور الانساني والمديني، لماذا لا نقدم رموزنا التي لا يختلف عليها أحد، بدلاً عن الرموز المختلف عليها عقائديا وطائفيا؟

لا يستجيب الجنديُّ السنيُّ لنداء من يقول: دافعوا عن وطن جعفر الصادق، ومثله لن يستجيب الجندي الشيعي إذا سمع نداء يقول: دافعوا عن وطن ابي حنيفة، لكنهم سيدافعون مشتركين، ومن خندق واحد إذا سمعوا نداء يقول دافعوا عن العراق! لم نسأل ونحن طلاباً عن هوية الاب الكرملي ومعروف الرصافي والزهاوي و الكاظمي والجواهري والسياب ونازك الملائكة... ممن صنعوا ثقافتنا والجانب المشرق من هويتنا، ولولا النبش القميء الذي قام به زعماء حروب الطوائف لما عرفنا عن معتقداتهم شيئاً. في المدن التي نزورها نقرأ اسماء ادبائها وموسيقييها وفنانيها في لوحات التعريف بالشوارع والساحات، فكانت مدعاة لنا للبحث عن نتاجهم في مشغل الجوكل، وكثيرا ما نقع على الجميل والعظيم من كتبهم ومؤلفاتهم، ترى على ماذا سيقع المتصفح العراقي إن بحث عن عشرات الصور المعلقة في شوارعنا اليوم؟

***

نهاد الحديثي

 

لمناسبة عيد المعلم  في الأول من آذار.. يتطلب الامر منا جميعا دعم المعلم اجتماعياً.. ومؤازرته معنوياً.. وعدم الحط من شأنه، والإشادة بدوره في محافلنا الاجتماعية، والاعلامية،وذلك بقصد تمكينه من القيام بواجبه التعليمي بحس مسؤول، وأداء رسالته التعليمية والتربوية على أفضل وجه ممكن.. اذ ان التهكم  والتقليل من شأن المعلم، والذي نراه شائعا بيننا اليوم للأسف الشديد.. يمس هيبة المعلم، وينال من مكانته في المجتمع.. وفي الوسط الطلابي معا، حتى بات المعلم يشعر بدونية موقعه، عندما يحضر في أي مناسبة.

ومعروف للجميع ان مهنة التعليم انبل مهنة.. وخاصة في ثقافتنا العربية الإسلامية.. فقد احتل المعلم في تراثنا مكانة  مرموقة، سواء في المجتمع، او في أوساط الطلبة، حيث ورد في الأثر (من علمني حرفاً ملكني عبدا)، واستمرت مكانة المعلم برفعتها العلمية، ورمزيتها الإجتماعية، حتى فترة متأخرة من العصر الحديث، حيث قال الشاعر  في ذلك:

قـــــم للمعلـــم وفه التبجيـــــلا

كاد المعلم ان يكون رسولا

*

اعلمت افضل او اجل من الذي

يبني وينشئ انفسا وعقولا

ولا غرابة في ذلك، فالمعلم مربي الاجيال الذين سيكونون قادة المستقبل.. من المهندسين، والاطباء،والعلماء، والموظفين.. ومن هنا فلسنا بحاجة للإشارة إلى مكانة المعلم العالية، وحجم الامتيازات الكبيرة التي يحصل عليها في في الدول المتقدمة، وفي بعض نمور دول جنوب شرق آسيا، التي حذت حذوهم. فقد انتبهوا إلى اهمية دور المعلم في العملية التعليمية، وكيف ان الإرتقاء بمكانته، وتعظيم امتيازته، ينعكس إيجابيا على مخرجات العملية التعليمية بشكل مباشر، وذلك من خلال تحفيزه مادياً ومعنوياً للانشداد للعملية التربوية، والتواصل الصميمي الحي مع طلابه، مع توفر المتطلبات الأخرى من المناهج المتطورة، والأسرة الواعية، والمجتمع المتنور، وهو ما يفسر نجاحه بتخريج دفعات من الطلاب، متمكنة علميا، ومؤهلة تربويا، لتأخذ دورها الفعال في تنمية البلد.

وفي كل الأحوال، يبقى المعلم بشرا، يخطئ مرة ويصيب،شأنه شأن أي إنسان آخر، ومن ثم فإنه إذا كان هناك قلة مقصرة من المعلمين المتلكئين في أداء واجبهم التعليمي، والتربوي، فإنه لا يصح أبدا تعميم التهكم على كل المعلمين والمعلمات.

***

بقلم نايف عبوش

في مداخلة إبداعية له تعقيبا على مضمون نص منشور لي في موقع التواصل الإجتماعي، مفاده (عندما يولد النص من رحم معاناة الكاتب.. فإنه غالباً ما يأتي إبداعيا.. ومكتضا بالدلالات والصور التعبيرية.. التي تعكس إرهاصات حس اللحظة..)، علق الكاتب التراثي محمد اليونس، وهو يخاطبني قائلا ..

ماذا عساي أن اقول.. نايف عبوش.. وانت تنفخ في اوراق الذكريات.. لتحيل صفارها للون البهجة والحياة، وكانها ولدت من رحم ربيع ابداعك......

 ايها العاشق للجمال، ايها المحب، ايها المملوء حنينا حد الثمالة وانت تمسك بتلابيب اعوام تلاشت.. وتعتلي  صهوة الوقت بعينين ترقبان خطو طريق قد يحمل ريح اهلنا بعد فرط انتظار..

(طوب) الشخاط.. من أساسيات الصوغة والكاره  في ايدي جدتي وگبل عالكندور  تا مايسترطب بعد اخراج مفتاحه الاسطواني وبدون أن تنزعه من جيدها.. بحركة رشيقة وظهرها علينا..تضع (شخاطة) في طية عصابتها..والأخرى لچنتها الخبازة...حطيها (بالطاگة) العالية (بچادينة) التنور تا مايصلونها الجهال....!!

والثالثة لعمي (شراب تتن) مايتوزدلو...ريحة الچبريت تخترق خياشيمنا، وكأنه عطر تيروز.....

انوفنا لم تعتد سوى رائحة المسچ والجويفة من (خرج البگال) شمعون....

وحشوة كبة عليه الإعمير في اخر الزقاق..و ريحة دهن الحر عند الختياره عمشه العاشور في الحارة البعيدة..

وريحة الجيل و(عريف الديج) والذي نشم عبقه بمواعين النحاس والفافون..

ذاك هو عالمي، وبواكير صباي..والذي ران عليه الخمول..

لأشحن وجداني بداينمو الحنين...لأعوام حفرت أخدودا في حنايا الروح.

 هكذا إذن يولد النص الإبداعي في اللحظة..  كما انثال حسا مرهفا في مخيال الكاتب التراثي الزاخر محمد اليونس.. مغمسا بكل عبق محكيات مفردات حياة ريف الديرة أيام الزمن  الجميل، التي أبدع في توظيفها ببلاغة، سواء جاءت بالمعايشة، او بالمعاناة، أو بالموهبة المتوهجة.. فسلمت اناملك الاديب المبدع محمد اليونس،  ودام قلمك سيالا بالابداع..

***

نايف عبوش

حين تزدحم الأفكار في رأسك دون أن تجد لحظة لتوقفها ودون أن تنتهي بهذا التفكير الى رؤية واضحة. وعندما تتوالى الأحداث في أيامك وتكثر الحكايات والمواقف  من حولك ولا تجد  سلطة لوقفها أو تغييرها أو حتى لفهمها ..

تذكر قول شوبنهاور :"التغيير هو وحده الابدي الدائم".

احيانا يكون أعظم انجازاتنا ان نقبل ونتقبل ونستقبل ونتوقف عن الاعتراض والرفض.

احيانا تكون أروع قراراتنا ان ندع الامور تسير كما تريد ونمتنع عن المواجهة.

احيانا كثيرة تكون أهم اختياراتنا ان نختار السلام لانفسنا المرهقة ونختار ان تغير نحن ردة فعلنا تجاه الأحداث...يقول ايكهارت تول في كتابته قوة الآن: .."ما الحقيقة التي تقاومها ؟ انك تجعل اللحظة الحاظرة عدوا لك .انك تخلق التعاسة, الصراع بين دواخلك وخوارجك.ان تعاستك لاتلوث فقط وجودك الروحي بل كل هؤلاء من حولك...."

اذا عندما يصيبك هذا الدوار لا تفزع ولا تسمح له  أن يلفك بالتيه أويسافر بك الى البعيد في مجاهل الاحزان والمخاوف ..

لا تستسلم للأفكار السوداء لا تخفض رأسك وتتبعها في خضوع العاجز ..

لا تفعل!

أرجوك لا تفعل.

تذكر أنك محور هذا الكون وتذكر فقط  انك كائن من إرادة حرة،  وعليك أن تنقذ نفسك!

في هذه اللحظات العصيبة دع كل الأفكار تمر كأنها فلم شاهدته ولا تمثلك احداثه، تاملها تمر أمامك في هدوء وراقب شعورك، لا تهرب منه.

 مشاعرك تلك هي  كنزك الثمين هي أهم ما يعنيك عشها بكل مافيها من تدفق وبكل ما فيك من قوة، ولا تهرب منها .

توقف عن التفكير تماما، وخذ ورقة وقلم، وافرغ كل مشاعرك هناك أطلق العنان لقلمك دعه هو يفك طلاسم روحك وافسح له كل المجالات المتاحة ليترجم ما في قلبك وروحك بكل صدق و بكل حرية وبكل عفوية وتلقائية ممكنة...

ما عليك سوى أن ترخي اللجام وتستمتع بالصهيل ...

صب كل ما في أعماقك في براح الصفحات ..

دع قلبك يطلق جنونه هناك ولتخرج كل الشياطين دفعة واحدة ولتكسر روحك كل قيودها دفعة واحدة...

و متى فرغت من كل هذا..

إن تمكنت من فعله أو حتى وان عجزت ،حتى وان كان كل ما استطعت القيام به هو خط خطوط غير مفهومة أو غير متانسقة وان رسمت دوائر ومربعات وخطوط متداخلة متشابكة حتى وإن تلخص كل الموضوع عندك في نوبة من جنون وصراخ  إو بكاء.حتى وإن مزقت الورقة..

لا بأس! ذاك ما كنا نبغي، إنفجار البركان هو غايتنا،  لابد أن تسمح له بلفض كل حممه بطريقة ما..ذلك هو المهم!

إن فرغت من هذا فاجلس جلسة مريحة تلامس فيها الأرض.

 أو  إن أردت إن تمدد جسمك بشكل مريح .فارجوك استرخي، خذ نفسا عميقا وتخيل  أنك تشبع روحك بكل إحلامك الجميلة ..

كل الهواء الذي يدخل رئتيك هو محمل بكل أمنياتك الصغيرة ..دعه يقوم بعملية تنظيف لكيانك من كل الآلام ..

تخيله يمسك بكل لحظة آلم ويفتتها ..ومكان كل دمعة يغرس جزءا من حلم ...

ثم تخيله كما يدور الإعصار ويقتلع كل ما يعترضه تخيله يجتث اوجاعك ...

انفثه الآن خارجا وبعيدا جدا. وفي زفيرك فلتغادرك كل اشباح الماضي ...اغرقها في أعماق البحار هناك في إقصى الأقاصي ...

اعد الكرة  مرة واثنتين وثلاثة .

خذ نفسا عميقا واجعل كل ذرة هواء تدخل جسدك تكون محملة بكل افراحك الخاصة و كل الأمنيات و الأحلام اللذيذة. تخيلها بذورا  وشتلات تنغرس مكان كل تلك الأشواك التي كانت تنخز روحك.

عندما تكمل هذه الانفاس ...

أطوي صفحة الألم ومزقها وانفثها تتطاير مع الرياح البعيدة وقد أخذت معها آخر ذرات الوجع بلا رجعة..

الآن فلنجلس نرسم هدفا واضحا نحو النجاح نحو التقدم الى الامام نحو تحقيق الأحلام وتجسيد الشغف انظر الى أحب الأمور التي تسعد قلبك وأبعد الأمنيات التي طالما راودتك وخط إليها طريقا من إيمان بأن الله لن يخيبك...

حاول الآن  ان تترصد صورة أقرب الأشخاص الى قلبك...

من تراه قبلك كما أنت؟؟...

أحبك كما أنت ...!!

حاول ان تكون صادقا جدا مع نفسك ولا تفسح المجال لعقلك أن يفكر... نحن لا نريده أن يفكر!.

نحن نبحث عن تلك الصورة الاولى التي ستظهر أمامك في أقل من دقيقة، أول صورة مخزنة من دفق حب لامشروط..

حاول أن تكون منحازا جدا لذاتك لاتراعي أحدا ولا تجامل..

أنت الآن في لحظة غربلة صارمة وحازمة جدا..

اقطع كل روابطك الأيثرية بكل من اوجعك وفقط تمثل ذلك الذي كان هو الأصدق دائما وكان هو المتواجد ابدا..

ذاك الذي  كل ما أراده  هو أن تكون أنت كما أنت مرتاحا وسعيدا..

كان يدعمك دائما..

كل ما نريده الآن هو ان تجد داعما تتشبث به وتتخذه رفيقا..

يقول الأمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه:

إِنَّ اَخاكَ الحَقّ مَن كانَ مَعَك

وَمَن يَضِرُّ نَفسَهُ لِيَنفَعَك

وَمَن إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَعَك

شَتَّتَ فيكَ شَملَهُ لِيَجمَعَك."

إن فعل الصديق أو الأخ الداعم للروح  كفعل النظارات المستقطبة للعين يقلل اجهادها ويخفف الانزعاج من الاضواء الساطعة ويحميها من وهــــــج الحياة..

الصديق الصدوق يوضح الرؤية ويمكن أن يعدل أو حتى أن يصحح المسار.

والمسار السوي هو الطريق الى الله..

ان لم تجد في حياتك احدا بهذه الصورة لا تجزع.واحمد الله انك استفقت.

. عندما تختلط الامور وتزدحم الافكار وتتوالى الاحداث فتضج الروح لا بد أن  تسأل نفسك من صديقي؟؟ من هم اخواني....؟؟ عندها ستعرف طريقك وستدرك أي السبل تسلك.

قلي من صديقك أقول لك من أنت..

هي تلك الرسالة الإلهية التي اقضت مضجعي منذ امد فشكرا لله الذي اهداني من يحميني من هذا الوهج...

ليس المهم أن تكون مع رفقة ما، أنما المهم ان تعرف من هي رفقتك!

ليس الخطر والخوف من أن تظل وحيدا٫أنما المصيبة الكبرى ان تسيء اختيار من ترافق!

وتذكر انك في الحقيقة لست وحدك ابدا لأن الذي خلقك هو محيط بك من كل جانب ان أنت اخترته رفيقا هو سيسوق اليك من يدلك إليه.

﴿وَیَوۡمَ یَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ یَدَیۡهِ یَقُولُ یَـٰلَیۡتَنِی ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِیلࣰا ۝٢٧ یَـٰوَیۡلَتَىٰ لَیۡتَنِی لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِیلࣰا ۝٢٨ لَّقَدۡ أَضَلَّنِی عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَاۤءَنِیۗ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِلۡإِنسَـٰنِ خَذُولࣰا ۝٢٩﴾ [الفرقان ٢٧-٢٩]..

***

عواطف نصرلي - تونس

 

تضمُّ القراءةُ منافعَ كثيرةً، وتسدي للإنسان القارئ خدماتٍ متعددةً، بيد أن قراءاتي منذ سنوات علمتني لغة الصمت، واكتشفت أن في الصمت غطاءً للروح، وإخفاءً لجوهر النفس العميق؛ ولأن الكلام مرادف للكشف والتعري، لذلك وجدتني مع مر الأيام متوغلا أكثر في الصمت، ومبحرا في لججه الهادئة والمظلمة، حتى لكأني ولدت صموتا، وكاتما لأسرار نفسي.

أقرأ كتبا مختلفة من حيث جنسها ونوعها وموضوعها، لكنها تعمق في نفسي شيئا أساسا، وتدفعني إلى عيش حيوات الآخرين، والوقوف على لحظات ضعفهم وقوتهم، وتتعرى أنفسهم وعقولهم على الورق الأبيض أمام عيني، فآخذ نفسي في رحلة التنقل بين هذه السطور المستقيمة، وأرى الأسرار تنبلج من رحم الكلمات الخرساء، والأفكار تخرج من العقول شفافة عارية. أما عن نفسي، فإنها لا تتعلم إلا الصمت، ولا تتقن إلا التوغل في غياهبه المعتمة، وهكذا، أسيج نفسي، وأفكاري، وحياتي كلها بجبال شاهقة من الصمت والغموض، وأعود هذه النفس التواقة على الصمت؛ لأن في الصمت سترا وحكمة كما قيل.

يقول أحد الروائيين على لسان سارده إن الكلمات تعري الإنسان، وإن الصمت عن الكلام يجعل هذه النفس الإنسانية منكمشة على أسرارها. لكني أرى أن الصبر على الصمت لم يؤتَ لكل الناس، وأن ما يكابده المرء، وهو يخوض تجربة الصمت ويرتقي مدارجها ومراتبها، شيء عظيم ممزوج بالألم الممض، وبالشوق المتأجج إلى الأنس والبوح، وبالرغبة المستمرة في الكلام ومشاركة الهموم الثقال مع الآخرين. فلماذا يصرخ الإنسان صرخته الأولى بعد الولادة؟ لماذا يتعلم الصمت وهو جنين في بطن أمه، لكنه ما إن يفتح عينيه عن الحياة حتى يصرخ، ويطلع الآخرين على أنه موجود؟ فهل الصمت معناه الغياب واللاوجود، والكلام معناه الحضور والوجود؟ أنحن محتاجون إلى الكلام حتى نعرب عن وجودنا للآخرين؟

نتعلم الصمت قبل الكلام ونحن في بطون أمهاتنا، ولكننا ما إن نولد حتى نسعى سعيا حثيثا ومتواصلا إلى الكلام، إلى تعلم العيش مع الآخرين، إلى البوح لهم برغباتنا وأسرار أنفسنا.. لذلك، نعيد بناء ذواتنا وذوات غيرنا بالكلمات، ونعبر عن كينونتنا بهذه الكلمات؛ لأننا لا نوجد إلا باعتبارنا كلمات، ولا نبني تصوراتنا ومفاهيمنا إلا بالكلمات، ولا نتفاعل مع محيطنا إلا بها. أليس أمر الله تعالى إن أراد كينونة شيء أن يقول له "كن فيكون"؟ ألم يبدأ الإنجيل بالقول "في البدء كان الكلمة"؟

إن الكلمة سر الوجود و سيلته، وأصله ومبدؤه، لذلك نسعى دوما إلى تعلم هذه الكلمة، والقبض على معانيها الهاربة، والسيطرة عليها بحسبانها سلطة؛ إذ هي بداية المعرفة التي تعد سلطة، والسلطة بدون كلمة تفقد الحياة لتغدو سلطة جوفاء قائمة على القمع والقهر. هكذا، تولد السلطة من رحم الكلمة، وتولد، أيضا، من رحم الصمت؛ لأن للصمت سلطته الخاصة، والتي قد تكون أقوى من سلطة الكلام. فالغموض موطن الأسرار، والإنسان مولع بالغموض، بالبحث عن الأسرار التي تخفى عنه، ويطمح دوما إلى المعرفة التي تكون بهتك حجب الغموض وأسراره، لهذا يكتسب الإنسان المكلل بالصمت هالة وقداسة من نوع خاص، تجعله مهابا ومحط حيرة وقلق للآخرين؛ لأننا نخاف الغموض والأسرار، ولا نجد طمأنينتنا إلا في الأشياء العارية أمام أنظارنا.

يفقد الصمت سلطته وقداسته بفعل الكلام والكتابة، لذلك نكتب لأنا نريد أن ننقل أسرارنا بالأشكال الخرساء، وأن لا نجشم أنفسنا عناء الكلام مع الآخرين، وخوض حرب الغموض وسوء الفهم معهم، ومن ثم، تبقى الكتابة سبيلا للفرار من الصمت، والتخفيف من وطأته على النفس؛ لأن الصمت إن طال تضاءلت الكينونة في الوجود، وأضحت كتلة تتحرك في المحيط حركات عمياء.

لقد تعلمت الصمت واستهواني الغموض الذي يولده في نفوس الآخرين؛ لأني أرى في الصمت بداية للحكمة، والحكمة لن تكون إلا تربية للنفس على رياضة الصمت، والتدرج في مراتبه ومدارجه، لذلك ما فتئ المتصوفة ينبهون العارف إلى أهمية الصمت، وارتباطه بالكشف عن الأسرار الباطنية، هذه الأسرار التي تفيض بها نفس العارف بعدما تثمل الصمت، وتتقن لغته مستعينة بالعزلة والغياب، والفرار من الدنيا وملذاتها، من الفانين وصخبهم الذي ينزع الروح من صفائها المقدس، ويرمي بها في لجج الحياة الفانية.

***

محمد الورداشي

 

لمناسبة معرض العراق الدولي للكتاب

يمتاز العراقيون بأنهم يحبون الكتاب من يوم تعلموا القراءة، فهو بوصف البصري أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (الجليس الذي لا يُطريك "لا يمدحك"، والصديق الذي لا يُغْريك، والرفيق الذي لا يَمَلُّك، والمستميح الذي لا يَسْتِريثُك، والجار الذي لا يَستبْطِيك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالمَلَق، ولا يعاملك بالمَكْر، ولا يَخْدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب) ويضيف بان الكتاب يحيى القلب، ويقوّي القريحة، ويمتع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة.. وعنه قال المتنبي (وخير جليس في الزمان كتاب).

وكنا (نحن جيل الكبار) في ستينيات القرن الماضي نلتقي بمقهى (البرازيلية) وكل واحد منا جاء وبيده كتاب. واكتشفنا مبكرا ان اكتشاف الكتابة تعد واحدةً من أهم الإنجازات الإنسانية عبر التاريخ بوصفها وسيلة للتعبير عن المشاعر الصريحة والمكبوتة التي تجعل القاريء يتوحّد بالكاتب. وان للكلمة المكتوبة وقع السحر على النفس الإنسانية؛ القادرة على التغلغل إلى الأعماق، وإبراز المواهب والقدرات، لاسيما الرواية والقصة والشعر التي تساعدعلى تطوير شخصية الإنسان، والنهوض به عقليا ونفسياً و وجوديا!.

وسيكولوجيا يعمل الكتاب على تغيير نظرة الإنسان الى الحياة والناس بشكل إيجابي، وتحفيز الخيال عبر جمل ستتشكل في دماغ القاريء كصور حيّة في النهاية لا ككلمات، ولطالما قال الناس:الرواية أجمل من الفيلم، لأنّهم يترجمون كلمات الكتب كلاً بشكل مختلف وأجمل وأكثر ابتكاراً، ويشاركون كاتب الموضوع في بناء المعنى وتكوينه.

ويؤكد كثيرون ان اغلاق الكتاب وفتح شاشات الأنترنت على الفيسبوك واخواته تفقد ثقافتنا وحضارتنا الشيء الكثير، ونفقد أيضا على المستوى الشخصي ما لا يُمكن تعويضه. فمواقع التواصل بصفحاتها اللانهائية التي تغرينا بالاستمرار بالتقليب فيها تُصبح ثُقبا أسودا يبتلع الساعات والأيام، ولا تمدنا بما يُساوي الوقت الذي نُضيعه عليها، فيما صُحبة كتاب جيد تجعل الوقت يمر أبطأ، وتفتح أفقا آخر بعيدا عن هنا والآن يجذبنا إليه و(نذوب) فيه. وحتى عندما نغلق الكتاب ونعود لتفاصيل الحياة، نبقى نحمل في داخلنا ذكريات وتجارب من عوالم أخرى بعيدة طافت فيها أرواحنا، وعشنا فيها زخما من حيوات موازية ننتمي لبعضها أكثر مما ننتمي لواقعنا المُعاش، وتجعلنا نتفق مع ما تنبأ به برادبوري في "فهرنهايت 451″، من أن الإنسانية ستفقد مرآتها العاكسة التي ترى من خلالها كل ما بها من عيوب وخطايا، ولن يبقى حينها سوى صور "سيلفي" برّاقة تُظهر كل قُبح جميل.

وهناك خطر آخر يهدد الكتاب يتمثل بالذكاء الاصطناعي، وهو تقنية تحاكي الذكاء البشري نجح في التشكيل والاعلام الى حد ما، الا انه لا يمكنه ان يبدع في نظم قصيدة تقترب من قصيدة للمتنبي، الجواهري، نازك، السياب.. .ولا يمكن ان يكتب رواية تقترب من اضعف رواية لنجيب محفوظ ، لأنه يفتقر الى الحساسية في التعبير عن المشاعر والتفاعل الأنساني مع الاحداث بشكل مباشر، كما يفتقد الى البصمة البشرية بكل ما تملكه من حيوية.

ورغم ان الشعب العراقي تعرض الى ما لم يتعرض له اي شعب في العالم المعاصر من كوارث وفواجع وفقدان احبة خلال الثلاثة والاربعين سنه الماضية ، فانه يشهد في كل عام اقامة معارض(تتصدرها مؤسسة المدى باقامة معرضين كل سنة) يتنافس فيها اصحاب دور النشر الذين يشكون الآن من ارتفاع اسعار الورق، وفي ذلك خطر يهدد الكتاب والكاتب والقاريء، ونتمنى على لجنة المعرض عقد ندوة لمعالجتها.

وخاتمة القول..

قد يختفي الكتاب في كل الدنيا بفعل الثورة المعلوماتية والذكاء الأصطناعي .. لكنه سيبقى في العراق!

***

أ.د. قاسم حسين صالح

تعرفون اسمي ولا تعرفون قصتي، تعرفون ماذا فعلت ولا تعرفون الظروف التي مررت بها، فتوقفوا عن الحُكمُ عليٌّ وانشغلوا بأنفسكم. " ميشيل كومو"

بعد أربعة عقود من الزمن، وبعد اغتيال الأديب المصري/ يوسف السباعي بسبب اتفاقية السلام (كامب ديفيد) هل كان ضحية وبرِيئًا أَرْغمَ علي السفر مع الرئيس المصري {السادات} إلى رحلتة الي القدس بسبب رفض عربي للزيارة ...؟ هل يغفر له التاريخ بعد تطبيع معظم الدول العربية مع إسرائيل. وإسقاط تهمة الخيانة ..؟ أول أمس أخذني الحنين الي الماضي القريب ، وسافرت مع الذكريات، وأنا أمام شاطئ البحر المتوسط، الحنين إلى ذكريات غروب الشمس الدامي علي سطح البحر،، كان قدري أن

سافرت أكثر مما سافر الكثير،، وشاهدت أعظم المدن والبحار وقابلت حمقى يتصورون أنهم يوجهون العالم، ودخلت أغنى القصور وأفقر الأكواخ واستمعت إلى منطق الفلاسفة وهذيان العشاق وجربت النجاح والفشل، والحب والكراهية، والغنى والفقر، وعشت حياة مليئة بالتجربة والسفر والقراءة والتأمل، ولعبت مع الكبار،، لكنني أعترف بأنني لم أكتشف حتى الآن لغة البحر، رغم في بداية حياتي كان العمل علي مركب في البحر في قبرص،، في لحظة صفاء أمس علي شاطئ البحر المتوسط في مدينة( جمصة شمال دلتا مصر) جلست علي كورنيش شاطئ البحر أتأمل سطح البحر كان هَادِئًا كأنه طفل في نوم عميق، وفجأة تغير،رُوَيْدَا رُوَيْدَا ،وبدأ يقذف بموجاته وكانت نظراتي إلى البر الآخر إلى قبرص حيث" الزمان والمكان"،

والذكري وبداية تسعينيات القرن المنصرم، تهبط الطائرة ظهر يوم/ 15 يوليو عام 1990 م/ في مطار لارنكا،، وما أدراك ما لارنكا، فيها تحطمت وسالت دماء كتيبة من الصاعقة المصرية، بقيادة العميد/ نبيل شكري/ وعملية اغتيال الأديب والكاتب والعسكري يوسف السباعي فارس القلم، علي يد شاب / فلسطيني، للانه كان من ضمن الوفد المرافق مع السادات في رحلته الي القدس، كان "يوسف السباعي يمثل مصر في مؤتمر الدول الآفرو اسيوية في مدينة لارناكا في قبرص" الواقعه في الشطر اليوناني، تم إطلاق النار عليه أثناء اقامتة في الفندق ولقي مصرعه علي سلالم الفندق، انها جزيرة وكر الجواسيس او كما يطلق عليها جنة الجواسيس لكل حكاية علي ارضها الف قصة وقصة اطلق عليها الإغريق (جزيرة الحب والعشق) وهناك اسطورة اغريقية. تحكي عن هذا، وبعد حرب لبنان أصبحت جزيرة العشق الممنوع بالنسبة للبنانيين وبعض العرب، حيث الزواج المدني، بسبب قوانين الأحوال الشخصية، التي تمنع الزواج من طوائف أو ديانات أخرى، لذلك يطلق عليها جزيرة الحب والعشق الممنوع، وقفت على سلالم فندق الجريمة وتصفية يوسف. السباعي وعلي بعد أمتار جلست على شاطئ النخيل في لارنكا. أثناء الغروب أتذكر الفيلم السينمائي اذكريني لقصة يوسف السباعي، عن روايته بين الأطلال، والنهاية المأساوية، لشخصية الكاتب الذي تنبأ بالموت المفاجئ في الحقيقة كما كتب نهاية روايته أن تكون، نهايتة مأساوية في مصرعه في الحقيقة، إن الأحداث التي وقعت في مطار لارنكا. بين القوات المصرية والقبرصية كثير من شباب هذا الجيل لا يعرف عنها شَيْئًا. إن الأحداث التي جرت عقب عملية الاغتيال ومحاولة القبض علي الجاني، شابتها الرؤية من قرار منفرد من القيادة المصرية في عدم وجود رؤية واضحة للحادث  والتسرع في إرسال قوات مصرية وعدم التنسيق مع الجانب القبرصي، وعدم إرسال  إشارة للمطار بنزول قوات مسلحة مصرية اعتبرها القبارصة بسبب وضع الجزيرة الأمني من الشطر المتاخم من الجزء القبرصي التركي ، قوات معادية تهاجم المطار دارت معركة شرسة بين القوات المصرية والقبرصية راح ضحيتها أبرياء من الجانبين  وبعد سنوات تفرج قبرص عن المتهم. ويعيش طلِيقًا ولكن ما زالت قصص وروايات يوسف السباعي تعيش معنا كلما ذهبنا إلى البحر. أثناء الغروب ، رغم ذلك "لم تغيب شمس يوسف السباعي عن عالمنا العربي انه فارس القلم"، اتفقنا معه أو اختلفنا، في فكرة. السياسي، ما الذي يهمنا مثلًا كيف كان يعيش أكثر مما يهمنا نصوصه الإبداعية العظيمة، وكانت الصدفة في مساء أمس وأثناء البحث عن إحدى القنوات الإخبارية، توقفت عند قناة كانت تعرض، روائع يوسف السباعي/ وأجمل كلمات الحب في السينما المصرية عن رائعته بين الأطلال/ التي تم تجسيدها في عمل سينمائي عام 1959/ بطولة عماد حمدي والفنانة فاتن حمامة/ وفي ثمانينيات القرن الماضي تم إنتاج نفس الفيلم/ بطولة محمود ياسين ونجلاء فتحي بنفس القصة،،

أجمل كلمات الحب في الأفلام بين/ محمود ياسين ونجلاء/ محبوبته ، في الوقت نفسه وهم يرددان الكلمات نفسها وهما ينظران إلى قرص الشمس وقت الغروب إن قرص الشمس الدامي بكلماته، الرائعه حين يرددان مَعًا

أنت يا توأم الروح. يامنية النفس الدائمة الخالدة... يا أنشودة القلب في كل زمان ومكان مهما هجرت ومهما نأيت عندما يوشك القرص الأحمر الدامي على الاختفاء علي سطح البحر تراقبيه جيدًا. فإذا ما رأيت مغيبة وراء الأفق... فاذكريني... اذكريني!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية!!

 

نظم المركب الثقافي بالمنستير حفل توقيع كتاب " المرأة وغواية التصوير الفوتوغرافي في تونس" للفنانة الدكتورة تقوى مناد وذلك يوم الأربعاء 14فيفري 2024 بالمركب الثقافي بالمنستير بحضور مديرته ومندوب الثقافة وجمع من المثقفين والمبدعين وفي مناسبة سابقة كان لها لقاء بسوسة ضمن معرض وعرض للكتاب حيث تواصل الفنانة التشكيلية الدكتورة تقوى مناد نشاطها الفني الجمالي والأكاديمي ضمن سياقات من البحث والابداع حيث تنوعت مشاركاتها الثقافية والفنية والعلمية الى جانب المعارض التشكيلية سواء الفردية الخاصة او الجماعية.. وكانت مناسبة يوم السبت 10 فيفري 2024 مجالا ثقافيا وابداعيا لافتتاح معرضها الشخصي الجديد الذي ضم أعمالها الفنية وفق عنوان SPECCHIO MIROIR " " وهو عنوان لافت ومهم ودال وذلك بحضور عدد من الفنانين والجامعيين والاعلاميين وجمهور الفنون وتخلل هذا النشاط حفلا لتوقيع كتابها " المرأة وغواية التصوير الفوتوغرافي في تونس" وتم كل ذلك بفضاءات المركز الثقافي محمد معروف بسوسة. وقد صدر الكتاب عن شركة لوغوس للنشر والتوزيع. وحضر كذلك رئيس مدير عام شركة لوغوس للنشر والتوزيع الناشر الشابّ حسام الكيلاني..

تجربة جديدة بين العمل الفني والجانب العلمي الأكاديمي للفنانة التشكيلية والباحثة الدكتورة تقوى مناد التي تقدم لجمهور الفن التشكيلي وللقراء وطلبة الفنون هذا الحيز من عملها الابداعي.. والاطلاع على مسار وتقوى مناد يحيلنا الى عوالم فنانة تشكيلية وباحثة في عملها وفنها عن أصل الأشياء وهي تتجدد تبتكر كلماتها وأسماءها الأخرى.. فنانة تأخذ السياق التشكيلي مأخذ جد وبحث وفق عناوين شتى منها الابداع والابتكار في غير تكلف وافتعال فالفن هنا حلم لا يقنع بغير الجد والعمل والدأب ضمن تكامل بين الجمالي والأسلوبي.. تعددت معارض تقوى مناد ومشاركاتها ومنها وقبل حوالي سنتين المعرض المميز الذي شهده رواق الفنون علي خوجة بالمهدية وفق عنوان " الآخر " حيث اللوحات تضاهي بستانا من التشكيل والرؤى والتلوينات وكل ذلك للافصاح عن حلم دفين هو العين وما تراه جميلا في خطاب فني استطيقي يشبه فقط كيان وذات تقوى الفنانة التي وثقت صلتها بالرسم والفن بعد بدايات تلقائية وحالمة زمن طفولة عابرة. والفنانة التشكيلية تقوى مناد استاذة اولى ودكتورة في "جماليات ونظريات الفن".. جانب ابداعي للفنانة تقوى مناد وآخر علمي بحثي فهي الى جانب احرازها على شهادة الباكالوريا اختصاص اقتصاد وتصرف فانها حازت على شهادة الأستاذيّة في الفنون التّشكيلية اختصاص خزف وشهادة الماجستير المهني اختصاص فن وتكنولوجيا الخزف وشهادة الماجستير في جماليات وممارسات الفنون المرئيّة اختصاص فنون تشكيلية بملاحظة حسن وشهادة الدكتوراه في جماليات وممارسات الفنون اختصاص فنون تشكيلية بملاحظة مشرف جدا.. وبخصوص مسيرتها المهنية فهي عضو بوحدة البحث في جماليات وممارسات الفنون بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وقامت بتعويض بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وتأطير ببرنامج وطني "مبدعون يسكنهم الوطن" بدار الشباب الرياض وهي كذلك عضو بجمعية "طب، ثقافة، فن" MCA وعضو باتحاد الفنانين التشكيلين بتونس أستاذة بمدرسة إعداديّة خاصة بسوسة ولها تربص مهني 4 أشهر بفرنسا (Manufacture de Sèvres، Paris، France) ومشرفة على نادي الرسم بالمبيت الجامعي "الغزالي" وعلى نادي الرسم بالمبيت الجامعي "حي الرياض" الى جانب تكوين بورشة التصوير الرقمي في نطاق عشرينية أيام السينما الأوروبيّة بالمركب الثقافي بسوسة (JCE) وتكوين في ورشة تعليمية

technique rédactionnelles de la communication et de l’article scientifique

في إطار JEPTAV بسوسة وتكوين في الدكتوراه Outils bibliographique et bibliométrique pour les publications scientifiques assuré par l’UDARI

وبشأن مشاركاتها الفنية الوطنية والعالمية نذكر المشاركة في تظاهرة فنيّة للفنون التشكيلية بدار الشباب بقصر هلال والمعرض الجماعي بالصالون الدولي للتصوير الفوتوغرافي الدورة الأولى بعنوان "ألوان بدون حدود" بقصر خير الدين، تونس والمعرض الجماعي بالصالون الدولي للصورة الفوتوغرافية الدورة السابعة بالمركب الثقافي بالمنستير وحضور الملتقى الدولي JEPTAV في دورته السابع عشر بعنوان "سؤال الجندر في الفنون" والمعرض الجماعي في ملتقى المبدعين الدولي التاسع بالقاهرة، مصر والمشاركة في مهرجان كام السنمائي الدولي للأفلام القصيرة بالقاهرة، مصر ومعرض الفوتوغرافيين الشبان في دورته الثامنة بقاعة يحي البالماريوم والمعرض الجماعي للصور الفوتوغرافية أيام قرطاج الجهوية للفن المعاصر بقرقنةJRACC من تنظيم اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين والمعرض الجماعي في الفن التشكيلي "تنوع" في دورته الثالثة بفضاء جمعية صيانة المدينة بالمهدية DIVERSITY 3 والمعرض الجماعي لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين "الواصلة" بالمركب الثقافي بسوسة والعمل الجماعي l’émouvance des émouvants بإفريقيا عرض بSégou’Art بمالي في دورته الثانية وحضور الملتقى الدولي JEPTAV في دورته الثامنة عشر بعنوان "الحدس والذكاء في الفنون مع مداخلة في إطار مهرجان علي بن سالم للفن التشكيلي بالقلعة الكبرى في دورته السابعة بعنوان "تداخل الفنون" والمعرض الجماعي للفن التشكيلي "فن وفنون" بالقلعة الكبرى والمعرض الجماعي السنوي لاتحاد التشكيليين التونسيين برواق الفنون ببن عروس والمعرض الجماعي بصالون تونس للفن المعاصر "ميموريا" في دورته الرابعة بقصر خير الدين، بتونس والمعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيلين التونسيين "الشهر الوطني للفنون التشكيلية في دورته الثامنة، قاعة يحيي البالماريوم، تونس والمعرض الجماعي في الفن التشكيلي "تنوع" في دورته الرابعة بفضاء جمعية صيانة المدينة بالمهدية DIVERSITY 4.. هكذا هي فكرة التلوين والبحث وفق حيز من النشاط بين السيرة والمسيرة عند الفنانة والباحثة تقوى مناد.. بين الابداع الفني التشكيلي والبحث العلمي الاستطيقي في نظرة مخصوصة تخيرتها صاحبتها حيث الفن والتشكيل عندها مجال مفتوح على البهي في الذات والعالم ولأجل الاضافة في هذا التلوين للأشياء والعناصر.. نشاط فني وعلمي وكتاب جديد ومعرض متواصل الى غاية يوم 25 فيفري 2024.

***

شمس الدين العوني - تونس

صدر في بغداد العدد الرابع عشر من مجلة السينمائي وهو عدد خاص مُكرّس للدورة الأولى من مهرجان بغداد السينمائي الأول الذي انطلقت فعالياته في 10 شباط/ فبراير 2024 وأُختُتمت في الرابع عشر منه. وقد جاء على الغلاف الأول بأنّ (مهرجان بغداد السينمائي هو الحدث الأبرز في العراق). تضمّن العدد الممتاز 26 مقالة دبّجها كُتّاب عراقيون وعرب مختصون بالشأن السينمائي. وقد جاء في افتتاحية العدد التي انضوت تحت عنوان "نحتفي بمهرجان بغداد بعددنا الخاص والممتاز" بقلم رئيس التحرير قبول فكرة مهرجان بغداد السينمائي الأول من قِبل رئيس الوزراء، المهندس محمد شياع السوداني شرط أن يكون عربي الطابع ولا يقتصر على بقعة جغرافية محددة من وطننا العربي الكبير وبادر إلى دعمه بملياريّ دينار عراقي لتعزيز الفن السابع الذي يساهم في بناء ونهضة الشعب العراقي الذي يقاتل ضد "ثالوث التخلّف والإرهاب والفساد". كما أشاد عبدالعليم البنّاء بالدكتور جبار جودي، رئيس نقابة الفنانين العراقيين لدوره الفاعل في تحقيق هذا المهرجان وتحويله من حلم يداعب مخيلة محبيّ الفن السابع إلى حقيقة راسخة على أرض الواقع. كما أشاد بدور وزير الثقافة والسياحة والآثار الذي يواصل العمل للارتقاء بكل مفاصل الوزارة مُركزًا على السينما والدراما وبقية الفنون القولية وغير القولية. وفي السياق ذاته أثنى على دور الدكتور عارف الساعدي، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الثقافية وقد وصفه عبدالعليم البنّاء بأنه "همزة الوصل الأمينة والمميزة في تحقيق ما يتمناه ويطمح إليه كل شرائح المثقفين العراقيين بدون استثناء". وما إن نطوي الافتتاحية حتى نجد رئيس التحرير نفسه يحاور وزير الثقافة الدكتور أحمد فكّاك البدراني الذي أشار إلى أنّ رئيس مجلس الوزراء، المهندس محمد شياع السوداني قد دعم الصحفيين العراقيين بمبلغ 5 مليارات دينار عراقي وخصص لمهرجان بغداد السينمائي مبلغ ملياري دينار عراقي، ومن بين المعلومات الكثيرة التي يزخر بها هذا الحوار أشار الوزير إلى أنه سيتبنى دعم مجلة السينمائي وطبعها في دار الشؤون الثقافية. وهذه التفاتة كريمة نتمنى أن تتجسد على أرض الواقع ويتم دفع مكافآت مجزية للمساهمين في الأعداد القادمة أسوة بدول الخليج في أقل تقدير.3445 مهرجان بغداد السينمائي

مهرجان بغداد السينمائي.. الحدث الأبرز في العراق

يكتب المخرج والسينارست سعد نعمة عن مهرجان بغداد بوصفه الحدث الأبرز في العراق ويؤكد على ضرورة تشجيع الجمهور على المشاركة والتفاعل ودعم صنّاع الأفلام. كما توقف نعمة عند شعار المهرجان الذي استوحاه الفنان أحمد البحراني "من شكل المرأة العراقية التي قدّمت الكثير وتستحق أن تكون حاضرة في هذا الملتقى الفني المميز حيث تحوّل الرأس إلى شمس تشرق من جديد وكأنّ هذه المرأة تهزج مُرحبةً بضيوف العراق". كما تطرّق بالتفصيل إلى مسابقات المهرجان الخمس وتكريم ثلاث شخصيات فنية مهمة وهم المخرج محمد شكري جميل، والفنان قاسم الملاك، والفنان سامي قفطان.

يتناول كاتب هذه السطور الأفلام الروائية الطويلة المشاركة في مهرجان بغداد السينمائي الأول ويسلّط الضوء على ثيماتها المتنوعة ومن أبرز هذه الأفلام الاثني عشر "آخر السُعاة" و"ميسي بغداد" و"المُرهقون" و"رحلة يوسف"، و"إن شاء الله ولد" و"وادعًا جوليا".

ثمة مقال عن إعلان أسماء لجان التحكيم للمسابقات الخمس وهي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، والروائية القصيرة، ومسابقة الأفلام الوثائقية، وأفلام التحريك (الأنيميشن)، ومسابقة فضاءات سينمائية جديدة. وتكريم الفنانين الثلاثة المُشار إليهم سلفًا إضافة إلى إزاحة الستار عن تمثال نصفي للمخرج محمد شكري جميل في مدخل نقابة الفنانين إلى جانب تمثال نصفي للفنان الراحل يوسف العاني علمًا بأن تمثال شكري من إبداع الفنان محمد جاسم الرسّام.

تضمّن "ملف العدد" ست مقالات دشّنها رئيس التحرير بمقالة تحمل عنوان "مهرجانات السينما في العراق.. إلى أين؟ قدّم فيها نبذة تاريخية عن أوائل المهرجانات العالمية مثل البندقية 1932 ومهرجان موسكو 1935 واعتبر الجوائز والتكريمات المنصفة هي من أهم الحوافز للمشاركين في صناعة أي فيلم متميز. وأنتقد بعض المهرجات العراقية التي لا تكشف عن المصادر والممولين وتعظّم الاستقطاب والشللية متناسين الاشتراطات والمقاييس العربية والعالمية.3444 مهرجان بغداد السينمائي

مهرجانات عراقية تشكو من قِلّةالدعم وشحّة التمويل

يسترسل الناقد والمؤرخ مهدي عباس في مقاله المعنون "المهرجانات السينمائية في العراق" ويرصد ازدياد عدد المهرجانات بعد 2003 بحيث وصلت إلى 20 مهرجانًا أو أكثر في بعض السنوات. وأورد سبع ملحوظات مهمة من بينها قلّة الدعم أو انعدامه، وأنّ بعض المهرجانات لا يدعو ضيفًا عربيًا أو أجنبيًا واحدًا، وتشابه المهرجانات لدرجة أنها تعرض الأفلام نفسها. توقف مهدي عند مهرجان بغداد السينمائي الدولي الذي يشرف عليه الدكتور عمّار العرّادي والدكتور طاهر علوان واعتبره الكاتب أهم مهرجان عراقي على الإطلاق وقد نُظمت منه ثماني دورات ناجحة وتوقف بسبب قلّة الدعم. وجدير ذكره أنّ هذا المهرجان المحترف والناجح كان يعرض أفلامًا طويلة وقصيرة ويدعو ضيوفًا عربًا وأجانب بخلاف المهرجانات العراقية الأخرى الأمر الذي يدعو إلى الالتفات إليه وإعادة النظر بدعمه وتمويلة لكي يواصل مشروعه الفني الذي ظل متألقًا على مدى ثماني سنوات متتالية. ومهرجان (3 X 3) الذي يشرف عليه الدكتور حكمت البيضاني وهو المهرجان الأكثر حضورًا في بغداد بحسب كاتب المقال وكانت مدتة ثلاثة أيام ويعرض أفلامًا لا يزيد طولها عن ثلاث دقائق. و"مهرجان العراق الدولي للفيلم القصير" الذي أقامه نزار الراوي وتوقف بعد دورتين. و"الملتقى النسوي السينمائي" الذي أقيمت منه دورتان ثم توقف. وحاول المخرج نزار شهيد الفدعم إقامة مهرجان "سومر السينمائي" لكنه لم يتحقق على أرض الواقع. إضافة إلى مهرجان گلگامش المستمر حتى الوقت الحاضر ويشرف عليه الفنان محمد عبدالمنعم. كما يتوقف الكاتب عند مهرجانات الإقليم وتسع محافظات عراقية إضافة إلى مهرجانات أكاديمية الفنون الجميلة.

يتساءل الناقد السينمائي علاء المفرجي في مقاله الموسوم "ما جدوى المهرجانات إذن؟" ويقترح إعادة النظر بالمهرجانات العراقية وتقديم ورقة عمل يضعها المتخصصون لتوحيد الجهود المتناثرة من أجل إقامة مهرجان سينمائي واحد في الأقل على أن يكون مستوفيًا للشروط المُتعارف عليها في المهرجانات السينمائية الدولية ولا بأس من تنظيم مهرجانات متخصصة شرط أن يكون ذلك مقرونًا بزيادة الإنتاج العراقي.

إشاعة ثقافة اللغة البصرية

يستفيض الدكتور الناقد صالح الصحن في مقاله "شغف المهرجانات السينمائية" ويذكر ويشخَّص 30 ملحوظة جديرة بالقراءة والتأمل من بينها إشاعة ثقافة اللغة البصرية، وتبادل الأفكار والتعارف الثقافي بين الضيوف المدعوين، ودعا إلى أن تحمل المهرجانات اسم الفكرة والموضوع المحوري الذي تدور حوله مثل البيئة، التسامح، الطفولة، المرأة وما إلى ذلك.

يتناول الدكتور سالم الشدهان موضوع "المهرجانات بين الاستقلال والحكومة" ويقول بأنّ إنتاج الأفلام القصيرة في العراق يتجاوز الـ 200 فيلمًا لكن نسبة ما يمكن أن نطلق عليه تسيمة الفيلم السينمائي لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ودعا إلى التفريق بين المهرجانات الحكومية والدولية، فالحكومة طارئة وتتغير لكن الدولة باقية وراسخة في ذاكرة الناس الجمعية.

يرصد الناقد الفني رضا المحمداوي في مقاله المعنون "البحث عن جمهور السينما الضائع" الذي يرتاد صالات السينما العراقية والذي يُفترض أن يكون جمهورًا عريضًا وواسعًا وجادًا وحريصًا على متابعة الأفلام العراقية والعربية والأجنبية ويتساءل عن سبب اختفاء هذا الجمهور الذي يحتاجه صانع الفيلم كي يعرض عليه بضاعته البصرية وما تنطوي عليه من آفاق ثقافية وفنية جديرة بالمشاهدة.3446 مهرجان بغداد السينمائي

قاسم الملاّك.. جوهرة السينما العراقية

يحاور الكاتب عبدالعليم البنّاء أيضًا الفنان المخضرم قاسم الملاك الذي وصفه المُحاوِر بـ "الجوهرة السينمائية التي صقلها بفنه وإبداعاته التي كانت مغايرة لما يقدّمه الآخرون". ثمة معلومات مهمة لابد من الإشارة إليها من بينها أنّ الفنان حمودي الحارثي هو الذي نصحه بالالتحاق بمعهد الفنون الجميلة، وأنّ الفنان أسعد عبدالرزاق هو الذي اقترح عليه العمل في فيلم "الجابي"، ثم توالت مشاركاته حتى بلغ رصيده 22 فيلمًا بضمنها فيلم "المسألة الكبرى" للمخرج محمد شكري جميل. كان الملاّك معجبًا بالمخرج عبدالهادي الراوي لأنّ خياله كان خصبًا وملحوظاته دقيقة جدًا. ومع أنه تعب وبذل جهدًا كبيرًا في فيلم "افترض نفسك سعيدًا" لعبدالهادي الراوي إلاّ أنّ عرّابه هو المخرج محمد شكري جميل الذي مثّل معه كثيرًا وأفاد من خبراته إلى حدٍ كبير.

كما تُحاور هدير هادي في باب "سينمائيون عراقيون" المخرج والسينارست سعد نعمة الذي حصد جائزة الإبداع العراقي لأفضل سيناريو فيلم روائي طويل استلهمه من رواية "عذراء سنجار" للكاتب المبدع وارد بدر السالم. أخرج سعد نعمة "خطوات واثقة"، و"الفردوس المفقود"، و"مدينة الفقراء"، و"ليلة رحيل القمر" و"قناديل المعرفة" كما كتب عدة سيناريوهات من بينها "بغداد"، و"الفراشة البيضاء" ويتمنى أن يُخرج "عذراء سنجار" بدعم ورعاية وزارة الثقافة والسياحة والآثار ودائرة السينما والمسرح.

يتناول الناقد والسينارست استناد حدّاد فيلم "الدكتور حمّودي" للمخرج هادي ماهود ويصنّفه ضمن "أفلام الهجرة" ويتساءل الناقد:"هل تستحق الهجرة أن نفني أعمارنا من أجلها؟" ثم يضيف:"أننا أمام فيلم يحاكم عصر الطاغية بلغة بصرية فيها الكثير من التشكيل على مستوى اللقطة واختيار الزوايا". مقال مكثف ورصين يستنطق روح الفيلم ويقدّمه على طبق من ذهب إلى القارئ الكريم.

يرصد الناقد اللبناني محمد رضا "حصيلة 2023 السينما العربية.. تتقدم هنا وتتأخر هناك لكنها عمومًا في مكانك سرّ" ويشيد بعدد من الأفلام السعودية مثل "مندوب الليل" و"إلي ابني" و"نورة"، و"الناقة"، و"حجين"، كما يُثني على تجربة نادين لبكي وفيلم "وادعًا جوليا" لمحمد كوردفاني.

يراجع أحد القائمين على مجلة "السينمائي" مهرجانيَ "الجونة" و"البحر الأحمر" ويتوقف عند جوائز المسابقات الرسمية وثمة تركيز على فيلم "سعادة عابرة" للمخرج الكوردي سينا محمد الذي فاز بجائزة أفضل فيلم عربي كما خطفت السيدة بروين رجبي جائزة أفضل ممثلة مع أنها لم تمثّل من قبل. أما مهرجان البحر الأحمر فقد تميز بعرض فيلم إشكالي مثير للجدل وهو "إخفاء صدّام حسين" للمخرج الكوردي أيضًا هلكوت مصطفى. يسرد هذا الفيلم قصة علاء نامق، الشخص الذي قام بإخفاء صدام حسين لمدة 235 يومًا بينما كان يبحث عنه أكثر من 150 ألف جندي أمريكي خلال الحرب الأمريكية على العراق.

يكتب رسالة باريس كالعادة الناقد السينمائي صلاح سرميني مركزًا فيها على معرض احتفائي بالمخرجة الفرنسية آنييس ڨاردا التي كانت تطالب بسينما حرة.

يحلل الناقد سمير حنا خمورو فيلم "القاتل" للمخرج ديفيد فينشر ويصفه بفيلم الجريمة والإثارة السايكولوجية الذي كان يحلم بإخراجه وإنتاجه منذ 15 عامًا. ويتميز هذا الفيلم بسرعة التقطيع في المونتاج. وعلى الرغم من ثناء الناقد لهذا الفيلم إلاّ أنه يرى بأنّ الجمهور لن يتذكروا هذا الفيلم طويلاً والذي يبدو كأنه استراحة محارب لا غير.

السينما اللاتينية مرتبطة بالواقع الوطني وترفض الهروب منه وتشويهه

يتناول الناقد السينمائي رضا الأعرجي في دراسته الموسومة "السينما الجديدة في أمريكا اللاتينية.. لمحة تاريخة" وهي "سينما مرتبطة بالواقع الوطني وترفض أية صيغة للهروب  من الواقع أو تشويهه، وبالتالي هي سينما واقعية تنتقل من الأحداث البسيطة إلى التحليل المتعمق والتحريض المفتوح على التغيير" كما يذهب الناقد وقد اقتفت السينما اللاتينية أثر الموجة السينمائية الجديدة وأنّ ما يجمع صانعي الأفلام اللاتينيين هو فكرة وهدف مشترك. وكان نجم البرازيل هو أول من حلّق في سماء السينما الجديدة. مقال جميل لا يمكن الإحاطة به بعجاله وأدعو إلى قراءته بتأمل كبير.

يقدّم الدكتور ماهر مجيد إبراهيم دراسة قيّمة بعنوان "الواقعية والأثنوغرافية في بنائية الفيلم السينمائي" ويرى أن الفيلم السينمائي الأثنوغرافي قريب جدًا إلى حد التماهي مع المفهوم الواقعي للفيلم السينمائي من أجل إيهام المتلقي بأنّ ما يراه هو الحقيقة من دون أية إضافات. ويتخذ من فيلم "أپوكاليپتو" لميل غبسون أنموذجًا لأنه يتناول حضارة المايا قبل دخول المحتل الغربي.

يقرأ الدكتور عقيل مهدي كتاب "محطات سينمائية" للناقد السينمائي علي حمود الحسن ويصف فصول هذا الكتاب "مقالات رصينة بشفرات سينمائية" يتوزع الكتاب على خمسة فصول من بينها "السينما والسيرة" و"السينما والحياة" و"السينما أنثى" وثمة إشادة كبيرة بهذا الكتاب الذي سد فراغًا في المكتبة السينمائية العراقية على وجه التحديد.

يكتب الدكتور علي علاوي عن فيلم "لو يطيحوا لحيوط" للمخرج حكيم بلعباس الذي يضعه ضمن خانة المخرج الثعلب لأنه ببساطة يصوّر ما لا يُصور، ويسرد ما يجب أن يُسرد لكن برؤية فلسفية تنفلت من الإطار المفروض.

يتابع الدكتور شاكر لعيبي نشر مقاله "سينمات العراق بين 1918-1950 وثائق تاريخية وبصرية" يتناول فيه عرض عروض سينما رويال لبعض الأفلام من بينها "الفرسان الثلاثة" و"الأيدي الشريرة" و"الصبي الكشّاف". كما يتابع عروض سينمات عراقية أخرى مثل سنترال وأولمپيا مثل "الشبح الرمادي" و"الآىس الأحمر" وغيرهما من أفلام تلك الحقبة التي باتت بعيدة نسبيًا.

يكتب الدكتور خليل الطيّار موضوعًا بعنوان "تقتير الصورة.. قلق الذاكرة في مشتتات عامر جاسم" ويؤكد بأنّ "الأشياء لم تعد واضحة وصريحة في عالمنا.. كل ما فيه يمر أمامنا بغواش ويدعو للقلق".

المخرج فاضل عباس عضوًا في لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي

ترصدالدكتورة ورود ناجي في مقال "متابعات سينمائية" عشرة أخبار من بينها حصول المخرجَين محمد الدراجي وعلي الفتلاوي على دورة مُنَح الخريف 2023. وخبر عن فيلم "يا حسين.. أربع رايات" سيناريو وإخراج حيدر مكي. وهناك خبر ثالث عن عضوية المخرج فاضل عبّاس في لجنة تحكيم مهرجان برلين السينمائي الذي ينعقد من 15 إلى 25 فبراير / شباط 2024. وشاكيرا تسلط الضوء على حياتها في فيلم وثائقي بعد انفصالها المؤلم عن جيرار بيكيه.

يختتم الدكتور جبار جودي مواد العدد بعمودٍ عنوانه "المهرجان.. الحلم.. أخيرًا" الذي قال فيه "نأمل أن يكون هذا المهرجان باكورة لانطلاق العجلة السينمائية بلا توقف وأن تسترد السينما عافيتها وألقها". وفي الختام لابد من الإشارة إلى أنّ هذه التغطية الشاملة والواسعة لا تغني المتلقي عن اقتناء المجلة وقراءتها فلربما فاتتني بعض الأشياء المهمة على الرغم من حرصي الكبير على أن أُحيط القارئ بأهم الموضوعات والتفاصيل الدقيقة التي وردت في متن هذا العدد الممتاز حقًا الذي يدفعني لأن أحيي رئيس التحرير، الكاتب عبدالعليم البناء، ورئيس التحرير التنفيذي المخرج والسينارست سعد نعمة، ومدير التحرير، الناقد والمؤرخ السينمائي مهدي عباس، والمدير الفني محمد عبدالحميد، والمُحررة الدكتورة ورود ناجي والفوتوغراف حيدر حبّة وكل مَن ساهم في إصدار ورفد هذا العدد بشكل مباشر أو غير مباشر.

***

بغداد: عدنان حسين أحمد

 

ما أبهجها من لحظات عندما تجد الأصدقاء القدامى في اِنتظارك وأنت قادم إليهم من تونس العاصمة وتنزل بينهم ليستقبلوك بالأحضان في مدينة المهدية هذه المدينة التونسية العريقة التي تتربع  وسط السواحل التونسية تبعد عن تونس العاصمة مسافة 250 كلم وكانت عاصمة الدولة الفاطمية على كامل أنحاء إفريقية في القرن الرّابع الهجري إنّها مدينة المعزّ لدين الله وقائد جيشه جوهر الصقلي ومدينة الشاعر اِبن هانئ الأندلسي

ــ 2 ــ 

قصدت المهدية يوم السبت 17 فيفري 2024 لأحضر اِفتتاح المكتبة الخاصة لصديقنا الفقيد الأديب عبد المجيد يوسف رحمه الله وقد هيأتها عائلته الكريمة بعناية لتكون كتبها المختلفة في متناول الأدباء  والدارسين والباحثين وهذه بادرة جديرة بالتقدير لما ترمز إليه من تقدير ووفاء لصديقنا العزيز من ناحية ومن ناحية أخرى لما تُتيحه من مجالات بحث في أدبه وفي الأدب التونسي والأدب العربي وحتى في بعض الآداب الأخرى لأن مدوّنة الأديب عبد المجيد يوسف تشمل أجناسا مختلفة من الكتابات شعرا وقصة ورواية ونقدا ومقالات في اللغة ومقدّمات وغيرها من المترجمات من اللّغة الفرنسية والإيطالية وقد حملتُ معي إلى هذه المكتبة صورة جميلة كبيرة لصديقي الرّاحل لتقابل كل من يدخل إليها     بسلام... فسلام وسلام على روحك يا صديقي وأرجو من ـ الصّالون الأدبي والفكري ـ الذي تسمّى  باِسمك أن يواصل التعريف بمختلف إصداراتك وأن يعمل جاهدا لجمعها ونشرها ضمن طبعة ـ أعمال كاملة ـ كي لا تضيع ويطويها الإهمال والنسيان وما هذا بعزيز إذا صحّ العزم

ــ 3 ــ

كانت مناسبة إذن للإلتقاء بأصدقائي القدامى والجلوس معهم والفضل يعود لصديقي الطبيب الدكتور المولدي فرّوج الذي أعلمهم بقدومي وهو شاعر وروائي ومسرحي وكاتب صحفي عرفته منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين عندما كان طالبا في الطب ومن روّاد ـ  النادي الثقافي الطاهر الحداد ـ ثمّ تعارفنا أكثر بمناسبات اِتحاد الكتّاب التونسيين وجلسات نادي الشعر وعلى صفحات ـ جريدة الرأي ـ وفي ملتقيات الشعر بتوزر والمتلوي وغيرها وهاهو اليوم أجده في اِنتظاري فذكرنا بأسف ولوعة أصدقاءنا الشعراء والأدباء الذين فارقونا في المدة الأخيرة واِسترجعنا بعض الذكريات معهم ولم يغب عنا كذلك الخوض في أحوال اِتحاد الكتّاب التونسيين وما يشهده من ركود في نشاطه وتواصينا أن نساند في المؤتمر القادم المترشّحين الذين نتوسّم فيهم العمل الجدّي والإضافة للخروج بالاِتحاد من أزمته الحالية ليُحقّق طموحات الأدباء وليكون صوتا متميّزا وعاليا في كل ما يهمّ الشأن الثقافي خاصة والقضايا الوطنية عامة وقد تبادلنا الحديث في هذا الموضوع مع الأصدقاء الحبيب بن فضيلة عمار العموري وخالد الرداوي الذين عبّروا عن أملهم وتمسّكهم بالاِتحاد باعتباره مكسبا يمكن أن يكون ناجعا أكثر بفضل ما في رصيده من إنجازات وبما يزخر به من طاقات وخبرات .

ــ 4 ــ

عدت من المهدية بهدايا ثمينة هي إصدارات جديدة للصديق المولدي فرّوج

 * رواية ـ في الاِنتظار

* مجموعة شعرية ـ  هذا كلام في الريح

ومجموعة قصصية للصديق الحبيب بن فضيلة

* أجراس صدئة

ــ 5 ــ

بعد الجلسة في المقهى دُعيت إلى الغداء في أحد المطاعم الفاخرة ولكني شكرتهم على كرم الضيافة واِخترت الأكلة التي تختصّ بها المهدية وهي ـ الشّاباتي ـ فأخذوني إلى دكّان مشهود له في هذه الأكلة التي تتكوّن مع عجين مطروح رقيق ثم يُحشى ببيضًا مسلوقا وجُبنًا وفُتاتَ التّن مع شيء من البهارات ويُلفّ الجميع على شكل قرص نصف دائرة ثم يوضع في الفرن وما ألذّه وأشهاه !

سألت صديقي الدكتور الطبيب مولدي فرّوج قبل أن أبدأ تناوله عن طريقة أكله ـ كي لا أوضع في حرج ـ فأرشدني ناصحًا أن أبدأ من زاويته السّفلى المكتنزة

 إنّ حكمة طريقة أكل لحمة الكتف إذن تشبه تماما طريق أكل ـ الشاباتي ـ إذ كلاهما يؤكل بداية من الزاوية السّفلى حتّى لا يسيل ماءُ لحمة الكتف على الثياب وكي لا يتساقط ما في ـ الشّاباتي ـ بين اليدين !

ولم أبدأ إلا بعدما رأيت صديقي يتناول ـ الشاباتي ـ التي أو الذي ـ أمامه بخبرة ومهارة...كيف لا وهو الطبيب الأديب !!

***

سُوف عبيد ـ تونس

 

ماذا لو قيل لك: قم بتأليف كتاب عن حياتك واتركه لأبنائك؟ ماذا ستكتب؟!

 البعض ممن يُسأل مثل هذا السؤال سيقول: حياتي عادية ليس فيها ما يستحق السرد، أو ليس عندي وقت. رغم أن حياة كل إنسان غاصة بأحداث ومواقف وشخصيات لا حصر لها. وكلها ذات نفع، وأول من ينتفع بها صاحبها؛ لأنه يتعلم من مواقف الفشل والإحباط والانهزام، يتعلم الصبر والصمود والصلابة. كما يتعلم من النجاح الاستمرار فيه والبناء عليه. ولو لم يكن لديك وقت لتجلس مع نفسك جلسة مصارحة وتذكر وتأمل. فهل ليس لديك وقت لتقرأ ما يدور في عقول الآخرين؟

  لهيئة الكتاب مشروع فكري جديد يقوم على فكرة إعادة استقراء عقول عباقرة معاصرين وسرد حياتهم. هذا المشروع اسمه: (سلسلة عقول). وسلسلة "عقول" وإن كانت تقليدية النزعة، فهي مبتكرة الاتجاه والأسلوب والمحتوي الفكري. إن لديها رسالة: أن تضيف لقارئها عقولاً وأفكاراً جديدة باستمرار..

التراجم ومهمتها الخطيرة

أكثر الناس لا يلتفت إلى الدور الخطير للسير الذاتية والتراجم. ويعتقد أن القراءة في الآداب والعلوم ربما يكون أكثر نفعاً أو متعة. بينما قلة من النابهين يدركون أبعد من هذا..

 في فترات تاريخية سابقة انصرف الناس لقراءة الصحف لأن كتابها أدباء. بل إن رؤساء تحرير تلك الصحف وأصحابها كانوا من كبار الشعراء والروائيين. خليل مطران وطه حسين والعقاد وإحسان عبد القدوس كلهم أنشأوا صحفاً وأداروها. وانتظر الناس ما يكتبوه وتابعوه وأحبوه، قرأوا أشعار شوقي وحافظ والمازني، وقصص إحسان وتيمور ويوسف السباعي. وتحولت رواياتهم لأفلام سينمائية باتت علامات ومحطات تراثية من ثقافتنا المصرية. فكيف فعلوا ذلك؟ كيف يصنع الناس التاريخ؟ ولماذا لا نكون نحن، أنا وأنت، مثل هؤلاء؟

 هذا السؤال قيل للعباقرة، فقرروا سرد حياتهم ووضعها بين دفتي كتاب لا يستغرق إلا ساعة أو ساعتين قراءة. سطور قليلة يكمن فيها سر نجاح هؤلاء. وقد يكمن السر فيما بين السطور لمن يستوعب ويستنبط ويحلل ليدرك ما خفي ودق من رسائل التراجم!

لهذا فإن تراجم العظماء يعاد كتابتها مراراً. وفى كل مرة يختلف التناول وتختلف الرسالة. لأنها خاضعة لرؤية المؤلف، وما يريد بثه من رسائل وطرحه من أفكار.

 قد تقرأ رواية من خمسمائة صفحة، وتشدك أحداثها، لكنك تخرج من قراءتها صفر اليدين والعقل. فلا أنت أضفت لنفسك درساً، ولا لشخصيتك وذاتك معني أو فائدة! بينما تلعب السير الذاتية دور حكماء العائلة، هؤلاء الذين يعطونك خلاصة تجاربهم في الحياة. فما بالك لو كان حكماء عائلتك هم عباقرة زمانك وأزمنة قبلك؟!

 سلسلة "عقول" نشأت منذ البداية برسالة ناصعة شديدة الوضوح والتركيز. وهي إعادة طرح سير العظماء والعباقرة بطريقة مشوقة مكثفة ومختصرة تناسب إيقاع العصر السريع. ولها هدف أسمي: أن تضيف للعقول عقلاً جديداً كل مرة. تختار من عباقرتنا عقلاً فذاً له تأثير عميق وواسع. يقدمه ويدرسه عقل لمؤلف بارع ذو رسالة، ليقدمه لعقول متفتحة نهمة للمعرفة. ومن هنا جاء اسم السلسلة: عقول..

باكورة العقول

أول إصدارات السلسلة استطاع اللحاق بمعرض الكتاب 2024. وهو كتاب عن عميد الأثريين (سليم حسن). ولأول مرة تجد كل ما كُتب عن هذا العالم الفذ مجمعاً في كتاب واحد صغير ومختصر. حتى القضايا التي كانت تبدو شائكة في حياته، كقضية سرقات الآثار، تناولها الكتاب بشكل حيادي فيه من الوضوح والجلاء ما فيه الكفاء.

الكتاب بسيط وصغير ومكتوب بأسلوب أدبي رائق راقي. وتقرأه في جلسة لا تزيد عن ساعة، لكنك لا تكاد تشعر بها لسهولة وبساطة أسلوبه، وكثافة ما فيه من معلومات ملفتة ومشوقة. لا أقول هذا باعتباري رئيس تحرير السلسلة الذي يريد الترويج لها. بل هو رأي من قرأ الكتاب من نقاد أعرفهم قرأوا الكتاب واستحسنوه.

الكتاب الثاني يوشك على الصدور، وهو عن الدكتور/ نجيب باشا محفوظ. وهو شخصية مفاجئة لكثيرين. وأول هذه المفاجآت أنه الطبيب الذي استقبل أديب نوبل (نجيب محفوظ) على يديه في ولادة مستعصية كاد الوليد فيها أن يفقد حياته لولا هذا الطبيب البارع!

 إن قصة رائد النساء والتوليد د/نجيب باشا محفوظ قصة مثيرة للغاية وممتعة، وفيها الكثير مما يثير الدهشة والتأمل. دارت في فترة من الفترات المفصلية في تاريخ مصر. وقد امتد عمر هذا العالم نحو تسعين عاماً، ختمها بسرد سيرته الذاتية سرداً تفصيلياً استغرق كتاباً كبير الحجم تم نشره عام 2013 في هيئة الكتاب ونفدت طبعته. ثم رأينا أن نختصر هذه السيرة الاستثنائية في كتاب يطرح رؤية جديدة لتلك الشخصية الفذة.

إنك عندما تقرأ هذين الكتابين وما سيتلوهما من كتب السلسلة ستشعر أنك تنتقل زمنياً إلى عصر قديم عاش فيه جدي وجدك. إن كل كتاب من هذه الكتاب هو شريحة زمنية مستعرضة من تاريخ مصر، وإن كان تاريخ فرد واحد، لكنه عايش تلك الفترة الزمنية بكل تفاصيلها.

  السلسلة وإن كانت تستهدف الشباب وتخاطبهم، لكنها مناسبة لجميع الفئات العمرية لبساطة أسلوبها، وأتمنى لقارئيها الاستمتاع بها والاستفادة منها على النحو الذي استهدفناه. كما أتمنى منهم الاشتباك معها نقداً وتفنيداً ومدحاً وذماً كما يشاؤون..

القارئ أولاً

سلسلة عقول لن تكون منفصلة عن قارئها. بل نريد من قارئها أن يكون بطلها الأول..

تفاعل القراء مع السلسلة أمر نتمناه ونشجعه بشدة. نريدهم حقاً أن يشاركوننا إنتاج تلك السلسلة. أن يكونوا من عقولها المؤثرة. يمدونها بآرائهم وأفكارهم في كل شيء يتعلق بها: أسلوبها أفكارها شخصياتها مؤلفيها مظهرها مضمونها.. مثل هؤلاء القراء الإيجابيون سيصبحون من المشاركين لإنجاح هذا المشروع ومن مطوريه الأساسيين.

سوف يكون للسلسلة منصات إليكترونية يشتبك معها القراء ويتفاعلون معها بكل ما يطرأ على أذهانهم من رؤي وتفاعلات وآراء. وللقراء الجدد للسلسلة ومن يحبون المشاركة في خطواتها الأولي أقول: قوموا معي ببناء أفكار تلك السلسلة، قولوا ما تشاؤون، عبروا عن رؤاكم وخلاصة تجاربكم في الحياة بتوجيه دفة سلسلة عقول نحو الاتجاه الذي تفضلوه وتحبوه، هي بالفعل سلسلتكم أنتم، موجهة إليكم متناً وفكراً وعاطفة. اجعلوها من ممتلكاتكم فكراً وتوجيهاً وتفاعلاً..

 سلسلة عقول دورية يصدر عنها كتاب كل شهر تقريباً. ومؤلفوها متنوعو التخصص والمزاج الأدبي؛ وهم مزيج من الأدباء الشباب البارعين ومن أساتذتهم ذوي الخبرة الأكبر. وأكثرهم من المتخصصين في مجالهم. وشخصيات السلسلة متنوعة المجالات: شعراء وروائيين وصحفيين ونقاد وعلماء وفنانين ومؤرخين ومفكرين من ذوي التأثير الكبير في محيطهم الثقافي والاجتماعي. وقد بدأت السلسلة خط التاريخ بدءاً من أوائل القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر. أي من جيل الرواد في الفنون والآداب والعلوم. وليس هدفها حصر المبدعين والتحدث عنهم جميعهم، وهم كثيرون. فمصر غنية بنماذج لا حصر لها من قواها الناعمة. لكننا آثرنا انتقاء شخصيات محددة هم الأكثر تأثيراً في ملمح من ملامح التأثير الجمعي.

 إن قراء هذه السلسلة والحريصين على الانتفاع بما تقدمه سيكون انتفاعهم الأكبر بمتابعتها واستمرار تفاعلهم معها. لأن لديها تصور استراتيجي يكتمل قطعة بعد قطعة وعدداً تلو عدد. بحيث يكتمل هذا التصور بمجموعة من هذه الأعداد معاً أو بجميعها معاً. بل إن المنصة الإليكترونية المزمع إنشاؤها لمتابعة آراء قراء السلسلة والتفاعل معهم لها دور في اكتمال الصورة وتحقيق مستهدفات السلسلة، وأجلها وأسماها تحقيق رسالتها الفكرية المتضمنة في كل عدد من أعدادها.

***

عبد السلام فاروق

في صمت العينين قد يبدو التاريخ يؤرخ لكل الدموع، ثم يُنتج قصة حب من زمن متاعب همِّ الحياة. مرات عديدة، تبدو التساؤلات عالقة بعلامات استفهام كبرى، وترتد على الشفاه المطبقات لتقتنص بَوح: أحبك وجعي. لم أسلم من تيار شدِّ العيون العسلية استهلالا للحديث، وإعلان أنَّ الحب ليس رواية شرقية ولا غربية. مع الأيام بدوت أعشق تلك العيون العسلية، وحين يتموج اللون متغيرا مع قرب الأجساد والأرواح. في صمت كلام العيون، فأنا فقير في قراءة علامات الترميز والإضمار، ولم أقدر يوما على فك شفرات ظلال العيون المخملية.

في السر أكتب رسالة حب، وأمزق كل ذكرياتي الباقيات، وأسميك الخوف والشجاعة. في كل الليالي الممطرة، أكتب شعر الصمت بأنين الرياح وموج البحار، ومن بدايات أنشودة الغزل أمزق على وجه الحياة أوراقي، وأقف معاندا ظلي المعاكس.

أناديك، بكل صور بلاغة فرح اللغة بذات "العينين الصاحيتين الممطرتين". أناديك الحكايات، التي لا تنقضي بنوم شهريار عن سماع حكي شهرزاد الأسطوري. أناديك في السر، وأعلن العصيان والثورة على قلبي عند مرمى حرائق بقايا الحب، وأزداد جمالا بحضور أميرة (وجعي في حبي) أمام عيوني.

حبك سيدتي، وجع من ذات الوجدان، آت من عمق قلب الحياة ومتاعبها. حبك مثل البارود يوقظ العشق والحكايات الأزاهير، ويُفتن بادية العشق. حبك قسمة ارث من وجعي الخفي والظاهر، فكيف لي أن أفسر ما لا يفسر وأنت الوجع الجميل؟  أحبك وجعي بلا منومات عشق، أحبك بلا انقلاب على عرف الحياة، ومواثيق عشاق العالم. أحبك، كالطفل وهو يرقص نشوة تحت تيار سحر العيون العسلية، وتحت رذاذ ماء المطر.

سيدتي: لم يكن عشقي الممنوع والمباح بفيضه الروحاني عالقا فوق الجسر، فهو دائما كان في مأمن بدوام روحي العاشقة، ولم ينجرف يوما بسرعة مياه عمق الوادي والتيار. يوما بعد يوم، قد كنت أَغلقت صفحات روايات الحب عند مرمى نار الحزن، مثلما ألغيت مسافات الذكريات البعيدة. يوما بعد يوم، لم أعد أستسغ طعم اختلاف عطر النساء، ولا فزع موج طوفان المواجع والألم، إلا أنت (وجعي في حبي).

سيدتي: أيتها الأيام المتسربة بين الأيدي والقلوب، حبيبتي عرشها في سفينة بحر لا شط له غير قلبي. تتواجد عند كل حروف النداء: أحبك يا وجعي، أنت القلب والحياة بحجم حنيني عشاق العالم. أنت الورد بلا شوك، ينبض مقطوفا بدم الحياة.

سيدتي: ذات العيون العسلية، أرى العالم يتأثث في لوحة على مرمى كل العيون على الجدار. ألعب... أرسم ...أبكي ... أضحك... ألون الحياة من الأبيض الداكن بالسواد، بمساحيق تجميل العيون المخملية...أنت وجع حبي، فمدي يديك... نرقص على شرفة الحياة...

***

محسن الأكرمين

خمس سنوات في ليبيا

"سوف أمضي بعيدا.. بعيدا جدا مثل غجري!"

آرثر رامبو

***

نـحـو المجـهول

لم يخطر ببالي يوما أن أكون في ليبيا،وإنْ لبضع ساعات  فهي بالنسبة لي لم تكن سوى مساحة جغرافية نائية، أشبه ما تكون على كوكب آخر. كل ما اعرفه عنها هي عاصمتها  طرابلس وفيلم أجنبي شاهدته ذات مرة  تدور أحداثه في مدينة (طبرق) شرقي البلاد إبان المعارك  التي خاضها ثعلب الصحراء رومل ضد الحلفاء والتي اختتمت بهزيمة الألمان في معركة العلمين في مصر. وسينمائيا عرفت ليبيا من خلال فيلم (اسد الصحراء) الذي تناول كفاح شيخها المجاهد عمر المختار ضد الاستعمار الايطالي والذي قام الراحل مصطفى العقاد بإخراجه عام  8019 وهو الفيلم الذي تألق فيه الممثل العالمي انطوني كوين جنبا الى جنب الممثلة اليونانية ايرين باباس.

وفي أواخر السبعينات اقتحم اسم ليبيا ذاكرتي مرتين : مرة حين عملت محررا بالقطعة للصفحة الثقافية لمجلة خليجية أسبوعية مغمورة علمت فيما بعد انها كانت تعتمد في تمويلها على ليبيا، رغم أنني طيلة الفترة التي عملت فيها هناك لم التق شخصية ليبية واحدة على الإطلاق. والمرة الثانية تمثلت بهجرة شقيقتي مع زوجها والأطفال الى ليبيا في العام نفسه.

في بداية التسعينات من القرن المنصرم، واثر عودتي الطوعية من الكويت وجدتني بدون عمل بعد ان أنفقت جل مكافأة نهاية الخدمة على استكمال بناء الدار التي استنزفت مني ثلثي مدخراتي في فترة اخذ الحصار يمسك بتلابيبنا ــ نحن العراقيين ــ ، إضافة الى عزوفي عن العودة للعمل في سلك التعليم لهزال الراتب الشهري المخصص  للمعلم وغير المعلم إبان فترة الحصار البغيض، وبالفعل قمت بأكثر من سفرة مكوكية للأردن، غير ان تلك المحاولات باءت بالفشل رغم ممارستي للتدريس في احدى مدارس الأردن لعام كامل لكن من دون توفير اقامة لي ولأسرتي !

ومع نهاية العام الدراسي 1994 ــ 1995 وغبّ سفري للأردن، من دون اسرتي التي بقيت في البصرة، من اجل مواصلة العمل لعام دراسي ثان في عمان، فوجئت بقرار مدير المدرسة الأهلية في صويلح بعمان بإنهاء خدمتي من دون سبب مقنع مما سبب لي صدمة كبيرة لم أتمكن من كبحها إلا من خلال ورقة كانت في حوزتي تمثلت في عقد مبرم بيني وبين الجانب الليبي والذي أبرمته في السفارة الليبية ببغداد.  والواقع أنني كنت مترددا حول فكرة السفر للعمل في بلد ناء ليست لدي عنه فكرة الا ما ندر. كان الرحيل يعني ان ادفع ضريبة باهظة مع أفراد أسرتي وكلهم من الصغار المحتاجين لظلّ أب يرعى حوائجهم لا سيما وأنهم  قد مروا بتجربة العودة الى العراق بدونيٍ نظرا لعدم حصولنا على الإقامة في الأردن كما أسلف ذكره قبل قليل.

وضعت ما خف حمله وبخس ثمنه من ملابس في حقيبتي الصغيرة  ثم ودعت أفراد أسرتي على عجل خشية ان اعدل ــ في لحظة تردد ــ  وأغير قراري بالسفير الى ليبيا.. جنة الرب المجهولة الموعودة ! كما انني كنت حينها أسيرا لفوبيا خانقة من ان يصدر قرار شامل بمنع السفر. وهكذا عدت الى عمان بعد ان دفعت رسم المائة ألف دينار لجوازات البصرة. وكان في معيتي مبلغ يناهز الألف دولار قمت بادخاره من واقع عملي في الأردن مع ألف دولار أخرى تركتها لدى زوجتي من اجل الإنفاق على الأسرة.

فور وصولي للعاصمة الأردنية توجهت صوب احد مكاتب الخطوط الجوية من اجل حجز تذكرة لطرابلس وكلي لهفة في ان التقي شقيقتي المقيمة هناك بعد فراق ستة عشر عاما انقطعت خلالها إخبارهم او كادت  وأن أجد مصدرا للرزق بعد انقطاع مصدر رزق بحكم عودتي الطوعية من الكويت.وقتذاك لم يكن طريق مصر البري قد افتتح، لذا كان لزاما علي ان أسافر جوا الى طرابلس غير ان موظفة المكتب اعتذرت عن عدم وجود حجز الى هناك، وكان البديل دخول ليبيا عن طريق تونس. وقد فاتني ان اذكر أنني قبل قدومي للأردن كنت قد حصلت على فيزا ترانزيت عبر تونس العاصمة من جهة السفارة التونسية بمنطقة الوشاش ببغداد.

لقد حجب تلهفي للوصول الى ليبيا أمور كان ينبغي التروي فيها  من بينها ان العقد المغترب ينص على ان نفقات السفر تدفع من قبل  الطرف الأول أي الجانب الليبي. كنت احمل مع اندفاعي قلبا يثق بالآخرين لأدرك في وقت متأخر ــ فيما بعد طبعا ـــ أنني سأصل الى ليبيا على نفقتي الخاصة ! وكان ثمن التذكرة يتجاوز الخمسمائة دولارا أي نصف ما لدي من ذخيرة مالية دفعتها بكل سرور وغفلة لتنزل بالتالي في جيوب جهات التعاقد.أمّا من تحلوا بالصبر فكانوا من الفائزين طبعا لأن الجانب الليبي اضطر أمام لوبي الضغط الذي شكله الجانب الثاني ومعظم أفراده من  المدرسين العراقيين المتقاعدين وتاركي العمل الى التكفل بدفع نفقات السفر لصالحهم.وذلكم كان المطب الأول الذي مررت به كمحصلة لغفلتي وتعجلي وعدم تدقيقي في بنود العقد !

بعد رحلة دامت ما يقارب الساعتين هبطت الطائرة التابعة للخطوط الجوية التونسية  في مطار تونس لأفاجأ بمسلك غريب عني وهو ان الركاب، وحالما حطت الطائرة على ارض المطار، راحوا  يصفقون ابتهاجا بسلامة الوصول، ولعله تقليد تونسي محلي، لا ادري !

لحظة لفظني مايكروباص المطار في قلب العاصمة التونسية، شعرت بالجوع فدلفت الى احد مطاعم الوجبات السريعة وطلبت شطيرة هامبرغر وحين سألني عامل المطعم ان كنت ارغب بإضافة قليل من الهريسة أجبته انْ نعم وكلي شوق لطبق الهريسة المعد من جريش القمح والذي اعتدنا تناوله في المناسبات الدينية. وكانت الصدمة هي ان الهريسة في بلاد المغرب لم تكن سوى صلصلة الفلفل الشديد الحرارة !

قذفتني الحافلة في ساحة برشلونة  بقلب العاصمة التونسية حيث سأقيم في فندق شعبي يدعى (سيدي بلحسن) في غرفة واسعة تضم ستة أجساد لنزلاء نائمين او منشغلين بالتدخين. ثم استغرقت في نوم عميق.

في مساء اليوم التالي كنت في ساحة (باب عليوة) التي كانت تضم صفا من حافلات الأسفار البعيدة. حجزت تذكرتي وارتقيت الحافلة التي انطلقت شرقا باتجاه مبتغاي : ارض ليبيا.

في صباح اليوم التالي وبعد سفرة مضنية وصلت الحافلة الى منتهى رحلتها.. ساحة الجزائر بقلب العاصمة الليبية طرابلس الغرب حيث سأستكمل إجراءات عملي الجديد والتقي شقيقتي وأسرتها.

لم يكن لدى صهري أدنى فكرة عن موعد قدومي الى طرابلس فإثناء مكالمة مرحة بيننا بعمان وحين سألته اين يسكن في طرابلس أجابني :

ــ حي الشرقية.. زنقة الشجرة اليابسة !

وقتها دونت العنوان في مذكرتي الصغيرة ظانّا انه كان يمزح.غير انه بعد مكالمة ثانية وتأكده من جدية قدومي زودني بعنوان الشركة التي يعمل فيها بطرابلس. ولهذا تعين علي ان أبيت في احد فنادق المدينة كيما أريح جسدي من وعثاء سفر بري تجاوز السبعمائة  كيلومتر قبل الوصول الى طرابلس العاصمة.

وفي صباح اليوم التالي وبعد جولة قصيرة تمكنت من الوصول الى الشركة التي يعمل فيها صهري، غير انه لم يكن موجودا هناك انما كان قد اوصى سائق الشركة المصري بإيصالي للبيت.

وهذا وبعد ستة عشر عاما تمكنت من الالتقاء بأختي وأسرتها لأنعم بليلة هانئة بعد حفلة اللقاء الممزوجة بالآهات والدموع والضحكات.

يـــتـــبـــع

***

محمد سهيل احمد

إن الطاقة الزمنية تكمن في عمر الإنسان، في خطواته ويومياته آلتي يعيشها، فالإنسان مسؤول عن عمره كيف أفناه فإذا ما مات إبن ادم انقطع عمله إلاّ من صدقة جارية أو ولد صالح يستغفر له، أو علم ينتفع به، فما دام موجودا فإنه يتمكن من أن يصنع الخير.

لقد تساءلت في نفسي كثيرا، لماذا لايدفع هذا الإنسان الحقوق المتوجبه عليه؟ لماذا لايذكر الله؟ لماذا لايذكر الفقراء والمساكين والمحتاجين؟ لماذا لايكون ساعيا في خدمة الناس مادام قادرا مستطيعا؟ لماذا لايساهم بالأعمال الخيرية.

إن هنالك ألف باب وباب يمكن أن يدخل الإنسان فيها إلى قلوب الأخرين، وعندما يكون بهذه المنزلة بين الناس فهو بلا شك سوف يكون ذا حضوة ومرضاة عند الله، اذا ماعلمنا بأن كثرة حوائج الناس إلى شخص ما هي (من نعم الله عليه) .

خدمة الإنسان هي أروع صور استغلال الطاقة الجسدية والذهنية والنفسية وتسخيرها لتكون نافعة مفيدة في اي مجتمع كان،ولايهم ان كان الناس في هذا المجتمع مسلمون، مسيحيون، صابئة مندائيون، عربا أو غير عرب .. المهم انهم يشتركون في الإنسانية وفي المواطنة.

فنحن كما نوجه الطاقة الذهنية في الاختراعات المفيدة للبشرية مثلا.. علينا ايضا أن نوجه الطاقة البدنية كذلك. لخدمة الإنسان من حولنا، عند ذلك سوف نشعر فعلا أننا حققنا ذاتنا وارضينا الله عنا، وادخلنا السرور إلى قلب نبينا (ص) .

***

بقلم: تهاني الطرفي

لا ينبغي أن أنحاز إلى الكتاب الرقمي ولا أن أنصِّب نفسي مدافعا عن كبرياء الكتاب الورقيّ المهدور. ولا أخفي قناعتي بأن حظ الكتاب الورقي سيكون مثل حظ التكسيفون في صراعه مع الهاتف الجوّال.

لكنّني عندما أبحث عن كتبي الأولى المنشورة في بداية الثمانينات من القرن الماضي ولا أراها الا في مكتبتي الخاصة أطرح على نفسي سؤالين بسيطين:

الأول: لماذا انسحبتْ أو اندثرتْ الكتب المهمّة وإن في الدراسة والبحث في زمن قصير جدا؟

الثاني: هر نحن مقدمون على عصر الكتاب ذي الاستعمال الواحد؟

وقد تأتي الاجابة من الواقع والواقع مقنع بالرغم عن الأهواء والأماني والأمزجة. يقول الواقع إن العالم مُقْدم على تغييرٍ عميق لا أحد يدري حجم المعجزات التي سيجود بها علينا. وأنا أخمن أن العلاقة بين الصّنفين (الورقيّ والرّقمي) ستتحسّنُ لتصبح علاقة تكامل لا علاقة تنافر، متوقِّعا أن تكبر الهجرة نحو الوسائل المسموعة والمصوّرة. فالكتب الرّقمية مستمرة في التّطوّر والانتشار بفضل ما أصبح عليه العالم الافتراضي من سهولة وسلاسة فهو   معروض لكل راغب فيه، منفتح لكل من طرق أبوابه ومستسلم لكل باحث، دون أن يحتاج إلى كثير من الدّراية، إذ يحتاج فقط إلى قليل من الصبر والجهد والى خبث وحيلة جميلة. إنه يشبه إلى حد كبير عالم الإبداع.

 فهل يختلف الكتاب الرقمي عن الكتاب الورقي أم يخالفه؟

الكتاب الرّقمي نصّ مكتوب ومقروء بلغة ما، يشبه النّصَّ الورقيّ في الإعداد والإحضار والجمع ويخضع للمراجعة والإصلاح إلا أنه يختلف عنه كثيرا فهو مكتوب على حوامل الكترونية ذات شاشات للقراءة ويخضع إلى تصفيف خاص يُمَكّن متصفِّحه من الوصول السّريع   إلى مختلف عناصره وإعادة الرّبط بين الفقرات إن لزم الأمر، ويمنحه أساليب البحث السّريع والاسترجاع. والكتاب الرّقميّ قابل لإضافة الصّوت والصّورة إليه بحيث يستطيع القارئُ سماعَ صوتِ تقليب الورقة كلما طُويت صفحةٌ أو الاستمتاعَ بموسيقى مصاحبة للنّص. ومن خاصيته أيضا أن محتواه يُخزَن في ملفّات ويودع في حاسوب سواء بالكتابة على لوحة المفاتيح أو بماسح ضوئي يتولّى تصوير الكتاب وخزنَه. وهكذا يكون الكتاب جاهزا للقراءة أو للنشر على الانترنت وقابلا للتنزيل في أي مكان من العالم، ومحمولا في الجيب.

ظهر الكتاب الالكتروني سنة 1971 في أمريكا على يد مايكل هارت الذي أراد أن يؤسس مشروعا سمّاه غوتنبارغ يهدف إلى تحويل عديد الكتب وخزنها في مكتبة رقميّة ليتفاعل معها النّاس عن بعد.

استمر النّشر الالكتروني بطيئا نسبيّا ثم انفجر دفعة واحدة في العشرية الأخيرة من القرن الماضي وأقنع الناس بمزاياه المتعددة. ويمكن أن نسوق بعضا من هذه المزايا:

1 ـ مدة انجاز الكتاب الرقمي قصيرة.

2 ـ الكتاب الرّقمي متحرّر من شروط الطّباعة.

3 ــ تكلفة إنتاج الكتاب الرّقمي بسيطة.

4 ــ سرعة الانتشار والارسال الشبه مجاني.

5 ــ يستجيب بسرعة لكل سائل وباحث عن معلومة.

6 ــ سهولة في الاشتغال على النص وإصلاح الأخطاء حتى والكتاب منشور.

7ــ يمكن اختيار شكل الغلاف وألوانه وحجم الكتاب في ظرف وجيز

8 ــ يستجيب للتّرجمة الفورية.

9 ـ يُحمَل في الجيب مع آلاف الكتب في قرص فلاش واحد.

10 ـ يمكن إنتاج الكتاب الرقمي أو الصوتي في المنزل.

لهذه الاسباب بادرت بنشر كتبي على الانترنت، تحديدا على موقع الامازون لهدفين

اولهما سرعة وسهولة الانتشار. وثانيهما امكانية البيع ودوام العرض. اذ يكفي ان يكتب القارئ اسم الكاتب على الموقع بالعربية او باللاتينية لتبدو له غلافات الكتب وطريقة الاقتناء وكيفية التحويل وشكل الكتاب.

وهكذا يطمئنّ الكاتب على كتبه. فهي لن تندثر ولن تمزّقها الأيدي ولن تؤذيها رطوبة المكتبات. يكفي ان تبقى نسخ منها في الارشيف الوطني لتأثيث الذاكرة الجماعية. أما المعروضة للقراء فالأفضل أن تبقى حيّة على الانترنت.

***

المولدي فروج

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم