صحيفة المثقف

نصوص أدبية

كُنْ نَهرِي ..

لأرفَّ يَمامَة نورٍ حول روحِك

وأستنشِقُكَ

عِشقًا أبَديًا من روحِ اَلياسمين

أنت الأزَليُّ في دَمي أتَوشَّحُ حَنينَكَ..

كُنْ بَحرِي يا أميرَ شَواطِئي

لأغْرقَ في أمْواجِكَ

أبحَثُ عَن صَدَفاتِكَ

وأجمَعُ فَيروزكَ..

كُنْ لؤلؤةَ أحلامِي

أتغمّدُكَ بِروحِ العِشْق

كُنْ نارِي

وداهمْ طَلقةَ الثلجِ الأَخيرة

ليتَوهَّج لَهيبُكَ في فَضائِي

*

أُحبكَ قَبلَ الوِلادَةِ..

أُحبكَ بَعدَ البَعثِ..

يا ندَى الفَجر وعِطرَ اللَيلْ

كُنْ دَميَ الثائرَ في فُؤادي

وتَخَثّرْ بينَ شَفَتيَّ  ..

تَدَفَّقْ في عمرِي

شَلاّلاتِ ضَوءٍ

أكُنْ زهرتكَ البَنفسَجِيَّة

المُعَطرَة بِماءِ السَماءِ

لأُذيبَ جَليدَكَ..

*

دعْني أموتُ على راحَتَيكَ

أتَشَظّى بَينَ شَفتَيكَ

جُزرًا وخِلجانًا

حبَّكَ يَكسو جسدي

كزَغَبِ طائِرِ القَطا

والشَوقُ يَرتَعشُ في عَينَيّ

كجناح فَراشَةٍ يُغازِلها النسيمُ

كُنْ خُلودي وهوائي

تَنفَسْ كي أَحْيا  ...

كُنْ وَشمِيَ  .. كُنْ عِطرِي

كُنْ وَطنِي لأَهيمَ فيكَ..

***

سلوى فرح - كندا

 

مَخْلُوقانْ

لا أدري كَيْفَ اِخْتَرَقا سوُرَ حياتي

مُنْذُ زمانْ

مَخْلُوقانِ عجيبانْ

لا أُبْصِرُ  إلاّ ظِلّهُما

يَخْتَلِفانِ بلا سببٍ

و بلا سببٍ يَتّفِقانْ

كلٌّ يُبْصِرُ  مِنْ زاويةٍ

لا يَعْرفُها أحدٌ آخرَ

كلٌّ يَبْحَثُ عَنْ أحلامٍ ضائعةٍ

عَنْ سُفٌنٍ راحِلَةٍ

وهُما كلَّ مساءٍ يَلْتَقِيانْ

وَسْطَ الظُّلمَةِ لا يَرَيانْ

بَعْضَهُما

و قُبَيْلَ حلولِ الفَجْرِ

يغيبانْ

.......................

.......................

أَتْرُكُ دَرْبَهُما

وأسيرُ بِدَرْبٍ مُخْتَلِفٍ

فيفاجِئُنِي

مخلوقانِ غَرِيبانْ

غيرهُما

لَمْ أشهَدْ مثلهُما

يَقْتَتِلانْ

أُغمِضُ عينيَّ وأمضي

في دربٍ آخرَ أجهلهُ

وأنا مُخْتَنِقُ الصّوتِ أسائلُ:

هَلْ تبقى دنيانا

تمشي بالمقلوبْ

حاضنةً صوراً مقلوبَةْ

لابِسَةً أرديةً مثقوبة؟

***

شعر: خالد الحلّي

ملبورن - أستراليا

 

هذه المدينة لا تعرفني

بليلها الموشى بحبات المطر

وصباحها الهادئ الرزين

هي لا تعرفني

عابرة أنا

ولكنها

أهدتني بحراً

وأرصفة

ومبان عتيقة

أهدتني حضناً

يطمئن

رعشة الوطن

ويطرد غول الخوف

أهدتني

شجراً أخضراً

يمتد يطوق

روحي بظلال الألفة

هنا أم درمان

هنا الخرطوم

هنا بحري

برغم البعد

ورغم حدود الجغرافيا

بنكهة ثوبي السوداني

بأغنيتي

(عدى فات زمن العيون الألفة والحضن الملاذ)*

أهدتني فراشة

بأجنحة من غيم

أهدتني سراً

أن أبقى على

دين الأرض

كل بلاد أسمع فيها

روحي تهمس شعراً

أن أحسبها مرافئُ عشق

أن اتعلم فيها

كيف أحب بلادي أكثر

أحن إليها

وأن أنثرني

عطراً

شوقاً

دمعاً

للياليها

وأن ألقاها كل صباح

في قلب مدينة

أسكن فيها ولا تعرفني

وأبادلها الحب...

***

أريج محمد أحمد – شاعرة سودانية – مصر

16/4/2024

.......................

* من أغنية "عدى فات" للشاعر الراحل المقيم صلاح حاج سعيد

 

(1) حالة حب

أعرفُ ما وراءَ الخطابات ..

أودعُ كل الذين استشهدوا

مواسيةً كلَّ طفلٍ سيولدُ مع ألغازِه

*

وحيَن أقفُ قباَلة العراقِ

أفعلُ اشياءَ عديدةً لا أفهُمها

كأنْ تُمزقَ انشودتَه كلَّ دُموعي

*

كثيرًا ما أنامُ قبَل الفجرِ

وأنا أتوسلُ الآتي ..

أعاودُ إسكاتَ التلفازِ بضربةِ كفٍّ

يعقبُه بكاء ..

أو قد يختلطُ الفرحُ بالحزنِ مع موجزِ أنباء!

*

سنظلُ حفاةً يمشونَ على السيفِ

وإذا سألنا الغرباء ماذا دهاكم؟

سنجيب بلا وعي:

"إنه الوطن"!

**

(2) بقاء

إنها لا تسكت

تلكَ الأصواتُ البائِسة ..

*

وأنا

لا أرمي سمعي لبعضِ القولِ

أبحثُ عن شيءٍ يليقُ بروحِي

وأعرفُ أن الوجعَ يطاردُ مخاوفَنا

يلاحقُ ما نجونا بالحصولِ عليهِ

مِن يومٍ سيأتي ..

*

وفي نهايةِ تلكَ الحربُ :

سأنامُ كثيرِا ..

سأنامُ

كأنَي لم أنزفْ حُزناً كهذا

كأنيَ عشتُ لأرسمَ ..

أو أعشقَ..

أو أطير..

كأني

بقيتُ بلا كدماتِ العالمِ السُفلي

لوطنٍ تهشّم بسهولةٍ

وبقيَ عزيزا

***

سمرقند الجابري

.........................

(*) من مجموعتي (رابط لأغنية ساحرة) منشورات الإتحاد العام للأدباء والكتاب العراقي

 

من الوديان جِئتُ

بعضي يموجُ في بعضي

أبحثُ عن بحرٍ مُشَرَّعٍ

تَناديني الطريقُ

فأواجهُ النسيانَ

فاقدًا ذاكرةَ العودةِ

مع ذلك أمضي.

برحلةٍ لا عودةَ منها

كلُّ لحظةٍ تُحيلُني ماضٍ

وإن أقفلتُ الحياةَ على عتماتِها

كي أتفتَّقَ موتًا

فأواجهُ الظلماتَ بلا وَجَلٍ

نهرًا جديدًا كَهُطولِ المَطَرِ

أُصَلِّي للضفافِ فينبتُ الربيعُ..!

أُعانقُ الطريقَ في لحظةِ انكسارِ الضوءِ

والخفافيشِ

أشربُ من عينِ الصَّخْرِ

أُفَكِّرُ لمرةٍ واحِدَةٍ بِاحْتِلالِ البَحْرِ

ومثلَ تُرْسَانَةٍ نَوَوِيَّةٍ يلوحُ لي الطَّرِيقُ،

والكلّ يتساءلونَ مَنْ تكونُ؟

أنا لم أحملْ فِراشي معي فالتُّرابُ سَنَدي والأرضُ بيتي

والغُرْبَةُ نَشِيدي.

وهناك...

في الشمالِ، حيثُ يَرْتَخي الضِّياءُ

يهمِسُ الأملُ

قِصَصًا من نورٍ وظِلٍّ

لنهرٍ رأى في الأفِقِ إشراقةً

فَرَكَضَ نَحْوَ الأماني

يُعانقُ أرواحَ السكينةِ

وبِعَيْنَيْهِ بَرِيقٌ وسُؤالٌ:

متى نَعودُ أحرارًا؟

سأُنظُرُ للأمامِ

طالما تَلُوحُ الشمسُ في مَحارِيبي

فالأرضُ بكُلِّ تُرابِها

مَسْرَحٌ لزراعةِ الأحلامِ

سأُنظُرُ للغُرَّاسِ وأنتظرُ دَوحًا من قلبِ الأرضِ بكُلِّ شَوقٍ..

سأَجْري على الأرضِ المُنْبِتَةِ بالعَطاءِ

أُصافِحُ السَّنابِلَ

وأُغازِلُ الوَرْدَ وأُقنِعُ أزرار البنفسجِ أن تَبتَسِمَ

تَحْتَ شمسٍ تُذيبُ شَمْعَ الأمْسِ المُظلِمِ

وتُشرِقُ على كُلِّ زاويةٍ شَكٍّ

بنورِ يَقينٍ .

أَتْبَعُ دربَ العَصافيرِ

ترقُبُني الأشجارُ

حيثُ الأحلامُ تَتَجَسَّدُ

في رَقْصَةِ ألوانِ الفُصولِ

أَتَنَفَّسُ عَبيرَ البَداياتِ العَذْبَةِ

وأَشْهَدُ ميلادَ نُجومٍ تُحاكِي الأمَلَ.

أعزفُ سيمفونيةَ الحياةِ

بكلِّ نبضةٍ تُرسلُ أمواجَ الحبِّ إلى شطآنِ الوجود

فكُلُّ حَبَّةِ رملٍ تحتَ أقدامي

تروي قصةَ انتصاري على العدم

أمضي كرجلٍ يزرعُ قلبه ُفي البحرِ

وينسى روحهُ في الصّحراء.

***

ريما آل كلزلي

في روحي ذكريات

أطلقها حماماتٌ

برسائل نحو أماكن

مكثتُ فيها

حفظت آثار خطواتي كل حجارة

في ذاك الزمان الجميل

كانت حنجرتي تستوعب

كل الأغاني

وقدماي كل الرقصات

وذراعاي جناحيّ فراشة

أحط على كل زهرة

لأن كل حديقة

كانت بيتي

وعالمي نافذة مفتوحة

لكل ماهو مبهج

كنتُ أسابق الريح زهوها

والعصافير تغريدها

وعندما أيعنتُ

بدأتُ أحلمُ

مع شمس العصر

بحبٍ تحت ظل شجرةٍ

خضراء الأغصان

وينتابني الحياء

وتلفح الشمس جبيني

بدعوة أن اواصل

في طريق الفرح وقوس القزح

لم أكن أعلم

إن وراء هذا العالم الأخضر

قبحٌ

فرسائل الحب الحالمة

حاصرها وابلٌ

من الإعتراضات

وحمامات العشق الطائرة

هاجرت بلاعودة

وبقيتُ أنشدُ لكل جميل يحطيني

وللشمس والقمر

لدي حلمٌ

أن أتجاوز المسافات البعيدة

وأن أزرع الزهور بين نجوم السماء

أنه الحب الإلهي

أن أكتب الشعر من ينابيع النقاء

وأُمنح الحب من أنفاس الملائكة

سعادةٌ أن أنسجم مع الكون

وأغني معك

فليس للحب بديل

وإن طالت الأدغال زهور الحياة

أستمتع بالربيع

في كلمة غزل

ورسالة حبٍ غناء

في نافذة مفتوحة

وسيدة وقور تُطعم الحمام

في طمأنينةُ المدينة

وفرحة العيون

فلا أشقى من إنسان

وهو

يضع الستارة السوداء أمام الشمس المشرقة

أن ينهي الحب

في ربيعه

أن يقطع صلته بالأمل

عند غروب الشمس

والزورقُ آتٍ

الحزن

غطى المدينة

والخوف

أفئدة الناس

الأحداق دامعة

والمزاج عكر

والشمس ضاحكة

حينها أدركت

أن وجهك المجهول

صعب المنال

فحزمتُ حقائبي

ورحلت

وفي روحي ذكريات

أطلقها حماماتٌ

نحو أماكن مررت بها

***

سميرة عباس التميمي

 

فاجأنا عمّي، بعد انتقال زوجته المصون الى رحمة الله، عن عمر ناهز السعبين عاما، بانه ينوى الارتباط بامرأة تستر عليه شيخوخته وتكون سندا له في ارذل العمر، ولم يكتف بهده المفاجأة وانما تجاوزها بزيارة ليلية ليطلب مني المساعدة بالعثور على زوجة مناسبة له.. تملأ الفراغ الرهيب الذي تركته زوجته المرحومة، هززت راسي محبذا ومباركا، فنحن نعيش في فترة تختلف عن سابقاتها من الفترات، بما فيها فترة تهجيرنا من قريتنا، بقوة السلاح، واكدت رايي قائلا انها فترة لا يوجد للمرء الا نفسه، وقلت له بالعبرية "ام اين لي مي لي"، فطلب مني عمي ان اترجم له ما قلته بالعبرية الى العربية فرفضت، واردفت حتى لا ازعله "بحكش جسمك مثل اظفرك"، ابتسم عمي ومضى في ليله، لاكتشف في اليوم التالي انه شرع في اخبار الجميع بما انتوى ان يفعله.. وان قصة رغبته بالزواج، قد انتشرت على كل شفة ولسان من السنة ابناء الحارة.

سمعت في الايام التالية انه لجأ الى احد متشردي الحارة وشذاذي افاقها ليساعده بالعثور على زوجة تملأ ما خلفته زوجته الراحلة من فراغ، وان هذا اوصله بعد دعوته على ثلاثة ارغفة فلافل، الى احدى العوانس، المعروفات بهبلهن، فحملت نفسي وهرعت اليه: هل ما سمعته يا عمي صحيح؟ ماذا سمعت يا ابن اخي؟ سمعت انك تفكر بالزواج من تلك الهبلة. اه.. وشو فيها يا ابن اخوي.. على الاقل بتدير بالها على عمك. بس هاي هبلة يا عمي. هبلة.. هبلة يا ابن اخوي.. ولك ان شا الله بتشُخ على حالها. بدي وحدة تونسني بوحدتي.

تركت عمي وانا افكر في كلماته الجارحة.. هل اوصلته وفاة زوجته الى تلك الحالة التي تحدث عنها؟ هل هو يعيش مثل هكذا وحدة ونحن حوله موجودون؟ ركبني شيطان الاسئلة، لقد بات امر ارتباط عمي جديا، لكن هل يوافق ابناؤه وهم كثر وبينهم الشرس الحاضر طوال الوقت للشجار، هل يوافقون على ارتباطه في سنه تلك المتقدمة؟ هكذا وجدت نفسي اردد سؤالا يحتاج الى اجابة ليست بيدي. اتصلت بعمي وسألته عما اذا كان ابناؤه موافقين على زواجه؟.. فجاءتني اجابته الفورية: شو دخل اولادي.. وين بكونوا لما بكون لحالي في الليالي الطويلة.. كل واحد منهم ملتهي بتَبع مرته.

أثّرت فيّ كلمات عمي، وقررت من فوري مساعدته.

في اليوم التالي ابتدأت رحلة البحث عن زوجة لعمي، فرحت اسال عمن ترضى به زوجا له في تلك السن المتقدمة، وكان ان قللت عقلي واتصلت بمن سبق لعمي وان اسأله، فأخبرني انه توجد في بلدة مجاورة امرأة في الخمسين من عمرها وتريد ان تتزوج. وراح يعدد مناقبها الطيبة، توجهنا، عمي، انا وذاك المتشرد، من فورنا الى تلك البلدة، عندما اوقفنا سيارتنا بعيدا عن بيت كبير فاره، اخبرنا مرافقنا المتشرد ان ذاك هو البيت المقصود، طلب منا ان نبقى في السيارة، وترجل منها قبل ان يستمع لإجابتنا، وولى مسرعا كمن ضربته بعصا على قفاه. لم يطل انتظارنا، لنستمع الى جلبة وصراخ، وشتم وسباب، تنبعث من البيت قبالتنا، عندما عاد المتشرد بثيابه الممزقة، ادركنا ما حدث معه، فقطب عمي ما بين حاجبيه، فيما لاحت ابتسامة على شفتي. ومضينا في طريق عودتنا الى بلدتنا خائبي الرجاء، على امل ان نجدد البحث في اليوم التالي.

في اليوم التالي تكرّر موقف اليوم السابق، لكن بفداحة اكبر، فقد راينا امرة معافاة تقذف متشردنا من بوابة بيتها، وتلحق به، ليدخل الى سيارتنا وليطلب منا ان نهرب ناجين بجلدنا، غير ان تلك المرأة تمكنت من منعنا من الانطلاق، وراحت تتساءل مين هذا الشايب العايب اللي بده يتزوجني؟ انكمش خالي، فيما هتفت بها قائلا.. انه كان معنا وهرب خوفا منها. تقبلت المرأة الحانقة الغاضبة روايتي وسط علامات شك بدت على وجهها، وسألتني عما اذا كنت متأكدا مما اقول؟ فأرسلت نظرة استجارة بعمي، عندها مد لي حبل النجاة وهو يقول، نعم نعم هو هرب. ابتسمت تلك المرأة ومضينا نحن الثلاثة هاربين، وحامدين الله انه نجانا من براثنها ومن لكماتها.

بعد يوم من هذه الحادثة وقعت الحادثة الثالثة، فقد انتهت بان اكل مرافقنا المتشرد نصيبه من اللكمات والصفعات، ووزعت العروس العتيدة، هي واهلها، علينا ما تبقى من لكمات لا تنسى، بعد ان اكلنا نصيبنا من الضرب، وتوقف مهاجمونا عن توجيه الاهانات رأيناهم ينصرفون عن سيارتنا واحدا وراء الآخر حتى انهم بدوا مثل صف عسكري ادى مهمته على وجهها المنشود وعاد غانما سالما. فما كان منا الا ان لجانا الى ما تبقى في سيارتنا من قوة واندفعنا اندفاع عاصفة قاصفة مبتعدين عن تلك الشريرة واهلها الكرام.. سامحهم الله.

عندما اتخذ كلٌّ منّا، نحن الاشقياء الثلاثة، لم نجد افضل من هذه التسمية، مجلسه في احد المطاعم الشعبية في حارتنا، لم يسالنا عمي عما ننوي اكله وطلب لكل منا رغف فلافل، فأتينا من غلنا وفتكنا به عن بكرة ابيه، ما دعا عمي الى طلب رغيف آخر وبعده آخر.. بعد ان شبعنا، اولا ضربا وثانيا فلافل، تفرقنا وقد تأكد لنا اننا لن ننجح فيما وطّنا انفسنا عليه. غير ان ما حدث في الايام التالية جاء مختلفا. كما تبين لي على الاقل فيما بعد. ويبدو ان ذلك المتشرد، بحث عن طريقة اخرى يلهي بها عمي، فاقترح عليه ان يجلس في المحطة المركزية للحارة، وهناك تجد ما هب ودب من النساء، كل ما هو مطلوب منك، هو ان تفتعل اي حركة، ان تقول على مسمع من تروق لك، مثلا، ان الباص قد تأخر، فاذا تجاوبت معك، تابع معها، اما اذا لم تفعل، فانصرف الى غيرها.

ما إن دخل كلام متشرّدنا عقل عمي وركب على عقله، كما علمت فيما بعد، حتى سارع من فوره لارتداء كل ما على الحبل من ملابسه الجديدة، واغرق نفسه في بحر من الروائح العطرية، وتوجه في ساعات الصباح المبكرة الى محطة الحارة المركزية، اتخذ هناك مجلسه مثل ملك غير متوج، وجعص يعج على سيجارته المارلبورو الثمينة، وما ان لاح له طيف بغيته من النساء، حتى شبّ على قدميه وتعمد الوقوف قريبا منها، وهو يتمتم بكلمات عن تأخر الباص، افتعلت المرأة حركة، فهم منها انها غير معنية بالتحدث اليها، فعاد الى مجلسه كسيرا متهدل الاذنين. بعد ساعة من الانتظار شاهد امرأة تقترب من المحطة فراودته احاسيس جدية ان صنارته قد غمزت، الا ان نقبه طلع على شونة هذه المرة ايضا. فعاد الى مقعد الرئاسة في محطة الحارة المركزية. بعد ساعات من الانتظار، وقع حادث مكّن عمي من تحقيق بغيته. كان ذلك عندما رأى شابا يحاول معاكسة احدى الواقفات فانتابته حمية ونخوة عُرف بهما في ايام الصبا والشباب الغابر، فدنا من الشاب مشددا قبضته في محاولة منه للكمه، الامر الذي لفت نظر تلك المرأة. الشاب على ما يبدو فضل الانسحاب وولّى مختفيا في الفضاء الرحب. اقترب عمي من تلك المرأة فابتسمت له، فتجرأ وهو ينتقد شبيبة هذه الايام: اما شباب. عندها انفكت عقدة لسان الاثنين، خالي وبعده تلك المرأة التي اكتشف انها حسب الطلب .. ربلة.. ملانة وملظلظة، واخذهما الحديث، الى ان جاء باصها فانصرفت. هكذا وجد عمي ضالته.. وبادر في صبيحة اليوم التالي الى المحطة ليجري محادثة عمره مع تلك المرأة.

دبّ هذا النجاح الحمية في راس متشرد حارتنا، فتحدث عنه لآخرين بصورة هامسة.. بلغ خبر علاقة عمي بتلك المرأة اسماع ابنائه، فما كان منهم الا ان ارسلوا اليهم اشرسهم، ليخبره ان امر علاقته بامرأة محطة الحارة، قد انتشر وذاع، وان اخوتها قرروا اطلاق النار عليه في اول فرصة يرونه يتحدث فيها لأختهم. ما ان سمع عمي هذا التهديد الواضح المكشوف، حتى انكمش وانطوى على نفسه.. واغلق باب بيته على نفسه.. منذ ذلك اليوم لم ير احد عمي.. فاعتقد البعض انه مات.. علما انه حي يرزق.. ويتطلع الى يوم امن يجمعه فيه رب العالمين بفتاة احلامه.

***

قصة: ناجي ظاهر

تراها على أي دربٍ تمر القوافلْ..

ما بين نخلٍ ونهرٍ

وطينُ الفرات الذي تستحم

فيه طيور القطا

كل يوم على اكتاف بابلْ..؟

**

إلى أي دربٍ تسير الخيول

الراكضات،

بدون لجامٍ أو عنانٍ

تعاكسها الريح في حقل السنابلْ..؟

**

فماذا تقول مراقدنا

التي تنز دماً

في كل منحى ومجرى

وعشتارنا تبكي جراح المقاتلْ..؟

**

وماذا عن مزارعنا

واطلال منازلنا

التي هدمتها جموع الغزاة

وعهر البغاة

وصمت المخاتلْ..؟

**

لماذا عافت الطير

اوكارها في المساء..

وأفرغت الخيل

أثقالها في العراء..

وهبت جموع بدون مشاعلْ..؟

**

فأي المسافات فاصلت

وأنحنت،

ثم دارت تفتش

علها تختار بين السيف

وأشباه المناجلْ..؟

**

فأي يقين ترائى عبر هذا الزمان

وأي سبيل يجاري

نزيف اللظى ومكر المحافلْ..؟

**

إنه الشعب يرصد الأجواء

لا تلوي معابره المهازلْ..

***

د. جودت صالح

21/04/2024

(من وحي واقع الغزو و واقع الانتظار)

أَزِقَّةٌ مَارَ فَيِهَا الْعَتْبُ فَانْفَلَقا،

شَوْقاً تَفَرَّقَ فِيهَا اثْنَانِ

وَاتَّفَقَا

*

أَزِقَّةٌ

خَاطَ مِنْهَا الْكَوْنُ أَسْئِلَةً

فَلَمْ يـُجِبْهَا سِوَى مَنْ فَهْرَسَ الْقَلَقَا

*

مِنْ دَهْشَهِ الْحَجَرِ الْمَمْسُوسِ جَاءَ أَبي

كَـــيْ يَسْتَجِيـرَ بِـــــهِ فَيْــــروزُ مَنْ عَشِقَـــا

*

أَتَى يُشَاكِسُ فِقْهَ الطِّينِ،

يَرْتـَجِلُ الْفَتْوَى،

يَرُشُّ عَلَى اسْتِحْبَابـِهَا الْعَبَقَا

*

أَبي خَلِيفَةُ رَبِّ الْـهوْرِ،

وَارِثُهُ،

بِكُلِّ بَرْدِيَّةٍ هَامَتْ بِهِ احْتَـرَقَا

*

تَرْنُو لَهُ هَيْبَةُ "الْمَشْحُوفِ" خَاشِعَةً،

تَقَولُ:

هَذا الَّذي مِنْهُ الْـهَوَى انْدَلَقَا

*

سَجَّادَةُ الْقَصَبِ الْمَضْفُورِ تـَحْمِلُهُ حِكَايَةً،

يَصْطَفِيهَا الرِّيفُ مُعْتَنَقَا

*

أَغْرَتْ تـَجَاعَيدُهُ الْأَشْيَاءَ،

فَابْتَكَرَتْ نِيَّاتـُهَا شَجَراً،

يَسْتَخْلِفُ الْوَرَقَا

*

يَـخْضَوْضَرُ الْعِشْبُ لَوْ حَابَى مَشُورَتَهُ،

وَيَنْفَــــحُ الطِّيبُ مِــــنْ خَدَّيْهِ لَــــوْ عَرِقَـا

*

أَزِقَّـــــةُ الْوَجَـــعِ الْمَسْتُــــــورِ أَرْغِفَـــةٌ

بِـمِلْحِهَا يُقْسِمُ الْمَفْتُونُ لَوْ زَهَقَا

*

فِيهَا رَأَيْتُ أَبي يُصْغي لِبُلْبُلَةٍ

تُبَشِّرُ النَّخْلَ:

أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ نَطَقَا

*

بِالْأَمْسِ كَانَ أَبي...

وَالْيَوْمَ أَقْرَؤهُ..

مُسْتَبْشِراً كُلَّمَا دَلْوُ الصَّبَاحِ سَقَى..

***

شعر عبد الكريم رجب الياسري

من مجموعتي "حين يحتفل القصب"

تضارُب

السلامُ هراء، لن يُصبحَ ذا معنى، إلّا في الطريقِ الى الموت.

**

المُحال

في المنفى، خرجتُ في تضاهرةٍ لدعمِ الحرّيةِ في بلدي، وفي بلدي، الحريةُ للموتىٰ.

**

منفى

للذكرياتِ غربةٌ أيضاً، كعُمّال المناجم، لن تعودَ بلا خدوش.

**

هجر

لا تسألي عن قدَمي، إنْ لم تسِرْ إليك، أصابَ الشلَلُ قلبي أوّلاً.

**

ضياع

كتَبوا كثيراً على شاهدِ القبرْ، بحثتُ عن الإسم، لم أجده.

**

حماقة

الأغبياءُ من الرجال، يخفونَ خاتمَ الزواج، النساءُ تعرفُ النفاق، كالأفاعي، من تنَشُّق الهواء.

**

رعونة

عادَ من الحربِ منتصراَ، بيدٍ واحدة، وفي الإحتفاءِ به، فقدَ الأخرى.

**

تشابك

الذكرياتُ كأوراقٍ مرصوفةٍ على رَف، لتلتقطَ أوسطَها، عليكَ أن تحملَ مافوقَها، ربما توقفك إحداها، فتنسى عمّ بحثت.

**

غفلة

المتحولون، سيدركونَ، بعد فوات الأوان، أنّ الجنسَ الآخرَ، ليس سوى رغبةٍ ... مُختلفة.

**

إِستِفْهام

ثقوبُ الأمس، فشلَ في رتقِها اليومْ، فكيفَ سينجحُ الغد.

**

روعة

اجتمعنا في الملجأ، لمّا ابتدأ القَصف، كانَ الخوفُ سبيلَ تعارفِنا، ودام .. بلا خوف.

**

قُبُول

الوردةُ التي اختارت شقوقَ الصُخور، كأيّ غريب، لن تحلمَ إلّا ... بالمطر.

**

جحود

تمنّىٰ أن يُمسِكَ جميعَ أيادي الآخرين، ولم يُمسكْ أحدٌ يدَه، ذلكَ الأعمىٰ.

**

إِنْحِطَاط

أتتهمُني بالخيانة، صرَخَت في وجههِ، تذكّرَتْ أنها قالتها قبلَ يوم، لعاشقٍ آخر.

**

خوف

لا تُحدّق بوجهي، عندما تصيبكَ الدهشة، من سماعِ مصيبة، أنا برئ.

***

عادل الحنظل

لقد راودتني فكرة السفر معك منذ سنوات عديدة، تقاطعت فيها حيواتنا الصغيرة بكل تفاصيلها. تمتزج فيها الكلمات والوصف والأغاني فتتشكل ثورة من الذكريات والصور وأصوات محفوظة وملامح حقيقية نعبر من خلالها الأزقة التي مشينا فيها دون أن ندرك بأن خطواتنا البعيدة كانت تفترق لتجمعنا. مثل رائحة الياسمين التي لا تتغير شممت عطرك خلف أذنك فعلقت في ياقتي. منذ تلك اللحظة وأنا تراودني تلك الفكرة، فأنا أعشق كل ما هو قديمٌ، وأصيل، وثابت. أأومن بأنني سأعيش معك هذه اللحظات، سنكررها كل صباح نقضيه في دمشق. نخرج إلى الشرفة الواسعة مع نشرة الأخبار ونترك صوت المذيع الأجشّ وحيداً وأنت تتفقَّد حبة الخال الجديدة أسفل ذقني. تقبلها فتشعرني بخضرتي الدائمة في روحك. فعلى مدار الفصول والأعوام كنت بالنسبة لي مصدر أمل وحيرة ولجوء ونهاية سعيدة.

أسافر معك إلى كل ماضٍ وحنين، فأنا أحن إلى الأزقة الرطبة وصوتِ الأبوابِ العتيقة ورائحةِ من ذهبوا وتركوا بعدهم طاولة خشبية في زاوية مطعم دمشقي عريق، ارتشفوا فناجين القهوة ودخنوا بشراهة أصابع نحيلة، ثم راحوا وسط غمامة الدخان يناقشون قصيدة الماغوط الأخيرة. هم أنفسهم من نسي صنبور الماء متدفقًا في نافورة بيت مهجور، فراحت تتناغم معه أوتار عازف غريب يطل من شرفة قريبة، يشرب فيها الشاي، يدخن غليونه، يغني، ويرمي ببذور البطيخ.. هذه أنا، أكتب الشعر منذ عشرين عامًا ولا تتجلى حروفي إلا حين أحلم بك. أحبك منذ آلاف الأعوام من حيث لا أدري، قبل أن يخلق الله الطير ويرُف، والزهر والورد والندى، قبل أن يجف هذا العالم أو يتجمد. أحبك وأنتظر بأن أتأبط ذراعك ونحن نقطع المسافات ونفترش حافة قصية في جبل قاسيون. تقرأ لي قصيدة تحفظُها عن نزار قباني وكل ما عليَّ فعله هو أن أستسلم لقُبَلك المباغتة. لا أترقب نهاية الطريق فكل نهاية هي بدايةٌ معك. وكلُ بداية هي إشراقةٌ للنفس وكتاب حب مقدس. نحصد فيها فكرة الزمن والذاكرة والأيام المشهودة وأنت تمارس عليَّ بمتعة لعبة إغماض العينين ونحن نمشي في الرواق الذي يوصل إلى غرفة النوم أو المطبخ. تحذرني من الاصطدام بحافة الجدار، وبخطى متباطئة أفتح عيني باحثة عن ضوء في عتمة أغرقت فيها كل شيء. لن أطلب النجدة وقتها فأنا أحب السفر معك إلى هذه المناطق المجنونة التي لا أريد أن أنجو منها، بل أن أصحبك معها مدى الدهر. أتسلل إلى دقائق دمك وخلايا عقلك السابح في قدود حلبية تردد مواويلها. كأنني بي منهمكة ٌبإرضاع طفلتك، وأنت تتفقد جسدي المتعب من المشي في سوق الحمدية. كلانا نعشق السفر بهذه الطريقة وتلك السجية. يدللنا شيء من الفتوة وفوران العاطفة وهدوء الطباع وسكينة الكلام. أسافر معك حاملة كل معجزات العالم، فأنت المطلوب والمساعد، وعن طيب خاطر أفنى بك وأكرر قطع تذكرتين إلى دمشق أو ربما بغداد أو بيروت.

***

بلقيس الملحم – أديبة سعودية

فَلْتُغْلِقْ (رَفَــــحَاً ) ياسِـيـــسي

وتُعَــــــــــلِّلُ... بَثَّاً كَــــرَئيسي

*

وامْــــــــلأ عينيكَ بِإعــلامٍ

كـــي لاتَسْــــقُطْ بالتَّدْليسِ

*

لِتُصَــــلِّ صَــــــلاةَ الزُّعَمَـاءِ

مُنْبَطِحَاً بِخُشُـــــــوعِ لَمِيسِ

*

كعَرُوسٍ يَسْبِقُهَــــــا شَبَـــقٌ

كي تَحْظَى بِلَهِيبِ عَريسِ!

*

يَتَبَاهى زُعَمَاءُ (الفَتْــــــحِ)

بالتدليـــــكِ... وبالتَّخْسِيسِ

*

كدجــــاجٍ تَتَمَـــــــنَّى دِيْــكاً

روميِّـــــــــاً أَمْهَـــرُ تَسْيسِ

*

يَحْمِيها...يَحْضُنهــا لُطْفـــاً

ويَضُمُّــــــهَا نِفْطَاً بِنَفِيسِ!

*

فَلْتُغْلِقْ (رَفَــــحَاً) مُنْصَاعاً

وتُؤدِّي حركــــات عَسِيسِ*

*

ولتُغْمِضْ أُذُنَيْـــكَ وتَحلِفْ

أنكَ في حُــــــــلُمٍ باريسي

*

لَمْ تَعْهَدْ في غـــزةِ حَرْباً...

أو تَشْهَدْ جُثث التَّكْدِيسِ

*

ماضَرَّها غــــــزةُ إنْ ضُرِبَتْ

واسْتَشْهَدَ مَسْرَى التقديسِ

*

بَلْ ضَرَّها أنْ يَتَبـــاكى على

أقصاها عُصْبَــــــةُ إبليسِ!؟

*

أَفَتَزْعُــــــــمْ أنَّكَ لاتَــــــدْري

مايَحْــدُث... ياكُلّ خَسيسِ؟!

*

أولم تقــــــــرأ قـــولهُ جَـــلَّ:

"وأَخَذْنا... بِعَــــذابِ بَئيسِ*"!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي - اليمن

15/4/2024

.........................

*عسيس: حركات ذَنَب الكلب

*الآية ١٦٥- سورة الأعراف

 

بلادٌ فوقها سَبعٌ طِباقُ

إذا انْبلجَتْ تسيّدَها العراقُ

*

على أممٍ تسابقَ مُبتلاها

وما انخذلتْ ولا حلّ الشقاقُ

*

تواجهُ صولةً برؤى اتْحادٍ

وتَهزمُها , يُعززها الوفاقُ

*

كذا الدُنيا تؤسّس مُرتقاها

ويَحدوها إلى مَجدٍ سباقُ

*

مَعالمها بها الأجيالُ هامتْ

يُباركُها ويَرعاها اتْفاقُ

*

تُسخّرنا المقاديرُ العوالي

ويأسُرنا بدنيانا انْظلاقُ

*

وُحوشُ الخلقِ عن باءٍ تخلتْ

فماتَ الحبُّ وانْتحر ارْتفاقُ

*

طوابيرٌ من الأحياءِ تَترى

يُفاعِلها التنافسُ والنفاقُ

*

تموتُ بأرْضنا سَلمى وليْلى

كأرقامٍ كما شاءَ السياقُ

*

تخابت أمةٌ ذات اقتدارٍ

تقتّل شعبهاً فنمى احْتراقُ

*

عجائبُ ضعفها من فعلِ ذاتٍ

تدمّرها فداهَمها انْمِحاقُ

*

تكونُ بكلها لا بانْفرادٍ

لأنّ الجمعَ يَحدوهُ انعتاقُ

*

وإنّ الفردَ يأكلها كوحشٍ

فينهكها ويَجفوها ارْتزاقُ

*

فساهِمْ في إنارَتها بفكرٍ

وحاذر أن يوافيها انغلاقُ

*

سموتَ بها فوقَ البَرايا

فأبدتْ نورَها ودنى البراقُ

*

وما الدينُ الذي فيه انْدَرسنا

سوى قولٍ يردّدهُ المُعاقُ

*

فكمْ حصلتْ خطايا في بلادٍ

تولتها أضاليلٌ تُساقُ

*

فهلْ أنّ الرسولَ بها ظلومٌ

وهلْ أنّ السلوكَ دمٌ يُراقُ؟

*

تحيّرتِ النواهيُ واسْترابتْ

وذو عقلٍ يُعثرهُ انْبثاقُ

*

ومَنْ نطقَ الحقائقَ دونَ كذبٍ

تواجههُ عداواتٌ لصاقُ

*

تأديَنتِ الكراسي بالمآسي

فعمّ الفسقُ وانتشرَ الحَناقُ

*

فلا تعتبْ على زمَنٍ نكيدٍ

وإنّ القومَ عن قومٍ صَداقُ

*

قرابينٌ بإفتاءٍ أبيحتْ

فقلْ فسدتْ ويَرعاها  النِعاقُ

*

فهلْ بقيتْ بأوْطانٍ حياةٌ

وأرْضُ العُرْبِ يأسُرها إنْصعاقُ؟

*

نواكبها بها الأيامُ حارتْ

وكم حطتْ على رأسٍ طِواقُ

*

كلامٌ قد يداويها بصَمتٍ

وإنْ فزعتْ يُعقّرها انْفلاقُ

*

دمُ الأحْرارِ يَشربهُ تُرابٌ

ونسيانٌ يباركه انسحاقُ

*

تلوّنْ أيها المنكوبُ فيها

فأنّ الأرضَ ينكرُها الوثاقُ

*

مآجيرٌ على شعْبٍ أسودٌ

وأسْيادٌ بهم فعلوا وساقوا!!

*

وحرّ الرأي مَنبوذٌ كريهٌ

تحاوطهُ الشراذمُ والزعاقُ

د-صادق السامرائي

30\3\2024

 

أنـتِ قـوسـي وأنـا سـهـمُـك

فلنصطدِ غزال العشق

***

قـوسـي بـلا سـهـمٍ .. وسـهـمـي دون قـوسٍ ..

كـيـف أصـطـادُ الـمَـهـاةْ؟

*

كـلُّ الـدروبِ تـمـاثـلـتْ

فـي الـلاوُصُـولِ الـى الـمـرامِ

فـكـيـفَ ألـتـمـسُ الـطريـقَ إلـيـكِ؟

أعـمـى:

والـضـحـى لـيـلٌ

وأجـهـلُ أيـن مـن وجـهـي الـجـهـاتُ!

*

الـنـهـرُ أيـبـسُ مـن قـرون الـوعـلِ ..

والـبـئـرُ الـعـمـيـقُ بـدونِ حـبـلٍ..

مَـنْ لـظـمـآنٍ بـبـاديـةِ الـسـمـاوةِ؟

لا قـوافِـلَ كـالـتـي مَـرَّتْ بـ " يـوسـفَ "..

لا رُعـاةْ

*

هـلاّ أعَـرتِ الـنـهـرَ مَـوجَـكِ؟

والـسـمـاءَ قـمـيـصَ نـومِـكِ؟

وارتـجـافـي دفءَ خِـدرِكِ؟

والـفـراتْ:

*

إســمًـا جـديـدًا

لـم يـمـرْ يـومًـا عـلـى شَـفـةِ الـرُّواةْ؟

*

إسـمـًا يـلـيـقُ بـدارِ " أوروكَ " الـجـديـدةِ

لـيـس تـعـرفـهُ قـوامـيـسُ

الـلـغـاتْ؟

*

وبـأهـلـهـا أحـفـادِ " أنـكـيـدو" و" إيـنـانـا "..

أعِـيـريـنـي يـقـيـنـكِ ..

واشـحـذي عـزمـي بـفـأسِـكِ

كـي أحـطِّـمَ

مـا تـبـقَّـى فـي دُجـى " أوروكَ " مـن " هُـبَـلٍ "

و" لاتْ "

*

فـأنـا أعَـرْتُ الـعـشـقَ

مـا أبـقـى لـيَ الـزمَـنُ الـمُـخـاتِـلُ

مـن حـيـاةْ

*

ولـرُبَّـمـا سـأُعِـيـرُ نـفـسـي

بـعـضَ مـا بِـكِ مـن صِـفـاتْ

*

كـالشـهـدِ يـانـهـرَ الأنـوثـةِ ..

والـغـديـرِ الـسـومـريِّ ..

وحـانـةِ الـخـمـرِ الـحَـلالِ ..

وسِـرِّ " آدمَ " حـيـن مَـدَّ يـدًا

الـى الـتـفّـاحـةِ الـعـذراءِ ..

والـفـرحِ الـمـؤجَّـلِ..

والـحـمـامـةِ أنـبَـضَـتْ بـهـديـلـهـا

الـشـجَـرَ الـمـواتْ

*

فـلـتَـغـنـمـي مـا أشـتـكـيـهِ الـيـومَ مـن عَـطـشٍ لـمـائـكِ

قـبـلَـمـا نـغـدو غـدًا

أثـرًا لِـعِـشـقٍ فـي كـتـابِ الـذكـريـاتْ

*

أجَّـلـتُ مِـيـلادي..

وأجَّـلَـتِ الـشـروقَ الـشـمـسُ..

والـقـمَـرُ الـبـزوغَ..

وأنـتِ أجَّـلـتِ الـهـطـولَ بـمـا وعَـدتِ

لِـتـسـتُـري عُـريَ الـفـلاةْ

*

أنـقـذتِـنـي مـنـي

وأيـقـظـتِ الـفـؤادَ مـن الـسـبـاتْ

*

ســأُريـحُـنـي مـنـي

فـمـا ـ إلآيَ ـ يُـنـقـذنـي مـن الـمـوتِ الـبـطـيءِ..

ســأسـتَـعـيـنُ عـلـيَّ بـيْ

" مـا حَـكَّ جـلـدي مـثـلُ ظُـفـري" (1)

إنـنـي قـلـمـي وأوراقـي وحِـبـري والـدواةْ

*

فـأنـا الـشـهـيـدُ / الـحـيُّ

والـوهـمُ / الـحـقـيـقـةُ

والـبـدايـةُ والـنـهـايـةُ

والـمـشـوقُ الـسـومـريُّ الـقـاتـلُ / الـمـقـتـولُ

والـمـتـدثِّـرُ / الـعـريـانُ إلآ مـن ثـيـابِ

الأمـنـيـاتْ

*

حـاولـتُ تـأجـيـلَ الأذانِ

كـأنْ يـكـون زمـانُـهُ فـي اللازمـانِ

وحـيـنَ تـغـدو دُرَّةً فـي تـاجِ والـي أمـرِ " أوروكَ "

الـحـصـاةْ

*

كَـفَـرَتْ بـمِـحـرابـي الـضـلالـةُ

فـاعـتـصـمـتُ بـحَـبـلِ عـشـقِـكِ..

واسْــتَـخَـفَّ بِـطِـيـنِ صـبـري الـجـمـرُ..

سَــلَّ لـهـيـبَـهُ..

مـا كـان يـدري الـجـمـرُ أنَّ الـطـيـنَ

سـوفَ يـصـيـرُ صـخــرًا حـيـن يـقـحَـمُـهُ الـلـهـيـبُ

وأنَّ مِـئـذنـتـي أبَـتْ

إلآ الـتـشـبُّـثَ فـي مـواعـيـدِ الـصـلاةْ

***

يحيى السماوي

السماوة 21/4/2024

..................

(1) قبوس بين المزدوجات: مأخوذ من بيت شعر للإمام الشافعي أصبح مثلا سائرا ونصه:

ما حكَّ جلدك مثلُ ظفركْ

فتولَّ أنتِ جميعَ أمركْ

 

دعنَا سيِّدي نوشِم الحُروفَ

بحْرَ نارْ

ونكُفُّ عن هدرِ

قسَمٍ وفيْضِ عارْ

دعنِي أسقط كذبَك الذي

ليْس يُفسَّر

وأغتَسل منْ درنِ شعْرِك

المسْتعارْ

فلمْ يعُد لقلْبي

يسكِرْ

ولمْ أعُد في فيضِه

أُبحرْ

*

في أعماقِي جثثُ شهورٍ

ونارْ

أراقِص الثُّريا

وأعتنِقُ العارْ

*

دَعْني سيِّدي أتعطَّرْ

دعْني أتبخْترْ

دعْني أكْسوُ هامتي

إكليلَ غارْ

فقدْ سئمْتُ

الجدارْ

وسئمتُ صمتَ

الدِّيارْ

وسئمتُ أرْصفَةً حزِينة

تلتحفُ نعْيا أحْمر

الصَّمت يعلو على

الدّمارْ

ينفضُ عن نفسهِ فِخاخَ

اللَّيل

ثمَّ يرْتطِم بالقرارْ

***

لطيفة أثر رحمة الله

 

فشلت جميع خططي للإنتقام والإطاحة بـ"خالة وداد" تلك المرأة لم تكن بالصيد السهل وأي غلطة أخرى معها كانت ستكلفني مزيداً من القيود وتضييق الخناق للحرية البسيطة الممنوحة لي في حياتي المنغلقة كمراهقة تعيش وسط مجتمع محافظ تمتلك إمكانيات مهدرة وقدرات فنية جيدة بلا بصيص أمل لتسخريها بمكانها الصحيح، كان الأمر أشبه بسجن خيل جامح داخل مضمار بسياج حديدي ضيق لا سبيل أمامه للتحرر إلا بالإرتطام المستمر به لتحطيمه وإيذاء نفسه..

كان لدى الجميع إعتراف ضمني بمواهبي التمثيلية وكثيراً ما تمت الإستعانه بي لتنفيذ بعض المقالب بدافع الترفيه أو بدوافع أكثر نزاهه من ذلك لكنهم في نفس الوقت لم يخطر في تصورهم الحد الذي من الممكن الوصول إليه.. و في هذه النقطة تحديداً تكمن معاناتي..لا أعرف وجهتي ولا الحد الذي يمكن الوصول إليه بأمان كقبطان سفينة في بحر هائج يبحر أبداً إلى اللامكان..

كانت لدى خالتي مدبرة منزل إسمها "دادا صالحة"، مصطلح "دادا" شائع  في العرف التقليدي بين سكّان مدينة جدة كلقب يطلق على العاملة أو المدبرة المنزلية وإعطاؤه معنى أكثر شاعرية..المهم أن خالتي أحبت دادا صالحة كثيراً وعلمتها كل ما يجب عمله باهتمام وصبر حتى أنها توجت قصة حبها بالزواج من السائق "منصور" بحفل زفاف وتأمين مسكن منفصل لهما، وذات يوم وبلا أي مقدمات استيقظ الجميع على خبر هروب دادا صالحة ومنصور وإنهيار خالتي العاطفي ..

أصابها الحزن وبكت لأسابيع، مما اضطر عمي وزوج خالتي رحمه الله بطلب مساعدتي لتقديم حلول لهذه المشكلة وإمتهان الكذب الإحترافي لأغراض إنسانية..

وافقت على الأمر وأمرتهم أن لايفسدون الخطة تحت أي ظرف..سحبت هاتف خالتي دون علمها وعبثت بجهات الإتصال وغيرت إسمي  إلى إسم "دادا صالحة" ثم دخلت إحدى الغرف واتصلت عليها، قمت بتقليد صوت صالحة وأخبرتها "أني كنت مضطرة للهروب مع منصور لأنه أراد تشغيل السيارة الذي يملك في الأجرة بشكل غير نظامي وخاف أن يفتضح أمره ويمنعه عمي من ذلك، أخبرتها أني ممتنه لكل شيء فعلته لأجلي ولكل المحبه التي عوملت بها من الجميع "

صدقت وأخذت تعاتبني على عدم مصارحتها في الأمر من البداية وأن لديها إستعداد لزيادة راتب منصور للحد الذي يريده بشرط أن أعود إليها.

في أثناء الحوار ومن شدة تصديق خالتي لم يتمالك أفراد العائلة أنفسهم من الضحك وأفسدوا كل شيء مما زاد إكتئابها وجرحها.. أردت أن أمنحها نهاية للقصه، سبباً منطقياً للنكران والخذلان لكنهم لم يساعدوني، الغريب أنه بعد مدة بالفعل اتصلت صالحة الحقيقية بخالتي وأخبرتها عن أسباب مشابهه للقصة التي اخترعتها انا..!!

غضبت مني خالتي بشدة وحلفت أيماناً عظاماً غلاظاً أنها لن تصدقني أبداً ولن تقع ضحية لخداعي مطلقاً مرة أخرى…لكنها وقعت.

بعد مدة ليست بالبعيدة، أقامت  حفله لصديقات بناتها حضرت إحداهن بصحبة طفلين من الجن، خلال أقل من ساعة كسر أحدهم تحفة كبيرة لها قيمة مادية ومعنوية لدى العائلة تقدر بقرابة العشرين ألف  أحضرها عمي كهدية شهر العسل لخالتي عند زواجهما ودفع الآخر أخي الصغير على شظايا الزجاج المتناثر على الأرض ليصيبه بجرح قطعي في فخذه أدى إلى نزيف شديد وتم نقله إلى المستشفى لتخييط الجرح بثلاث غرز، أما عن ردة فعل الأم جراء كل ذلك الدمار الشامل كانت من أغرب ردود الأفعال التي شهدت للآن، لم تتحرك من مكانها، لم تمسك طفليها، لم تفكر مطلقاً حتى بمجرد الإعتذار عما حصل رغم استنفار الحاضرين فضلت أن تكمل حديثها عن أخت زوجها الخبيثه الحسودة الحقودة التي حاولت سحرها وكيف وجدت "العمل" مخبأ بين ملابسها!! وسط ذهول الجميع من انعدام أبسط قواعد اللباقه..

ومن جديد أردت منح الموقف خاتمة جيده على طريقتي الخاصه..

اتصلت على منزل خالتي وقلدت صوت "أم العفرتين" قلت لها: "أنا اعتذر يا خاله على تصرفات أطفالي أحرجوني بشدة للحد الذي منعني من قول أي شيء أرجوكِ طمنيني على ابن أختك الصغير" ثم أضفت :" كنت أحكي لأهلي عن منزلك الفخم والعشاء الفاخر وأتمنى أن أزوركم مجدداً مع زوجة أخي وأختي وأمي وعماتي لتعويض تلك الليله التي أفسدها الأطفال وأتمنى أن تطبخين لنا أطباق شرق آسيوية" ردت خالتي بكل فرح وترحيب بالقبول وحددت موعد العزومة المرتقبه بعد يومين وأغلقت الخط..

بعد عدة ساعات نزلت  إلى السوبرماركت لإحضار مستلزمات الطبخ واتصلت بوالدتي لتخبرها أن صديقة بناتها تود تقديم هدية لأخي يوم الأحد وأنها بدأت بالفعل بإعداد الأطباق المطلوبه كون ان المطبخ الشرق آسيوي يتطلب يومين للتجهيز، هنا استوعبت حجم المصيبة التي فعلتها وقررت الإعتراف لخالتي التي من جديد غضبت مني وحلفت أيماناً عظاماً غلاظاً أنها لن تصدقني أبداً ولن تقع ضحية لخداعي مطلقاً مرة أخرى…لكنها وقعت.

كنت أختبر أخلاقيات ونزاهة شباب العائلة خاصة أولئك الذين لا أطيقهم وبيننا إمتعاض خفي، أرى لأي حد يمكنهم الصمود أمام الغنج والدلال والوقوع ضحايا أمام إحدى شخصياتي ولأن  إمتلاك "جوّال" للبنات المراهقات لايعد أمراً سهلاً أو محبباً في تلك الفترة فإن الموضوع كان بحاجة للعديد من التخطيط المحكم لتنفيذ المهمة، كنت أستعير هواتف العاملات ليلاً مقابل مبلغ بطاقات الشحن ومبالغ أخرى كبيره للتكتم علي وأتصل على الأوغاد من شباب العائلة متقمصة لكل منهم شخصية من الأعلى للأقل شرّاً ونجحت بإيقاعهم جميعاً في حبنا..

في جمعة من جمعات العائلة الأسبوعية استهزأ بي أحد أبناء عمومتي وأضحك الجميع علي وقررت حينها الإنتقام الشرس، أوقعته في غرام شخصية "سمر" الفتاة الجامعية الشعبوية اللعوب المشابهه لشخصيته التي فعلت المستحيل للحصول على رقمه من شدة إعجابها به وعيشته بوهم حياة سمر ويومياتها مع أخواتها الثلاث "سحر وسهاد وفتحية" شهراً كاملاً حتى أنني أخيراً قررت مواعدته في مقهى وبالفعل حجزت طاولة وذهبت ولكني أعطيته رقم الطاولة المجاورة، توجه إلى رجل وإمرأة وأخبرها "أنتِ سمر؟" وأنا أتفرج عليه من الجهه الأخرى يتعرض للإحراج ثم أشرت له أن يأتي وقلت له "أنا سمر، وسحر، وسهاد، وفتحية" ليزداد حقده علي للأبد بعدها..

بعد أن أنهيت فصل سمر شعرت بالملل ووقع إختياري على ضحية جديدة لشاب آخر وبالرغم من إعتراض قريبتي ساعدي الأيسر في الشر كون أنه من ألطف وأحن وأجمل الشباب إلا أني أصريت على موقفي ووضعته برأسي لكن لغاية نبيله، أردت أن أمنحه الثقه في النفس والتغلب على خجله الإجتماعي وتجاوز عقد أخرى كنت أعلم عنها، عشق المسكين "داليا" الفتاة الراقية المثقفة المتفهمه المنحدرة من عائلة برجوازية التي كانت بالنسبة له بمثابة الحبيبة والصديقة، مع الوقت بدأت أشعر بتأنيب الضمير وصدمت بطريق مسدود أعتقد أن ذلك كان ذنب جميع من نفذت بهم مقالبي المدمرة لهذا قررت إنهاء العلاقه على قرب إنتهاء الإجازة الصيفية بحجة ذهابي إلى سويسرا للمدرسة الداخلية لتعليم قواعد الإتيكيت لم يتقبل الإنفصال بسهولة وبكى كثيراً، وبحكم قرابة السن بيننا اتصل بقريبتي وطلب مقابلتنا لأنه واقع في مشكلة ما ويريد الفضفضه بخصوصها..

كان متأزم نفسياً ويتساءل كيف تتركه حبيبته بالرغم من كل ماكان بينهم من مشاعر ولتخفيف حزنه وجدتني أشتم نفسي وأخبره أنها فتاة كاذبة ومتلاعبة ولاتستحق دمعه من عينيه ليرد علي : "حتى وإن كانت كاذبة..أريدها مرة أخرى في حياتي أرجوكِ كلميها وأقنعيها بالعودة إلي وأعطاني رقم "داليا" الذي هو في الأساس رقم "دادا كوليندة"

أقول الحق أنني دمعت وقلت في نفسي:

"تباً لي حتى الحب الذي حلمت به دوماً .. حصلت عليه حينما لم أكن أنا"

***

لمى ابوالنجا – أديبة وكاتبة سعودية

 

عاش خياّم اللهواني ردحا مديدا من حياته، واكاد اقول حتى.. مماته، مع انه حي يرزق، عاش حياته معزولا وحيدا، وكان ما ان يخرج من وحدته حتى يعود اليها مضطرا مُكرها، وقد قضى جُلّ حياته بعيدا عن الناس وقريبا منهم في الان، فهو ما ان يقترب منهم حتى يأتي مُنغّص، لا يدري من اين، ليعكر عليه اجواء خروجه من امواه وحدته الفاتكة القاتلة، وقد علّمت التجارب اللهواني على العديد من الطرائق للخروج من وحدته، منها.. ما ان كان يُعرّفه احدُهم على صديق له، حتى يأخذ في التقرب اليه، متجاوزا من عرّفه عليه، ومحاولا بناء علاقة خاصة به، الامر الذي كان يُغضب الطرفين، صديقه وصديق صديقه.. فينفضان عنه، بل انه بالغ ذات يوم في غيه، فما ان عرّفه صديق صحفي على زميل.. عامل له في الصحيفة، حتى نزل عليه بأشواك كلامه الحادة.. اعتقادا منه ان ما يقوم به انما يُقرّبه منه!! وكان ان رد عليه هذا الصديق بعنف وطرده من مكتبه شر طردة.. واصفا اياه بالأفعى الناكرة للجميل، وقائلا له: انك لم تحفظ الود لمن عرّفك عليّ.. فكيف تطلب مني ان اتصادق معك.. واضعك في عبي.

بقي اللهواني يتعرف على آخرين من خلال اناس اخرين، بينهم اقارب له، حتى بلغ الثلاثين من عمره، فعاف حياته ليغادرها الى الغرب، وليستقر به المقام في مدينة دبلن الايرلندية، منضما ولاحقا باخ له، استقر به المقام فيها، وارتبط بامرأة ايرلندي. اصطحبه اخوه فور نزوله من الطائرة الى بيته ليعرف زوجته به، وما ان انقضى يومان حتى سألت صاحبة البيت زوجها الى متى سيبقى اخوك عندنا؟، فهم اخوه.. ان زوجته ضاقت ذرعا بأخيه، فاقترح عليه ان ينزل عند صديق له يعيش وحيدا في شقة بعيدة عن مركز المدينة، ريثما يعثر على فرصة متاحة للبقاء في تلك البلاد.

تقبل خيام الاقتراح، وانتقل للإقامة مع صديق اخيه، ولم يمض اكثر من يوم ونصف اليوم حتى جاءت النتيجة القاسية، قال له صاحب الشقة بصريح العبارة انه لا يمكنه استضافته للابد، عندها خرج اللهواني، كما خرج في اكثر من لحظة من لحظات حياته، هائمًا على وجهه، وجلس في محطة القطار عاضًا على شفاف الندم، لكن كما ارسل له الله من يُخلّصه في اللحظة الاخيرة من كل وقعة جديدة، لم يخذله هذه المرة، فقد عَلِمَ اخوه بما صارت اليه اموره، فبحث عنه طوال ساعات، حتى عثر عليه منكمشا في محطة القطار، وفي عينه دمعة.

تقدم منه اخوه وفي عينيه رأفه واعتذار وربت على كتفه قائلا له، انه عثر اخيرًا على الحل الملائم لإقامته الدائمة في دبلن، وامسكه من يده جارا اياه، الى مقهى يقوم في اعماق المدينة، وهناك قدمه الى فاتنة ايرلندية، قائلا لها: اعرّفك على اخي. ارسلت الايرلندية نظرة الى اللهواني، وهزّت رأسها علامة الموافقة، ما رسم ابتسامة على جبين اللهوني، فقد فهم بحاسته المُدرّبة على الوحدة، المتحسبة لها دائما وابدا، انه عثر على المرأة التي تُمكّنه من الحصول على تصريح اقامة دائم في تلك البلاد، وعلى بيت دافئ يشرب فيه الكباتشينو ويُمدّد رجليه فيه وعلى كنباته باسترخاء، وبينما هو يتخيل نفسه وقد عثر على رفيقة، زوجة وبيت دافئ، كانت تلك الايرلندية، ترسل نحوه نظرة مُعجبة بملامحه الشرقية وشعره الليلي الاسود، وتأكدت من جسمه الممتلئ، انه سيخفف عنها متاعب الحياة، وسوف يكون معينا لها على مصاعبها ومشاقها.

في مساء ذلك اليوم، دخل اللهواني واخوه وزوجته الجديدة الى شقتها، وبعد نحو نصف الساعة، استأذن الاخ في المغادرة الى بيته، مُخليًا الفرصة لأخيه ان يعب من المياه الايرلندية ما شاء وما رغب، وهكذا كان، فما ان اغلق الاخ باب الشقة مُوليًا ومختفيًا في فضاء الشارع المحاذي، كما ظهر للزوجين المتعانقين من نافذة شقتهما، حتى التصق الزوجان التصاقة غريق عثر بعد عناء وشقاء، على خشبة الخلاص المنشودة.

شهدت الايام التالية ازدهارا لم تشهد مثله حياة اللهواني خلال سنوات عمره الثلاثين الماضية، وربما حياة زوجته الايرلندية ايضا، فقد كان كل منهما يحلم بالسكينة والاستقرار، وها هو الله قد يسرهما لهما، بأيسر السبل، الزوجة فرحت بزوجها المشتاق لجسد امرأة، والزوج فرح لأنه استقر هناك في دبلن، بعيدا عن الشرق ووحدته.. بل وقرفه فيه.. ما عدا هذا، تبين للزوجة انها اخطأت نوعا ما في حساباتها، فقد اكتشفت خلال الايام التالية ان زوجها اللهواني انما سيعيش على حسابها، فتوجهت اليه طالبة منه بكل ادب، ان يخرج للبحث عن عمل، فالمصروفات كثيرة.. ويد واحدة لا يمكنها تعيل اثنتين.

خرج اللهواني من شقة زوجته حائرًا في ماذا يمكنه ان يفعل في تلك البلاد الغريبة عنه، وللحق نقول انه حاول ان يدخل الى مطعم وبعده فندق ليسأل عن عمل، إلا انه تهيّب ولم يفعل، الامر الذي دفعه للاتصال بأخيه طالبًا منه المساعدة، غير ان اخاه كان قد اغلق تلفونه، فعاد الى زوجته وعلى وجهه اكثر من علامة ضيق. سألته زوجتُه عن سبب ضيقه ذاك، لتواجه بصمت شرقي لا تعرفه، الامر الذي دفعها لإعادة السؤال. حين شعر اللهوني بنبرتها الغاضبة قليلا، خشي ان يصيبه ما اصابه في كل مكان وزمان حلّ فيهما، فأخبرها انه لا يعرف كيف يمكنه العثور على عمل، في مدينة كبيرة مثل دبلن، ما ان سمعت الزوجة المستريبة كلمات زوجها هذه، حتى افترشت وجهها ابتسامة واسعة، وهمست في اذنه الحبيبة قائلة له: ولا يهمك.

في اليوم التالي كان اللهواني يعمل نادلا في مطعم ضخم فاره، ويشعر بثقة لم يشعر بمثلها طوال ثلاثين عاما الماضية، فقد بعث له الله بعد صبر جميل زوجة جميلا وعملا يقيه شر الوحدة والسؤال.

انغمس اللهواني في عمله ناسيا ذاته القديمة، لكنه عندما تذكرها وعادت اليه اطيافها العتيقة، حتى افتعل خلافا كما فعل في حالات اخرى مشابهة مع صاحب المطعم، ليجد نفسه بعدها ينطلق باتجاه شقته وزوجته، اما شقته فقد فتح بابها بالمفتاح الخاص به، واما زوجته فقد اضطر حتى عودتها من عملها في المساء. بعد دخول الزوجة الى شقتها بوقت قصير لاحظت ان زوجها يعيش حالة من الحيرة والارتباك، ولم يمض وقت طويل على حديث الزوجين، حتى اقبلت الزوجة على لهوانيها ضامة اياه الى صدرها الطري، ومربتة على ظهره وهي تقول له: ولا يهمك.

بعد يومين، وجّهت الزوجةُ رجلَها الى عمله الجديد نادلا في قاعة للأفراح، فطار اليها مندفعا باحتضان زوجته الليلي له، واندمج بسرعة كسول مُحبٍ في عمله، ليعافه بعد فترة قصيرة وليتكرر شجاره مع مدير القاعة، ولتأتي النتيجة المحتّمة مغادرة القاعة بأسف.

قضى اللهواني على هذه الحالة مُدة سنوات، انجبت فيها زوجته الايرلندية ابنة مثل القمر، ففرح بها الزوجان، ونسيا مشاكلهما الصغيرة مع وحدة اللهواني وبطالته المزمنة، وعجزه عن التأقلم مع آخرين ممن يتعرف عليهم بهذه الطريقة او تلك، غير ان ما بدا في تلك الاثناء ان فرحة الزوجين لم تدم طويلا، فقد نفرت به زوجته عندما لاحظت ان دمه لا يتحرك، وانه عثر على طريقة مستحدثة، لكن ليست حديثة لمشكلته مع التأقلم والعمل. كان لا بد لها من وضع حد لما عانت منه طوال سنوات زوجها، فقامت بطرده من بيتها شرّ طردة، وهي تصرخ به انها اعطته كل ما بإمكانها اعطاؤها اياه من فرص، وان قدرتها الايرلندية الجبارة.. قد نفذت.

عندها تأكد خيام اللهواني، من ان عقد زواجه قد نفذت مفعوليته، وانه لا بد لها من العودة الى بلاده، شجّعه على هذا ان عددا من اهله ومعارفه، اخبروه انهم اشتاقوا إليه. هكذا عاد اللهواني الى البلاد، وكان ان دعاه معرفةٌ له الى شرب فنجان قهوة في " اروما"، وما ان تناول كلٌ منهما، هما الداعي وضيفه فنجان قهوته، حتى شرع اللهواني بالتحدث عن مكوثه مدة سنوات في ايرلندا، وهو ما شجّع داعيه على الاهتمام به وبما حدثه عنه، فدعاه مرة واخرى... الامر الذي مكن اللهواني من العثور على كلمة السر التي بحث عنها طوال سنوات عمره لعبور ابواب قلوب الآخرين وهي: كنت في اوروبا، غير ان فرح اللهواني لم يدم طويلا.. فعادت حليمة الى عادتها القديمة.. مثقلة هذه المرة بحمل رزين.. من الذكريات.

***

قصة: ناجي ظاهر

انتشر اسمه كالنار في الهشيم بين أفراد جيش المحتل وضباطه كأشرس المقاومين وأذكاهم، فلا أحد من الجند كان يعرف أين ولا متى سينقض عليه الناجي ليتركه  جثة هامدة أو أشلاء متناثرة ويغادر بسلام.. ظل الناجي لغزا واسما ورقما مخيفا ومحيرا ومطلوبا عند الدوائر الأمنية  والعسكرية للمحتل حيا أو ميتا، لذلك طوال الوقت كانت الخطط تجهز في سرية تامة على ضوء المعلومات التي يجمعها المخبرون من أجل رصد مكانه وقتله خاصة بعد أن تأكدوا بأنه لا أهل ولا بيت له فهو مقطوع من شجرة كما قال أحد المخبرين، فيما كان شوق الناجي وانتظاره هو أن يسود الظلام الدامس كل أرجاء القطاع ليتسلل من باطن الأرض كشبح مخيف إلى خيام العدو وحصونه ويجهز على الجميع هناك بلقطة سينمائية لا تتكرر إلا في أفلام الحروب المدمرة... وهكذا تجاوزت شهرته حدود القطاع وفلسطين وامتدت كالهواء إلى أرجاء العالم، وصار كلما شاهد الناس  صور قتلى العدو وانفجار دباباته على شاشات القنوات الفضائية إلا وقالوا إنه الناجي، وهناك من كان يقسم بأغلظ الأيمان بأن بصمة العملية وطريقتها وآثارها هي كلها من تنفيذ الناجي.. وكان  جل أهل القطاع يعرفون فقط قصته، ويجهلون اسمه الحقيقي وصورته، التي صارت نسيج الخيال وأسطورة من الأساطير التي تثير الغرابة والإعجاب، فقد نسي أهل القطاع ملامحه في زحمة الحياة وكثرة الحروب والأحداث وقسوة الحصار وخيانة الجيران، خاصة بعد أن كبر واشتد عوده وتنقل واستقر في أكثر من بلد عربي من أجل الدراسة أو البحث عن العمل وأسرار أخرى لا يعرفها سواه ارتبطت بنشاطه السياسي المحظور، فغابت بذلك ملامح طفولته ويتمه وجراحه عن الناس تحت وشاح الكوفية الفلسطينية ولباسه العسكري، ولم يعد يظهر منه سوى قامته الممشوقة وبندقيته وهو يواجه العدو وجها لوجه . فلم ينس غسان الناجي لحظة واحدة بأن له حساب قديم عند هذا العدو ولا بد  للعدو أن يدفع ثمن هدم بيت أسرته وذكرياته وطفولته فوق رأسه ورؤوس النازحين وأن يكون الثمن غاليا من روحه ودمه، فأصوات الانفجار الممزوجة بالدماء والصراخ والأنين وأنفاس أمه وهي تودع الحياة بجانبه لازال يسمعها لحد الآن ولم تبرد  نارها بعد. وكان غسان الناجي الوحيد من تلك المجزرة الرهيبة التي نزلت على المخيم والأحياء المجاورة له في تلك الليلة الممطرة مع آذان الفجر، فقد حمته يد القدر وهو مازال صبيا لم يلج المدرسة بعد، وأخفته عن نيران طائرات المحتل تحت سارية من سواري العمارة المتهدمة، ولم تصل إليه فرق الإنقاذ إلا بعد يومين من البحث والتنقيب، ونقل على وجه السرعة إلى المستشفى وجراحه مازالت طرية تنزف دما، وكان الناجي الوحيد  من أهالي المخيم الذي سوي بالتراب وسويت معه كذلك كل الأحياء المجاورة له وصار كل من  يرى تلك المشاهد من الأطلال والخراب والدمار يظن بأن التتر مازالوا على قيد الحياة، وبعد شفائه ودفن كل أفراد أسرته وجيرانه وأقرانه في مشهد يصعب على الوصف سلم لمدرسة من مدارس الأونروا لرعايته، وهناك بين النازحين واليتامى ترعرع واشتهر بالناجي بدل غسان الاسم الذي اختاره له خاله تيمنا بالشهيد غسان كنفاني.. ومنذ علم الناجي بقصته ويتمه ورأى جرائم المحتل أمام عينيه، قرر حمل السلاح والإنضمام إلى المقاومة، فأربك بعملياته الفدائية حسابات المحتل وجبروته وأحرجه أمام مستوطنيه وداعميه من الغرب والشرق، فذاع صيته بين المقاومين وأهل القطاع وتجاوز حدود فلسطين وصارت حكايته تروى على كل لسان، فكانت الانفجارات القوية إذا ما حدثت تدون باسمه، وإذا ما وجدت جثت جنود المحتل ملقاة على الطرقات أو بين أشجار الحقول والبساتين  قرب السياج الفاصل يقول الأهالي إن الناجي مر من هنا كريح عاتية ولابد للناجي إذا ما مر من مكان ما إلا وأن يترك أثرا يدل على مروره وثورته، وإذا ما سمعت صفارات الإنذار في المستوطنات والمواقع العسكرية للمحتل إلا ويتهامس الجميع حتى الصغار منهم بأن الناجي هناك وسوف يحرق كل شيء ولن يعود إلى القطاع إلا وقد صار الحدث حديث الساعة، فمن أجل تراب فلسطين ولد الناجي وبعث كالفنيق من رماده واحتراقه مرة أخرى ليظل اسمه  يطارد العدو في كل مكان ويتردد على كل لسان دون أن تطاله عيون المخبرين وبنادق المحتل وكلابه.

***

قصة قصيرة

عبد الرزاق اسطيطو

كانها كانت له في انتظار، ما ان دق الجرس حتى فتحت الباب وما ان دلف الى الداخل حتى وجدها أحضانا مفتوحة لهفة لعناق، وعيونا ضاحكة كزهرات الربيع،كل نظرة اليها تزيده تعلقا بها ورغبة شوق وحنين الى يوم يضمها بيته..

تعلق بسعيد من تعلق أم نظيرة بأختها التوأم والتي كان لها سعيد فلتة حظ مما أصاب الناس من مرض داهم اتى على الصغار قبل الكبار.

حرارة قبلاتها على خده كانت غير ما فاجأه من عينيها و فيهما قد انفجرت صرة غيم.. دمعة تدحرجت من خدها ألهبت عنقه:

ـ ما بك نظيرة؟ ما يبكيك؟

ـ لا شيء اجلس أولا واسترح..

ـ لا ليس قبل ان أعرف ما بك وعليك اطمئن..

وكأنه قد انتبه الى الصمت الذي يرين في البيت فأراد أن يسلي نظيرة عما أحسه يجثم على صدرها من أسى فقال ضاحكا:

ـ "العافية مطفية والقطة مجلية".. أين اهل الدار؟

تجاهد أن تكبت أحزانها ببسمة بين دموعها،تغمض عينيها وعليه تشير بالجلوس أولا..

اللهفة تطويه:"لماذا تبكي نظيرة؟.. وأين غاب أصحاب الدار؟..

ربما قد استثقلت وجودها هنا استثقال الزمن الذي يسير بها كسلحفاة قبل أن تصل مرحلة تتحرر فيها من تضايق الغير بها، فهو من اتفق مع صديقه إبراهيم صاحب البيت لاستضافتها بعد موت أبيها ريثما تصل سن الرشد القانوني والذي ما عاد يبتعد عنها بأكثر من سنة..

رضع إبراهيم في ثدي أم نظيرة قبل أن تزداد ، وكانت نظيرة مع أخته الصغرى اشبه بتوأم يتناوبان على ثدي أمه..

كان المشكل في زوجة إبراهيم،وسواس خناس لشك قاتل،غيرة تفوق الحد وكراهية الى درجة المقت..

كان سعيد يتيما احتفظ بالسكن في بيت والديه، لا يستطيع أن يبقي نظيرة معه ولا ان ينتقل للإقامة معها في بيتها الرحب الفسيح، فما اكثر ما يتقول الناس ويتهمون بلا دليل،وهي رهافة حس ورقة شعور،كان الحل لديه ان يستضيفها قريبهما إبراهيم ريثما تبلغ سن الرشد، فهو اقرب اليها منه رغم الثقة الكبيرة التي القاها أبو نظيرة  على كاهل سعيد فجعله وصيا عليها مبعدا أخاها الشقيق السكير العربيد الذي لا يثاق،وقد سبق ان قضى فترة سجنية نتيجة السكر العلني والضرب المفضي الى عاهة ؛ حرمه ابوه من الميراث الا من نزر قليل وكتب للبنت جل ما يملك خوفا من ان يسطو عليها أخوها اويؤذيها كما آذى أمه الى ان ودعت الى دار البقاء بعاهة في يدها وهي عنه غاضبة "..

كانت نظيرة لا تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، قمحية اللون بقد متناسق ورثت عن أبيها طوله وعن أمها جمال المحيا، أنف صغير جميل وعيون بنية بلمعات فاتنة، غمازة على الخد الأيمن تزيدها جمالا كلما تبسمت، تركت الدراسة مرغمة وهي في سن الثالثة عشرة بعد موت أمها وكان الاب عليلا ضاعف موت شريكة عمره من أسقامه ووهنه ففضلت ان تخصه برعايتها.خصوصا وهو حريص في أكله يرفض ان يأكل من يد اية خادمة بعد أن كاد ابنه أن يسممه فيطرده من البيت نهائيا.

كانت نظيرة تميل كثيرا الى سعيد فهو ابن خالتها، واع بضمير حي ومتيقظ، ينال ثقة جميع الأهل لأمانته وصدقه، من صباها وهي ترى فيه قدوتها وحلمها رغم مسافة الزمن بينهما وفيها يرى أمله المرجى في غد..

تتنهد نظيرة، تضع يديها بين يدي سعيد كما تعودت أن تفعل وكما يحب كلما ارادت أن تبلغه أمرا يهمها أو يهم والدها قبل موته:

ـ انفرط العقد وتشتت الملعب وكنت أنا السبب، من الأيام الأولى ادركت ان زوجة إبراهيم لن تحتملني وان الغيرة تقتلها والشك يفنيها بسوء ظن، هي لا تؤمن برضاعة ولا بأخوة، فايمانها بما يغلي في دواخلها من فقر عاطفي ولهفة على ما في يد غيرها وما ينفثه شيطانها بين تلافيف عقلها واضلاع صدرها من شك وسوء الظن بالناس والذين تقيسهم بيحموم نفسها..

رحم الله أبي رآها مرة تركب سيارة أجرة مع أخي فصار يكره أن تدخل بيتنا وكما كان يردد:

ـ هي نحس ولن تقوم لابراهيم قائمة الا بفراقها، افعى، لا تثاق ولن تموت الا بسمها..

حوقل سعيد وقد شد اليه نظيرة يهدئ مما تتوهم نفسها سببا فيه:

ـ هل تلفظ إبراهيم بالطلاق أم هي لحظة غضب أدت لفراق ؟..

ـ أخي إبراهيم كان في زيارة لماما ، وجد خاله عندها فاصرت أمه أن يظل مع خاله للعشاء، ثلاث مرات وإبراهيم يحاول ان يتصل بفطومة ليخبرها بتأخره، كنت اسمع هاتفها يرن وهي تتعمد ألا ترد ،لا ادري لماذا؟.. لكن حين عاد كان الشيطان قد اوقد ناره في صدرها وأول مابادرته به:

ـ هل كنت تحدد مع أمك تاريخ حفل عقدك على حبيبة عمرك نظيرة؟..

حقد بلا سبب،ومحاولة لاثارتي.. لأول مرة يغلي الدم في رأسي فأحس بالدونية أمام جاهلة لا تقر بمعروف أو تراعي أحاسيس غيرها.. فأتى ردي عليها قاسيا:

ـ اهتمي بعللك النفسية، وازيحي نظيرة  من حساباتك،فليس في عائلة نظيرة من ينكرأو يخالف شرائع ربه..

هنا ثارت ثائرتها حاولت أن تتهجم علي فواجهتها بيدٍ مرفوعة الى وجهها فتحولت الى أخي إبراهيم تمسكه من طوقه حتى خلت أنها ستقتله،قالت:

الآن يمين الطلاق او تخرج نظيرة من بيتي حالا !!..

هي طريقتها حين تريد أن تهيمن عليه بهجومية يكرهها فيتلعثم وينشل عقله عن كل تفكير سليم فيبادر الى تلبية رغباتها بما يحقق ما تريد..

وجاء رد أخي صارما فاجأني دون ان يتردد او يفقد هدوءه:

أنت من سيخرج حالا وانت طالق..

انبهتت والجمت العبارة لسانها، سارعت الى غرفة نومها وأخذت ما استطاعت ثم انصرفت وهي تردد:

ـ حكمت على نفسك وعليها فانتظر !!..

حدثٌ كان منتظرا قبل أن تدخل نظيرة بيت إبراهيم فزوجته امرأة مستبدة بطبعها، غياب النضج، جهل وقلة وعي،تريد أن يسير حكمها على الكل، ورايها تفرضه بلا اعتبار لآراء غيرها، تقتلها الغيرة بشك وهمي يوسوس لها بما هو بعيد عن عقول الناس ، تتمادى في استبدادها كلما كانت في مواجهة خجول حيي كإبراهيم.. ما تأخر طلاقها الا اعترافا بفضل أبو نظيرة الذي قدم لزوجها شقة بثمن للكراء رمزي بعد أن ايقن بتعلق إبراهيم بها وعودتها اليه بعد خصام اثر ادعاء كاذب بحملها..

ـ " ليس طبيعيا أن ينساق رجل بثقافة ووعي كابراهيم الى امرأة جاهلة لاحظ لها من علم الا ما تؤمن به من شعوذة ودجل بهذا الشكل الذي جعل الرجل مسلوبا يجبن أمام صيحاتها وأوامرها !!..

كان سعيد يعرف جيدا عناد زوجة إبراهيم وحقدها على نظيرة وماهي قادرة على بلوغه لا لشيء الا ان الثروة التي ورثتها نظيرة عن أبيها قد تجعل إبراهيم يتعلق بها ويطمع فيها كأنثى غنية،  جميلة قريبة منه، لهذا لن تنفلت نظيرة من حقد زوجة إبراهيم وانها حتما ستفكرانتقاما في اذايتها فان يأتي الطلاق من أجل نظيرة فهذا اعلان باندحارها وهي من لا تتنازل او تستسلم الا اذا كانت يدها هي العليا وامرها مطاع وما خططت له قد تحقق..

ضم سعيد نظيرة الى صدره ضمة خائف على عمره، متهيب من كل قادم قد يعاكس ما يحسه نحوها وما ائتمن عليه:

ـ نظيرة حبيبتي !!.اجمعي كل ما تحتاجينه من لباس وتعالي معي..

تنزعج نظيرة فتسأل:

لماذا؟ والى أين؟ أليس هذا بيت كان في ملكية أبي و ما تركه ابي فهو لي؟ لننتظر عودة إبراهيم قبل تنفيذ أي قرار وأنا معك..

ـ صحيح، لا احد يجادل في ذلك، لكني اخشى عليك من مكر زوجة إبراهيم.امرأة جاهلة لاتؤمن الا بما وقر في صدرها من ضغائن وحقد ومكر..

كانت نظيرة تظن أن يأخذها سعيد الى بيته، أو يعيد فتح بيت أبيها لكنه عرج بها الى بيت عمته..

لايريد ان تفاجئه شكاية كيدية وهي معه أو باطل بشهود الزور أو يلحقها مكر من أحد وما بقي غير شهرين لتتحرر نظيرة من صرامة قانون سن الرشد..

غاب إبراهيم وهاتفه ظل خارج التغطية، بحث عنه سعيد في كل مكان يمكن أن يلجأ اليه،لا اثر..

شاب تربى يتيما التحق بالتعليم بعد الشهادة الثانوية، تصيدته فطومة التي كانت ترافق أمها منظفة في أحد الفرعيات المدرسية، واستطاعت أن تغريه بتحريض من أمها الى أن تزوجها.. استطاعت من خلال علاقة مشبوهة بينها وبين أحد موظفي التعليم أن تضمن لزوجها انتقالا الى أحدى مدارس المدينة لم يقض بها إبراهيم غير سنة واستطاع النجاح في احدى المباريات التي فرضت عليه أن يغادر المدينة الى العاصمة للدراسة، وأمام ما كان يصله من مشاكل تلف زوجته التي لم يصحبها اضطر الى أن يلحقها به..

قبل زفاف سعيد ونظيرة بيومين تناقلت الصحف خبرا مفاده أن قنينة غاز قد انفجرت في أحد البيوت الشعبية،أتت النارعلى صاحبته وقد وجد رجال الإطفاء في إحدى الغرف رجلا مقيدا تحت الأنقاض كان حبيسا لديها اشبه بانسان الكهوف..

في أحد المستشفيات وأمام رجال الشرطة يحكي إبراهيم ماعاناه من تعذيب وتنكيل وهو مقيد بحبال لدى طليقته..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

تعانق  فوق الرمال

دروب السراب

وقد كنت أحثو الشقائق سرّاً

وأسأل سدرا

بأيّ الدروب أسير

تذكرت ليلى

وشوكا يصرّ

صرير الجنادب فوق الكثيب

ونفلا[2] تخطى المديد

يغنّي بعرس الحواء

فيا ليت ريح الجنوب

تُداني إليّ الثمام

وسنطا

تباهى بعطر مثير

فلاعهد بيني وبين الاراك

سوى حرنجوى

تنوء بسر خطير

كأنّي

بنار الغضا

-إذ تنوّرت من أذرعات[3]-

تهشّ الغزالةَ قسرا إلى حيث الحميض يشير

وكم كنت وحدي أظن السراب

كناسا

وشالا حرير

أسيرالهوينى

على الرمل مثل الحواة

على النار

استاف بعض العبير

أماميَ أثل

وخلفيَ سنط

إذن يارمال بمن أستجير

وإني أتابع شوقا

لناي بعيد

يراقص تنومة الشطّ

حين يدبّ الهجير

وقفت على  علقميّ

يلوح عليه الذبول

وثندة هند

يراودها عوسج

وحاذ تراخى

بجنب الغدير

بُعيد اللقاء

تثاءب شيح

وناح حمام

قبيل الغروب

ولم تبد  إلا خيام

لليلى

وأخرى تلاشت كقلبي

وراء القراص

وبوح الضمير

بأول جرح أقابل

لفح  الثمام

وأبقي  العرار

سلوا لقلبي الكسير

أغيب

كما القارظين[4]  دهرا

أفك طلاسم الرمل يوما

ولكن أعود

على رأسيَ الشوك تاجٌ

وعلّيقة فوق كفّي

لعلّ الثمام

ووادي الثّمام الملاذ الأخير

***

شعر قصي الشيخ عسكر

..........................

[1] قبل مدة ترجمت ونشرت قصيدة لأحد الأصدقاء الشعراء الأمريكان جمع فيها عددا كبيرا من الأعشاء والنباتات البرية أو الأعشاب الضارة فأحببت أن أضارعها  وقد أترجمها وأرسل الترجمة له، فجاءت قصيدتي هذه مضارعة لقصيدته .

المديد،، الحواء، الثمام، السنط،، الغزالة، الحميض، السنط، التنّوم، العلقمي، والثند، أالعوسج، الشيح، القراص، العليق كلها نباتات صحراويّة1

[3] إشارة إلى قول امرئ القيس: تنوّرتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عال

[4] القارظان مثل مشهور يتعلق بنبات القرض

ذئــبانِ يَــختصمانِ حولَ حَظيرة

وكــلاهُما كَــشَرَا عــن الأنــيابِ

*

أمّــا الخرافُ تَحيَّزتْ و تَنَاطَحَتْ

كــــلٌّ يــؤيــدُ ذِئــبَــهُ ويُــحــابي

*

ويــقولُ كُــلْ باقي الخرافِ فإنهمْ

باتوا الخصومَ وأنتَ من أصحابي

*

ضَحِكَ الذئابُ من القطيعِ تَعَجَّبوا

بــخــلافِنا قــد صَــدَّقَ الــمُتَغابي

*

نــحن الــرفاق ولن يُـفرِّقَ بــيننا

خُــبْلٌ مــن الــدَّهْمَاءِ والأغــرابِ

***

عــبــد الناصر عــليوي الــعبيدي

الظل خيّال يتمطى في حضن جدار

وانت كائن غريب يمتطي صهو الزمن

يصارع الانواء في سباق مرير مع القلق

مع الشوارع المكتظة بالفانتازيا..

اواني الخزف.. قاريئي المندل..

وبائعي عصير القصب

مزيج يستدعي الاسطورة لرسم لوحة

تصلح ذات البين بين التناقضات

ليتنفس الرصيف الصعداء..

ويتخذ عمود النور قوام كائن غريب

في ريبة.. يرصد حركات العابرين

الانتظار يُجَدّل العتمة

تحت انطفائه المقصود

وانت تقَاطُع افكار.. تَصادُف انواء

في ساحة خالية.. تنتظر اشارات سماوية

تمنحك تاشيرة عبور نحو هدوء نسبي

او تقدمك قربانا لضجيج يطلع

من مقابض الابواب الصدئة

وعلامات الاستفهام المتربصة

ما الموجع اكثر = ان تتوه عن ماواك....؟

او ان تقصده بلا رغبة.. بلا مفتاح

صورة باهتة تتوسل الالوان اختراقها

لتضفي بعض الحياة على هيكل اجوف

غادرته الاحلام.. لتحل في المقابر

وترقص الشواهد انتشاء بانكسارك المعلن

واستشهادك المخذول في معركة افكار

زاحفة.. زائفة.. زائلة

وسط ليل بهيم تتخذ متكأ

قبالة صورة مشبوهة منقوشة

على الجهة الاخرى من منفاك

وحلمة الفراغ تغذيك

حليب الصمت والاستسلام

***

مالكة حبرشيد - المغرب

بيني وبينك ظلٌ

يكشفُ، اني

عانقتك يوماً في السر

فشعرت بأن الظل

يأكل أحشائي..

وينثر أشلائي..

في حقل الصبر

حتى بات الخِلُ

يلازمني في اليقظة والنوم

يحمل صبري ودعائي..

**

ظلان ، هما ملتصقين..

أمام الضوء مفترقان

وظلال تأتي،

وأخرى تذهب في رمشة عين..

والخِلُ يأخذ ناصية المعنى

لا يأبه إن كانت وارفةٌ أغصانُ التين..

أم خاوية لا تجذب عقلاً أو رمشاً أو عين..

**

طيبة أنفاس الخلِ

يملؤها شغفاً بالحب

لا كرهاً،

وتحب العالم كله

وتخاف علامات العمر

وتخشى الظلمة

وتمرح في وهج الشمس

هي والصبح سيان ..

هما ظلان رقيمان

منذ عصور الحب الأولى

لا يفترقان ..

ونظل ملتصقين..!!

***

د. جودت العاني

17/ نيسان/2024

(أول حب ..آخر موت)

بيني وبينك حسابٌ

لم يُصفَ من بنوك الجراح بعد

وخطوط متوازية لم تتقاطع

عند منعطفات المواجهة بعد

وعلاماتٌ فارقة متناقضة

جداً.. جداً

ومساحاتٌ شاسعة

ممتدة

من نهر الحب.. الى جحيم الألم والنكران

*

نقشتك على مرآة قلبي

ولكنك طعنتها

بسكينة

فنزف قلبك دما أسودا

كنتُ أريد ان أغرف

لآليء البحر وأصنع منها

طوق حبنا

ولكنك رفضت

أردتُ ان اضع رأسي

على كتفك

ولكنك

غرزت مخلبك في عنقي

فرحتُ أنزف

على جرف الأمنيات

كان بامكاننا أن نصهل معاً

نحو الأفق الأخضر

ولكنك أطلقت الرصاص

على كاحلي فوقعت

كان بودي أن أُطرز

اسمك بأهداب عيوني

عل منديل عشقي

ولكنك تكبرت

*

تقاسيمك تتموجُ

مع ضوءٍ خافت

في عتمة الباص

وشيطانٌ يحضنُ

الشهوات الحرام

وجوه من الماضي تخترقُ

ستارة الحاضر

وتُلقي السلام على الحاضرين

شخوص من المستقبل

تدورُ وتدورُ

في العتمة

وضوءٌ ابيضٌ

وضوءٌ اسودٌ

في سباقٍ وصراع

إشاراتٌ

من عالمٍ غريب

رغباتٌ بركانية

تتطايرُ

في اجواءٍ مُلتبسة

من هنا وهناك

هروبٌ الى العالم الفسيح

تعقباتٌ، مؤامراتٌ، صفقاتٌ

منذُ الطفولة

منذُ إنبثاق البرعم الأول

منذُ الحلم الأول

منذُ تساقط أول قطرة ندى

على زهرة الربيع

منذُ الجرح الأول

*

جمالٌ بريء يفيضُ

أملاً

في زرع النقاء

في روح إبليس

عبثٌ طفوليّ

يلعبُ بين مخالب الشيطان

فراشاتٌ تتفحمُ بين اصابعه

ودرةٌ في شباك الاحتضار

عناكيبٌ سامة تطربُ

للعرسان

طرحةُ عروسٍ باكية

تمشي باستحياء

وديكٌ روميٌ بذيل

طاووسٍ منفوش

قبلةٌ مرة

رائحةٌ مرة

وعينين مشدودتين

الى الظلام

أملٌ يتضرجُ بخدوش

الشهوة والحب

*

تمضي الأيام وتدور الساعات

ويتعاقبُ الليل والنهار

على مدار 360 جُرحاً

فالسبتُ يتحسر

على يوم الجمعة

والأحدُ ينظر بتوق

الى يوم الاثنين

أما فجر الاثنين

فينتظر بزوغ الشمس

عسى أن نُلصق المرآيا

المكسورة

ولكن

تمضي الفصول بخطاها الثقيلة

ألماً

لوردةٍ تفتحت قبل أوانها

يجُر البحرُ أذيال أمواجه

خيبة

لسمكةٍ تتخبطُ بين الحياة والموت

عند شاطيء النسيان

كؤوس تُكسر احتفالاً

برجولةٍ كارتونية

ودور الفارس لا يليقُ

بعابث الزمان

وبكارةٌ تبكي حظها العاثر

في الحياة

وأنا حاضرة للانتقام

***

سميرة عباس التميمي

ضَواري الدِّينِ يَنْتَهِجُونَ وحْشَا

ويَبْتَهِجونَ إنْ نَهَشُـــــوهُ..نَهْشَا

*

و(بَنَّاؤُونَ أحرارٌ) مطـــــــايا

ليَرْكَـبَهُمْ (...) مُؤَخِّرَةً...وعَرْشَا

*

ويَرْتَكِبُونَ أفْـــضَعُ مــالديهمْ...

طَوِيَّتَهُمْ تَغُـــضُّ الكُفْرْ حَشَّـا !

*

ويَنْتَحِلونَ باسْمِهِ وجْـــهَ مَلْكٍ

وَصِـــــيٍّ خَصَّهُ اللهُ ووَشَّـــى

*

وأَلْهَمَهُ التُّقَى وحَبَـــــــاهُ نوراً

يُظِلُّ الناس..يُغويهمْ..ويَغْشَى !

*

يَدينُ بــدينِ (لُــــــوبِيٍّ) خَبيثٍ

ودَيْدَنَهُ الفَــــــــوائِدَ والمُعَشَّى

*

يَخِيسُ بِعَهْدِهِ أبـــــداً ويَرْمي

سِوَاهُ بالتي تُـــــزري وتُخْشَى

*

هُمُ الجاني الذي يَجْني ويَنْجو

بِفِعْلتِهِ..ويَحْمِـــلها (ابنُ أَغشَى)!

*

لهُمّ في صَفْقَةِ القَرْنِ (قُرونٌ)...

أباحُـــــــوهُا لِواذَاً حين هَشَّ !

*

وزُمْرتهم دمـــــــــــاءٌ أفسدوها

بفيروسِ (الريالِ) وقد تَفَشَّى!

*

سَـــلو الأوطـــان مَنْ رَوّعْ بَنِيهَا

وأَهْدَرَ دَمَّــــــهَا وازدادوا فُحْشا

*

فلولاهُمْ لَمَـــا دَامَــتْ لِطَــاغٍ...

يسُومُ حيـــاتنا خَسْفَاً..وبَطْشَا

*

أضَـاؤُوهُمْ بـ(قَيْنَاتِ) الليـالي

يُدَفِّئْنَ التُّخُوتَ... يَطِبْنَ رَعْشَا

*

يُعاقِــــرْنَ حُلُومَهُـــــمُ اللـواتي

عَقَرْنَ سُؤْدُدَاً... وأَعَقْنَ... جَيْشَا

*

وشعباً يَسْتَدِيٰنُ حُقُوقَهُ: ماءً...

دواءً...كَهْربَاءَ... هَــــــلُمَّ نَعْشَا

*

وتَعْليماً... وتنميـــــــــــــةً توارتْ

وإنسان النُّـــــــزُوحِ يَرُومُ عُشَّا !

*

ضواري الدِّينِ يَصْطادونَ عَكْرَاً...

ويَلْتَهِمُـــــــــــونَ دُنيانا..وإنْشَ!

*

مَـــــــــآرِبهمْ إلى اللَّـحْدِ..وأُخْرَى

مِنَ المَـهْدِ تَرُومُ العُمْرَ  قِـــــرْشَا!

*

فَصُبـــُّـــــوا فوقهُمْ زَيْتاً...أَسِيْدَاً

وذُرُّوا رَمَادَهُمْ في الريـــحِ نَفْشَا!

***

محمد ثابت السُّمَيْعي

 

تبدو الفتاة قلقة حياله.. والسؤال الذي يبقى ملحا داخل راسها لم تنطقه بعد أمامه.. فهي تلوذ بالتأني.. كانت تنتظره كل يوم بعد عودته من نهار عمل مضن من خلال كوة في غرفتها دون ان يلاحظ ذلك الترقب وتلك القطرات المتساقطة من مسام جسدها الرقيق في نهار تموز اللاهب.. لقد غدت تدور في أفلاكه ولا انفكاك منها وليت الزمان ينصفهما ويلم شملهما دون عناء..

بضفائرها السود وعقد يطوق جيدها ونظرة عينيها الصغيرتين الحادتين تبدو أجمل صبية رأتها عيناه.. عشتار (كما يناديها) أضناها تعلقها به ولوعة روحها.. لكن أحلامها تبقى نقية..

فقد قال لها يوما ان قاربنا لن يغرق أبدا وستجري الرياح بما تشتهي السفن ولن تبقى لهفتنا مضطربة في غد.. وهي تصدقه تماما لكن في دواخلها تسكن أفكارا مرعبة لا ترغب ان تبوح بها أمامه..

جرأته وحماسته أزاء الأحداث في ساحة التظاهر وازاء البطالة التي رافقته منذ سنين عالقة بمخيلتها.. فهي تقف بين نارين كليهما يعذب روحها..

براءتها تروي قصة شقائها انها تهرب منه واليه..

ومن الحاح اسرتها وسعيهم لتزويجها دون يعرفوا سبب رفضها.. فهذا زمن تتفجر فيه صخور الارض لمعاناة الارواح المثقلة بشظف العيش..

فكان التظاهر وسيلة العاطلين الوحيدة ليطالبوا بحقوقهم بعد تخرجهم من الجامعات.. فقد اكلت معاول السنين أجمل محطات أعمارهم الفتية ونبذتهم ساحة عمال البناء وذاقوا لهب سياط العوز والفاقة..

عشتار مصممة ان تمضي بانتظارها دون ان تضل طريقها.. لكنها تتوجس خوفا من اجله انه يسلك طريقا وعرا وإنها ابدا في قلق مريب.. حين يلقي قصائده بين حشود اقرانه.. وبين حشود المتظاهرين.اشعاره تلهب حماستهم ليطرقوا كل الابواب المؤصدة امام ربيع صباهم.. وكما يقول سيد البلاغة ( الفقر في الوطن غربة )..

في سوق المدينة تسحب غطاء رأسها برقة وتأنٍ وترمقه بنظراتها الوله وهي تتهجى حروف اسمه مرارا في سرها وتتعمد ان يراها.. خطواته المتعثرة تنبئها بلهفته وشدة شوقه.. تبتسم له بغنجها المعهود وتمضي.. وكيف تفضح سر قلبيهما وان يشاع خبر قصتيهما..

ستجبر بالتأكيد على زواجها عنوة من أي طارق يتقدم لخطبتها.. وربما لا يتقدم لخطبتها أي رجل وتلك هي سمة تقاليدنا والعشائرية التي غدونا نسبح بفضائها عند ذاك يتهاوى قطار عمرها سدى..

في المقابل هناك في ساحة المدينة حيث يتجمع الفتية.. لم ينتبه الفتى الى ما حل بقدميه الحافيتين وقميصه المتهدل وهو يدس جسده المتهالك وروحه الهائجة بحماسة آمالهم الضائعة وغير آبه بمن قضى نحبه في هذا المكان.. .. فهم لا يمتلكون صخرة يستندون اليها ولا حتى قريب ذو نفوذ يسندهم بعد الله سبحانه وتعالى..

حتما سيكون التظاهر وسيلتهم الوحيدة وعزاء نفوسهم للتعبير عما يجول بخواطرهم المتعبة ومعاناتهم الأبدية مع الفقر الذي عصي الفكاك عنهم..

تقول فتاته.. يا لدهشتي ظننته لا يقوى على حمل جسده وسط حشود المتظاهرين.. كان الفتى يفتح ذراعيه واسعتين لإحساسه بوجع يدفعه بإرادة لم يشعر بها من قبل لكنه لا يعرف كيف يصفها لحبيبته التي تؤنبه وتخاف عليه من الأذى وترفض ان يندس بين تلك الحشود الصاخبة وهي تسمع وترى عويل الامهات الثكلى وأنين الحبيبات.. الخوف يملأ قلبها الغض دائما وأبدا من أجله..

كان التفكير بالهجرة أمرا واردا بالنسبة له.. لكن ذلك قبل ان يعرف تلك الحبيبة التي شدته لجذور هذه الأرض.. انها المرأة وهي الحبيبة والوطن..

أما الصبية.. فكانت تراقب سنان الرعد والغيث الهاطل.. أمانيها الموحشة يتسامق فيها العوز والضجر ولحظاتها أشد قسوة مما يعانيه فتاها فهي مثله غدت جليسة الدار بعد سنوات المثابرة لسنين خلت فهي تعيش ضمن أسرة كثيرة العدد قليلة المورد تشكو العوز هي الأخرى.. فلا منقذ لهما سوى مصباح (علاء الدين )..

تطفح حمرة على ملامح وجهها الأسمر وهي ترمقه بنظراتها المتفائلة.

فاجأته بضحكتها الخافتة وهي تسأله بشيء من الخجل : ما الذي يجري هناك في تلك الساحة.. ؟؟؟ وهل هناك نتائج بشرى قادمة.. ؟؟؟.. اتمنى المشاركة بالرغم من هواجسي وخوفي ولكن اهلي منعوا تواجدي هناك فهم يعرفون أساسا ليس هناك من يحترم انسانية الانسان وحقه في التظاهر..

أجابها بحماسة.. الشمس وحدها تعرف ضراوة المشهد وحماسة القلوب التي تحترق هناك

انها لحظات تعسر فيها الطلق وصراخ الوليد..

.. قالت : تقودني محنتي الى اسئلة كثيرة..

***

قصة قصيرة

سنية عبد عون رشو

أشعُر بمللٍ خطيرٍ يُبعدُني عنكَ

هل بعتُ للأسابيعِ دماء شبابي

وأمضيتُ خيرةَ أيامي في احتسابِ

جنونكَ؟

أستحق أن أكون حبيبةً

تُمطرِها مراسيلُ قد تأتي

وأغانٍ نسجَتها الرقةُ وفقَ حُروفي

فأنا أخافُ أن أكبرَ دونَك

وأظل شجرةً معمرةً يبعثرها الندم!

*

ما زلتُ أرتِّب في ذهنيَ صغارا منك

وأعِدُ حبالَ غسيلي بقمصاِنك

لأروي في ليل الوحشة

حكاياكَ على رفوفِ مكتبتي لتنامَ

هكذا ..

أُعِدُّ الشايَ كوبينِ كالعادةِ

أشربُهما وحدي!

عفوًا

نافقت كثيرًا كي أبدو أقسى ..

وبعد سنوات

قد أتعب ... قد أهدأ

وأنفي أُنشودةَ قلبي

الى وادٍ ذي صمتٍ

وأغلقُ على ملامحِ وجهِكَ بوابةَ أحاديثي

لأقفَ أمام المرآة ككل مساءٍ:

أشتُمك وأبكي!

***

سمرقند الجابري

دعْنا سيِّدي

نوشم الحُرُوف بحْرَ نار

ونكفُّ عن هدْرِ

قسَمٍ وفَيضِ عار

ونكْسو ليلنا شِراعَ حبرٍ

واختصار...

*

دعْنا نتفق أوْ لا نتفق

دعنا نُهدي الراهبَ

سبْحةً وزنّار

دعنَا نشْهِر عيدانَ الصنَوْبر

ونقبِّلُ سيقانَ فجْر يتبَخْتر

دعناَ نكسو خريفنا ألْواحا

وَدُسُر

دعنا نوقظ ذكرَياتِنا

المعَطَّرة بصحْوِ الغُبار

ونحفِرُ شقوق

العمر

نسائِلُها أيْن خبَّأت أعْقاب الثأر

حبلاً من دمعٍ منْهمر

وطاعونا منتشر؟

***

لطيفة أثر

 

كُلَّ صباحٍ كانُوا يجتمعونْ

مِنْ أولِ جارٍ

حتّى سابعِ جارْ

يَجْتَرُونْ

ما سَمِعوا مِنْ آراءٍ أو أفكارْ

ويُغَنّونْ

أغربَ ما حَفِظوا

مِنْ حِكَمٍ أو أشعارْ

ذاتَ صباحٍ

أكْبَرُهمْ سِنَاً قالْ

منذُ عقودِ نحنُ نُكَرّرُ  ما نَسْمَعُ

فلماذا لانُبْدِعُ

في الصّبحِ التالي جاؤوا،

كُلٌّ منهم يَحْمِلُ قيثارْ

عَزَفُوا ..

عَزَفُوا ..

لَمْ يُعْجِبْهُمْ لَحْنٌ

كَتَبُوا ..

كَتَبُوا ..

لَمْ يُعْجِبْهُمْ شِعْرٌ

عَزَفُوا .. كَتَبُوا

كَتَبُوا .. عَزَفُوا

وجدوا اللّحْنَ ولكِنْ

لَمْ يَجِدُوا

ما يُعْجِبُهُمْ مِنْ أشعارْ

.......................

.........................

قالَ الجارُ التّاسِعُ

إنّي لَمْ أحضرْ مَعَكُمْ

لكنّي كُنْتُ أتابعُ

وأنا صوتي قَدْ بُحَّ،

ولا أحدٌ يَسْمَعُ :

إنَّ الأشْعارْ

تَختارُ متى تأتي

لا الشّاعِرُ  يختارْ

***

شعر: خالد الحلّي - ملبورن – أستراليا

 

منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟

منْ يُوقظ بِداخلي أصْوات ناياتٍ قديمَة

نامتْ بينَ كلماتي المُبْهمة، حِينَ

خَرَّ لِساني

حَجراً..

منْ

شرْفةِ

المَعنى؟

*

أنا مِثلكَ أيًّها الرِّيحُ المُتعبُ بالصَّفيرِ

وغُبار الحكاياتِ العِجافِ

لا وِجْهة لِي فِي أفقٍ ضيق يُلوِّحُ

لِصمْتي..

بِاليقظة.

*

وَأنا مِثلكَ أيُّها الصَّدى الخائفُ منْ،

امتدادِ هَمْسكَ بِلا صَدى...

قادمٌ أنا، منْ هوامِش مُدنٍ مُهمِلة

لمَداخنِ بُؤسِها

أصدُّ عَني كُل مَنفذٍ لِلتحْليق بَعيدا

بَعيداً عَني.

فهلْ كانَ مُقدَّراً أنْ

أراني مُعلقا طيراً دَبيحا

بيْنَ ثقوبِ شِباك المَاضي

وَظلالِ الحَاضرِ

الغائبِ فينا.

*

الصَّمتُ ..

ثقيلُ الوَطئ على العيْن النائمَة

حينَ يهُبُّ صَقيعا مُنتشيا بِفقْدِ

تفاصِيلنا الصَّغيرة للدفْء

نرُش مِلحَ الخُطواتِ عَلى

ثقوبِ الذاكِرة..

فلا الكلمَات العَابرة بالأمْنياتِ تكفي،

لإعادَة ترتيبِ هواءِ غُرفِنا البارِدة..

النافِذة اليتيمَة؛

مُغلقة بِاستمرارٍ في وجْهِ الجِدارِ الرَّطب.

المِصْباحُ الواهن تدلى بِلا لون،

فوْق مِزهريةٍ ذابلةٍ من

عطشِ الذكريات.

وَكرَاسي الخشبِ الأثريةِ تآكلتْ

منْ فرطِ النسْيان.

*

ينْبُث الصَّمت في الأعينِ

كفطرِ حديقةٍ بلا بَاب.

أجَرْجِرُ خيباتي منْ أحداقِ يوْمِياتي المُتلاشية.

أخشى الأماكنَ المُغلقة.

لمْ أعُد أكبُر فيها إلا لأشيخَ سَريعا

طِفلا لا يتذكرُ سِوى

أرْجُوحتهُ الخَشبية المُكسرَة.

*

مَا كانَ عليَّ التفكِير فِي الكلام.

عُدتُ نِصفَ جُملةٍ مُبْهمة..

نِصفَ نظرةٍ بِلا مَدى..

نِصفَ حياةٍ بلا حَياة..

*

وارْتمي بِما تبَقى مِنْ جَسدِي الحَجَري

في غياباتِ جُبِّ الحَيْرة،

منْ صَمتي المُحتمَل

أنهُ صوْتُ ذاكِرةِ الحَنين إلى لغَة..

لغَة

بِلا

مَجاز...

***

حسن حصاري

هي ذي

فراشات وقبرات

الحقل الحزين

تستنشق عبير

نرجسات وبنفسجات

الحقل الاخضر

مادة اجنحتها

صوب مدارات

قوس قزح

الصباح

والشفق الازرق

وصوب احلام

وامنيات

ورؤى

الاوزات الحزينات

والمهجرات

صوب شواطيء

احلامها وامنياتها

وهي ذي هي ذي

خيول البرق

الحزين تعزف

على قياثر

احلامها

ورؤاها

لحن البنفسج

لحن الخصب

ولحن المطر .

***

سالم الياس مدالو

 

لحسن ظنّي

أودعت للريح

حلمي

متناسية

ما قالوه ذات يوم عنها

لتقذف به

إلى حيث

لم تشته سفنه

آه يا حلمي الوديع

*

إياكم والتفريط

فليس في كل مرة

تجود النفس بحلم

ومعذورة

فقيصرية ولادته

تجعلها تفكّر مرات ومرات

*

لأن الحُلمَ

حلمَ أن يحلّق

وأسقط عن باله

أن الفضاءات

زادها كابوس

وزوادتها مقصلة قانية الشهقات

*

انتزعتهُ عنوة

قاذفة أياه

في دوّامة

تضجُّ بأنين لأحلام

منتزعة عنوة

من عالم مسكون بالأحلام الوديعة

*

ليته لم يحلم

وليته أدرك الحقيقة

لادّخر كل هذا العناء

ولمنح

حلمه نزرا من الهدوء

المدّعى

***

ابتسام الحاج زكي /بغداد

 

يا وهماً

ما زال يرافق ظلي ..

خلصني من صمتي

ومن ذروة أحلامي

اسكبْ في قلبي شيئاً منك

يشاغل همسي ..

وانشرْ في دربي سراباً

واحفرْ في قلبي قبراً لهمومي..

لكن لا تحجب عن عيني ضياء الشمس

ودعني أدور هياماً بين نجومي..

أٌحَلِقُ مذهولاَ في مجرى سديمي..

فأنا لا أحفل

إن كانت نفسي

تحلم في وهم يجتاح وجومي..!!

***

د. جودت العاني

12/04/2024

(كابوس في ليلة مقفرة)

تحت سقف غرفتي

صوت المطر يصفع نافذتي

كأجنحة طائر

وبين إصبعي وإبهامي

ظلال كلمات تعانق الأوراق

تتمايل

تقطع الزمن المعتق بحبر وأفكار

تترنم بلحن هادئ

بين سطورٍ  بور

حيث كنت أريد أن أكتب.

إنها أناملي تبحث عن قلم الآن

لأرسمُ الكلمات وأراها تستقر

عبر سنين القراءة

متمايلةً بإيقاع بين الجُمل

حيث أريد أن أكتب.

على حافة الورقة

الفكرة تلوذ خلف ستار الكلمات

مُتخفية،

ومُرتبة بدقة

بينما أقتلع الأفكار العميقة

أدفنُ النقاط الجزلة

عميقاً لأبعثر معاني جديدة

معجبة بحدتها الباردة بين سطوري.

كان إلهامي

ماهرًا في العمل بالقلم

تماما مثل صانع متمرّس

أو معلمي القديم

كان بإمكان معلمي أن يسطر من المعاني

في يوم واحد

أكثر من أي كاتب آخر

ذات مرة حملتُ إليه الأفكار

في دفتر

له غلاف غير مُحكم

نهض ليستلهم

ثم انهمك لفوره

يكتب بمهارة يطرحُ الأفكار

بحثاً عن الجوهر.

في دمي رائحة الحبر البارد

تسري

ونبض الابداع الخفي

للكلمات العصية

وروح فكرة

كلُّ هذا يُبعَثُ في ذهني

لكنني لا أملكُ قلماً

لذا فكرت أن أزرع نبتة

لتورق غصنا

أكتب به.

***

ريما الكلزلي

 

نَـصْبُ الـحُريّـةِ والـنَـصْبُ

زَيْــفَــانِ وبـيـنـهــــما دربُ

*

زيْــفَــانِ قـامــا في بــلَـــدٍ

بـهـما الـصهـيـونيُّ يَـلِـبُّ*

*

لا حَـــدٌّ يُـرضي شـهـوتَـهُ

عَــرمُ الـســاديِّ بـه يـربـو

*

مُــذْ كان وكانتْ أمـريكا

في مـنهجها قـامَ الـرُعـبُ

*

أمـريكا فـيـها مـا فـيـها

والـمـسـتـثنى الرقمُ الصعبُ

*

أربـابًا سـادوا في الـدنيا

والـشعبُ الـمُـخـتـارُ الـقـلبُ

*

والـطُهرُ شِـعارًا تَـحمِلُـهُ

والـعِهرُ الـديـدنُ والـكِـذْبُ

*

أمـريكا الـشـيطانُ تَـجَـلّى

قِـدّيـسًا شـاكَـلَـهُ الـغَــربُ

*

وعـلاقــتُـهُـمْ لـيسـتْ إلّا

جَـــزّارًا يَـتْـبَـعُــهُ كـلـبُ

*

أمـريكا لـيـسـتْ أمـريكا

أهـلـوها سُــكّـانٌ غُــربُ

*

أمـريكا مـاخورًا أمـسـتْ

في مـنـهجها هـذا اللـعـبُ

*

والـحـاكمُ فـيها مطبـوعٌ

وطـبـيـعَـتُـهُ دَغِـــلٌ ذئـبُ*

*

وعـلـيـهـا أَسَّــسَ دولـتَـهُ

مـفـهـومُ الـحُـريَّـةِ سَـــلْـبُ

*

كي يـبقى ســيـدَها الـسامي

بِـمَـعـيـتِـهِ يُـحـدى الـركـبُ

*

ورضـاهُ خِـلْـعَـتُـهُ الأسـنى

يُـعـطـيها مَـنْ فـيـهِ الكـسـبُ

*

في غَـــزّةَ بـانـتْ عَـوْرَتُـهُ

وعـلـيـها قـدْ صـار الـضـربُ

*

في غَــزّةَ طـوفـانُ الاقـصى

هَـدَّ الـحُـــلْــمَ وفـيـه تَــبّــوا*

*

طـوفـانُ الأقصى عَـرّاهـا

وبِـحُــكّامٍ جــــابَ فَـجُــبّـوا*

*

أعــرابًا لا عُــرُبًـا كـانـوا

عـاشــوا بـهَــوانٍ وتَــربــوا

*

فــــالآلُ آلَ لــمَـــوئـلِــهِ

أ يـعـيبُ الـمعـيوبَ العـيـبُ

*

حُـكّــامٌ هـــذا مــا يــبــدو

خُــدّامٌ هــــذا مــــا خَــبّـــوا

*

أوغــادًا قـامـوا أو قـعـدوا

أجــلافًـا هَــبّــــوا أو دَبْــــوا

*

نَـتَـنًا فـاحوا زَبَــدًا طـافـوا

وهُـــمُ الاشــنـانُ إذا لـبّـــوا*

*

خُـدّامًـا قـدْ عَـرِقـوا فـيها

أزبـــالًا حـــقُّــهُــمُ الـكــبُّ

*

يا لـيلُ الـصبحُ متى يـبـدو

في دُنــيـا يَـحـكـمُـها خِــبُّ*

*

نـصـبُ الحُـريّـةِ والـنصـبُ

أمـريـكـا الــعــجــلُ لـهـا ربُّ

***

الحاج عطا الحاج يوسف منصور

الدنمارك / كوبنهاجن

الثلاثاء في 9 نيسان 2024

.........................

* يـلِـبُّ: يُـقـيـمُ

* الدَغِل: فاسد الطويّةِ

* جـابَ بينهم: بمعنى دار بينهم

* الوأدُ: هو الدفنُ ووئـدَ الـحلمُ أي دُفِنَ الحلمُ  

* تـبّـوا: أي هـلـكوا

* جُـبّـوا: أي صاروا بلا رجولة

* لاشنانُ: الطُحلُب ولبّوا بمعنى  استجابوا

* الخِـب: الـمُخادع

 

وترحل

على حينِ غفوةٍ

كانفلاتِ الحُلم على عتبةِ الصحو

كأنك ما جئت

ولا وطئت قدماك أرضَ دهشتي

*

ثمةَ بقايا مِن صخبِ أيامنا معاً

لا تفتأ تُنكلُ بي

بين الفينة و الأخرى

وسؤالي الذي ما أمهلتني

باقتلاعِك من صدري عنوة

على حين غفلةٍ

مِن شروقِ شمسي على جبين قصتنا

لماذا؟

لم تأخذْ ذلك الطريق المطوي القابع

على شُرفةِ روحي؟

يُطالعني بعيون الهاوية

يحرمني القُدرةَ على السير ِمُجدداً

*

لمَ لمْ تُعِدَّ  لي  فنجان  قهوتي؟

و مِن غيرِ سُكر

أحتسِيه على و قعِ خطوات تجاهلك المرير

و اتوشحهُ لحظة حِداد

و أنت تدقُ المسمارَ الأخير

في نعش ارتعاشاتي

عندما تسقيني قُبلةً

في وسطِ نصوصك المترامية الأطراف

على جسدِ القصيدة

*

من للصباحاتِ التي لن تنجلي

فعيوننا غامت بسحابةٍ ما أمطرت

و تحجرت ما بين بردك و احتراقي

ما بين أوراقٍ و قصة مقدرٌ لها

الا تكتمِل

*

وتركتَ ذاك الباب موارباً ...

*

أنا لن أغادر

لن أعلن العصيان يوماً

على وحي نبوءتي فيك

سأتوضأ كل يومٍ

ببيتين من الشِّعر

وأصليك  بقُبلتين

على ضريحِ الملامةِ

و أزرعك وعداً

وسط أهوال الفجيعة

*

سترومني ...

تشتاقُ وجهي بين الاَف الجميلات

وترومني ...

وثرثرةَ  الليلِ كأسٌ من شفاهي

يُراقص ُ النشوة غواية

يمنحُ الأرواح َشيئاً مِن حميمِ الإقتران ....

***

أريج محمد احمد - السودان

من ديوان "منازل الوجد"

 

تعالي في كُلِّ الأوقاتِ

تعالي صَيفاً وشِتاءً

تعالي برقاً ورَعداً

تعالي خريفاً وربيعاً

فكُلُّ الفصولِ بكِ تليقُ

ولأجلِك تنحني الحُروفُ

تعالي برداً وزمهريراً

تعالي ثلجاً أو مطراً

فذلكَ لا يعنيني

لأنَّ كُلَّ المواعيدِ

لكِ تُناسبُ

وكُلُّ الأوقاتِ تُصيبُ

إن جِئتِ َتجَهُّماً أو تَبسُّماً

بصحبةِ ضِحكةٍ أو برفقةِ هَمسةٍ

أو حتَّى بنحيبٍ

تعالي صحواً أو غيماً

شمساً أو قمراً

لا يشغلني كيف تأتين

لو جِئتِ مثلَ العواصِفِ مُكفهرِّةً

أوفي سكينةٍ مثل دَعَةِ النَّسيمِ

تعالي بأغلى الفساتينِ

أو بأرخصِ الثِّيابِ

تعالي مِن غيرِ مواعيدٍ

ومن غير إشعارٍ ولا إعلانٍ

خلخلي كُلَّ المواقيتِ

وحَطِّمي كُلَّ الأوزانِ

فلا اختلالٌ ولا نكوصٌ

يُغيِّرُ مقاييسَ الهُيامِ

من أجلِكِ صَنعوا التَّقويمَ

واخترعوا حِساباتَ الأيامِ

لا تقرري أبداً حُكمَ الغيابِ

من غيرِ لِقاءٍ

ففي النِّهاياتِ يا حبيبتي

تموتُ الرُّوحُ

وحينها يكونُ الفناءُ

وما الحياةُ بعد الفُرقةِ

سوى احتسابُ أوراقٍ

لِما تبقَّى لنا

من جحيمِ الأحزانِ

كيفما شئتِ تَعالي

ولَكنْ لا تأتي ابداً كي تقولي:

وَداعاً

على البابِ ينتظرُني

وحشُ الغيابِ

***

جورج مسعود عازار

ستوكهولم السويد

هادئة ٌ جدا ً كمقبرةٍ ..

لا تسمعُ فيها

نأمةُ همسٍ

في سكرةِ موتٍ

لمحتضرٍ

تُهمسْ

**

ولا تُرى فيها

دمعةٌ في مآقٍ

في لحظةِ رعبِ

تتحجرْ

**

بينَ الأسوارِ

صليلُ سيوفٍ

صخبُ حديدٍ يتكسرْ

**

في المملكةِ - المقبرةِ

أشباحُ رجالٍ عميٌ

أمواتٌ لكنْ ينتحبون

بومٌ كسيحٌ أخرسْ

ينعبُ ليلاً ونهاراً

**

حُراسُ المقبرةِ

سُكارى نِيامٌ

والعَسسُ

على قدمٍ وساقٍ

للذبحِ  قيامٌ

**

شمسٌ تظهرُ فيها

للجَوعى في الليلِ

كقرصٍ شاحبٍ

وقمرٌ قبل بروغه

يأفلُ بطعنةِ خنجرْ

*

حدودُ المملكةِ رُسِمتْ

برمادِ ألأجسادِ

وشعارات المملكةِ خُطتْ

برشقات دم

على كفن

بحروفِ لغةِ الأجدادِ

أسرقْ أرضاً

واقتلْ شعباً

فأنتَ تُنفذُ

وصايا الربْ

**

تاريخُ مملكةِ قابيلَ

قديمٌ جداً

قِدمَ أبليس

حينَ عصى

وتكبرْ

**

حكماءُ المملكةِ

بكهفٍ سريٍ

يتوارونَ

بأساطيرِ التاريخِ

وبكتابٍ مرقومٍ

يقرأُ  آناءَ الليلِ ..

وأطرافَ النهارِ

يُرددُ ..  يُتلى

كلَّ صلاةٍ

لإلهٍ غاضبْ

يتوعدْ

**

الموتُ كأسُ زؤامٍ

يوزعُ فيها

مجاناً

**ً

أو يأتي سحباً

أشتاتاً ً

في لحظةِ نحسٍ يتلبدْ

ينزلُ ً ناراً

تنهمرُ أحياناً زخاتٌ

أو تنصبُ جحيمٌ

في كلِ الأوقاتِ

**

قرعُ طبولِ للحرب

تقيمُ الأمواتَ

ونفخٌ أكاذيبٍ

في بوقِ لا يهدأُ..

**

أترانا

في مملكةِ قابيلَ

قتلنا بأيدينا

آخرَ حلمٍ

بمدنِ اليتوبيا

يتوبيانا

التي حلمنا فيها

منذُ الفِ سنةٍ

بيضاء ..

***

صالح البياتي

...................

* ليست بمكان معين على خارطة العالم، ولكن قد تنطبق أوصافها على اي نظام سياسي، وقد تكون الدستوبيا، البديلة لليوتوبيا؛ حلم الفلاسفة الطوبائيين.

 

تصاعدت المعركة الخفية بيننا نحن المستخدمين وبين مدير المؤسسة.. رويدا.. رويدا، حتى باتت لا تطاق وكان مديرنا ذكيا ايضا.. الى درجة يصعب على بشر تعملها، فقد كان كلما وقعت عينه على خطأ او خُيّل اليه انه خطأ، يضع يديه على خاصرته ويرسل نظرته عبر نظارته الطبّية لائما ومحذرا: ":مش هيك بتصير الامور. مرة ثانية مش راح اسكت.. انتوا مش ولاد صغار".. وكان يستعمل اللغة الفصحى ليقلع بها عيون معرفتنا: "ها انذا قد انذرت.. وقد اعذر من انذر. لا ملامة علي اذا ارتكبت غدا حماقة قد تجعلكم تندمون عليها وعلى سببها التافه".

اما نحن فقد ابتدأنا بتقبّل وقائع مديرنا الحربية معنا، اولا بأول.. حتى باتت واحدة من عاداته اليومية، الغريب انه كان بين الفترة واختها يمسك شلّ واحد منا، والطريف انه ابتدأ بأضعفنا، فنزل عليه لوما وتقريعا امام الجميع، الامر الذي ترك اثره الواضح علينا.. وقد استمعنا اليه وهو يقول هكذا بإمكاني ان اقول لكم إنني علمتكم درسا لا يمكن نسيانه بسهولة.. درسا سيريحني قليلا من التعامل الصعب مع حماقاتكم الكثيرة.

"لن يريحه هذا"، قال اكثرنا جرأة واقداما، صحيح اننا نحن بحاجة إليه لكنه هو ايضا بحاجة الينا، وحتى لو انه يشغّلنا تكرما وتمنًا، فانه لا يحق له ان ينتقص من كرامة اي منا، وشد على يده مصرا على اسنانه المتراصة وراء شفتيه كاللؤلؤ المنضود:" عليه ان يعلم ان هناك فرقا بين ادرة العمل بصرامة وبين الاهانة"، وطلع عن طوره وهو يهز يده تعبيرا عن غضبه الجارف: احنا مش ولاد مرته.

في اليوم التالي مباشرة، جاءنا مديرنا فارعا دارعا، وراح يتهدّد ويتوعّد: لازم تعرفوا إنا بنشتغل في مؤسسة محترمة والها اسمها النظيف. انا مش ممكن اوافق على فلسفات البعض لما بفرق بين الصرامة والاهانة.. لا بالله.. بعدين انا بدي اعرف مين المدير هنا.. انا.. والا هو؟ ما إن قال هذه الكلمات وولّى، ربّما كي لا يستمع الى اي ردّ منا، حتى نظر كلّ منّا في وجه الآخر، كأنما هو يريد ان يسأله عمّا اذا كان هو الواشي.. ورنّت كلمات المدير عن الصارم والواشي في اذاننا رنين اجراس بلدتنا عندما تنطلق صاخبة بعد موت احد ابنائها.

بعد هذه البهدلة، وذلك الشك، لم ننم في الليل، فراحت التلفونات ترنّ في بيوت كلّ منا، مَن تُراه الواشي؟، وهل نحن نعيش في امن وامان.. ام لا، الخائن يجب ان يلقى عقابه، هذه المرّة لن نترك الامر لبهدلات مديرنا، بل ان احدنا دق على صدره قائلًا: انا من سيعلّمه درسا لن ينساه.. الخيانة هي خط احمر ولا يمكن ان نسمح بها.

في الايام التالية ازدادت تهديدات مديرنا وتوعّداته، غير اننا لم نُعرها اي اهتمام، فقد تجاهلناها وضمرنا بيننا وبين انفسنا، على ان نُعلّم ذلك الواشي درسا.. يتّعظ به ذاك الصارم ويتعلّم منه .. ويكون بذلك عبرة لكل مَن تسوّل له نفسه ان يخون اخوان العيش والملح، وان يعرّضهم للمزيد من الاهانات الادارية من المدير القاعد في العلية.

هكذا ابتدأنا في رحلة البحث عمّن نقل الحكي ووشى بنا، وكنا كلّما توصّلنا الى طرف خيط، تفلت منا خيوط، وبقي الامر على كفّة الريح هذه، الى ان اقمنا اجتماعا مطبخيا (في المطبخ)، واتخذنا فيه اغرب اقتراح، لكن انجع اقتراح كما تم الاجماع، وقد قضى هذا الاقتراح بأن يدلي كلّ منا بالقسم العظيم انه بريء ولا علاقة له بتلك الوشاية اللعينة. وزاد مُقدّم الاقتراح في كيله.. قائلًا: انا اول مَن سيدلي بقسمه.. بعدها همس في اذن كل منا على حدة قائلا انه قصد بذلك، ان يضع كلًّا منا في مواجهة مع ضميره، وعندما اعترض احدنا قائلا انه يوجد هناك مَن لا ضمير لديه. ارسل ابتسامة ملأي بالرقة واللطف والايمان الشديد وقال: لا يوجد على وجه البسيطة انسان لا يوجد لديه ضمير.. ثم انها محاولة.. يا اخوان.

في الموعد المحدّد لأداء القسم، احضرنا الكتب المقدسة كلها.. احضرنا القران الكريم والتوراة بعهديها القديم والجديد، وتقدم مقدم الاقتراح ليؤدي قسمه، بعده تتالينا واحدا تلو الآخر.. وكان كلٌ منا يتقدم من طاولة وضعناها في وسط المطبخ.. بعدها يضع يده على الكتاب، فاذا كان مسلما وضع يده على القران الكريم، وإذا كان مسيحيا وضع يده على العهد الجديد، اما اذا كان يهوديا فقد كان يضع يده على العهد القديم. واعترف ان قلوبنا كانت كلّما تقدم احدنا لأداء قسم البراءة.. واداه بالفعل.. كانت قلوبنا ترتجف بين ضلوعنا.. وعندما أدى اخيرنا قسمه.. رحنا نتساءل:" إذا كنّا جميعا بريئين، مَن هو الواشي؟"، وقبل ان نتوصّل الى اي جواب، حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد فاجأنا مديرنا في اليوم التالي بنظرات الاتهام وهو يتمتم: تؤدون قَسم البراءة على كلّ الكتب المقدّسة.. ها؟ ما إن استمعنا الى هذه الكلمات يقذفها مديرُنا في وجوهنا كأنها حِممٌ بركانية، حتى راح كلّ منّا يتمعّن في وجه الاخر.. كأنما هو يشكّ فيه.. ويتّهمه.. كان الموقف صعبا فرحنا نتخبّط في سين وجيم.

بقينا على هذا الحال من التخبّط، الى ان جدّدنا اجتماعنا المطبخي، وراح كل منا يتساءل اذا لم تكن انت ولم يكن هو ولم اكن أنا.. مَن وشى بنا في المرة الاولى وفي المرة الثانية وربّما في المرة الثالثة غدا، مَن هو الواشي، وتعالت الاصوات اننا نكاد نجنّ. عندها دخل الاجتماع في حالة من الفوضى، ولم يهدأ الا حينما عثرنا على حلٍّ قد يكون مُرضيًا لنا جميعا، علينا ان ننقسّم الى مجموعتين، واحدة في الداخل وواحدة تختبئ في الخارج قُبالة باب المطبخ. لمراقبة ما يحدث. واتفقنا بسرعة غير معهودة منذ ابتدأت معركتنا مع مديرنا، على منطق.. مُفاده لنفعل هذا فإننا اذا لم نربح لن نخسر.

حملنا كراسينا وطاولاتنا وشرعنا بإدخالها الى غرفة المطبخ، ودخل بعضٌ منّا للاجتماع هناك، ورحنا نتباحث فيما يمكننا للتخلّص مما وجدنا انفسنا فيه من وضعٍ مُزرٍ، فمِن ناحية مدير صارم يتهدّدنا على الطالع والنازل، ومِن اخرى واشٍ ينقل اليه اخبارنا اولًا بأول مسهلًّا عليه التمادي في غيّه، ولم تمض سوى دقائق، حتى استمعنا الى زعيق وصراخ في الخارج، فخرجنا من مطبخنا لنفاجأ بأغرب موقف يمكن ان يتصوّره انسان، كان ابطالنا الميامين قد القوا القبض على مديرنا المُبجّل وهو يتنصت علينا في مطبخنا، واضعا يده على اذنه لئلا تفوته اي كلمة، والأخرى على الباب لئلا يفتحه احد فيفاجأ به. المنظر امامنا كان ساحرًا ومبهرًا.. وكان اضعفنا يشدّ مديرنا من اذنه.. وهو يهدّده متوعّدا اياه بألا تأتي العواقب سليمة اذا ما اعاد تنصّته المخزي علينا..

***

قصة: ناجي ظاهر

للغروب على ضفاف القلب

طعم الحنين قبالة البحر

نفس الشوارع  والأزقة

نفس الحدائق والأشجار الباسقة

نفس المشاعر والضحكات

المنسابة كمياه النهر

نفس الألوان القزحية

نفس الصور  والمجازات

ونفس الأحلام المهاجرة

تتدفق كموج البحر ساعة الغروب

يطل  الشوق  كل مساء كعاشق متيم

من  شرفة القلب المشرعة

على  زرقة البحر المتوهجة

كأنه عزف  كمان  حزين

تحت  ظلال أحلام وارفة

تسافر الروح كطفلة

خلف  ألوان الغروب ومتاهات الشوق

تحمل طفولتها..

ومتخيلها..

وشغبها..

كأن طيفا يتخطفها

كأن بساطا من حرير يسافر بها

كأن سحرا يناديها

هيت لك.. هيت لك.. ما أجملك !

فتمضي  خلفه كموجة حالمة.

***

عبد الرزاق اسطيطو

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم