صحيفة المثقف

أقلام حرة

عيون الحياة أصابها الرمد، وبعضها فُقِأت بحراب التداعيات المتوافدة من كل فج عميق، حتى لتجدنا في صندوق أظلم يتسرب إليه الضوء بصعوبة فائقة.

العيون لا ترى، إنها بوابات شرور عليها أن تغلق.

قال ذلك المجنون الذي إقتلع عينه اليسرى، بإصبع سبابة يده اليمنى.

إنها نافذة أخطار عليها أن تغلق!!

وما أشبه السلوكيات المؤدينة بما يراه المجانين ويتوهمونه ويخضعون لإرادته الملعونة.

المؤدينون تأكلهم أوهامهم  السيئة، وتقودهم إلى إرتكاب المآثم والخطايا الفظيعة، المبررة بتأويلات أهوائية، تتحدث عن الباطن السقيم، وتنكر الظاهر المستقيم .

إنها لعبة إفتراس البشر للبشر بأسنان الدين التي كشرت وتأهبت للنهش الشديد.

كيف يتحول الدين إلى وحش كاسر، ولماذا لا ترغب الدنيا بصناعة الخير، وتنحدر إلى سوح الشرور والمساوئ بإندفاعية فائقة.

إنها أزمة أخلاقية تعصف في أرجاء الحياة وتطلق ما فيها من المطمورات الخطيرة اللازمة، لتأمين دوران نواعير الويلات العظيمة في سواقي الوجود المنكوب بترابه وأترابه!!

فالدنيا على شفا حفرة الوعيد النووي السقري الإنجاز، ويدير سفينة البشرية أناس تخشبت نفوسهم وتبلدت عقولهم، وتمكنت منهم أمّارات السوء التي فيهم.

والجحيم الأرضي بحاجة لفرد مأفون يكتنفه الجنون وفي لحظة غفلة وسفه يضغط على زر المأساة الكبرى، ويعلن بداية الفانية وما أدراك ما هي!!

إنها إرادة الموازين التي تفرض سطوتها على الموجودات، وتتواصل مع نوازع وتطلعات الدوران، التي تعيد تصنيع الحالات من عناصرها الخامدات، فلا بد أن يعود كل شيئ إلى رماد، لتبدأ رحلة التشظي والوعيد من جديد.

فهل نسي الإنسان نفسه؟

و"ألا كل شيئ ما خلا الله باطل...وكل نعيم لا محالة زائل"!!

***

د. صادق السامرائي

لا تسمحوا بهذه الجريمة.. أردوغان في بغداد الاثنين القادم بهدف انتزاع موافقة الحكومة العراقية على مبادلة مياهنا المحجوزة خلف سدود تركيا بضمان تدفق النفظ والغاز  شبه المجاني من العراق الى تركيا...يقول الخبر: "قال وزير الدفاع التركي، يشار غولر إن أردوغان سيجري زيارة رسمية إلى العراق، وإنّ بغداد وأنقرة قد توقّعان "اتفاقية استراتيجية" الإثنين على هامش الزيارة. وكان أردوغان، قد أكد في وقت سابق من اليوم، أن قضية المياه ستكون واحدة من أهم بنود جدول أعماله خلال زيارته للعراق، وأن تركيا تدرس طلبات تقدم بها الجانب العراقي بخصوص المياه، مردفاً بالقول: "هم يريدون منا حلها وستكون خطواتنا بهذا الاتجاه، وهناك أيضاً قضايا تتعلق بتدفق الغاز الطبيعي والنفط إلى تركيا، وسنسعى إلى معالجتها أيضًا".

هذا ما حذرنا من حدوثه قبل أكثر من ربع قرن وقلنا ان تركيا ستبيعنا مياه أنهارنا بأموال نفطنا وغازنا تطبيقا لمقولة الرئيس التركي الأسبق توركت أوزال (لقد أعطى اللهُ النفطَ للعرب والمياه للاتراك، ومن حقنا ان نقايض مياهنا بنفطهم"!

هل تعرفون ماذا يعني ذلك لو حدث ووافقت حكومة الفساد و الطائفية على هذا الابتزاز التركي؟ انه يعني خسارة أنهارنا الى الأبد ورهن ثرواتنا النفطية والغازية لتركيا تتحكم بها، وهكذا سنشتري مياهنا بنقود نفطنا..وماذا سيحدث حين ينفد النفط وينتهي الغاز؟ سيزول العراق وانهاره من الوجود سيبوء حكام العراق اليوم ومراجعهم وحماتهم  بالعار الأبدي...لقد فشل العراق في عقد اتفاقية دولية للتقاسم العادل لمياه الرافدين بموجبةالقانون الدولي بين الدول المتشائطة وفرَّط بما لديه من أوراق قوة هائلة منها تبادل تجاري وحيد الطرف والبالغ عشرين مليار دولار سنويا مع تركيا ولم يهدد مجرد تهديد ولو تلميحا بوقف هذا التبادل وهو عبارة عن استيراد بنسبة تفوق 95 بالمائة. كما فرَّط بورقة تدويل مشكلة المياه وتقديم شكوى للمحاكم والمؤسسات الدولية!

لقد دخلنا منطقة الخطر الشديد والعرق والرافدين في خطر ونحن نعيش على الامطار القليلة منذ أعوام.. يجب منع توقيع الاتفاقية الابتزازية التي يريدها اردوغان وسيوافق عليها الفاسدون في حكم الطائفية السياسية فهؤلاء لايهمهم العراق وانهاره ونخيله ونفطه بل يريدون أن يظلوا حكاما حتى لو حكموا قطيعا من الماعز في البرية ليلطموا فيها براحتهم وسيتولى اردوغان تزويدهم ببعض مياه الشرب!

أختم بالتذكير بما قاله الراحل هادي العلوي مؤسس "لجنة الدفاع عن الرافدين" في تسعينات القرن الماضي، قال: إذا سمح العراقيون بجفاف وزوال دجلة والفرات فسيكونون أهون على الله من بعوض المستنقعات"!

***

علا اللامي – كاتب عراقي

.............................

* رابط يوثق الخبر:

https://shafaq.com/ar/%D8%B3%DB%8C%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AB%D9%86%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A8%D9%84

بعيد الاطاحة بالنظام، تم وضع البلاد تحت الوصاية (الفصل السابع)، حلت الفوضى الامنية بالبلاد، الامم المتحدة وكعادتها تحاول التغطية على اعمال الدول الكبرى، ترسل المبعوث تلو الاخر لأجل التقريب بين وجهات نظر الاطراف المحلية المتصارعة على السلطة، وهذه الاطراف تقوم بمؤازرتها القوى الدولية التي اشتركت في العدوان على البلاد، كل المتدخلين كانت لهم مصالحهم الخاصة لأجل اقتسام غنائم الحرب.

ضمت تشكيلة المبعوثين مختلف الاعراق والاديان والمذاهب، جميعهم اعلنوا فشلهم وعدم قدرتهم على حل الازمة، بعضهم حاول الاقتراب من قول الحقيقة وهي ان الامم المتحدة لا تريد صراحة المساعدة في حل الازمة بل استمرارها بخطى بطيئة (ستاتيكو) لـ(تتم) الطبخة على نار هادئة، جلسات الحوار بين الافرقاء كانت تتم في الخارج وفواتير الاقامة والاعاشة والتنقل والبهرجة الاعلامية بالطبع تحمل على الخزينة العامة الليبية.

رغم ان هناك حظر اممي على توريد الاسلحة الى ليبيا، الا ان تدفقها وبكثافة يتم على مرأى ومسمع العالم وان (ايريني) المكلفة تنفيذ الحظر على الاسلحة ومنع تهريب النفط مجرد هيئة اممي لإهدار المال العام ولم تفعل شيئا بخصوص التجاوزات في تدفق الاسلحة لان مصدرها دول كبرى واقليمية لها مصلحة في الابقاء على الازمة الليبية من خلال بيع الاسلحة ومختلف انواع السلع التي تغزو السوق الليبي.  

باثيلي تاسع مبعوث اممي الى ليبيا يقدم استقالته بعد ان امضى قرابة العام ونصف العام، في خطاب الاستقالة او بالأحرى اعلان فشل مهمته، انحى باللائمة على الجهات الليبية الفاعلة وانها تفتقر الى الارادة السياسية التي تغلّب مصلحة الوطن على مصالحها الشخصية وذكرها بالاسم أي انهم يريدون للازمة ان تستمر. ان ظاهرة تشكيل مجالس عليا لبعض القبائل والاعراق بالبلاد (الالتجاء الى الحضن الاجتماعي) تدل على ان الشعب قد فقد ثقته في رموز الحكم وان الدولة المدنية مجرد شعار يتخذه الفاسدين شعارا لبقائهم .

 نجزم ان السيد باثيلي ساهم في فشل الحوار الذي كان يمكن ان يقود الى الحلحلة بإبعاده حكومة شرق البلاد المشكلة من قبل البرلمان واكتفى بدعوة حكومة الدبيبة باعتبارها معترف بها من قبل المجتمع الدولي الامر الذي مجلس النواب والقيادة العامة للجيش الليبي يطالبون بدعوة الحكومة المشكلة من البرلمان او استبعاد حكومة الدبيبة من الحوار لكن يبدو ان السيد باثيلي لم يستطع مقاومة نفوذ القوى الخارجية المتدخلة في الشأن الليبي، وبالتالي فان تحركاته المكوكية واجتماعه بمختلف القوى الفاعلة (الداخلية والخارجية) لم تثمر شيئا وان استقالته كانت جد متوقعة حيث ان بعض الاطراف المحلية وصفته بانه غير محايد وطالبت باستقالته منذ مدة.  

الوضع الامني في غرب البلاد سيئ جدا، حيث الاقتتال بين التشكيلات المسلحة يأخذ طابعا اجراميا، وقد حاول الدبيبة تهدئة الامور من خلال ارضاء تلك التشكيلات بالمال العام، ولكن يبدو ان الامور لم تعد تحت السيطرة، وهناك اعادة اصطفاف وتموضع للميليشيات ما يشيء باندلاع الاقتتال، مايسمى بالجيش الوطني الذي يتبع رئيس المجلس الرئاسي (القائد الاعلى للقوات المسلحة) في غرب البلاد غير قادر على التدخل، لأنه الحلقة الاضعف في الصراع من حيث العتاد وسوء القيادة.

كلنا نعلم ان المجلس الرئاسي الحالي وحكومة الدبيبة قد فازوا من خلال تقديم الرشاوي لبعض اعضاء لجنة الـ75 وقد بدا بعض الناشطين السياسيين في تقديم الأدلة وذكر بعض الاسماء والمبالغ التي تقاضاها كل منهم، كذلك المناصب الدبلوماسية التي يتولونها نظير بيع ضمائرهم!؟.  

أمريكا تريد ان تحارب روسيا والعمل على تقليص نفوذها في افريقيا الذي بدأ يتنامى وقد تكون ليبيا هي ساحة الصراع الرئيسية، ليبيا تسير أكثر فأكثر على الطريق نحو فقدان سيادتها، وربما تشرذمها.

والسؤال هل يتم تنصيب مبعوث جديد وتستمر المعاناة؟ ام يكون هناك راي اخر للقوى الوطنية (عسكرية ومدنية) للخروج من النفق المظلم؟

***

ميلاد عمر المزوغي

 

لطالما ورطت دولة الاحتلال نفسها في حروب لم تعد عليها سوى بالخراب. مثال على ذلك، الحرب على لبنان ٢٠٠٦. وقد أطلقت بالفعل اسم "ورطة" على تلك الحرب التي دمر الجيش خلالها معظم البنية التحتية للضاحية الجنوبية وارتكب المجازر ،وخلّفت قرابة المليون نازح.

أما دولة الاحتلال فقد تكبدت خسائر يومية قدرت وقتها بعشرات الملايين.

وقد أثبتت هذه الحرب أن اقتصاد دولة الاحتلال لا يحتمل حرب استنزاف طويلة الأمد وذلك لهشاشته.

وكما جلب الغوص في وحل لبنان المشكلات ل "مناحيم بيغن" عام ٨٢، جلب المشكلات ل "إيهود أولمرت" عام ٢٠٠٦. واليوم غزة لا تختلف عن لبنان، غير أن الوحل كان أشد عمقا وأكثر لزوجة. ونتنياهو أدخل نفسه وجيشه بمشكلات وحرب استنزاف ستأتي على الدولة.

وكما دخل "أولمرت" عام ٢٠٠٦ لبنان بغطرسة الحرب ووهم القوة دون تفكير في العواقب وخرج منها مذلولا، سيخرج نتنياهو الذي دخل أيضا بنفس الغطرسة ووهم القوة.

والضربات التي تعرضت لها دولة الاحتلال عام ٢٠٠٦ بعد تورطها في لبنان من حيث الخسائر وشل الجبهة الداخلية وتحويل مئات الآلاف من اليهود إلى لاجئين وانكسار أسطورة الجيش الذي لا يقهر وهجرة الآلاف من سكان الدولة المهترئة إلى خارجها، اليوم في غزة تتعرض وبشكل أقوى لضربات تسير بها نحو الهاوية.

فدخول غزة ٢٠٢٣ هو الورطة الأشد منذ قيامها. ويعتبر تهورا من طرف "بنيامين نتنياهو". فقد دخلها دون تفكير بطريقة للخروج منها، معتقدا أنها لقمة سائغة، فكان التقليل من حماس وقدراتها خطأ فادحا وتورطا في كارثة إنسانية غير مسبوقة. وها هي غزة شوكة عالقة في حلقه. فلا هو قادر على لفظها ولا على ابتلاعها. فجيشه المستنزف عالق بين الركام الذي خلفته آلته الهمجية، يغرق في أنهار من الدماء البريئة دون أن يعرف كيف يخرج منها. ومع ذلك لا زال "نتنياهو" يتبجح بانتصاراته في غزة وأن جيشه متفوق في نواح كثيرة. ونسي كيف يفرق بين الخيال والأحلام التي يتمناها وبين الواقع والحقيقة التي يرفض الاعتراف بها.

غير أن هذه الحرب وقد دخلت شهرها السابع أثبتت صمود المقاومة الفلسطينية وبالمقابل ضعف جيش الاحتلال. كما كشفت عن حجم الورطة التي تورطت بها دولة الاحتلال والأزمة الاستراتيجية التي دخلتها دون القدرة على إيجاد مخرج سياسي لحفظ ماء الوجه لها.

***

بديعة النعيمي

 

كما هي عادتنا كل سنة خلال اليومين الأخيرين من كل رمضان، نترقب العيد.. والبعض منا يترقب الهلال وكأنما العيد إفراج من عقاب رباني بالامتناع عن الأكل والشراب.. بينما الأجدر أن تكون فرحتنا بالعيد لأننا أتممنا صيامنا طوال الشهر الفضيل على خير وجه.. فالعيد لا يستحقه إلا من صام الشهر كاملاً وأتم فيها الصلوات والنوافل، وأمتنع عن كل المنغصات التي تجرح العبادة الحقة وكفّ عن المنهيات التي تنهينا عنها العقيدة والدين الحنيف والأعراف.. فالعيد لا يستحقه إلا من مارس واتّبع حيثيات التجربة الرمضانية بكل جوانبها وكف عن كل الموبقات بيده ولسانه وقلبه!

فهناك بيننا العشرات ممن لا يصومون في رمضان بالذات عن زلات الكلام في أعراض الناس وقبيح العبارات.. ولا يحفظون ألسنتهم عن التأفف والشكوى بداعي الجوع والعطش طوال النهار.. وإذا أقبل الليل، ينسون كل ما يتعلق بدروس الصيام ويتقولون ويفعلون ويمارسون من التصرفات أسوأها.. ومن الصائمين بشر نراهم لا ينجزون أعمالهم الوظيفية بعذر تعب الصيام، ويسرقون من أوقات العمل بعذر الصلاة أو بحجة الإجهاد.. ونجد الكثيرين منهم يقودون سياراتهم بجنون وحماقة ويزعجون خلق الله في الطرقات ليلحقوا على مواعيد الصلاة في المسجد مثلاً وكأنهم هم فقط من العباد الصائمين.. وآخرون ممن يسابقون الريح ويكسرون كل القوانين المرورية فقط ليلحقوا على الإفطار الدسم في المنزل.. يقودون سياراتهم وكأنها دبابات عسكرية بطريقة هوجاء ويزعجون خلق الله ويعرضون أنفسهم وغيرهم لأخطار الحوادث وكأنهم إن تأخروا دقائق معدودة سينهارون من الجوع والعطش!!

و من الصائمين من تتعكر أمزجتهم بحجة الصيام، وتتسم كافة تصرفاتهم بغوغائية لا عذر لها بحجة الجوع والعطش والامتناع عن ملذات الدنيا في سويعات النهار، وكأن شهر رمضان شهر عذاب ونقمة، بينما هو شهر فضل ونعمة.  فترونهم مكفهري الوجوه، واجمين، مسعورين، يتطاير الشرر من جباههم، فقط لأنهم صائمين وممتنعين عن الأكل أو التدخين.. فأي صوم محسوب في ميزان حسنتاهم؟  أينهم هؤلاء من أفضال رمضان وحسناتها وخيراتها ودروسها الربانية؟  والغريب في الأمر أن أمثال هؤلاء هم أكثر الناس شوقاً للعيد.. والعيد ليس لهم ولا من حقهم.. بل هم في شوق للعودة لممارساتهم الموبوءة التي هم بالكاد كفوا عنها في رمضان.. بل ربما كفوا عن بعض سيئات الأمور ومن ثم تمادوا في ممارسات شتى من تلك التصرفات المذكورة سابقاً دون وازع من إيمان.

و الأغرب أن البعض ممن لا يصومون أصلاً وربما لا يمارسون من متطلبات الدين قيد أنملة، وتراهم يترقبون انتهاء الشهر فقط لأنهم منعوا أنفسهم من المجاهرة بالأكل والشرب والتدخين.. بل وكلنا نعرف أشخاصاً يقضون السنة كاملة في السفر في تلك البلاد المعروفة بممارساتها المشبوهة، ويتعاطون الخمور ويمارسون كافة أشكال الموبقات والمحرمات، ثم يعودن لأوطانهم في الشهر الفضيل بحجة أن رمضان أحلى مع الأهل.. وجل استمتاعهم بالشهر الفضيل محصور في السهر في المقاهي والبوفيهات الفارهة والشيشة والمسلسلات التلفزيونية.. بينما يقضون نهارهم في النوم حتى موعد الإفطار.. عن أي رمضان يتحدث هؤلاء؟  وأي حق لهؤلاء في الاحتفال بعيد الفطر مع عامة المسلمين؟

يمكنني سرد مناقب الشهر الكريم في مجلدات، وأغلبنا ليس بغافل عنها في عالمنا الإسلامي.. ولكنني هنا سأركز على مقتطفات عن الأمور الحياتية المستحبة في هذا الشهر الفضيل لعلها تنفع البعض ممن لا يعطيها حقها في ممارساته خلال هذا الشهر من السنة.. فبحسب الموقع الإلكتروني "موضوع" في هذا الشأن، ومن منظور دنيوي بحت، ربما يكون من أهم النقاط المستحبة التي يجب أن يمارسها كل فرد منا هو محاولة جادة وصادقة لتغيير العادات بشكل عام.. ففي رمضان تكمن فرصة تغيير العادات السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية، كالسهر الطويل ليلاً والنوم كثيراً في النهار.. ففي رمضان يسهل تحديد جدول يومي والانتظام والالتزام به في هذا الشهر وما بعده ليصبح نظاماً واضحاً وعادة صحية ونمطاً للسلوك المنضبط الواعي.

و أيضاً يجب أن يساعدنا رمضان على تعلّم الصبر.. فمن يصبر على الجوع والعطش يستطيع الصبر على الأمور الأخرى التي تحتاج وقت انتظار.. والصبر خصلة مهمة يجب على الجميع أن يتحلّى بها لأنها تعين الإنسان على مجابهة صعاب الحياة ومشاكلها.. ويعلمنا رمضان التحكم في الأهواء وكسر شهوات النفس.. حيث كرم الله الإنسان بالتحكم في شهوة الجسد واللسان والعين والأذن، وباقي الجوارح.. لذا على المسلم بشكل عام والصائم بشكل خاص الامتناع عن السب والشتم وسوء الخلق كامتناعه عن الطعام والشراب، والحاجات الجسدية، وغضّ البصر، وكفّ الأذى، وتجنّب الإصغاء إلى المُحرّمات.. والكف عن مجالسة أصدقاء السوء وإضاعة الوقت فيما لا ينفع.

و صيام رمضان فرصة لتطهير النفوس من الضغينة.. فيُنقّي المسلم نفسه من الأحقاد والخصومات السابقة طمعاً بالأجر والمغفرة، فيسامح من أخطأ بحقه، ويعتذر ممن تسبّب لهم بالأذى، فتصفو النفوس، وتزول الخطايا، وتسود المحبة بين أفراد المجتمع في حال الاستمرار على هذا الأمر حتى بعد انتهاء شهر رمضان.. ومن الجمائل في ساعات النهار الإقبال على العلم والقراءة.. وأول العلم القرآن الكريم، لذا هي فرصة لكل مسلم "بمدارسة" القرآن لتُفتح له أبواب العلم كاملة، من مدارك لغوية، وشرعية، وعلمية، وعقلية ونفسية.. فيقبل المسلم على التعلم والاستزادة في العلم ليفهم القرآن الكريم، ويتوسّع معها في مختلف مجالات العلوم، ولا يقتصر هذا البحث على القرآن فقط، بل يمتد ليشمل العلوم كافة باختلاف مواضيعها، مما يخلق جيلاً قارئاً واعياً لمتطلّبات عصره وحاجته.

 فهل نحن ممن نعي خيرات الصيام وأفضال شهر رمضان؟  هل نحن من يصوم فرحاً بفرصة الممارسة الحقيقية لهذا الركن الأساسي من أركان الإسلام؟  إذا كنا من بين هؤلاء الملايين ممن نمارس عادات وواجبات الشهر الفضيل ونقّدر خيرات هذا الشهر ومن الملتزمين بكل الممارسات الأخرى المتوقعة إلى جانب الصوم والصلاة وحفظ أنفسنا ومراعاة حقوق كل من حولنا.. فلنا الحق كاملاً بالاستمتاع بعيد الفطر المبارك وترقبه.. فهنيئاً لنا ولكم أجمعين.. وكل عام وأنتم بألف خير وصحة وعافية!

***

د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

لعل الحقيقة التي لا يماري فيها أحد، أن للمال مكانة عظيمة في الإسلام، فبه قوام الحياة، حيث تكسب به الأقوات، وتتوفر سبل المعيشة عن طريق جمعه وتحصيله، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن حيازة الأموال تقتضي ضرورة الحفاظ عليها حتى تتحقق الاستفادة منها، والانتفاع بها، «فكان الحِجْر على السفيه، ومنعه من التصرفات الماليّة لمصلحة المحجور عليه لحفظ ماله»، فقد نّبه على ذلك الذكر الحكيم تنبيهاً لطيفاً فقال تعالى: «لاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً» (النساء: 5)، وزيادة على ذلك، فإنّ الشريعة قد حرّمت التعدى على أموال الآخرين، وأخذها قهراً وعسفاً، فقال تعالى: «وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة: 188). فهذا التحريم لأكل أموال الناس بالباطل قصد به حماية المال وحفظه، بل أنّ الشريعة قد بلغت الغاية في حفظ المال،حيث سنّت لمن وقع اعتداء على ماله أن يدفع هذا الضرر عن ماله، ولو بمقاتلة المعتدي، وإن أدى ذلك إلى القتل «وما رواه البيهقي عن أبي هريرة أنه قال: «جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال «فلا تعطه مالك». قال: أرايت إن قاتلني؟ قال: «قاتله». قال: أرايت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد». قال: أرايت إن قتلته؟قال: هو في النار».

ولكن الشريعة لم تقف عند تحريم أكل الأموال بالباطل، وتوعد الفاعل لذلك بالعذاب الأليم يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، بل قد احتاطت في حفظ مقصد المال، حيث سدّت ذريعة الاعتداء عليه، فشرعت عقوبة زاجرة عن الاقتراب من أموال الآخرين، وأخذها ظلماً وعدواناً، ولقد حدد الشارع عقوبة السرقة بقوله تعالى: «السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (المائدة: 38)، فهذه العقوبة الشرعية لم ترد في الشريعة إلا في السرقة وحد الحرابة، حيث أنّ أغلب العقوبات الشرعية تكون بالجلد أو القصاص». وحين يقرر الإسلام هذه العقوبة «فإنه لا ينظر إلى عدوان فرد على مال فرد آخر، وإنما ينظر إلى موقع الجريمة من الحضارة والعمران، وسوء أثر هذه الجريمة إن استمرت وتيرتها بأن أصبحت الأموال مهددة بل وتجر الويلات على أصحابها في كثير من الحالات، وذلك بأن يصبحوا عرضة للانتقام من الحكام وأصحاب النفوذ والعصابات الإجرامية، التي أصبحت من مظاهر هذا العصر. الذي ارتبطت فيه جرائم الاعتداء على الأموال بوجود مجتمعات تسودها أساليب وقيم حضارية من النواحى الاقتصادية، وتزايدت هذه الجرائم واستفحلت مع تطور هذه المجتمعات، حتى بلغت ذروتها في أكثر المجتمعات الرأسمالية تعقداً وتحضراً. ومن استعراض ما تقدم نتبين الحكمة من الموقف الصارم الذي اتخذته الشريعة الإسلامية في محاربة جريمة السرقة والقضاء عليها لأن هذه الجريمة إن انتشرت في المجتمع فإنها تنتج ما يشبه آثار مرض السرطان في جسم الإنسان، فكما أن مرض السرطان يتطلب العلاج الحاسم ولو عن طريق بتر الجزء المصاب من الجسم في سبيل إنقاذ الباقي وبالمقابل فإن جريمة السرقة تتطلب العلاج الحاسم ولو بقطع يد السارق في سبيل حماية المجتمع بأسره، فمتى نرى من أقدموا على نهب مال السودان في سوح المحاكم وتحت سيوف القصاصين؟ متى يهرع الحزب الصمد لوأد هذه الظاهرة التي باتت لا تسترعي الدهشة بين أوساط هذا الشعب الصابر على عرك الشدائد؟.

***

د. الطيب النقر

 

"حتى أنت يابروتس!"

من الطعنات التي تم تصنيفها كأبشع طعنة في التاريخ، هي طعنة (بروتس) في حادثة اغتيال القيصر يوليوس، وقد حدثت لحظة اغتيال يوليوس قيصر إمبراطور روما، وكانت لحظة عصيبة حين خانه كل من وثق بهم يومًا، واجتمعوا واتفقوا جميعا عليه، وانهالوا عليه بالطعنات، وهو مازال واقفا لم يسقط رغم كل الطعنات التي تلقاها، حتى رأى صديق عمره بروتس، نظر يوليوس نحو صديقه وهو متخبط بدمائه، وفي عينيه التمعت نظرة رجاء وارتياح، واعتقد أن صديق عمره جاء لينقذه، وضع يده على كتفه ينتظر منه العون، إلا أن بروتس محق آماله كلها، إذ قام هو الآخر بطعنه، هنا قال يوليوس قيصر جملته الشهيرة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة (حتى أنت يا بروتس إذن فليمت قيصر) وسقط قيصر ميتا. لقد كانت طعنة بروتس هي الطعنة القاتلة، بخلاف كل الطعنات الأخرى، لم يطعنه في جسده وإنما في شخصه، في إرادته، في آماله، هنا فقط سقط قيصر، راضيا بالسقوط معلنا انهزامه.

هنا سؤال يطرح نفسه بإلحاح، كم من بروتس يجول حولنا، له اليد الطولى في الإضرار بنا حد النفي والقتل، وهو ممن كنا نُحسن به الظن؟ وهل ما فعله بروتس يعكس سموًا أخلاقيا وشيمة حسنة أم العكس؟ وإن تمكنا من الإجابة عن هذا التساؤل، أنتخذ منه موعظة وعبرة لقادم الأيام؟ فنتعامل وفقها مع أناس يتقمصون شخصية بروتس، ويتلبسون موقفه مع قيصر بكل فخر وتباهٍ وتبجح.

من المؤكد أن أشخاصا مثل بروتس متواجدون على نطاق واسع، لاسيما في الأوساط التي تكثر فيها أدوار الرأس والمرؤوس، والراعي والرعية، وضررهم لا يكمن بفعلهم مع الرأس فحسب، بل هو يمس المرؤوسين في الصميم أيضا، إذ لا حول بيد الأخيرين ولا قوة غير الرأس -بعد الله طبعا- وهذا ما نراه في أحداث سردتها لنا أسفار التاريخ، فكم من حزب تقطعت أوصال هيكله بزوال الرأس الحاكم فيه! وكم من مجموعة تشرذم أفرادها فصارت ضعيفة مستباحة، حتى آل بها المآل إلى الزوال!

ولو أردت الإطناب في حديثي عن الموعظة الواجب اتخاذها من تجارب السابقين، لتطلب الأمر مني صفحات بل مجلدات لوصفها، وتبيان دورها في تجنب الضرر، واستباق الحلول قبل الوقوع في المأزق، وما أكثر المآزق التي يمر بها بلدنا العراق اليوم، فضلا عن تلك التي كان يُحشر في أتّونها المواطن حشرا، إبّان حكم الدكتاتور بنظامه البعثي الدموي.

ومادامت أطراف الحديث قد تجاذبت مآزق بلدنا اليوم، أرى في مثلنا الدارج (اتحزّم للواوي بحزام سبع) خير ناصح ومذكِّر ومحذّر، للرأس والحاكم والقائد والمسؤول على حد سواء، وألفت الانتباه هنا إلى سبل الخلاص التي أشار إليها المثل، حيث لم يفته وضع خارطة طريق، وتنسيق جدول أعمال، ورسم خطى تضمن السلامة، وتحديد الأولويات في ردود الأفعال، لتفادي أي تهديد داخلي أو خارجي، يمس الجميع ويؤثر بهم وعليهم سلبا، بدرجات قد تفوق التصورات والحسابات في أضرارها، من أشخاص لا تؤتمن جوانبهم، وإن أبدوا جميل التعامل، وأظهروا حسن النيات، وأرَوا حلاوة من أطراف ألسنتهم، فيما هم يروغون روغان الثعلب، وأبدَوا لين الملمس، وهم يضمرون في أنيابهم شر منقلَب، فحذارِ حذارِ من هؤلاء يا أرباب الحكم في بلدنا.

"عندما أصابت الرصاصة قلبي لم أمت، لكنني مت لما رأيت مُطلقها". جبران خليل جبران

***

علي علي

 

كنت أتمنى أن لا أعود إلى الكتابة عن النائبة عالية نصيف، لكن ماذا أفعل ياسادة والسيدة النائبة خرجت علينا مؤخراً لتتقمص شخصية الفنان الراحل توفيق الدقن وهو يردد لازمته الشهيرة " أحلى من الشرف مفيش "، ففي لفتة عبقرية تجيب السيدة عالية نصيف على سؤال يطرحه مقدم أحد البرامج : " الحل شلون ؟ فتقول : الحل بميثاق شرف بين جميع القوى السياسية : كافي بعد ما ننهب الدولة ".

البعض ربما يسخر مني في سرّه ويقول "حتماً لديك شحّ في الموضوعات ولهذا عدت تلاحق احاديث السادة النواب، لكني ياسادة ياكرام أسمّيها من ضروريات مراجعة الحالة التي مرت بها البلاد، وكما تعرفون فأنا أحب أن أتفلسف أحياناً، وربما أصابني الغرور وأحاول في يوم من الأيام منافسة " مفكر " العراق الأوحد إبراهيم الجعفري الذي اكتشف ان العراق في ظل معاليه كان يعيش ازهى عصور التقدم. ولهذا لا تستغربوا أيها السادة حين تريد السيدة عالية نصيف بعد 20 عاماً من الخراب كانت هي لاعباً رئيسياً في ساحته أن يوقع ساسة البلاد وثيقة شرف شعارها " بعد ما ننهب ".

تدرك السيدة النائبة التي تقلبت من القائمة العراقية إلى القائمة البيضاء إلى قائمة دولة القانون أن في هذه البلاد لا يوجد مواطن واحد يمكنه الاعتراض على مهرجان النهب الذي أقيم منذ عشرين عاماً ولا يزال، والذين رفعوا راية الاحتجاج من شباب تشرين كانت السيدة عالية نصيف من أوائل النواب الذين هاجموا الاحتجاجات.

وأنا أستمع إلى حديث السيدة النائبة تذكرت الثمانين مليار دولار التي نهبت من أموال الكهرباء، ومئات المليارات التي "لفلفت" خلال فترة حكم ائتلاف دولة القانون والاموال التي لا يزال "الصبي" نور زهير يتمتع بها.

الوثيقة التي تريد السيدة النائبة أن يلتزم بها ساسة العراق، وثيقة ستكتب بالتأكيد بموجب مقتضيات الديمقراطية العراقية التي تقتضي بأن المسؤول والسياسي يجب أن يتحول إلى ملياردير ما أن يجلس على كرسي السلطة أو كرسي البرلمان، وديمقراطية النهب التي يتمسك بها الكثير من المسؤولين، لم يضعها أفلاطون في جمهوريته، وإنما وضعها جيش من الذين اعتبروا مال الدولة حقاً شرعياً لهم.

الذين أحكموا الخراب على العراق وأقاموا دولة الفساد وسدّوا كل الأبواب والنوافذ أمام المستقبل، والذين هرّبوا المليارات، تصدّروا المشهد السياسي بفضل معارك عالية نصيف ودفاعها عنهم.

ولهذا اتمنى ان تسمح لي السيدة النائبة، لأقول لها، ان مئات النواب الذين دخلوا قبة البرلمان منذ عام 2005 وحتى هذه اللحظة شركاء في مهرجان النهب الديمقراطي.

***

علي حسين

حين اسكن الله تعالى آدم مع زوجه الجنة مع بني جنسه وأقواما آخرين أنزل الله تعالى إليه أول تكليف سماوي بأن لا يأكل من شجرة ما وهذا يدل على أن المخلوق الأرضي العاقل تربطه علاقة فكرية بدائية مع خالقه وعلى دراية بوجود وفهم الخالق وإلا لما كان له الخيار في المعصية والقبول لكنه فضل المعصية واستحق على أثرها العقاب بالنزول من الجنة التي كرمه في أسكانها وحين أنتشر البشر على وجه الأرض زادت معرفته وإطلاعه على محيطه وتعقيداته على ضوئها زادت حاجته  لمعرفة خالق وصانع وواجد ومدبر لهذه المخلوقات والكواكب والظواهر الطبيعية من حوله لتجنب تأثيراتها على حياته ولتبديد خوفه منها حيث يقدم القرابين لها خوفا وطمعا. أن أكثر الناس الذين عبدوا الحجارة والظواهر الكونية والكواكب في ملكوت السماوات لديهم كل القناعة بأنها لا تضر ولا تنفع في دنياهم  ومن جهة أخرى ضمن تفكيرهم أن هناك قوة خلاقة صانعة وخالقة خارج وعيهم البشري لها القدرة المطلقة للخلق والإبداع الصوري والتأثير على حياة البشر في نطاق معرفته المحدودة لهذا أتخذها وسيلة وحبل وصل للوصول إلى الخالق البعيد عن تصوراتهم الحسية ومدى قوته في عقابهم ومسائلتهم وفي طاعتهم له حيث نشأة أول ولادة لعبادة الله تعالى هو الخوف من الظواهر الطبيعية حيث كانت الرمزية والاهتمام بها ومحط أنظار الإنسان فرسم في مخيلته البسيطة أن هذه الظواهر لها تأثيرا قويا عل مجريات حياته وتركت في نفسه الخوف منها بعدها أستطاع أن يوقد جذوة فكرة بسيطة بوجود الإله الواحد الصانع الخالق لهذا الكون والانصياع والشكر وتطبيق مراده لتنظيم حياته لنقله من الوسط المعيشي الفوضوي إلى الارتقاء لما هو أفضل لبناء الوحدة الأساسية في مجتمع موحد متماسك جمعي ذكوري التسلط فقد مر الإنسان بمراحل لمعرفة عبادة الله تعالى وتطبيق تعاليمه .

أولا: مرحلة ما قبل الرسالات الدينية والتكليف الإلهي وهو ما ذُكر أعلاه من توضيح بسيط لفكرة العبادة .

ثانيا: مرحلة الأنبياء والرسل الغير مكلفين بالرسالة الإلهية كانت وظيفتهم الوعظ والإرشاد لطريق الحق والنذر والتبشير .

ثالثا: مرحلة الأنبياء والرسل أصحاب الرسالة السماوية المكلفة بالتعاليم والشرائع والسنن والتكليف التي نقلت المجتمعات من الفوضى في العقيدة والعيش إلى ناس وأقواما أكثر تحضرا فقد جاءت لأقوام بعينها في الزمان والمكان في عصر التي كانت القرية هي نواة المجتمعات حيث تعددت الإلهة وتوحدت التجمعات البشرية بعدها طغوا وعلوا وتجبروا في الأرض وفسدوا فيها بفساد عقائدهم البشرية وابتعادهم عن الله الحقيقي وأوجدوا له شركاء وندا في الأرض لهذا حق عليهم التبليغ والنذر .

رابعا: مرحلة انقطاع الرسل والأنبياء والوحي الإلهي وهي مرحلة مهمة ومفصلية للبشر والحياة الدنيوية استعدادا للآخرة والفناء كونها قد استكملت الرسالة الأخيرة للنبي محمد صلوات الله عليه وختمت ما قبلها من الرسالات وبوصول العقل البشري للفهم وإدراك مراد السماء والتهيؤ للمستقبل بعدما شملت هذه الرسالة العالم كله والبشر جميعا وأصبحت حجة عليهم قائمة لقيام الساعة وبوصول العقل البشري إلى النضج حيث لا يحتاج إلى بشير ونذير سوى الإرشاد والتثقيف ورياضة العقل على التفكير الصحيح بعيدا عن الأهواء والتأثيرات الخارجية المشبوهة للوصول إلى معرفة الله تعالى حق المعرفة الخالق  والمصور المدبر للكون وللحياة فكلما ابتعدنا عن عصر الرسالات والأنبياء كلما زاد إيماننا بعقيدتنا وبالله وقدرته وحكمته من خلال ما وصل الإنسان من العلم والتطور والإطلاع على مكنونات الكون وأسراره وبهذا التطور النسبي للعقل البشري يجب أن يكون ازدياد مطرد على معرفة الله تعالى الصانع والخالق لكل شيء .ومن هنا تأتي المسئولية الكبرى على رجال الدين وأصحاب الفكر التنويري الصحيح النقي في حماية الفكر الإنساني والعقل البشري والقلب من الانحراف العقائدي والفكري والسعي الحثيث في تشذيبه وتهذيبه وصيانته من المحاولات التي تودي إلى بعثرت أفكاره وتغير سلوكه الفكري والحياتي والعقائدي في نطاق التعقيدات  الجديدة وإرهاصات العالم في الحياة البشرية المتسارعة في الوتيرة للتطور مقابل سعي الأعداء والمشككين بوجود الله تعالى كخالق للبشرية والكون وتدمير الإنسان من الداخل والخارج وفق مناهج خبيثة بالتلاعب في فكره وعقله وسلوكه مقابل فكرة كلما تطور المصنوع عظم الصانع وكلما عظم الخالق تنزه من الشراكة والثنائية والعبث في العمل وإلغاء وجوده.

***

ضياء محسن الاسدي

لا شك ان أولويات حكومة محمد شياع السوداني رئيس مجلس الوزراء العراقي تنطلق من خلال القضايا الخارجية في تزايد التحديات الإستراتيجية للعراق والمنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والحرب على غزة، وتمثِّل هذه التحديات الخط الفاصل في علاقات العراق الخارجية، ومحور اهتمام السياسة الداخلية، والرأي العام، وتمس أمن الدولة القومي، وبعضها يهدِّد وجود الدولة وكيانها، والزيارة مهمة جداً في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، لا سيما أن العراق بعد أن تمكن من طرد داعش يريد أن تتحول العلاقة مع دول التحالف الدولي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى علاقة ثنائية ، كما ان الموضوع الفلسطيني والتي اكد على رفض الاعتداءات الصهيونية على غزة  ومحاولة اخراج اهلها من اراضيهم ومعانتهم ورفض هذا التجاوز بكل صراحة وعدم القبول بالاعتداء على الهيئات الدبلوماسية والمنظورة هنا القنصلية الايراني في سورية ومقتل عدد من القيادات من الحرس الثوري الإيراني.

واولويات زيارة السوداني الى واشنطن كانت موفقة وتحدي واضح وصريح لها في تصريحاته السياسية في الرد على ما قال الرئيس الامريكي بايدن' رغم أن الترجمة من الانكليزية الى العربية كانت ناقصة وكأنها مقصودة في حذف اسم فلسطين من قبل المترجم والتي طالب فيها بإيقاف هذه الحرب المدمرة وذهب فيها الاف من الابرياء والتي تستمر منذ ستة اشهر  ' والتي طرحها بروح من الصراحة والشراكة والتي اكد فيها 'باننا قد تختلف حول القضية الموجودة في المنطقة  إلا أننا نتفق على مبادئ القانون الدولي وعلى قوانين الحق الانساني وعلى مبدئ الحماية ونرفض اي اعتداء على المدنيين وخاصة النساء والأطفال ونحرص على الالتزام بالقوانين الدولية في حماية الهيئات الدبلوماسية ونحن كبشر نحتاج الى نظام دولي يحترم هذه المبادئ والقيم واذا سكتنا على ما يحصل نقر بهذه السوابق وتكون معروفة ومعلومة ومتداولة بها سوأ كانت سابقة حسنة او سيئة'.

لقد اثبتت التصريحات تلك عدم قبول الهيمنة والخضوع للارادات الخارجية ،والعمل وَفْق سلوك خارجي محايد فقط، و إنَّ الحكومة جادة في العمل على التحوُّل من اتباع السلوك الخارجي إلى صنع قرار خارجي، وصنع سياسة خارجية فعلية حقيقية؛ لمواجهة التحديات الخارجية، ولا سيَّما المرتبطة بالأمن القومي العراقي والعلاقات مع دول الجوار.

الواقع العراقي يحتاج الى أن يبدأ في شركات تساهم  بتطوير الكثير من القطاعات وتفعيل لرؤية جديدة توثق العلاقة مع الدول ولذلك فإن الحديث في مثل هذه الموضوع هي نقطة تحسب لصالح الحكومة بأنها ذاهبة باتجاه توثيق علاقتها أكثر من قضية حصر بموضوع الانسحاب الأمريكي رغم الاختلاف في وجهات النظر بين الطرفين أو إنهاء مهام التحالف الضعيفة كما يريد البعض حصر الحكومة بهذه الجزئية والتي تكاد ان تكون غير موجوده، ويظهر ان الحكومة نجحت نجاحاً كبيراً على المستوى السياسي العالمي والإقليمي، فضلاً عن أن الوضع العام الداخلي شهد تطوراً ملحوظاً من خلال زيارات البعثات الدبلوماسية وعقد المؤتمرات والندوات والتواصل في زيارات وفود الدول الصديقة كذلك ظهور الكثير من المشاريع الى الوجود ، ولأن العراق له دور محوري كبير عالمياً وإقليمياً فإن حكومة السوداني  تسعى لتطوير وتثبيت هذا الدور بما يتلاءم مع مصالح البلاد العليا وخدمة الشعب العراقي بشكل عام وتطور البلاد في جميع المجالات'، بدعم من مجلس النواب العراقي لتوجهات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الحكيمة وجهوده في هذا المجال' .

***

عبد الخالق الفلاح  - باحث واعلامي

 

آرئيل شارون البولندي ابن عصابة الهاجاناه الذي نكّل بالشعب الفلسطيني على مر عقود،  وكان له يد في جميع حروب دولة اليهود منذ ٤٨ وما بعدها من حروب. هو نفسه مهندس الاستيطان والطرق الالتفافية ومهندس الجدار العازل عام ٢٠٠١ الذي حاصر الضفة الغربية.

شارون منشئ الفرقة "١٠١" التي تخصصت في الغارات الليلية على مراكز المقاومة وتنفيذ عمليات الاغتيالات المستهدفة. وهو نفسه مرتكب مجزرة قبية المعروفة مع الفرقة "١٠١"،  ومهندس مجزرة صبرا وشاتيلا وعملية اجتياح لبنان ومجزرة جنين ٢٠٠٢.

شارون المجرم والمتغطرس هو نفسه ذلك الذي دخل غيبوبة بتاريخ ٤/يناير/٢٠٠٦ بسبب سلسلة سكتات دماغية وخرج منها عام ٢٠١٤ إلى قبره،  حيث حاول الأطباء وقتها مساعدته من خلال إدخاله في غيبوبة ليجنبوه الألم، ثم أجروا له عملية جراحية بهدف تخفيف الضغط على المخ ومحاصرة الجزء المتضرر جراء الجلطة،  هذا المخ الذي خطط وهندس المجازر وصنع الألم للشعب المسلوب حقه، تمرد على صاحبه حين فشلت العمليات ومحاولات الأطباء في إنقاذه فاستمر على الأجهزة الطبية. فكان توصيل السوائل لضمان بقاءه على قيد الحياة عن طريق أنبوب وتمرير الأكسجين إلى رئتيه أيضا عن طريق أنبوب.

حاصر الشعب الفلسطيني بالمستوطنات وخنقهم فحوصر هواءه بأنبوبة ضيقة تتحكم في حياته حتى أصبح مخه بحجم البرتقالة وتعفن جسده حتى هجره الأحباب والزوجة والأولاد وطلبوا من الأطباء إزالة الأنابيب التي تمده بالحياة. فسبحان المنتقم الجبار.

واليوم في غزة نجد ابن حزب الليكود الذي شارك شارون في تأسيسه بنيامين نتنياهو البالغ من العمر ٧٤ عاما والمتدهور صحيا ويعاني من أمراض خطيرة وأجرى قبل أيام عملية فتق، يرتكب أكثر مما ارتكب شارون. فارتكب المجازر التي وصلت إلى حد الإبادة وأكثر ودمر البنية التحتية لقطاع غزة وتجبر وتكبر وسار ولا زال مزهوا بانتصارات وهمية وكاذبة. وبهذا ينطبق عليه قوله تعالى"ومهل الكافرين أمهلهم رويدا".

فماذا ينتظر هذا النتن المعلول جسديا ونفسيا؟ هل ينتظر مصيرا كمصير شارون وأنابيب تضن عليه بذرات الأكسجين في غرفة معزولة وثماني أعوام حتى يتعفن الجسد النجس؟

***

بديعة النعيمي

لأول مرة منذ بدأ العداء او الصراع بين ايران والكيان الصهيوني؛ هاجمت ايران هذ الكيان؛ بالمسيرات والصواريخ، بطريقة الاغراق.. بعد ان مهدت لهذا الهجوم الارضية القانونية. وقد حرصت ان يكون الهجوم حصرا من الاراضي الايرانية. انها خطوة موفقة وذكية جدا؛ في التوقيت والاسلوب والطريقة. فقد طلبت رسميا ان يعقد مجلس الامن الدولي جلسة خاصة لمناقشة الهجوم الاسرائيلي على القنصلية الايرانية في دمشق والذي استشهد من جرائه؛ سبعة من القادة العسكريين الايرانيين. لكن مجلس الامن الدولي فشل في ادناة هذا العدوان الاسرائيلي؛ بسبب معارضة امريكا وبريطانيا. كما ان ايران قالت على لسان مسؤولوها من انها سوف تقوم بهجوم محدود، اي انها لا تريد توسعة الحرب مع الكيان الصهيوني.

تحليل مختصر:

اولا:- تحاول ايران بجهد جهيد زرع بذرة ولو صغيرة على طريق؛ فك الاشتباك الاستراتيجي بين الكيان الصهيوني وامريكا؛ في استثمار للزمن او الوقت او الظرف الانتخابي الذي تعيشه هذه الايام الولايات المتحدة الامريكية؛ بتحييد عمليا امريكا اي انها لا تشترك مع اسرائيل في مهاجمة ايران لاحقا، وبالتالي منع اسرائيل من الاقدام على مهاجمة ايران حاليا. وقد تجلى هذا في طلب بايدن من نتنياهو بعدم مهاجمة ايران كرد على الهجوم الايراني على اسرائيل.

ثانيا:- ايران قبل الهجوم كانت قد ابلغت الولايات المتحدة بالهجوم وانه سوف يكون محدودا زمنيا وجغرافيا.. وان ايران ليس في وارد سياستها؛ توسيع الصراع والحرب مع الكيان الصهيوني.

ثالثا:- ابلغت دول الجوار من انها سوف تهاجم اسرائيل، وقد كان هذا الابلاغ الايراني لدول الجوار قبل 72ساعة قبل الهجوم.

رابعا:-لم تشترك في الهجوم اي من فصائل المقاومة، فقد كان الهجوم ايرانيا صرفا..

خامسا:- ان هذا الهجوم كانت ايران قد خططت له بعناية فائقة، واحاطة وتحجيم للكل تداعياته في المنطقة التي ربما تنجم منه او عنه.

الاستنتاج:

اولا:- لأول مرة منذ ما يقارب الثلاث عقود؛ كسرت ايران او انها تجاوزت الحط الاحمر في مهاجمة اسرائيل؛ وهي اي في هذا الهجوم؛ قد اقدمت على خطوة شجاعة وجريئة جدا. وهي بهذا قد حطمت اسطورة القوة الاسرائيلية او امن اسرائيل كما فعلت اسطورة المقاومة الفلسطينية في السابع من اكتوبر.

ثانيا:-ان ايران لا تهاجم المصالح الامريكية حين تكون امريكا عمليا او انها عمليا لاتقف الى جانب اسرائيل. وهي اي ايران بهذا ترسل رسائل الى الولايات المتحدة من انها بوقوفها الباطل الى الجانب الاسرائيلي؛ كلفها  ولسوف يكلفها في المقبل من الزمن؛ الكثير من الاثمان التي هي في غنى عنها؛ ان هي وقفت على الحياد؟!..

ثالثا:- ان ايران تحرص وقد حرصت؛ على اقامة علاقات حسنة وجيدة مع دول الجوار العربي، وانها تحترم سيادتها واجوائها..

رابعا:- بهجومها هذا مع انه محدود في الزمن والجغرافية، لكنه قد ابلغ كل من امريكا واسرائيل؛ بان الاعتداء على مصالح ايران؛ سوف يكلفهما اثمان باهظة.

خامسا:- كسر هيبة امريكا بسبب دعمها غير المحدود للكيان الصهيوني، ووضعها في الزاوية؛ مما دفع الولايات المتحدة ان تنأى بنفسها عن الهجوم الاسرائيلي على القنصلية الامريكية، وتاليا ان تضغط على نتنياهو بعدم الرد على الهجوم الايراني.

سادسا:- حطم اسطورة القوة الاسرائيلية؛ لجهة ان اسرائيل لا يمكن مهاجمتها بسبب ما تمتلكه من قوة مدمرة وبالذات او حصريا في العقود الثلاث المنصرمة والى الآن.

سابعا:- قدمت ايران نفسها في هذا الهجوم؛ من انها قوة اقليمية؛ على اسرائيل وامريكا، ان تضعها في حسابها في الذي يخص السياسة في المنطقة العربية وفي جوارها.

ثامنا:- بهذا الهجوم قد ارسلت رسائل اطمئنان وثقة الى اذرعها في المنطقة العربية؛ من انها قوة يعتمد عليها في الصراع..

في الختام ان اسرائيل من المحتمل جدا؛ ان لا تريد على الهجوم الايراني وحتى اذا ردت؛ فأن ردها سوف يكون محدود جدا، ورمزيا.

***

مزهر جبر الساعدي

 

لأول مرة في تاريخ الصراع الإيراني / الاسرائيلي، تشن إيران هجوماً واسع النطاق من داخل أراضيها مباشرة، في ضرب اسرائيل بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة، ربما يتبادر الى الذهن بأن هذا الهجوم العسكري الواسع، كبد اسرائيل خسائر فادحة لا تعوض، وأن اسرائيل منيت بهزيمة شنيعة وخطيرة منذ نشؤئها كدولة قائمة على أراضي فلسطين المغتصبة، وقد يظن البعض بأن اسرائيل الحق بها دمار وخراب واسع، في تدمير القواعد العسكرية والمطارات والرادارات وقتلى وجرحى، أي باختصار العبارة تعطلت آلة الحرب العسكرية، ومرغت عنحهية إسرائيل بالوحل، بأنها تدعي بأنها أقوى قوة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، لأن مئات الصواريخ والطائرات المسيرة وصلت الى أهدافها واصابتها بنجاح، ومنيت اسرائيل بخسائر كبيرة، ولكن كل هذا لم يحدث حتى لو كان بشكل بسيط حتى بخدش هنا وهناك، فقد سقطت هذه المئات من الصواريخ والطائرات المسيرة،خارج اسرائيل أو على حدودها، ولم تحدث حتى اصرار بسيطة، ولم تقتل اسرائيلاً واحداً، ولم تخدش العنجهية الإسرائيلية حتى بخدش بسيط بل زادتها شراسة ووحشية، لقد جاءت الضربة الايرانية  رداً على قتل قيادات متقدمة في القنصلية الايرانية في دمشق / سورية دمرت بشكل كامل، هذا يعتبر بالعرف والقانون الدولي ارضي ايرانية . بهذا الهجوم الإيراني الفاشل، وفشل ايضاً، كل الدعايات الترويجية، بالشعارات الرنانة وصاعقة، بفناء اسرائيل بالكامل خلال سبع دقائق فقط، هذه الشعارات تاجرت بها ايران لأعوام طويلة، وبالتالي لم يحفظ الرد الايراني الصاروخي ماء الوجه ورد الاهانة لها، بشن هجوم واسع وهو تعتبره حقها الشرعي في قواعد الاشتباك . واتضحت إيران انها تعيد حكاية الملك العاري، واتضحت حقائق الهجوم الايراني بعد ذلك، بأنه كان ضمن المسرحية المعدة سلفاً وتقمص الأدوار والتقيد الصارم بما رسمه المخرج الأمريكي، في أداء الدور المسرحي والتقيد الصارم بما هو خططه المخرج الأمريكي، هذا يعيدنا الى تكرار مسرحية، ضرب القاعدة الامريكية عين الاسد في الانبار العراقية، بأن ايران توسلت بالرئيس الأمريكي السابق (ترامب) بضرب القاعدة ب18 صاروخ تقع على جدران القاعدة، ولا تحدث اضراراً ولا تجرح جندي أمريكي واحد كما صرح (ترمب) واضاف بقوله (تلك الليلة نمت مرتاحاً)، لانه يعرف اين تقع الصواريخ ويعرف احداثياتها، بعد مقتل سليماني، وهذا الهجوم الواسع الايراني الواسع، جاء ضمن المسرحية المعدة سلفاً، والدليل تصريح وزير خارجية إيران بقوله (أننا أبلغنا واشنطن قبل 72 ساعة من الهجوم، بأنه سيكون محدوداً للدفاع وحفظ ماء الوجه، ولا يسبب اضراراً الى اسرائيل) بهذه ضربة محدودة وبسيطة، وتكتفي إيران بذلك ولا في نيتها اتساع الصراع الايراني الاسرائيلي واستمراره، ينتهي الى هذا الحد، (وكفى المسلمين شر القتال) لكن اسرائيل تصدت بنجاح وافشلت المخطط الهجوم الواسع، بل زاد من عنجهيتها المتغطرسة، بأنها تطالب بالرد العسكري الرد بالرد، وتضعط على الرئيس (بايدن) ان يفتح لها مجالات الرد العسكري، رغم انه منع اسرائيل بالرد الفوري، تجنباً لاتساع الصراع العسكري في المنطقة، وامريكا تحاول بكل جهد كبح جماحه . ولكن مجلس الحرب الاسرائيلي يطالب بقوة وإصرار بضرب ايران في عمق اراضيها، بالضرب والرد بالمثل وهنا عين المشكلة الخطيرة، وتحت الضغط الهائل من اسرائيل على القيادة الامريكية، بأن هناك ما يشير غض الطرف عن ضربة محدودة من اسرائيل الى ايران لا تتجاوز خطر اتساع رقعة الصراع في المنطقة، بأن لا يكون هناك رد ورد متبادل، وبالتالي تخرج السيطرة عن ارادة المخرج الامريكي، رغم فشل الهجوم الايراني ونجاح اسرائيل بصد الهجوم، بل قدم خدمة كبيرة الى اسرائيل اخرجها من ازمتها الداخلية المتفاقمة، واخرج اسرائيل من الادانة العالمية الى التعاطف معها، وقدمت خدمة كبيرة الى نتانياهو من عزلته الداخلية والعالمية الى التعاطف والاسناد، وبالمقابل اظهر ايران للعالم بأنها دولة ارهابية، ومواقفها عامل مزعزع وعدم استقرار في المنطقة،رغم خروج اسرايل منتصرة من المجابهة العسكرية مع ايران، ولكن تبقى المواجهة مفتوحة على كل الاختيارات والاحتمالات، لان اسرائيل معروف عنجهيتها المتغطرسة والمتكبرة، لا يوقفها أحد حتى امريكا، وخاصة انها تملك قوة عسكرية هائلة بالتقدم التكنولوجي العسكري المتطور، وليس هناك مقارنة بين القوة العسكرية الاسرائيلية والايرانية، الفرق شاسع جداً لصالح اسرائيل، واذا انزلقت الأمور الى خارج السيطرة والتحكم، فليس بعيداً بضرب المفاعل والمنشآت النووية الإيرانية وحتى لو كانت تحت الأرض ب 80 متراً، ان اصرار مجلس الحرب الاسرائيلي بضرب ايران يظل قائماً لا جدال فيه ولكن هل تركع إيران بتقبل الضربة الاسرائيلية بعدم الرد، وعدم انجرافها الى الاسواء . وتتجرع طعم الهزيمة الفادحة القادمة؟.

***

جمعة عبد الله

 

أبحث في النص الذي أقرأه عن المعنى الذي يريد أن يعبّر عنه كاتبه، وهل تمكن من توظيف المفردات المستعملة للوصول لذروة نا يريد، وفي أكثر الأحيان ينتفي المعنى ويسود الأسلوب، وكأن الإبداع أسلوب وكفى.

بينما الإبداع الرائق هو الذي يرتكز على المعنى والأسلوب بتوافقية، ذات قدرة تعبيرية خلابة جذابة وواضحة.

ولا يمكن للمبدع أن يصل إلى هذا المقام الكفيل بإداء المعنى، دون ممارسة ومران وقراءة معمقة لنصوص المبدعين المتمكنين.

وتجدنا أمام سيادة الأسلوب على المعنى، فما أروع الأسلوب وما أهزل المعنى وأوهنه!!

ما قيمة النص المشير إلى أنه من نتاج الصنعة وحسب؟!!

تراثنا الكتابي أو التدويني يحفل بأرقى أساليب الكتابة بفنونها المتنوعة المتوافقة مع عصرها، لكن المعنى يكاد يكون مغيبا، فسحر الأسلوب لا يساهم في بناء العقل الثقافي المعرفي المقتدر.

الإبداع آلية لوضع التفكير السليم في أشكال تعبيرية عن معنى مفيد، بأسلوب ممتع ومتناغم مع طاقة المعنى ومعطياته الشعورية والإنساانية.

فلماذا التنافر بين المعنى والأسلوب؟

يبدو أن لضعف المعجمية اللغوية، وضيق الأفق، والتسرع بالنشر، ومؤثرات المواقع الإليكترونية، وإنحسار القراءة، وفقدان الكتاب لدوره التنويري، جعل الإبداع كتابة روتينة آلية، كانها من إنتاج روبوت، يجيد وضع الكلمات في سياقها النحوي، ولا يعنيه ما تشير إليه أو تريد التعبير عنه.

وكثيرا ما أتساءل، بأننا مقبلون على كتابات روبوتية ستطغى في العقود القادمات، بل أن جهاز الكومبيوتر سيكون هو الكاتب المفضل، فأطلق فكرة ما، وسيكتب عنها الكومبيوتر بسرعة وموسوعية غير مسبوقة، وتتفوق على قدرات البشر العقلية!!

فهل سيبقى للإبداع بأنواعه قيمة في المستقبل؟

إنه سؤال خطير يلوح في أفق الأيام!!

***

د. صادق السامرائي

31\8\2021

 

كثيرون تستهويهم الافلام الهندية لان عنصر المفاجأة فيها يفوق التصوّر الفكري والبيئة التكوينية للحدث الذي تراه! على الاقل هذا ماشعر به جيلنا القديم... لاني الان لا اتابع تراجيديات ولا كوميديات السينما الهندية ولا اعرف تحديثاتها... لكن في السياسة العربية عندما تربط الحابل بالنابل تقول فلم هندي!

الصهاينة قصفوا القنصلية الإيرانية في دمشق قصفا متعمدا وهذا إعتداء سكت عن شجبه أغلب أخواننا العرب بسبب بسيط جدا وهو حقدهم وكرههم ومشاعرهم السوداء تجاه إيران والأسباب معروفة تسطيرها لايقدّم ولا يؤخر.. وعندما أعلنت إيران انها ستّرد سمعنا كل أنغام الفرح والحزن والموسيقى العالمية تصوغ كل الالحان التي لم نسمع بها لا من بيتهوفن ولا من اي عبقري موسيقي في الكون!

الكثيرون قالوا لن ترّد ووضعوا لنا أسبابا مضحكة على الطريقة الخيالية التي هم رسموا خرائطها ومسارها الخيالي ثم صدقوّها! وإيرا سكتت وصمتت وهذا مبدأ معروف في الحرب النفسية كي تجعل عدوك في قمة الحذر كل لحظة ليس كل ساعة أو يوم.... مع ذلك كان العرب متيقنون من إن الردّ الإيراني فقاعة إعلامية... ولكن الصهاينة كانوا يعلمون الواقع وصامتون وحذرون وأتخذّوا كل وقايات الكون وأستعانوا بالتكنلوجيا الامريكية والفرنسية والبريطانية لزيادة الإطمئنان العسكري لصّد أي رد إيراني غير محتمل من العرب! بل وأتصلوا بالإشقاء الاردنيون قطعا للتنسيق في الموضوع... وهم في قمة التنسيق الذي تسطيره غير ذي فائدة...فهو من الوقائع المسلّم بها في الحياة السياسية.. مع الصهاينة... وبلحظة فجائية أنطلقت المسيّرات الإيرانية والصواريخ نحو إسرائيل! وأجتازت سماء عدة دول ... فحصل هلع كبير صمتي أو لحظي أو هاديء لان الإعلام العالمي ومعه العربي كله ضد إيران! وبلحظة واحدة أسقطت القبة الحديدية الصهيونية كل المسيّرات الإيرانية وكل الصواريخ ! وأحتفل الاطفال الصهاينة اعظم احتفال في الكون بصعاداّت العيد بالتعبير العراقي! وكانت البهجة مرسومة على وجوه العوائل والاطفال في كل مكان إحتفاءا بصدّ هذه الصفعة الإيرانية التدريبية (التي تحمل صفة فلم وثائقي هندي قصير) عندها انبرت الاقلام العربية المناضلة الباسلة لتعطيك التنظير العظيم عن هذه الضربة الكاذبة المخادعة التي حصلت بين الصهاينة وإيران (متناسين لماذا تدخلت امريكا وبريطانيا وفرنسا والاردن لصدّها إذا كانت لعبة أطفال متفق على تمريرها للبهجة والسرور) واعظم ما قرأت للدكتور عبد الله النفيسي ان هجوم إيران هو يصرف نظر العالم عن غزة (وينقذ حكومة نتنياهو من شفير السقوط) وتعليقات العرب كلها تشكك في الضربة وكإنها مباراة تنس!! إكرهوا إيران ماشئتم! لكن الضربة هي ضربة لكرامة العرب الذين لم يرسلوا بالونا للسماء الصهيونية والذين صمتوا عن نصرة غزة والذين صلّوا العيد وأبتهجوا ونسوا مرارة حزن الامهات وقتل الاطفال وفقدان الاباء.. إن ضربة ايران ضربة لكرامة كل الحكام العرب فقد أستعملت بعضا من قوتها العسكرية والصهاينة صمتوا لان المصاب جلل! ولن يعلنوا الخسائر ولكنهم في فرح غامر لان الخديعة العربية, أن الموضوع  هو(فلم هندي) ماشاء الله!!

***

عزيز الحافظ – كاتب عراقي

مجزرة الدوايمة

يظنون بأنهم قتلوا الشجرة ولم يعلموا بأن رب ثمرة لم تدركها عين ادخرت بذورها ليوم البذار فصنعت غابة....

تقع قرية الدوايمة بين بئر السبع والخليل، على بعد أقل من ٣ أميال من مدينة الخليل. وكان عدد سكانها يبلغ ٢٠٠ نسمة، رفع هذا العدد اللاجئين الذين تدفقوا إليها بسبب عمليات التطهير العرقي في بلداتهم وعددهم قرابة ٤٠٠٠ نسمة، فرفعوا بذلك عدد السكان إلى ثلاثة أضعاف.

لكن قرية الدوايمة لم تدم لا للسكان الأصليين ولا لمن التجأوا إليها بسبب المجزرة التي وقعت بها بتاريخ ٢٩/تشرين الأول/١٩٤٨ ضمن عملية "يواف". أما الوحدة التي نفذتها فكانت الكتيبة "٨٩" التابعة للواء الثامن.

فبعد ثلاثين دقيقة من صلاة يوم الجمعة دخلت عشرون عربة مصفحة إلى القرية من جهة قرية "قبية"، يرافقها دخول جنود الاحتلال من الجهة المقابلة. حيث قام جنود الاحتلال الذين دخلوا بالمصفحات بفتح النار من أسلحة اتوماتيكية ومدافع المورتر على سكان القرية بحركة شبه دائرية. ثم طوقوها من ثلاث جهات وتركوا الجهة الشرقية مفتوحة كي تتم من خلالها عملية الطرد. ولأن مواجهات دفاعية حدثت من قبل شبان القرية الذين كانوا يحرسون قريتهم ،قفز الجنود من المصفحات وراحوا يطلقون النار عليهم وعلى السكان دون تمييز بين طفل أو امراة أو شيخ. فما كان من السكان إلا أن لجأوا إلى جامع القرية وإلى كهف قريب من "عراق الزاغ" بهدف الاحتماء من نيران العدو. غير أن الحقد وغريزة الانتقام التي يمتلئ بها قلب العدو الفاشي قامت بقتل أولئك الذين احتموا بالجامع والكهف. وبشهادة من مختار القرية يقول أنه عندما تجرأ في اليوم التالي للمجزرة وعاد إلى القرية ،هاله مشهد الجثث المكدسة في الجامع وفي الشارع والتي سدت باب الكهف.

وكما هي عادة العدو في جميع المجازر فقد ارتكبوا الفظائع والأعمال الوحشية التي تقشعر لها الأبدان ،فمن جماجم الرضع المحطمة إلى إحراق النساء بعد الاعتداء عليهن إلى عمليات الطعن بحق الرجال حتى الموت.

والجدير بالذكر أن المراقبين الدوليين الذين دخلوا القرية بعد المجزرة اعترفوا بعجزهم عن تحديد عدد الضحايا. إلا أنه من المرجح أن العدد تجاوز ال ٣٠٠ شهيد.

وقد أصدرت دولة الاحتلال أوامرها للتعتيم على المجزرة ومنعت التحقيق بالجريمة. فظل المجرم والقاتل دون حساب إلى يومنا هذا وهو يقفز أعلى القوانين ولا يلتزم بها ولا يعترف بجرائمه.

واليوم تقوم مستوطنة "أماسيا" على أنقاض قرية كانت هنا يوما لكنها ستنتفض من جديد وتسلخ عنها ثوبا أرغمت على ارتداؤه.

***

بديعة النعيمي

 

السياسيون في العراق اليوم في أمس الحاجة الى قراءة للثقافة السياسية وتطابقها مع الحالة الانسانية في ادارة العملية بالصورة الصحيحة لأن الثقافة السياسية تتحكم في جميع مفاصل الحياة في الدولة، والبحث في السياسة، وتحليل أحداثها، (بالمناسبة هذه الحالة لا تنعكس على الكل إنما على الاغلبية السياسية) من الأمور المهمة التي تبني شخصية السياسي ولايمكن تجاوزها، فلذلك تتطلب أولا، الإلمام بما هي اللعبة السياسية ومعرفة دهاليزها المعتمة، والدلالات والتعابير السياسية الحديثة، واستخدامها في حل للكثير من الصراعات والأزمات، وجدليات السياسية، التي تعطي مجالا اوسع، لاستخدام اوسع للرموز وأكثر فهم المعنى والدلالات، في تمرير وتغطية الكثير من الغموض، والالتباسات، في دهاليز وأروقة الحروب، والنزاعات، والمؤامرات وفي كشف أساليب القمع،والتجريح والتسقيط ، والغبن السياسي.

لابد ان نعرف ان القراءة المنتجة هي التي تساهم في بناء الإنسان، بأهميته الوجودية وإمكاناته ودوره في التغيير، وبضرورة أن تخلق فرداً منتجاً مبدعاً ولا يكون إمّعة "الرجل الذي يقول لأي أحد أنا معك" دوما في دنيا الناس و تثقف المواطن بضرورة نبذ الأفكار الإرهابية الرسمية وغير الرسمية، والوقوف ضد التطرف الطائفي والعرقي والمذهبي، والتكاتف مع المظلومين والضعفاء وعدم انطلاء الأكاذيب السياسية على المواطنين التي ستقود إلى مزيد من الخراب والدم.

ولاشك من قراءة تاريخ ما بعد عام 2003 بفطنة لنجد ان كثيرا من الإرهاصات موجودة، وأن النار لا تزال تحت الرماد ولو طبقوا الجزء اليسير من ثقافة السياسية لاستطاعوا حل الكثير من المشكلات والعقد وتجاوز الكثير من السلبيات التي يمر بها بلدهم، وهم مدعوون اليوم لدراسته بحس وطني وديني كي يعبروا بالعراق نحو الأمن والازدهار والاستقرار . ولكن ان العديد من السیاسیین والذين أطلق عليهم زورا وبهتانا هذا الوصف لا يعرفون التعامل مع شعبهم وتطغى عليهم روح السلطة والتعالي والفساد ولا يعرفون إلا سبيل التهديد والارهاب لإسكات أفواه أصحاب الحق،هؤلاء هم أخطر أضعافا مضاعفة من كل عدو حين يبرزون استعمال كل الوسائل لتحقيق الغايات السياسية الخاصة بهم بعيدا عن الأطر الحضارية الانسانية التي تعتمد على القيم الثقافية الصحيحة . ووصل الحد بالبعض إلى التآمر لقتل رفاقهم وإخونهم وعلى كل ما ومن هو شريف بناءاً على حسابات القوة والسلطة والمصلحة التي تحميهم وعدم خضوع الطرف الآخر للواقع الذي هم فيه بعيدا عن مقاييس الشرف والثقافة السياسية التي تهتم بطبيعة العلاقة بين الأفراد من ناحية القيم والمعايير السلوكية مع السلطة السياسيّة في مجتمع ما، كما يمكن تعريف الثقافة السياسيّة بأنها جُملة من المعارف الخلقية والآراء والاتجاهات السائدة نحو شئون الادارة والحكم، الدولة والسلطة، الولاء والانتماء، الشرعية والمشاركة. وتعنى أيضاً منظومة المعتقدات والرموز والقيم المحددة للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة المناسبة بين الحاكم والمحكوم.

معنى ذلك أن الثقافة السياسية تتمحور حول قيم واتجاهات وقناعات طويلة الأمد بخصوص الظواهر السياسية، وينقل كل مجتمع مجموعة رموزه وقيمه وأعرافها الأساسية إلى أفراد شعبه، ويشكل الأفراد مجموعة من القناعات بخصوص أدوار النظام السياسي بشتى مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحقوقهم وواجباتهم نحو ذلك النظام السياسي. ولما كانت الثقافة السياسية للمجتمع جزءاً من ثقافته العامة، وتشمل مجموعة من الثقافات الفرعية واهمها اختيار النخبة الحاكمة، باشتراك المواطنين متمثلة من طبقات الشعب والثقافة السياسية هي مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطی نظاماً ومعنى للعملية السياسية، وتقدم القواعد المستقرة التي تحكم تصرفات الأفراد داخل النظام السياسي، وبذلك فهي تنصب على المثل والمعايير السياسية التي يلتزم بها أعضاء المجتمع السياسي، والتي تحدد الإطار الذي يحدث التصرف في نطاقه والثقافية السياسية لا تعرف الثبات المطلق، ويتوقف حجم ومدى التغير على عدة عوامل من بينها مدى ومعدل التغير في البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودرجة اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافي، وحجم الاهتمام الذي توليه تخصصات الدولة لإحداث هذا التغيير في ثقافة المجتمع، ومدى رسوخ هذه القيم في نفوس الأفراد والتعامل معهم .والتي يفتقر أكثر السياسيين اليوم لها.

 لكن من الذي يستطيع استخدام العقل والفكر السياسي الذي يركز على التنمية والتطور غير الملم بالفكر السياسي البنوي لا الذي يهدم ويكون لديه الوقت ليفكر في إرباك العملية السياسية المريضة وهذا ما شهدنا منذ سقوط النظام البائد للبعث، ان العمل الجماعي ً من أجل قراءة صحيحة مليئة بقيم الحب والتكاتف والسلام والعطاء والتوقف بوجه الأفكار المليئة بالكراهية والتناحر والحروب والتدمير، هي التي في حينها يمكن أن نجعل من القراءة اللبنة الأساسية لإعادة بناء العراق بكسر معاول التهديم التي لازالة تنخر بعصب المجتمع، وبأقلام وأيدي وعقول متجردة خبيثة واقفة ضد دعاة القراءة الصحيحة للسياسة في زمن الحقد والدمار والجهل.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

هل ينجح "نتنياهو" في توريط امريكا في حرب اقليمية في الشرق الأوسط من الهروب من محاكمتة بعد الإنتهاء من حرب غزة ..؟ هل من حق إيران أن ترد على ضرب مقر القنصلية فى دمشق..؟ يجب أن نفهم أن هذه الضربة هى رد فعل لحالات كثيرة من الاعتداءات الإسرائيلية علي إيران منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979..هل هذة الضربة سوف تخفف الأوضاع في غزة .و مساعدة إيران لحماس وحزب الله فى لبنان وأنصار الله فى اليمن ...؟ وأيضاً لتوريط أمريكا فى مستنقع الشرق الأوسط. خصوصاً أن القادة العسكريين فى إسرائيل يرون أن أمريكا هى المدافع الأول عن إسرائيل. وغالباً

يرى القادة فى جيش الدفاع الإسرائيلى أن جيشهم لن يتحمل طويلاً حرب الإستنزاف فى عدة مناطق فى إسرائيل من شمالها الى جنوبها وفى داخلها. وقد أنهك الجيش الآن بعد أكثر من 6 أشهر. وذلك بعد المناقشات بينهم توصلوا لتوريط أمريكا فى الحرب من رد فعل عنيف على إسرائيل بعد ضرب بعثتها الدبلوماسية فى دمشق المنافية للاعراف والبروتوكلات الدولية ..!!  هل التاريخ سوف يعيد نفسه فقد انقذ ثعلب السياسة الأمريكية (هنرى كيسنجر) إسرائيل من حرب الإستنزاف التى شنتها مصر على إسرائيل بإعلان بمبادرة "روجرز" التى أوقفت الحرب حتى تلتقط إسرائيل أنفاسها بعد 3 سنوات من حرب 1967 وكانت حرب الاستنزاف المصرية على حدود إسرائيل من سيناء فقط وليست عامة فى كل أنحاء إسرائيل,هل تفتح إيران جبهة الجولان المحتلة لحرب مفتوحة ومواجهة برية لوكلائها في سوريا وشمال الجليل الأعلي من استخدام أسلحة حديثة تصل الي عمق الأراضي المحتلة؟ هذا ما تكشفة لنا الأيام المقبلة في حالة الرد الإسرائيلي.

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

في السياسة لا تكشف الدول دائماً كل أوراقها وأهدافها الاستراتيجية وخصوصاً في المناطق التي تشهد حالة حرب وتوترات سياسية، فقد يبدو المشهد وكأن هناك عداءً سياسياً ويتم توظيف خطاب إعلامي متشنج واتهامات متبادلة يزعم كل طرف الطرف الآخر بأنه يهدد وجوده القومي والسلام في المنطقة، ولكن في الخفاء يكون هناك توافق وتفاهمات على الحفاظ على مصالح مشركة وتقاسم النفوذ ومواجهة عدو مشترك والالتزام بقواعد الاشتباك وعدم الانزلاق نحو حرب شاملة.

هذا الأمر ينطبق على العلاقة بين إيران وأذرعها في المنطقة من جانب وواشنطن والغرب وإسرائيل من جانب آخر. فمنذ ثورة الخميني 1979 واحتلال السفارة الأمريكية في طهران وتحويلها لسفارة فلسطين وإعلان طهران أن واشنطن (الشيطان الأكبر) وتشكيل فيلق وجيش القدس المليوني الذي قاتل في كل مكان إلا في فلسطين، ثم الخلافات حول الملف النووي الخ ونحن نسمع خطابات مبالِغة في لهجتها العدائية سواء من واشنطن وإسرائيل ودول الغرب تجاه إيران أو على العكس من ايران تجاه هذه الأطراف، ولكن في نفس الوقت كانت تجرى مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين الطرفين في القنوات السرية على تقاسم النفوذ في المنطقة على حساب الدول العربية والمشروع القومي العربي، وهذا التنسيق بدأ بإثارة الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة لتفكيك دول المنطقة بدأ من العراق الى سوريا ولبنان واليمن مما أدى لتفكيك هذه الدول وإضعافها والسماح بتدخل جيوش أجنبية فيها، ونفس الأمر في فلسطين حيث دعمت إيران حركتي الجهاد الإسلامي وحماس على حساب منظمة التحرير والسلطة مما أدى للانقسام وجر الفلسطينيين الى حروب مع إسرائيل وخصوصاً في غزة أدت لسقوط آلاف الشهداء والجرحى وتدمير البنية التحتية وإضعاف النظام السياسي الرسمي، وكانت حرب الإبادة على غزة في أكتوبر من العام الماضي مثالاً على تخاذل ايران ودول أخرى كانت تزعم أنها حليف للمقاومة الفلسطينية.

فقد سكتت إيران على ضم القدس وتحويلها لعاصمة لدولة الكيان كما سكتت على اقتحامات المسجد الأقصى وجرائم المستوطنين وسكتت طوال ستة أشهر من حرب الإبادة على غزة ولم تتحرك إلا بعد استهداف قنصليتها في دمشق.

بعد مهزلة أو مسرحية الرد الإيراني بقصف إسرائيل دون أي خسائر بشرية أو مادية، وزعم إيران أنها لقنت العدو درساً وإن لم ترد إسرائيل فالأمر سيتوقف عند هذا الحد !، بعد هذا ماذا استفادت القضية الفلسطينية وما هو تأثير هذه المواجهة المتفق عليها على حرب الإبادة على غزة؟ وإن لم ترد إسرائيل فهل انتهى دور ايران في معركة تحرير فلسطين؟

للآسف ستعزز إيران نفوذها في المنطقة وسيستمر التحالف الخفي بين طهران وواشنطن على تقاسم الهيمنة على المنطقة العربية، وإسرائيل ستستوعب وتتفهم الرد الإيراني الهزلي ولكنها ستواصل استهداف قواعد النفوذ الإيراني في المنطقة وربما ستضرب مواقع استراتيجية في إيران ولن ترد إيران لأنها إن ردت بقوة أكبر فهذا قد يدفع للتدخل مباشرة من واشنطن ودول غربية في المواجهة حتى لا تلجأ إسرائيل لاستعمال السلاح النووي للدفاع عن نفسها..

أما تداعيات ما جرى على القضية الفلسطينية وحرب الإبادة على غزة فسيكون سلبياً فبالإضافة إلى أن التصرف الإيراني خطف الأنظار عما يجري من حرب الإبادة على غزة دون أن تردع العدو عن الاستمرار بحربه المدمرة على الضفة وغزة، فإن الرد الإيراني كشف محدودية القدرات العسكرية لإيران وما يسمى محور المقاومة، وبالتالي يفترض بحركتي حماس والجهاد وقف مراهنتهم على هذا المحور الذي ثبت أنه يوظف القضية الفلسطينية ودماء وعذابات الفلسطينيين لخدمة المصالح الاستراتيجية لإيران في المنطقة، وما يؤكد ذلك أن إيران تقول أنها ستوقف الحرب إن لم ترد إسرائيل بضرب العمق الإيراني وهذا معناه ترك الفلسطينيين لوحدهم في الميدان.

***

إبراهيم ابراش

القرن الحادي والعشرون غير مسبوق في التأريخ، فأيامه تتجدد ومعطياته تتعدد، وتتطور بتعجيل فائق التسارع والتنافس والتوثب إلى عوالم المجهول، المشحون بالمستجدات والمعطيات الصاخبات.

وعندما نتساءل عن دور الكتاب في حياتنا يتحشرج الجواب في الصدور!!

قبل عقدين عندما أزور صديقا يكون الحديث عن الكتب التي قرأها وآخر ما صدر منها، ويحثني على مطالعة هذا الكتاب أو ذاك.

واليوم عندما أزور صديقا، أجده مشدودا إلى الهاتف النقال، ومنتوجات التكنولوجية الإليكترونية، كالآيباد واللاب توب، وأخواتها من أدوات إستلاب الوقت والإنتباه.

وأتساءل عن دور الكتاب في حياتنا.

في السابق عندما تكون في مكان إنتظار، تجد معظم المنتظرين يحدقون في كتاب، واليوم الجميع مشدود لهاتفه، ومن النادر أن تجد مَن يتصفح كتابا.

فهل أن عصر الكتاب إنتهى؟

لا أعرف الجواب، والذي أراه أن أدراج مكتبتي أخذت تنفر من الكتب، وأشعر بأني ملزم بالإنصياع لإرادتها، فهي متلهفة لمعطيات العصر، فقد سئمت من الكتب المرصوفة عليها.

أنظر إلى مكتبتي وأقارن بين كم من الوقت  يمضي مع الكتاب  وكم منه يمضي مع الشاشة.

وينتابني إحساس بأني أشيّع مكتبتي!!

إنها مرحلة ليس من السهل التكيف معها، وتمثلها، وقد تنوعت نوافذ تدفق المعارف، وتفوّق المسموع على المرئي، فأجيال العصر تقرأ بآذانها، وما عادت عيونها صديقة للسطور.

فإلى أين المسير، والثورات التكنولوجية ذات أعاصير توسونامية، تكتسح ما قبلها وتأتينا بالمثير المستطير!!

فهل "أن الكتاب صديق لا يخون"، أم الهاتف صاحبنا المأمون؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

لا تشغل بالك، عزيزي القارئ بمحاولة الوقوف على معنى استقبال محافظ كربلاء لرائد الفضاء العراقي "أبو شاهين " ولا تضرب أخماساً في أسداس وأنت ترى كيف استبدلنا منجزات صبيحة الشيخ داود وزها حديد بحكايات رائدة الفكر الحديث " ام فهد " !!

في مقدمة كتابه المهم "نظام التفاهة" يضع أستاذ الفلسفة الكندي ألان دونو هذه الجملة المعبرة عن الحال الذي وصلنا إليه: "ضع كتبك المعقّدة جانباً.. لا تكن فخوراً، ولا روحانياً، ولا حتى مرتاحاً… لقد تغيّر الزمان، فلم يعُد هناك اقتحامٌ للباستيل ولا شيء يُقارن بحريق الرايخستاغ، كما أن البارِجة الروسيّة "أورورا لم تُطلِق طلقة واحدة باتّجاه اليابان. ومع ذلك، فقد شُنَّ الهجوم بنجاح: لقد تبوّأ التافهون موقِع السّلطة".

قد يقول قارئ عزيز؛ ما الغريب في الأمر ونحن نعيش في زمن مواقع التواصل الاجتماعي التي يخرج فيها البعض ليسخر من علي الوردي ويشتمه، فيما نائب يصر على أن بناء مدينة باسم علي الوردي خيانة للقضية الفلسطينية، وعليك عزيزي القارئ أن تحل لغز العلاقة بين ما يجري في غزة وبين بناء مدينة في العراق تحمل اسم أحد أبرز أعلام الفكر الوطني العراقي؟، فلم العجب اذن ومتولي اقتصاد العراق نور زهير استطاع بمكالمة هاتفية أن يهرب سجيناً، مثلما استطاع أن يلفلف في وضح النهارثلاثة مليارات دولار، فيما تحول موظف صيرفة إلى صاحب عدد من المصارف يتحكم من خلالها بمزاد العملة.. وربما يسخر مني قارئ فيقول: لماذا علامات التعجب ونحن نعيش في بلد تحولت فيه السياسية إلى استعراضات وخطب يصول ويجول أصحابها في الفضائيات، يتحدثون في الاقتصاد والسياسة والقانون وحقوق الإنسان، لكنهم يتحسسون من مفردة " دولة مدنية "، معظمهم يفقدون اتصالهم بالواقع لأنهم مهمومون بالامتيازات والصفقات

في كتابه يؤكد ألان دونو أن التفاهة تظهر بشكل فجّ وصادم في مواقع التواصل الاجتماعي وشاشات الفضائيات . قل أسخف السخافات، وتشدق بأكثر الخرافات لا معقولية، ولا تهتم، فهذه هي البوابة الرئيسية لدخول عالم " المشاهير " بكفالة نظام التفاهة .

منذ سنين ونحن نعيش مسرحية فيلم طويل عنوانه سرقة أموال البلاد،، وثمة أشياء نمر عليها سريعاً، ومنها ما صنعته إرادة شاب يعمل في سلك الشرطة اسمه سيف عباس كَطوف عندما قرر أن يطلق مشروعه الحلم من خلال فكرة أقرب إلى الخيال من الحقيقة، بناء مدينة من مئة بيت للفقراء واليتامى، جمعها من تبرعات المواطنين، هذا الشاب النموذج الحقيقي للمواطن العراقي يعمل بصمت ونكران للذات، في وقت يتقافز فيه "مشاهير الصدفة " على مواقع التواصل الاجتماعي

***

علي حسين

رداً على استهداف "إسرائيل" للقنصلية الإيرانية في دمشق وتدميرها، قامت إيران بتوجيه ضربة صاروخية واسعة استهدفت العمق الإسرائيلي منها إصابة قاعدتين عسكريتين -وفق الرواية الإيرانية- و"مطار رامون" والمراكز التي تحوي الطائرات من نوع ف 35 علماً أن تلك المرابض أخليت من الطائرات حتى لا تتعرض للخطر.. جاء ذلك بعد احتجاز سفينة إسرائيلية عند مضيق هرمز من قبل البحرية الإيرانية.

هيئة البث الإسرائيلية قالت قبل قليل بأن ما يزيد عن 80 طائرة مسيرة إيرانية أخرى انطلقت من إيران وقد تصل أهدافها بعد نحو ساعتين.

من جهته الكابينت فوض نتنياهو بإدارة الرد الإسرائيلي وفي الغالب سيكون سريعاً وقد يستهدف مستودعات أسلحة إيرانية في العمق الإيراني.

من هنا نستخلص بأن طبيعة الرد الإيراني يثبت في أن قواعد الاشتباك في المنطقة ليست ملكاً للعدو الإسرائيلي الباغي كما كان عليه الحال قبل طوفان الأقصى، وخاصة بعد أن مني جيشه بهزيمة نكراء في غزة باعتراف قادته العسكريين.

من جهتها وصفت قناة (كان) العبرية الهجوم بالكبير جداً حيث استخدمت فيه الصواريخ والطائرات المسيرة.. وسقط عدد كبير من الصواريخ أو "شظاياها" في عدد من المدن الإسرائيلية أبرزها تل أبيب وإيلات وديمونا والنقب، كما تم رصد عدد من عمليات التصدي لأجسام جوية فوق مدينة القدس.. ودوت صافرات الإنذار قرب مفاعل ديمونا النووي، وفي جنوب صحراء النقب ووسطها، وفي عراد شرقي صحراء النقب، وسمع دوي انفجارات قرب تل أبيب. إنها عملية واسعة النطاق.

وكان بايدن قد وعد رئيس الوزراء [الإسرائيلي نتنياهو بالتزامه بأمن "إسرائيل".

ومن المتوقع الآن أن يغادر الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، المسؤولة عن العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، إلى "إسرائيل ليجتمع مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت" لمناقشة "الهجوم الإيراني "، وكيف يمكن للولايات المتحدة الرد من باب الالتزام الأمريكي بحماية أمن "إسرائيل".

العملية الإيرانية أثارت بهجة الفلسطينيين في الضفة الغربية رغم ما يتعرضون له من جرائم إبادة في غزة، بالإضافة للهجمات المستعرة التي نفذها المستوطنون الإسرائيليون -تزامناً مع القصف الإيراني- في قرية بيتين في الضفة الغربية أدت إلى ارتقاء طفل فلسطيني شهيداً وإصابة آخرين.

صحيح أن الرد الإيراني من شأنه أن يحفظ ماء الوجه لطهران، ويرفع من معنويات المقاومة في غزة التي تعتبر السبب المباشر في توسيع دائرة الحرب الكارثية بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي؛ لكنه أيضاً سيوحد حلفاء " إسرائيل" الغربيين وخاصة في الساحة الإمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين فيما يتعلق بالدعم العسكري الذي جمد من قبل الإدارة الأمريكية على خلفية تداعيات الحرب في غزة.

وهي فرصة متاحة قد تستغلها"إسرائيل" باتجاه حرف الأنظار عن جرائم الاحتلال التطهيرية في غزة الحاضرة في كل تفاصيل المشهد الإقليمي، والظهور بمظهر الضحية في عالم تتعدد فيه المكاييل.

في المحصلة فإن الرد الإيراني لم يتوقف حتى ساعة كتابة هذا المقال، لكن بعض المؤشرات توضح حجم القدرات الإيرانية على رد سيكون أشد قساوة إزاء أي هجوم إسرائيلي مقبل.

ومن تلك المؤشرات، مرور إحدى الصواريخ من فوق الكنيست الإسرائيلي، وقيام إيران بإشعار الإمريكيين والإسرائيليين بتوقيت الهجوم الذي نفذ فجر اليوم، كرسالة مفادها أن الرد الإيراني القادم سيكون مفاجئاً ومزلزلاً وقد يستهدف مراكز اتخاذ القرار في دولة مارقة ك"إسرائيل".

وسنوافيكم بالتحليلات تباعاً وفق المستجدات التصعيدية كجزء من الحرب التطهيرية على غزة التي أوقدت النار في الهشيم وأزالت الأقنعة وأعادت تعريف من هو الصهيوني في ظل الاصطفافات الدولية الجديدة.

***

بقلم: بكر السباتين

14 أبريل 2024

 

تصدم تلميذه المصري فيتمرد عليه!.. فيديو

كنت قد أشرتُ إلى عدد من أخطاء الربيعي المعلوماتية والمنهجية في دراستي المطولة (من ص 109 إلى ص 171 – ضمن كتابي "نقد الجغرافيا التوراتية خارج فلسطين" – دار الانتشار العربي -2021) عن كتبه وفرضيته القائلة بأن قصة اليهود والتوراة حدثت في اليمن وليس في أي مكان آخر، ولكنه لم يرد على دراستي أو دراسات ومقالات غيري بكلمة واحدة بل ظل مأخوذا بالعزة بالإثم ومتحصناً بالصمت الاستعلائي معتبراً أن ما يقوله ويكتبه هو، هو الحق المبين لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه، وعلى سبيل التذكير أقتبس من دراستي المذكورة هذه الأمثلة:

* لا يفرق الربيعي بين النبي والقاضي العبري صموئيل بن ألقانة، المولود سنة 931 ق.م، بحسب التوراة، وبين الشاعر العربي اليهودي السموأل بن عاديا، والمتوفى سنة 560م. فالربيعي يعتبرهما شخصاً واحدا، ويكتب بكل اطمئنان (بحسب سفر صموئيل النبي وهو المعروف عند الإخباريين العرب بالسموأل اليهودي/ القدس ليست أورشليم مساهمة في تصحيح تاريخ فلسطين – ص12)، في حين أنهما، في الحقيقة، شخصيتان مختلفتان، يفصل بين الأول، النبي صموئيل، والثاني، الشاعر السموأل، ألف وخمسمائة عام تقريباً.

*وثمة خطأ مذهل آخر في قوله، في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه (القدس ليست أورشليم) "لقد عُرف جنوب الشام باسم إيلياء، وقال إنه اسم مؤنث للإله العربي الذكر (أيل – ءيل) الذي ينصرف إلى اسم الله، وقد عرفه العرب والمسلمون، واستعملوه في مدوناتهم ورواياتهم دون حرج). والربيعي يدلي بهذه المعلومة بكل راحة بال، جاهلاً، كيف ولد اسم إيلياء، ولمن ينسب، ومتى ولد، وهل أطلق على جنوب الشام، أم على مدينة أورشليم – القدس؟ وكنتُ قد ذكرتُ في الفصل الثالث عشر من كتابي "موجز تاريخ فلسطين"، المعلومات الموثقة والشائعة التالية، إن الإمبراطور الروماني هادريان قرر سنة 117 م، تحويل القدس إلى مستعمرة للجنود الرومان، وأطلق عليها اسم عائلته المختصر "إيلياء"، فقد كان اسم الجد الأعلى لعائلة وعشيرة الإمبراطور هادريان يحمل اسم إيلياء (Aelia) أما كلمة كابيتولينا (Capitolina) فتعني المدينة الجديدة أي المدينة الجديدة المخصصة لجوبيتر كابيتولينوس، (جو بيتر أبو السماء في الميثيولوجيا الرومانية قبل المسيحية). وبهذا الاسم (إيلياء) عرفت أورشليم - القدس عند العرب في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام. وظل هذا الاسم شائعاً عند العرب إلى جانب اسم بيت المقدس حتى العصر الأموي، حيث نقرأ للشاعر الفرزدق المتوفى بالبصرة سنة 732 م، وهو من قبيلة تميم، التي كانت من القبائل العربية المسيحية قبل الإسلام، نقرأ قوله شعراً:

وبَيتانِ بَيتُ اللَّهِ نَحْنُ وُلاتُهُ ......... وبَيتٌ بِأَعْلَى إيلياءَ مُشَرَّفُ

*أنتقل الآن إلى ما سجله المدون المصري د. أشرف عزت في لقاء مصور مع الربيعي من أخطاء، ولكن قبل ذلك أود أن أسجل تحفظي على طريقة إدارة السيد عزت للحوار ومقاطعته لضيفه بطريقة متشنجة ومسرحية لا تخلو من الإلحاح والافتعال وعلى سيناريو هذه المقابلة وتقطيعها بخلاصات منحازة، وأيضا على عدم دقة بعض معلوماته التي أدلى بها، ومن ذلك:

 -قول عزت إنَّ الترجمة السبعينية للتوراة توجد منها نسخ لدى الكنيسة الكاثوليكية ونسخة أخرى موجودة في مكتبة الإسكندرية الجديدة يوحي وكأنه يقصد وجود نسخ أصلية من هذه الترجمة. وهذا كلام غير دقيق، فالمعروف أن الترجمة السبعينية حقيقة تأريخية كحدث وأقدم إشارة إلى هذه الترجمة وردت في كتابات الفيلسوف اليهودي الإسكندري أرستوبولس (حوالي عام 170 ق.م)، ولكن نسختها الأصلية التي أنجزت في القرن الثالث ق.م، لم تعد موجودة في عصرنا. هناك ثلاث نسخ استنسخت منها بعدها بعدة قرون وهي النسخة السينائية وكتبت بين سنتي 325 و360م، وهي في المكتبة البريطانية. ومخطوطة الفاتيكان وتعود إلى القرن الرابع الميلادي أي بعد سبعة قرون على الترجمة السبعينية، ونسخة ثالثة وهي ناقصة كثيرا وتسمى نسخة الاسكندرية وكتبت في القرن الخامس الميلادي. ولا ندري الكيفية التي نسخت بها هذه النسخ وأين ذهبت النسخة الأصلية. ويذكر بيشوي فخر أن "أقدم النصوص المعروفة اليوم للكتاب المقدس هو بردية للسبعينية تعود للقرن الثاني ق.م، محفوظة في جامعة مانشستر في إنكلترا وفيها جزء من (سِفر تثنية 25: 1 - 3)". 

أما أول طبعة حديثة من الترجمة السبعينية فقد صدرت في بداية القرن السادس عشر بعد اختراع الطباعة كما يقول موقع الكتاب المقدس، ويضيف محرر الموقع (ثمة بعض الدلائل المذهلة على أن أسفارا من الترجمة السبعينية هي (الناموس والأنبياء وسائر الأسفار في العهد القديم، كانت متداولة في 132 ق.م) ولم يذكر المحدد ما هي هذه "الأدلة المذهلة"!

-لم يكن أشرف عزت دقيقاً في اعتباره حاكم أورشليم - القدس عبدي هبا / أو خبا الذي وردت رسالته - ضمن رسائل تل العمارنة – يطلب فيها العون من ملك مصر امنحوتب الرابع "إخناتون" حاكماً عربياً في منطقة عربية وليس كنعانياً لأن اسمه عربي، فهذا الاعتبار ليس دقيقاً و حاسماً فالأسماء الكنعانية قريبة من الأسماء العربية لفظا ومعنى وإذن فهذا ليس مقياسا يصح بموجبه تعيين قومية أو أصل هذا الشخص أو ذاك فيمكن أن يكون (عبدي خبا) كنعانياً يبوسياً كما يمكن أن يكون أموريا مثل سميه "عبدي عشيرتا" وهو الحاكم الأموري الذي وحَّدَ منطقة أمور غرب شمال بلاد الرافدين في شرق سوريا المعاصرة في القرن الرابع ق.م.

-خطأ آخر ارتكبه أشرف عزت - وللأمانة فالذي كشفه هو مدون آخر يدعى شريف القاضي - في فيديو تعقيبي له، قال فيه إنَّ اعتراض أشرف عزت على المسار التوراتي للخروج اليهودي من مصر إلى بلاد كنعان "فلسطين القديمة" غير صحيح "لأن أرض كنعان - كما يحاجج عزت - كانت جزءا من مصر، وعليه لا يعتبر الخروج اليهودي من مصر خروجا منها، ويضرب مثالا على أن السفر من ولاية أميركية إلى أخرى في عصرنا لا يعتبر سفرا إلى خارج الولايات المتحدة". ويرد القاضي على هذا الكلام بأدلة آثارية مترجمة من اللغة المصرية القديمة مفاده أن بلاد كنعان وجميع البلدان التي غزاها المصريون القدماء لم تكن جزءاً من مصر، ولم يعتبرها المصريون جزءا من بلادهم حتى لو احتلوها، لأنهم لم يستعمروها ويستوطنوها بعد احتلالها ولأنهم كانوا يتطيرون من أن يموتوا ويدفنوا خارج أرضهم المقدسة "مصر". وكانوا يشيرون إلى بلاد كنعان وغيرها في كتاباتهم بعلامات تدل على البلاد الأجنبية وهي الأرض المتموجة أو الجبال وإلى جانبها عصا/ الصورة الصغيرة. وهذه العلامة وجدت في لوحة مرنبتاح مع أسماء ليبيا وعسقلان وكنعان ولم تكتب مع كلمة (إزرايل) وسنتوقف عندها بعد قليل.

أعتقد أن شريف القاضي مصيب في كلامه حول الفصل بين مصر وبلاد كنعان ولكن ما يقوله هنا لا يثبت تأريخية الخروج العبراني من مصر بأية صورة من الصورة لأن الدليل لا يذكر شيئاً عن هذا الخروج ولا عن مساره بل أن السردية المصرية القديمة كلها لا تذكر شيئاً عن اليهود ونبيهم موسى، أو لنقل إننا لم نعثر حتى الآن على دليل آثاري ملموس كهذا.

وفي السياق يكشف القاضي عن تفصيل غاية في الأهمية، وهو إن كلمة (إزرايل) التي وردت في لوح الكرنك وفسرها التوراتيون والصهاينة على أنها تعني أرض إسرائيل "لم تكن مرفوقة بعلامتي التعريف للبلد وهما العصا والأرض المتموجة، بل بعلامة الناس وهي رجل واقف وحول رقبته حبل (هل المقصود الأسير؟). أما في مسلة مرنبتاح فهناك وصف دقيق للأرض وعلامة التعريف للبلاد الأجنبية مع أسماء ليبيا وكنعان وعسقلان أما إزرايل في هذه المسلة فقد ذكرت كشعب بلا أرض أي كمجموعة من الناس قد يكونون قبيلة بدوية من الرحل وليس كبلد إلى جانب بلدان أخرى. وأرجح ان التمييز بين أرض كنعان وعسقلان سببه أن عسقلان كانت قد تكرست كمستعمرة للمهاجرين الفلسطة البحريين إلى جانب غزة وثلاث مدن ساحلية أخرى وبهذا فهي مختلفة عن سكان أرض كنعان الجزيريين الساميين.

أما الكارثة (أو الكوارث) العلمية التي كشف عنها هذا الفيديو فهي أن الربيعي لم يسمع من قبل بالترجمة السبعينية، ولم يعرف عمَّ يتكلم محاوره وتلميذه المصري. ورغم جهله بموضوع هذه الترجمة الشهيرة التي لا يعرف عنها شيئاً فقد شكك بها ووضعها على ملاك "التلفيق التوراتي" لا لشيء إلا لأنها تتناقض مع نظريته التي تقول إن قصة موسى والفرعون هي قصة شعبية وردت في القرآن أولا، ولا توجد في التوراة كلمة فرعون وإنما توجد كلمة "فرعا" ثانيا. ويضيف الربيعي أن قصة موسى والفرعون وردت في الكتابات الإسلامية في العصر العباسي أولا "ومن المصادر الإسلامية العباسية انتشرت قصة موسى والفرعون ووصلت إلى الأوروبيين"!

وأخيرا فالربيعي يرفض الإجابة على العديد من الأسئلة بحجة أنه لا يريد أن يصطدم بالكنيسة، ولكنه ينتقد بعنف التوراة وما يسميه التلفيق التوراتي والتوراة نفسها وينفي وجود ترجمة سبعينية لها جاهلاً أن الكنائس المسيحية تؤمن بالتوراة "العهد القديم" وتقدسه كما تقدس الأناجيل الأربعة أي العهد الجديد. وتكاد الكنيسة البروتستانتية تفوق اليهودية الصهيونية في إيمانها بالتوراة وتقديسها. وهذا ما يجهله الربيعي الذي أصدر عشرات الكتب في التاريخ والإناسة وتاريخ الأديان بل إن له كتاب بعنوان "المسيح العربي، النصرانية في الجزيرة العربية".

 وأخيرا يسجل أشرف عزت على الربيعي أنه يقول إن الهيكل اليهودي كان موجودا في اليمن وأن القائد الروماني إليوس جالوس هو الذي أحرقه خلال غزوه لليمن. وجالوس كان حاكما لمصر سنة 24 أو 26 ميلادية، وقد أمره الإمبراطور الروماني أغسطس بأن يؤمن طريق البخور من اليمن بحملة عسكرية فقام بها وعاد مهزوما بسبب إصابة جنوده بالطاعون.

أما الربيعي فيقول إن جالوت الذي ورد ذكره في التوراة والقرآن ما هو إلا جالوس الروماني خالطا بهذا بين قصة وشخصية جالوت من القرن 11 ق.م، وبين حملة جالوس الروماني بعد الميلاد، أي أن الفرق بينهما يصل إلى حوالي ألف وأربعين سنة ق.م. فهل من المعقول أن يصدر هذا الكلام من باحث أو حتى طالب جامعي في السنة الأولى؟

الطريف في هذا الفيديو هو أن مقدمه ومعده أشرف عزت الذي يظهر في جزء ثان منه ليعقب على ردود الأفعال عليه ويقول لأنه صدم ببعض ردود الأفعال والاتهامات التي وجهها بعض مؤيدو الربيعي له ومنها اتهامه بالصهيونية والعمالة لإسرائيل. ولكي يدافع عن نفسه يقول إن هناك سوء فهم غريب و"غباء" من قبل البعض لأنه واحد ممن يؤمنون بعربية التوراة وإنه أجرى عدة مقابلات ممن يحسبون على مدرسة سماها "عربية والتوراة" ومنهم الباحث الفلسطيني أحمد الدبش (ويبدو أنه التقى بالباحث أحمد الدبش سنة 2017 أي قبل أن يتراجع الدبش عن تبنيه لنظرية "يمنية التوراة" وينبذها بكل وضوح ويتراجع أيضا عما ورد في عدد من كتبه هو شخصيا حولها وفي باب تأييدها سنة 2021)، ووسيم السيسي، وهو طبيب جراح مصري انخرط في البحث الآثاري والإناسي من باب شعوره بالخجل من نفسه - كما قال هو شخصيا في حوار تلفزيوني معه- لأن شخصا أفريقيا كشف له جهله بحضارته المصرية ذات سفر) إضافة الى المتحدث أشرف عزت، وقال إن له كتابا في هذا الباب ومن هذه المدرسة باللغة الإنكليزية بعنوان "مصر لم تعرف لا فرعون ولا موسى".

وإن بعض المشاهدين أساءوا فهمه ثم يوضح انه كان وما يزال ممن يؤيدون نظرية عربية التوراة ولكن صدم بجهل الربيعي وبما يطرحه من معلومات غربية لا يقولها طالب مدرسة بدأ لتوه بدراسة تاريخ الشرق كتأكيده أن الاسكندر الأكبر غزا جزيرة العرب، وإنه لم يصل إلى الهند بل إلى اليمن لأن اليمن كانت تسمى قديما الهند، أو جهله بمعلومات عن وثائق تل العمارنة ثم نسبتها الى اليمن. ونسبته قصص موسى والفرعون إلى مصادر إسلامية في العصر العباسي...وأخيرا جهله بالترجمة السبعينية للتوراة وانه لم يسمع بها من قبل.

ليخلص أشرف عزت في النهاية إلى القول إن الربيعي ليس إلا صحافيا وروائيا انجذب مؤخرا إلى البحث التأريخي. وربما كان هذا الرأي بحق الربيعي صحيحا ولكنه ينطبق أيضا على أشرف عزت نفسه فهو طبيب ومخرج أفلام سينمائية ومؤلف وليس متخصصا بعلم الأديان أو الآثار أو المصريات.

 أعتقد أن أي شخص يلتقي بالربيعي لقاء مباشرا أو يقرأ له بعض كتبه بدقة وهدوء سينتهي إلى هذه النتيجة التي انتهى إليها أشرف عزت. ولكن عزت انصدم بالربيعي الشخص واعتبر بعض كتاباته (وليدة نرجسية فكرية) على حد تعبيره، ونبذ أخطاءه ولكن عزت بقي مؤمنا بنظرية "عربية التوراة" بل ويعتبر "بعض كتب الربيعي موفقة وخصوصا تلك التي يؤيد فيها نظرية كمال الصليبي" كما يبدو من حديثه، وهذا أمر عجيب حقا. ثم أن الصليبي لم يكن يرى أن جغرافيا التوراة في اليمن بل في إقليم جبال عسير في السعودية. ومن الصعب التوفيق بين هذه التناقضات والآراء المختلفة والمتضاربة للسيد أشرف عزت. ومع ذلك فقد نجح إلى حد كبير في تبيان تهافت أفكار ومعلومات فاضل الربيعي وهذا هو الأمر الذي صدم المعجبين به من جمهور لا يتعب نفسه في توسيع دائرة معلوماته ويكتفي بالاستقبال استقبال الغث والثمين والتصفيق للخلاصات المبسطة إلى درجة التسطيح والخطابات التلفزيونية!

ولكن المثير للاعتراض هو أن أشرف عزت حوَّل الخلاف العلمي بينه وبين "أستاذه" كما أطلق عليه، إلى قضية شخصية وراح يشنع عليه ويبالغ في أخطائه حتى إنه نشر مكالمات هاتفية شخصية بينهما، طلب الربيعي في إحداها أن "يتكرم عليه ويذكره في كتاباته باللغة الإنكليزية"، ولكن عزت ينسى أو يتنسى أنه رد على طلب أو تمني الربيعي بأن قال له ثلاث مرات" ده شرف كبير لي طبعا أن أذكرك" وقال عزت أنه هو الذي رشح الربيعي لقناة (الاسم غير واضح وأعتقد أنه قال قناة الجزيرة) ليجروا معه مقابلات وأن الربيعي كان يأخذ رأيه في ما يكتب...إلخ، وغير ذلك من كلام المعايرة الذي لا يليق بأي باحث يحترم نفسه وعمله البحثي أن يقوله.

*وختاما، وكرأي شخصي بهذه الحادثة، فأنا أكاد أقسم بيني وبين نفسي (أو كما يقول الشيخ كمال الحيدري بلازمته المحببة: بيني وبين الله) لو أنني تعرضت شخصيا لنصف أو ربع ما تعرض له السيد فاضل الربيعي من إحراج وإفلاس بحثي كما في هذه المقابلة لأحرقت كتبي كلها وهجرت الكتابة البحثية إلى آخر يوم من حياتي، ولكن - ولحسن حظي - فإنا لم أطرح نفسي في المشهد الثقافي العراقي والعربي كباحث متخصص وصاحب مشروع خاص في الإناسة وعلم مقارنة الأديان وعلم الآثار بل كإعلامي يقارب هذه العلوم ضمن ما يعرف بالإعلام التخصصي ويحاول أن يتعلم وينمي معلوماته ويصححها باستمرار ليفيد غيره من قراء بما يكتب!.

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

.....................

*رابط فيديو المقابلة مع فاضل الربيعي: مواجهة صادمة للمفكر/ فاضل الربيعى - جزء أول:

https://www.youtube.com/watch?v=K5JaCMW8j8E&ab_channel=AshrafEzzat

الجزء الثاني:

https://www.youtube.com/watch?v=M8gJeOvz6_U&ab_channel=AshrafEzzat

لا يوجد درس أو حصة في مدارسنا وجامعاتنا بعنوان "كيف تقرأ"

فما تعلمنا كيف نقرأ!!

في المرحلة الإبتدائية علمونا الحفظ أو بالعامية "الدرخ"، وكان صديقي "يدرخ"، فيحفظ الكتاب من الغلاف إلى الغلاف، ويتعجب كيف تكون درجاتي أعلى منه.

مرة إستشاط غضبا، وصرخ بوجهي، "حفظت المادة كاملة، ورسبت فيها، فكيف أخذت درجة كاملة"؟!!

لا أدري كيف تعلمت القراءة، لكن دماغي كان يتفكر ويتدبر بالكلمات التي أقرؤها أو أحفظها.

لم أكن سبورة أو ورقة إستساخ، بل ما أقرأه يتحول إلى مادة للتمثل والهضم، وإعادة الصياغة، قد يكون ذلك مرضا أو إغراقا إدراكيا، حتى أذكر عندما قرأت رواية (في بيتنا رجل) لنجيب محفوظ، رحت أكتب مثلها في خيالي.

وأول مرة أواجه  "كيف نقرأ"، في المرحلة الأولى من كلية الطب، وكان أستاذنا في الكيمياء الحياتية مصري إسمه "طلعت"، والكتاب المقرر من تأليفه، وكانت محاضرته الأولى بعنوان "كيف نقرأ الكتاب"، فعلمنا مهارات القراءة.

وبعدها قرأت أو إستمعت لمقابلة مع (سهير القلماوي)، وذكرت فيها آليات القراءة السريعة.

ومضيت أبحث عن أسرار كيف نقرأ، حتى صارت القراءة نشاط يومي، يستوعب عددا من الكتب كل يوم.

إنها القراءة السريعة المتفكرة المتمعنة، التي تلتقط جوهر فكرة الكتاب.

فهل لدينا كتب وكتابات عن كيف نقرأ؟

ما أحوج واقعنا الثقافي إلى ذلك، فالشعوب تعرف كيف تقرأ فتقدمت، وشعوبنا لا تعرف كيف تقرأ فتأخرت، حتى القرآن لا نعرف كيف نقرأه فصار عضينا!!

و"اقرأ باسم ربك الذي خلق،..."!!

***

د. صادق السامرائي

منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر!.

لا يزال العراقيون بشكل خاص، والعرب بشكل عام، يتوقون إلى اللحظات الجميلة التي سيتذكرونها دائما، محاولين الهروب من الواقع المرير الذي يعيشونه، وكأنهم نسوا المعاناة والألم لساعات طوال، وكأنهم يتعاطون الأفيون القادم من البوابة الشرقية.

وقد تحدثوا ليتذكروا حياتهم البسيطة والجميلة، المليئة بالبراءة والطيبة والسلام والحب، إن واقع الأزمة بكل أشكالها من مآس ومعاناة، التي يعيشها الشعب العراقي اليوم، يجعل الكثير من العراقيين يرغبون في العودة إلى الماضي القريب، إلى ما أسموه الزمن الجميل، ويخاطب هذا الجيل من خلال هذا العنوان الذي يحمل في طياته الكثير من المفاهيم الحضارية المتطورة والقيم والمبادئ السامية.

وفي الحقيقة، أنا كابن لهذا الجيل أرى أن هذا الجيل يمثل "جيل العمالقة" والذي يليه، هم جسر بين الماضي، أذ  كان كل شيء جميل ومشرق، وبين الحاضر، أذ كان كل شيء مؤلم! وكما اختبر أبناء هذا الجيل جمال الحياة بكل معنى الكلمة وسلامها وحلاوتها وبهاءها، كذلك اختبر هذا الجيل أيدي الدولة وقوتها المبهرة، فذاقوا واختبروا مرارة الحياة، كل الحروب التي خاضوها منذ عام 1980 حتى الاحتلال الأمريكي للعراق عام/2003! أود أن أشير هنا إلى أن فترة الخمسينيات والستينيات ثم السبعينيات كانت في الواقع أوقاتا جميلة في العراق، قبل وصول دكتاتور العراق والأمة العربية (صدام حسين المجيد 1937-2006) وعائلته إلى سدة الحكم.

كما كان جيل الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي هما أكثر جيلين عايشا الأحداث التي هزت العراق من انقلابات عسكرية وتغيرات سريعة، ولم تمنع السياسات القمعية والسجن من قبل الحكومات المتعاقبة من التفاعل بين الجيلين، وأدت المحن المتكررة إلى أعمال إبداعية، كالصلابة النادرة للجيل الأول التي ذابت في نار الانقلاب العسكرية الدامية، وتأثر شباب الجيل الثاني في وقت سابق بآثارها.

النجاح والفشل: هناك من أفراد الجيلين الذين استطاعوا أن يحققوا نجاحات كبيرة في حياتهم المهنية والشخصية، سواء من كان منهم داخل العراق، ومن فضل الهجرة الى أوربا الشرقية المتمثلة بجمهوريات الاتحاد السوفيتي المنحل، أو أوربا الغربية وأمريكا وأستراليا، بينما هناك من عانو من الفشل والإحباط بسبب عدم تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم، نتيجة بقائهم في العراق والتحاقهم بصفوف الحزب القائد كرهاُ أو طمعاً .

الزواج والأسرة: يعيش بعض الأفراد حياة زوجية سعيدة ومستقرة، بينما يواجه آخرون مشاكل في العلاقات الزوجية والأسرة.

الحياة المهنية: هناك من حقق نجاحا كبيرا في حياته المهنية واستطاع تحقيق أهدافه الوظيفية وبقائه شمعة موقدة علمياً وفكرياً.

في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، كان هناك من هو مسكون بهاجس التحدي، يسعى من أجل الجديد، من أجل المثير، مسحورا بصيحات اللامعقول: وكيف كانت كتابات : مكسيم غوركي، وطه حسين، وحسين مردان، وسارتر، وغيرهم .. تجد صداها في ردود أفعال مشرعة لإظهار الغضب، والتمرد للتعبير عن حالة الجزع، وفساد الواقع، ولكن كمْ كان الخمسيون إذا صحت التسمية مخلصين لأصدقائهم، الجائع منهم يجد من يدعوه للطعام، وأكثر من مرة شهدت مقهى (النجماوي) في مدينتي (ميسان 365 كم جنوب شرق بغداد) تجمع الشباب من الذين يقرءون الصحف اليومية والمجلات قبل غروب الشمس كطريق الشعب والفكر الجديد، والثقافة الجديدة، كان صالح حدادا كنيهير وفاضل محمد صبر يدعوان الأصدقاء إلى وجبة عشاء في مطعم نادي نقابة المعلمين يوم استلام الراتب في (رأس الشهر).

كان أبناء جيلي مدفوعين بنفس الحلم، متبعين الخطى نفسها، وجدوا أنفسهم في النوادي الليلية حيث النقاش السياسي والثقافي دائر ليل نهار، تجد نفسك بينهم في معركة سحرية جميلة يشارك فيها العشرات من الشباب، كانوا هم من أدرك أن الثقافة ليس مجرد لعبة أيديولوجية كما كانت عند الآخرين، إنما هي حلم أكبر من ذلك، لديهم شعور بالاختلاف وامتلاك طاقات جديدة ينبغي أن تكون ثورية، بعد سلسلة من الخيبات والانكسارات السياسية التي أعقبت ردة شباط/ 1963، وأيضا على خلفية هزيمة حزيران/1967... وفشل تجربة الجبهة الوطنية، التي تركت بصمات قاتمة في أرواح أبناء ذلك الجيل، وشهدت انهيارات نفسية لعدد منهم.

إلا أن آراءهم حول الوضع العراقي مختلفة، بعد أن كانوا مقاتلين مسلحين، وفقد بعضهم زملائه على الخطوط الأمامية للمعركة أثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988 )، وحرب الكويت 1991-2003).

واليوم في واقعنا المتردي، أصبح الحصول على عمل أبعد من الكواكب وأبعد من الثريا، وقد دفع ذلك الناس من جميع أنحاء البلاد إلى التظاهر والتحدث سرا وعلنا، وبالخصوص الأجيال التي دمرتهم الحروب والحصارات.

كذلك الخريجون الذين كانت عائلاتهم تأمل أن تحميهم من نكبات ومصائب الزمن، اكتشفوا بعد التخرج أنهم تعرضوا للخداع من قبل عوائلهم ولم يحالفهم الحظ في الحصول على وظيفة.

وحكومة الإطار التنسيقي اليوم وسابقاتها تواصل الاستماع إلى صرخات العاطلين ونحيبهم الحزين، لقد انتظرت جماهير الخريجين طويلا لكي تخرجهم هذه الحكومات من البطالة وتنقذهم من البؤس والموت، لكنهم لم يحصلوا إلا على وعود فارغة وربما تكون المشكلة بعيدة عن نطاقهم.

إن العمل الذي يغوص فيه الإنسان بأعماق الشقاء ويحتمل الشدائد، سيطرة عليه الكتل السياسية الحاكمة، وأخذه من كان تحت وطأة الخطيئة والفساد ولمن كان بحاجة إلى المحاكمة والسجن المؤبد، وهو الذي جعل نظام الإدارة والقيادة مختلا بكافة مفاصلها، في عراقنا الجديد.

وكما قال السيد محمد شياع السوداني- رئيس مجلس الوزراء في آخر تغريدة له (أن عمل المسؤول لأجل فئة دون أخرى دون أن يقدم خدمة لعموم المجتمع فتأكد أنه سيكون معطلا لعجلة تقدم الدولة ووبالا على المجتمع. ليس من يشتري لك (محولة كهرباء) كمن يسعى لك ببناء طاقة كهربائية ليستفد منها غالبية الناس. وليس من يتصدق عليك بكمية من التراب أو سيارة من الرمل كمن يعبد لك طريقا لك ولأطفالك بمئات الأمتار. وليس من يعين لك عشرة أبناء من عشيرتك كمن يشرع لك قانونا يتم فيه تعيين الآلاف من أبناء مدينتك وأولادك معا. وعندما يفتح المسؤول بابه لأمثاله من المسؤولين ويغلقه أمام الفقراء والمساكين. فمن الوعي أن أسعى لاقتلاعه من تفكيري وإن كان من أقرب الناس إلى. إن سببا الرزح تحت وطأة الفقر والحرمان والفوضوية. هو غياب الوعي في الاختيار وعقدة الفئوية والقبائلية والعشائرية والحزبية على حساب المبادئ والقيم وهو السبب الذي اصطنع الطبقات الفاسدة في عموم المجتمع والمؤسسات وفي أروقة السياسة. إذن فليكن لدينا الوعي الكافي والتشدد لاختيار من يمثلني مستقبلا).

***

شاكر عبد موسى/ العراق

كاتب وأعلامي

 

كان الدور الرئيسي لليهودي المولود في سوريا "إلياهو ساسون" في بداية أربعينيات القرن العشرين ،التحريض على اتباع سياسة "فرق تسد" داخل المجتمع الفلسطيني. غير أنه وعندما انتهجت القيادات الصهيونية بقيادة "دافيد بن غوريون" سياسة التطهير العرقي لم يعد لسياسة "ساسون" أهمية.

إلا أن هذه السياسة "فرق تسد" أصبحت إرثا مهما لها تأثيرها القوي في سياسة دولة الاحتلال فيما بعد.

فها هو "آرئيل شارون" عندما كان وزيرا للدفاع استعاد هذا الإرث عندما حاول تقويض المقاومة الفلسطينية بإنشاء ما يسمى "روابط القرى" كجزء من الجماعة المؤيدة لدولة الاحتلال في الضفة الغربية.

غير أنها كانت محاولة فاشلة، نجحت فقط نسبيا مع الأقليات، مثلما حصل على سبيل المثال عندما تم دمج الأقلية الدرزية عام ١٩٤٨ في الجيش اليهودي مقابل عدم المساس بقراهم. وأصبحت لاحقا أداة رئيسية لقمع الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة.

واليوم في حربها على غزة وبعد فشلها الذريع في تحقيق أي هدف من أهدافها التي حددتها في بداية الحرب، تحاول دولة الاحتلال تحريض العشائر والمخاتير من أجل تولي قيادة الأوضاع الداخلية في غزة عبر إحياء "روابط القرى" وتفتيت الوحدة الوطنية وتأليب السكان على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية وتحميلهما ذنب ما حصل من مجازر ودمار. غير أن هذه المحاولة وهذا المشروع الذي بات مكشوفا قد فشل في غزة.

واتضح هذا الفشل عندما قام رئيس جمعية مخاتير فلسطين 'سيف الدين أبو رمضان' بالتأكيد على أن مشروع "روابط القرى" لن ينجح في قطاع غزة وأن العشائر الفلسطينية ترفض التعامل مع الاحتلال وأنها تقف جنبا إلى جنب مع مقاومتها التي تبذل الغالي في الدفاع عن غزة وأهلها.

***

بديعة النعيمي

ناضل يناضل نضالا أي كافح عن وطنه ودافع عنه قولا وفعلا.

جاهد يجاهد جهادا العدوَّ أي قاتله وجاهد في سبيل الله جاد بنفسه.

نافق ينافق نفاقا أظهر خلاف ما يبطن والمنافق هو من يخفي الكفر ويظهر الايمان.

يبدو منذ الوهلة الأولى أن ''ناضل'' و ''جاهد'' فعلان لا يلتقيان أبدا رغم أنهما يسيران في الاتجاه نفسه، متوازنين جنبا الى جنب كل على سكتين منتظمتين، تخالهما ملتصقين ومترادفين ولكنهما متنافرين في الباطن. ويبدو النفاق متنقّلا بينهما فتارة يركب هذا وأخرى يأخذ صفة الثاني.

وتقول المعاجم أن كلمة ناضل تعني في الأصل الدفاع عن الشيء او عن المجموعة بالكلمة وبتقديم المواقف والرأي لذلك اعتبرت قبائل العربية ان النضال بالكلمة أشد وقعا أحيانا من النضال بالسيف فكانت تعوّل على شعرائها للنضال شعرا وللدفاع عن اعراضها ونسبها وذكر مناقبها.  

وفي أيامنا هذه فتح باب النضال على المجالات الاجتماعية المتنوّعة فصار الفرد، داخل المجموعات المهيكلة وخارجها، يناضل من أجل القضاء على الفقر ومن أجل خلق فرص التعليم والرفاهية ومن اجل توفير الشغل ومن اجل الحريات الفردية والجماعية ومن اجل حقوق المرأة وحقوق الطفل والحق في الانتخاب والترشح للمناصب الحكومية وغير ذلك وكل هذه المجالات تفترض النضال بالكلمة والكتابة دون لجوء الى العنف أو الشغب. ودون بحث عن مكافأة أو أجر أو منصب. لأن من صفات المناضل الحقيقي الصدق في مسعاه والثقة والأمانة والمثابرة والثبات على المبدا وكلها خصال لا تتوفّر في الساعين الى السلطة أو الكسب أو الارتزاق من خلال حراكهم. فالنضال اذن يستوجب الصّدق. وعلينا أن نفرّق بين الشبعان الذي يناضل مع الفقراء ليحصلوا على الرغيف وبين الجوعان الذي يناضل من أجل أن يشبع.

وتقول المعاجم العربية أن "الجهاد" يعني عمومًا "الاجتهاد وفي الدلالات الدينية يفهم منه البذل الوافر في سبيل الله وقد يتغيّر باختلاف المقاصد فالجهاد الأصغر هو مكافحة الظلم والجهاد الأكبر هو مكافحة النفس. والجهاد، خلافا للنضال، قد مرّ بعديد المفاهيم حتى اكتسب دلالات كثيرة لكنها متشابهة في الأصل فنجده في مجموعة الحديث النبوي الشريف بمعنى العمل المسلّحً   وهو يرتقي الى مرتبة الصلاة والصوم كأفضل الأعمال. ثم برز مفهوم الجهاد مع ظهور الاخوان المسلمين ومع السيد قطب الذي دعا الى الاستيلاء على الدول وفرض الحكم بالشريعة وبناء دولة الخلافة. ولهذا تجندت ''الدول الديمقراطية ‘‘لتصنيف الحركات الإسلامية عامة كمنظمات إرهابية، مثل القاعدة وداعش وأنصار الشريعة وأنصار الله وغيرها. وليس غريبا أن يتبنى الإسلاميون لفظ الجهاد فهو   الذي ورد في القرآن الكريم في واحد واربعين موضعا، وذكره الحديث النبوي الشريف خمسين مرة تقريبا. ولم نعثر على لفظ نضال لا في القران ولا في الحديث، فلماذا تبنّاه الاسلاميون؟

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 ربط الغرب كلمة الجهاد بالإرهاب وظهرت الاسلاموفوبيا وصار الاسلاميون أنفسهم يتحاشون الحديث عن الجهاد خوفا من ادراجهم في قائمة الارهابيين.

حدث هذا في سائر الأقطار الاسلامية وخاصة العربية منها فبعض دول المشرق لم تعد تسمّي داعش باسمها بل تقول ''تنظيم الدّولة'' وجعلت بينها وبين هذا التنظيمات مسافات خوفا من اتهامها بمناصرة الارهاب. الاسلاميون في تونس لم يشذّوا عن القاعدة، فما إن تولّى أمينها العام رئاسة الوزراء حتى ألقى خطبته الأهم مبشّرا علنا وأمام الجماهير بالخلافة السّادسة لكنه اصطدم بوعي المجتمع المدني الذي رفض الدخول في المشروع الاخواني المبطن فاستقال وأخفى مشروعه متظاهرا بالتخلّي عنه.  وحاولت حركة النهضة أن تراجع حساباتها وحذفت من قاموسها ومن بياناتها كل الألفاظ التي تتصل بالاخوانية والاسلامية وحتى الشّريعة. وتخلت، في الظّاهر، عن برنامجها الدعوي لتبدو وكأنها حزب سياسي لا يرتكز على الدّين. وأسقطت نهائيا كلمة الجهاد من قاموسها بعد أن كانت نوّعت في مغزاه أيّام حكمها، فمن الجهاد في سبيل الله الى الجهاد ضدّ الأنظمة الى جهاد النّكاح. واستبدلته بكلمة ''نضال'' التي سرقتها من اليساريين فلم تعد تدعوهم بالعلمانيين وانما بالحداثيين، وصرنا نقرأ في كتابات السجناء السابقين من الحركات الاسلامية: فلان مناضل سياسي مع بعض النعوت الاضافية للزّينة ولرفع المعنويات وإن نفاقا. 

***

المولدي فرّوج

 

رفع الدعم عن المحروقات معضلة ينطق بها كل حديث، ويهرف بها كل لسان، في هذا البلد الذي تركض فيه المصائب، وتتسابق إليه النكبات، معضلة تبعث في نفس هذا الشعب أسى عميماً وهماً مقيماً، أبطالها دعاة الرفع الذين يشنفون آذاننا بخلابة ألسنتهم، واستمالتهم الأسماع بحسن منطقهم، ويمضي هؤلاء البهاليل السادة الذين عقدوا العزم على استئصال دوحة العجز التي ألمّت باقتصاد هذه الديار، بعد أن فضح إخوتنا في الجنوب خواء الكلام عن الوحدة، وتهافت أصحابه، في اجترار الحديث المعاد الذي لم يحسم داءً أو يرتق فتقاً، أو يسدد ثلمة، لقد ضجرنا أيها النبلاء من تحمل سيب هذا الحديث، وزهدنا في عوارفه، لأنه قادنا إلى ما وصلنا إليه من صّيْلمُ صّلْقاء، وجدب مستشرٍ، فهل أمطرتنا الجرعة الأولى شآبيب فضلها؟ أو روت غُلّتنا بنمير مائها؟ كلا، لم يحدث شيء من هذا، فالمواطن الذي تتوخاه الدولة بالمكاره، وتستنهضه بالخطوب، غلى في الصبر، وأسهب في الثناء لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، متعللاً بالأماني بأن حكومته المشبل سوف تحفظ حقه، وترعى ذمامه، وها هي تجدد له الهبات، وتسني له الحباء، وتسبغ عليه النعمة، بعد أن اعتقدت مخطئة أنه قد عوفيّ من سطوة الأسقام، وسْلِم من تتابع الآلام، تخبره تلك الطائفة التي أتحفها الدهر ببهجات الفرح، وأراحها من حسرات الترح، أن مخايل الظفر والفلح قد لاحت، وروائح الرّوْح والفرج قد فاحت، ولكن المواطن الذي خادن تجاليد الليالي التي يشكو إليها ما طرأ عليه من تبدل، وما عصف به من أوصاب، أمسى لا يلتفت لتلك الوعود التي تنسجها أفواه من يتضاعف عليهم الذم، ويترادف عليهم التأنيب، بل تتمثل له أمنية يلوذ بها كلما حزبه أمر، أو اجتاحته شدة، أمنية استمدت ملامحها من ظلال واقعه المُزري الذي سئم فيه الوعود الجوفاء، والتدليس الفاحش، والعنت الدائم، أمنية تراود مخيلته، كلما أمعنت تلك الفئات المهفهفة في بسط أطروحاتها المتداعية، أو يكتوى كاهله بحمل الأعباء الثقال، أمنية يجد نفسه فيها قد أخذ من كل شيء بطرف، وأصبح مثالاً يعجُ بالشواهد، وأنموذجاً يكتظ بالعبر، لأنه لم يحذق ذكر مخازي الإنقاذ، والنظام الهش المتداعي الذي جاء بعدها،لم يرهق المواطن البسيط نفسه بذم تلك الأنظمة وثلبها وتحقيرها، بل تسلل خارج أسوار القطر الذي تتناحر فيه الأخياف من أبناء الوطن الواحد، ممزقاً أشجان الاغتراب بما يضفي على نفسه هالات من الأضواء، وأنفاساً من الأزهار.

تهافت العقول الجزلة والسواعد المجدولة،على الهجرة، يؤكد للأذهان النابهة والبصائر النافذة، أن نَفْاق البضاعة أدعى للإنتاج كما يقول الدكتور طه حسين، وقد انجلت غاشية الحزمة الأولى من رفع الدعم عن المحروقات التي لم يتمخض عنها إلا هجرة الكوادر الطبية، وأساتذة الجامعات والدماء الحارة التي تعول عليها البلدان في نوازعها الوطنية من رقي وحماية، وها هو البحر الذي لا ينزح والغمر الذي لا يسبر، وزير اقتصادنا الهمام يحدثنا عن هذه الضائقة التي ضقنا منها ذرعاً، لطول أخذها بمخناقنا نحن البؤساء، مبشراً في ألق واغتباط بما يترتب عليها من غرس مثمر، ومكارم نامية، ليت شعري من يبقى في هذا الوطن إذا انتظم لوزير الاقتصاد ما حاول، واتسق له ما أمل.

***

د. الطيب النقر

 

يتساءل كثيرون عن هذا الحقد اليهودي على غزة وأهلها والذي يتبدى في حرب ابادة غير مسبوقة في تاريخ البشرية والتركيز على قتل الأطفال والنساء وإبادة عائلات بكاملها وتدمير ومسح بيوت وأحياء ومستشفيات الخ، خصوصا أن هذه الممارسات تصدر عن جيش دولة في القرن الواحد والعشرين تزعم أنها متحضرة وديمقراطية؟ ولماذا لا تجد جرب الإبادة استنكارا كبيرا في المجتمعات الغربية المسيحية وخصوصا حيث تسود الديانة البروتستانتية والانجليكيون؟.

كل ما ذكرته دولة اليهود عن أسباب اندلاع الحرب وأهدافها وهذا الكم من الإجرام والتعذيب وإطالة أمد الحرب كالزعيم بقوة المقاومة وتهديدها لوجود دولة إسرائيل أو الزعم بأن الأمر يتعلق بإعادة الهيبة لجيش الاحتلال بعد الإهانة التي تعرض لها في السابع من أكتوبر الخ، غير مقنعة وليست كل الحقيقة.

السبب غير المُعلن في حرب الإبادة يكمن في النصوص التوراتية التي تتحكم في نهج وسلوك اليمين الصهيوني اليهودي المتطرف الذي يتحكم بالنظام السياسي اليهودي– بنغفير وسموترتش ونتنياهو_ إنهم من خلال هذه الحرب ينفذون مشيئة ربهم وتعاليم التوراة التي تتحدث عن الأغيار وتحلل حرق حرثهم وإبادة نسلهم، كما أن هناك نصوص توراتية مباشرة تتحدث عن الفلسطينيين ومقاومتهم لقبائل بني إسرائيل الغازية والوافدة من خارج فلسطين، وتتحدث عن غزة وكيف عصي فتحها على بني إسرائيل وكيف أصبحت ملعونة.

وقد استشهد قادة اليمين الصهيوني وحاخامات اليهود أكثر من مرة بنصوص التوراة لتبرير أعمالهم سواء في الضفة أو غزة، فالحاخام مانيس فريدمان تحدث صراحة عما سماها "قيم التوراة" أو "الطريقة اليهودية" في الحرب الأخلاقية، رافضا ما سماها "الأخلاقيات الغربية" في الحرب. حيث قال: إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية "دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم".

وفي التوراة "وفي “سفر صفنيا” جاء:  “هذه هي كلمة الرب التي كلم فيها صفنيا: أزيل كل شيء عن وجه الأرض، أزيل البشر والبهائم، أزيل طير السمك وسمك البحر، أسقط الأشرار وأقطع الإنسان عن وجه الأرض (…) قريب يوم الرب العظيم (…) ستكون غزة مهجورة وأشقلون خرابا، ويُطرد سكان أشدود عند الظهيرة، وتُقلع عقرون من مكانها”."

حتى نتنياهو أشار بوضوح للمرجعية الدينية للحرب على غزة في أكثر من خطاب له، ففي خطاب متلفز له يوم الأربعاء 25 أكتوبر استشهد بنبوءة أشعيا الواردة في التوراة عندما قال: (نحن أبناء النور وهم أبناء الظلام وسننتصر النور على الظلام)، وقال أيضا مخاطبا جنود الاحتلال: “يجب أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم كما يقول لنا كتابنا المقدس”

قد يفسر كل ما سبق موقف بعض حكومات وأحزاب الغرب المسيحي الذين يعتقدون أن اليهود يقومون بمهمة دينية وينفذون تعاليم الرب ورؤى أشعيا وعندما يتكلم الرب ويفوض حاخامات اليهود بتنفيذ تعاليمه فليصمت العالم، ولأن اكثيرا من لنحب الحاكمة في الغرب يمينية وليست بعيدة عن المرجعية الدينية فإنهم يتصرفون وكأن المرجعية التوراتية تعلو على القوانين الوضعية سواء كان الدولية أو الوطنية، ومن هنا نلاحظ التمايز في المواقف من حرب الإبادة مثلا بين ايرلندا واسبانيا من جانب الأكثر إدانة لحرب الإبادة والأكثر دعما للحق الفلسطيني حيث الأغلبية في هاتين الدولتين من  الديانة الكاثوليكية غير المتصالحة تماما مع اليهودية، بينما الأمر مختلف مثلا مع أمريكا وبريطانيا وألمانيا الأكثر دعما وتأييدا لدولة الكيان اليهودي ولحرب الإبادة، وفي هذه الدول تنتشر البروتستانتية الأكثر تصالحا مع اليهود والتوراة.

ما يقوم به اليهود اليوم يعبر عن حقد اليهود على أصحاب الأرض الأصليين ومحاولة تصفية حسابات مع الحقيقة والرواية الفلسطينية الراسخة والثابتة منذ آلاف السنين، وبعد حرب الإبادة الأخيرة ازدادت ثباتا ورسوخها، وما زاد من حقدهم أن قطاع غزة بعد نكبة 1948 احتضن الوطنية الفلسطينية وفيه نشأت أولى طلائع العمل المقاوم والفدائي، ومن غزة كان كثير من القيادات الوطنية الذين قادوا في الشتات الثورة الفلسطينية المعاصرة.

(لمزيد من المعلومات حول غزة في التوراة  يمكن الرجوع لمقال توفيق شومان بعنوان (غزة في التوراة، إبادة مدينة المعاصي والعصيان) المنشور على موقع 180).

***

د. ابراهيم أبراش

 

بتاريخ الأول من شوال 1445 هـ ، الموافق 10 نيسان 2024م، أَعلن سماحة السيد مقتدى الصدر (حفظه الله)، بتغيير اسم التيار الجماهيري الذي يقوده، والمعروف باسم (التيار الصدري)، إلى عنوان جديد يحمل اسم (التيار الوطني الشيعي)، (الوطني لأَنَّه عراقي الهويَّة، والشيعي لأَنَّه اسلامي المواقف).

إِني أَعتقد جازماً، بأَنَّ مسعى سماحة السيد مقتدى الصدر، لَمّْ يكن صادراً عن رغبة مزاجيّة ذاتيّة، أَو عن محضّ انعكاسات، لارهاصات سياسية (تكتيكيّة)، فرضها الواقع السياسي العراقي المعقّد، الذي تحدَّدت هويته العامّة، بصُوَر تشتتّ المواقف السياسية للفرقاء السياسيين، التي وصلت في كثير من الأحيان، الى مرحلة الصراع السياسي (إِنْ لَمّْ نقُلّْ) التناحر السياسي، بين أَطراف طامحة للسيطرة على الآخرين، فنتج عن ذلك صراعات طائفية وعرقيّة، تضررت منها جميع أَطياف الشعب العراقي.

و نَتَجَ عن هذا الصراع السياسي، تباين في المواقف والآراء الوطنيّة لحد التناقض، الأَمر الذي أَدّى الى حالة، من التخنّدقات الفئويّة الضيّقة، فأصبح الطريق ممهداً، لتدخل العديد من الدول العربية والاجنبية في الشأن العراقي، فما بَرِحَ كلٌّ منها يسعى للحفاظ، على مصالحة الاقتصاديّة، والسياسيّة في العراق، أَو لتحقيق الأَمن الوطني لكلّ طرف، وفق المعايير التي تحكمها، المقاييس الجيوسياسيّة على أَرض الواقع.

ولا زالت صُوَر التظاهرات الجماهيرية، التي انطلقت في الأول من تشرين الأول، من عام 2019م، شاخصة للعيان، إبّان حكومة السيد عادل عبد المهدي ، وكادَ العراق أَنْ ينزلق في أَتون حرب أَهليّة، لا تُبقي ولا تَذَرْ، كخطوة كان يسعى اليها أَعداء العراق، لتكون مكمّلة لحرب عصابات داعش في عام 2014م، هذه الحرب التي كلّفت العراق، الكثير من الخسائر في الارواح، والممتلكات العامّة والخاصّة، وكانت هذه الحرب الارهابيّة، صفحة قدّ خطّطت لها، قوات الاحتلال الامريكي الغاشم للعراق بعد عام 2003م.

منذ تشرين الاول 2021م، ظلّت أَزمة تشكيل الحكومة متعثّرة، فقرر سماحة السيّد مقتدى الصدر،  في حزيران 2022م، سحبّ التيار الصدري، من العملية السياسيّة، واصفاً ذلك الموقف بأنه:-

(تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهما من المصير  المجهول).

هذا الجوّ السياسي المتوتِّر، والفاقد لأَبسَط مبادئ التوافق السياسي، يُذَكِّر الاجيال التي عاصرت، أَحداث الحرب الاهلية اللبنانية، في الأعوام 1975 – 1989م، عندما زرعَ الاستعمار الفرنسي، بذّرة الصراع بين مكونات الشعب اللبناني، عن طريق تغليب الطائفة المارونية، على بقية مكونات الشعب اللبناني.

لقد تمكن سماحة السيّد مقتدى الصدر، من قطع الطريق أَمام معسكر احتلال العراق، بقيادة امريكا، والحيلوله دون تكرار تجربة الحرب الأهلية اللبنانية في العراق، كما نجح سماحته، بافشال تكريس قواعد، تَغليب المصالح الفئويّة، على المصالح الوطنيّة العامّة.

وإنّي استشِفُ من خلال قراءَة الاحداث، ودراسة المواقف السياسيّة، للدول التي مرَّت بنفس اوضاع العراق السياسية، أَنَّ سماحة السيد مقتدى الصدر، قد خَبِرَ مبادئ الاصلاح، من فكر والده المصلح الكبير، الامام الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره)، المتصلّة بمواقف الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، والمرتبطة معاً بمواقف الحركة السياسية، للامام المغيّب سماحة السيد موسى الصدر، الذي يعتبر رمزاً كبيراً، من رموز الاصلاح في المنطقة، إِبّان القرن المُنصَرم.

لقد وصل الإمام المغيّب الى لبنان عام 1959م، كمبعوث من قبل العالمين (السيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم)، للوقوف عن كثب، من أَوضاع الطائفة الشيعيّة في لبنان. هذه الطائفة التي اهتُضمَت حقوقها، جرّاء تسلّط الاستعمار الفرنسي، على كتابة الدستور اللبناني، الذي اعتمد فيه على إسلوب، تغليب طائفة المسيحيين الموارنة، على بقيّة الطوائف اللبنانية الأُخرى، وكانت الطائفة الشيعيّة، هي الطائفة الأكثر تضرراً من ذلك الدستور .

لقد امتاز نشاط الامام موسى الصدر الاصلاحي، في المجتمع اللبناني، بالتوعية الجماهيرية، والاهتمام بشؤون المجتمع، ومعايشة مشاكله، ومعوقات تقدمه، حيث كان المكوّن الشيعي، يعاني من التخلف والفقر والحرمان. فطرح الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، مرتكزات مشروعه السياسي الوطني الاصلاحي، القائم على :-

* نبذ التفرقة الطائفية، باعتبار أَنَّ وظيفة الدين، هي الاستقامة الاخلاقيّة، وأَنَّ الأَديان واحدة في المبدأ والهدف والمصير.

* نبذ المشاعر العنّصريَّة، ودعى إلى تفاعل الحضارات الإنسانيّة، لتحقيق مبادئ التعايش السلمي بين الجميع.

* كما سعى الإمام لمكافحة الآفات الاجتماعية كالفقر والجهل والفساد بكل أَنواعه السياسي والاداري والأخلاقي والسلوكي.

* كما جابه الإمام المغيّب، حالة الإلحاد التي تستخدمها دول الاستعمار، كأَداة من أَدوات تمزيق وحدة الشعوب، وتشّتيت انتباهها عن مخططات أَعدائها.

* وجاهد الإمام المغيّب، بالوقوف بوجه مشاريع تدمير القيم الأَخلاقيّة للمجتمع، وتمزيق الصفّ الوطني للشعب.

* ودافع الإمام المغيّب، بكلّ قوّة عن حقوق القضية الفلسطينية. (المصدر/ مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات/ بتصرف واختصار من الكاتب).

إِنَّ الفهم العميق، لسماحة السيد مقتدى الصدر، لمشاكل شعبه ووطنه، واستلهامه للقيم الثوريّة الاصلاحيّة، التي خاض تجربتها عملياً مع والده، الامام الشهيد السيد محمد الصدر (قدس سره)، إِضافة إلى استشراف المنجزات التاريخية لأَسلافه الكرام، جعل سماحته، ينهل من تجارب السلف الصالح، كلَّ مفاهيم الخيّر وقيَم العطاء، لخدمة الإِنسان والأَوطان.

***

محمد جواد سنبه

لازالت الأوضاع وصمة عار

ما أن تحل ذكرى إحتلال العراق في التاسع من نيسان من كل عام، حتى تنبري أقلام تمجّد الطاغية صدّام حسين وحزبه الفاشي وصولاته الدونكيشوتية، وأخرى تهلهل لهذه الذكرى وكأنّها نقلت العراق من بلد متخلّف الى بلد متطور على مختلف الصعد، فهل حقق الإحتلال الأمريكي للبلاد، أحلام الطرفين..؟ يقول بول بريمر في كتابه (عام قضيته في العراق) والذي سنعتمد بعض الفقرات من صفحاته لنرى إن كانت أوضاع العراق بعد واحد وعشرون عاما، تغيّرت مثلما وعدنا المحتلّون ومن يعتبر إحتلالهم تحريرا، وهل تحقّق قول بريمر وهو يقول لجورج بوش الإبن "لأنني أعتقد أنّ أميركا أنجزت عملا عظيما بتحرير العراقيين...؟" (1) وهل فعلا هزم الأمريكيون النظام البعثي الفاشي أم البلد بأكمله وهو يقول "لكنّنا هزمنا نظاما كريها، لا البلد"..؟(2)

سأحاول في هذه المقالة تناول بعض ما كتبه السيد بريمر في كتابه، والذي هو بالحقيقة ترجمة لسياسة الولايات المتحدة بالعراق بعد إحتلاله، ووعود جذّابة لتغيير ليس واقع العراق فحسب بل المنطقة بأكملها لما للعراق من دور محوري وموقع أستراتيجي كما تقول أمريكا وهي تغزو العراق وتدمّر بناه التحتيّة على ثلاثة مراحل، الأولى خلال حرب تحرير الكويت والثانية خلال فترة الحصار الذي دمّر الإنسان العراقي وأذلّه والثالثة خلال حرب "تحرير" العراق..

حول طبيعة الحكم بالعراق وأختزال السلطة بشخص دكتاتور كصدام حسين، يقول بريمر "وعلى غرار هتلر، كان صدام مقتنعا بأنّ القدر اختاره للعظمة"(3)، وفي مكان آخر يقول "فنحن لم نرسل قوّاتنا الى نصف العالم الآخر لكي نطيح بصّدام حسين ونضع دكتاتورا آخر في مكانه"(4)!! واليوم وبعد واحد وعشرون عاما على إحتلال العراق، نرى أنّ هناك من يؤمن إيمانا كاملا بأنّ المشيئة الالهية هي من أختارته ليكون حاكما بإسم الله كونه مقدّسا ومعصوما، كما وإن أمريكا ومن خلال ما نعيشه اليوم كشعب ووطن، وضعت أكثر من دكتاتور مكان الدكتاتور الذي هرب الى حفرته القذرة كتاريخه وحزبه، والذي كان السبب الرئيس في دمار بلدنا لنرجسيته، ولتستمر مأساتنا ونحن نعيش عهد الفساد والسلاح المنفلت وتعدد مراكز القوى بالبلاد.

يعتبر العراق اليوم بلدا ريعيا بالكامل، إذ لا وجود لصناعات كانت موجودة في العهود العراقية المختلفة والتي أنهارت نتيجة حماقات النظام البعثي وحروبه والحصار الأمريكي للبلاد وتدميره البنى التحتية فيها . والدولة التي أراد بريمر ومن خلفه الإدارة الأمريكية بناء إقتصاد حديث لها، لازالت اليوم كما النظام الإستبدادي البعثي من حيث الفساد، والتي كانت بسبب "إساءة تخصيص الموارد الرأسمالية العراقيّة بصورة متواصلة ومذهلة"، (5) فهل تغيّر الوضع اليوم ونحن شعب مستهلك ومستورد لكل شيء، كل شيء بمعنى الكلمة، وهل قامت سلطة الإحتلال وحكومات ما بعد الإحتلال بتخصيص الموارد الرأسمالية نتيجة إرتفاع أسعار النفط من جهة وزيادة طاقة الإنتاج من جهة ثانية، والتي تفوق موارد دول عديدة من حيث الناتج المحلي بشكل جيد ليتقدم البلد بشكل مذهل ومتواصل...!؟

لقد عزف بريمر على وتر ما جاء به وببلاده من أجله وهو يقول "إنّ من أولى أولوياتنا إعادة إنتاج النفط الخام والوقود ثانية"(6). وفي سياق وصفه لغرفة التحكّم بمصفى الدورة الذي زاره يقول: كانت غرفة التحكّم بمصفى الدورة في ضواحي بغداد تذكّرني بقُمرات القيادة الزائفة بمركبة الفضاء الصاروخيّة في المسلسل التلفزيوني "فلاش غوردون"الذي كنت أشاهده وأنا صبي: أذرع تشغيل وأجهزة قياس بخاريّة وأذرع تدوير يدويّة...!! (7) لقد أوصل ساسة العراق اليوم البلاد بأكملها الى قمرة قيادة زائفة من خلال مسلسل عراقي بائس تحت عنوان (الفساد والعمالة طريقنا للثروة)، والذي يتفنن العاملون فيه بنهب ثروات البلاد، إذ لا مكان حتّى لأجهزة قياس بخارية وأذرع تدوير يدوية متخلّفة اليوم، كون وجودها يعني وجود صناعة ولو بالحدّ الأدنى، وهذا ما لا نملكه بعد أن أنهارت الزراعة والصناعة وأصبحت بلادنا سوقا مفتوحة لبضائع، السيء منها أكثر من الجيّد..

على الرغم من المداخيل الهائلة للعراق نتيجة عودته لسوق النفط بطاقة أنتاج عالية وأرتفاع أسعار النفط، فأنّه ليس بواحد من الأقتصادات الناجحة، كتلك التي كان عليها العراق في أوائل السبعينات كما يقول بريمر والذي أضاف قائلا: "وبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي ذروته بما يزيد على 7.000 دولار في سنة 1980، وهو مع التعليم المجّاني والرعاية الصحية المدعومة، ما جعل العراق بلدا متوسط الدخل ويحظى بالأحترام" قبل أن يبدد الدكتاتور البعثي ثروات البلاد بحروبه الداخلية والخارجية. واليوم وبعد واحد وعشرون عاما من الإحتلال، فأنّ التعليم والصحة والخدمات وعلى غرار عهد البعث كلّها منهارة، والبلد وهو يعيش تدخلات دول مختلفة لا يحظى بالأحترام، وسلطته لا تحظى هي الأخرى بإحترام الشعب العراقي.

المضحك المبكي هو أنّ بريمر يقول: "ذكرت للرئيس أنّ منح العراق بنية سياسيّة مستقرّة لا يتطلب إنشاء مؤسسات ديموقراطيّة فحسب، وإنمّا أيضا إنشاء ما أسميته مؤسّسات (إمتصاص الصدمة) التي تشكّل المجتمع المدني - الصحافة الحرّة، ونقابات العمّال، والأحزاب السياسيّة، والمنظمات المهنية". وأخبرت الرئيس "أنّ هذه المؤسّسات تساعد في وقاية الفرد من طغيان قوّة الحكومة"...!! واليوم نعيش عصر الصدمة وليس إمتصاصها، وقمع إنتفاضة أكتوبر وقتل الناشطين وملاحقتهم، وإستخدام العنف غير المبرر ضد الوقفات والأحتجاجات السلمية والتظاهرات المطلبية، من قبل الدولة وأذرع الميليشيات المسلحة التي تمتلك ثقلا سياسيا في البرلمان والحكومة، دلالة ليس على فشل الديموقراطية التوافقية التي جاء بها المحتل فقط، بل على فشل السلطة وأحزابها في بناء عراق مستقر ومزدهر. إنّ فشل السلطة في إجراء إحصاء سكّاني، وسنّ قوانين إنتخابية عادلة لتكون المنافسة حقيقية بين الأحزاب العراقية، وفشلها في سنّ قوانين تحكم أنشطة الأحزاب وتمنع في أن تكون لها فصائل مسلّحة تهدد بها الناخبين والمعارضين، هو وصمة عار في جبين الولايات المتحدة وجبين حكومات وأحزاب سلطات ما بعد الإحتلال...

("ذات ليلة، شرحت إستراتيجيّتي السياسيّة " السريعة – البطيئة" ووصفت ما دار في حديث مع الجعفري. "أعتقد من أنّه سيوقّع سيّدي الوزير") .

قال رامسفيلد: "جيّد يا جيري، كيف سيكون ردّ الآخرين"؟

فأجبته "لا أعرف على وجه التأكيد بعد، لكنّني أعتقد أنّهم سيركبون القطار أيضا"

صدقت ايها السيّد بريمر، فقطاركم كان دائما مليء بالركاب، والفرق فقط هو شكل ملابسهم وتاريخ وقوف قطاركم في محطّته....

لا يتم محو وصمة العار التي تؤطر حياة شعبنا ووطننا، من خلال صناديق إقتراع تتحكم قوى السلطة بآلياتها وتحدد مخرجاتها ونسبها ولا من مقاطعة الجماهير لها، بل بعودة الروح لإنتفاضة أكتوبر ومشاركة أوسع للجماهير فيها، فكل يوم إضافي من عمر السلطة، يعني مزيدا من التخلّف والإنهيار المجتمعي، وبالتالي إستمرار أوضاعنا الكارثيّة لعقود على الأقل.

***

زكي رضا - الدنمارك

......................

(1) كتاب عام قضيته في العراق للسفير بول بريمر ص 15

(2) نفس المصدر ص 53

(3) نفس المصدر ص 55

(4) نفس المصدر ص 74

(5) نفس المصدر ص 86

(6) نفس المصدر ص 82

(7) نفس المصدر ص 82

 

ندرك جيدا ان نتنياهو يرغب في توسيع دائرة الصراع في الشرق الاوسط، ستة اشهر ولم يحسم بعد معركته في غزة، القطاع المحاصر على مدى 17 عاما، كما انه ومنذ السابع من تشرين الاول اغلقت كافة المنافذ، فلم يعد القطاع يستقبل أي شيء الا وفق رغبة الصهاينة، في حين يتم تزويد العدو بمختلف انواع الاسلحة والذخائر، والدعم اللوجستي من قبل امريكا وبريطانيا وغيرهما. كما ان الحكام العرب المطبعين يقومون بإمداده بالمؤن بريا عقب هجمات اليمن على السفن التابعة للكيان او المتجهة الى موانئه.

اردوغان من جانبه وبعد ان فقد زخمه الشعبي في بعض المدن الكبرى عبر الانتخابات المحلية الاخيرة، قرر وقف تصدير بعض السلع الى الكيان ما يعني انه يصدر اليه مختلف انواع السلع طوال الفترة الماضية، وبالتالي سقطت الشعارات المزيفة التي كان يرفعها بشان نصرة القضية الفلسطينية وقيام الدولة المستقلة.

لا نريد ان نتكلم عن الانظمة العربية فغالبيتها مطبعة مع كيان العدو واي منها لم يقو على طرد السفير منه او يستدعي سفيره لديه، وفي نفس الوقت بعض الانظمة تقوم برعاية المحادثات بين حماس والعدو وتقوم بالضغط على حماس لأجل الهدنة بدلا من الضغط على العدو، أما غير المطبعين فهم لم يقدموا أي شيء يجدي نفعا لسكان القطاع، والمواقف الاعلامية مجرد تهريج ليس الا، لدغدغة الراي العام العربي المصاب بالإحباط وعدم القدرة على توفير قوت يومه.

هذه هي حال العرب اليوم، ايران هي الدولة الوحيدة التي تدعم المقاومين في غزة وتسهل لهم الحصول عليه رغم صعوبة ذلك فالقطاع محاصر بحرا من كيان العدو، اما برا فهو محاصر من قبل نظام الشقيقة الكبرى مصر الذي ينظر الى حماس على انها اخوانية وليست حركة تحرر وطنية .

ايران رغم الحصار الجائر من قبل الغرب وامريكا على مدى 4 عقود الا انها استطاعت توظيف امكانياتها بما يعود عليها بالنفع، ربما شعبها لا يعيش حياة الرفاهية ولكنه على الاقل لا تسطيع قوة خارجية التدخل في شؤونه الخاصة كما انه لا توجد لديه اراضي محتلة من قبل الغير.   

لم يعد امامنا كشعوب عربية مغلوبة على امرها وجمهور مثقفين لم يستطع ان يقدم شيئا يذكر للتعريف بالقضية الفلسطينية الا التوجه بأنظارنا الى ما يمكن ان تقوم به ايران، لأننا فقدنا الامل في قياداتنا العربية المهزومة قبل ان تدخل أي معركة رغم النياشين التي تملأ صدور حكامنا، لان تدخل ايران الجدي سيعيد خلط الاوراق وقد يكون لصالحنا، النظام الايراني بالتأكيد ينظر الى الامور وعواقبها أي انه يتريث في اخذ القرار وفق امكانياته ومدى تحقيق اهدافه والخروج بأبسط الخسائر.

ربما "تخذلنا" ايران وهذا محتمل....على مدى عقود وامتلاكنا لمختلف انواع الطاقة (نفط، غاز) وتخريج الالاف من ابنائنا في مختلف العلوم التطبيقية، الا اننا لم نلج قطاع الصناعات الهندسية الثقيلة (الصناعات الحربية) وذاك سبب وقوعنا لقمة سائغة يتلذذ بها الاعداء.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

الشماتة من الأمور المخالفة للأخلاق الدينية والإنسانية،  وقد حرصت الشرائع جميعها على احترام الميت وإكرامه. وحتى السيئ منهم حثت على إكرامه وعدم التطرق لماضيه السلبي وتجاوزاته في الحياة. ومما جاء في الحديث الشريف على لسان القائد الأعظم ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم "اذكروا محاسن موتاكم".

لكن ما رأيناه من قادة دولة الاحتلال ومن القوى السياسية من شماتة ومن فرح وسرور حين يموت أحد الزعماء الفلسطينيين أو القادة أو المؤثرين على مدى عقود منذ قيام دولتهم المزعومة، أقل ما يمكن وصفه بالشيء اللاأخلاقي.

فعلى سبيل المثال عندما رحل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، قامت بعض القيادات اليهودية من شدة فرحها بالخبر "بالرقص على السطوح".

وقال وقتها "يحائيل حزان" وهو أحد زعماء حزب "الليكود" والذي كان قد وصف الفلسطينيين "بالديدان" وأنه "يحمد الله على موت عرفات".

كما قامت ما تسمى ب "دور العبادة" في مناطق مختلفة من بينها مستوطنات غلاف غزة بتأدية ما سموه "صلاة الشكر على موته".

فأية أخلاق هذه وأي نهج متخلف ولاحضاري ممن يدعون الحضارة؟ وأين ما تنادي به كتبهم الدينية التي ورد بها توصيات مثل " حين يموت الشخص يقال عنه الكلمات الإيجابية" وكذلك " في موت عدوك لا تفرح"؟؟

واليوم في حربها على غزة،  استهدف جيش الاحتلال ضمن عملية اغتيال مخطط لها مسبقا مع جهاز الأمن الداخلي"الشاباك" عن طريق طائرة حربية تابعة لسلاح الجو، يوم عيد الفطر الموافق ٨/نيسان/٢٠٢٤ سيارة تقل ثلاثة من أبناء رئيس حركة حماس السيد اسماعيل هنية مع أطفالهم يتنقلون لأداء صلة الرحم وتهنئة السكان بمناسبة عيد الفطر المبارك.

وقد ادعت دولة الاحتلال كاذبة بأنهم كانوا في طريقهم لتنفيذ نشاط مسلح وسط قطاع غزة. والسؤال الذي يطرح نفسه،  كيف لآباء اصطحاب صغارهم وعندهم نية القيام بعمل مسلح؟؟

وكان قد ورد تصريح يحمل الكثير من الحقد والشماتة لعضو الكنيست "ألموغ كوهين" قال فيه "إنه تلقى خبرا ممتازا باغتيال ثلاثة من أبناء هنيةواثنين من أحفاده".

كما علق وزير المالية اليهودي "بتسئيل سموتريتش" على خبر الاغتيال وهنأ الجيش بالعملية قائلاً "لا أحد من قادة حماس بمنأى عن يد الجيش الطويلة".

وهنا لا يسعنا إلا أن نقول أن ما حصل هو قدر الله وحكمته وتفضيل قوم على قوم باختيارهم شهداء ابرار إلى جواره تعالى.

والايام يا أعداء الله تدور فلا حزن يدوم ولا سرور،  من مات منا شهيد في الجنة بإذن الله، ومن مات منكم فهو فطيسة وحطب لنار جهنم.

"يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد"

***

بديعة النعيمي

 

(1980- 2017)

لم يكن التاسع من أبريل، نيسان عام/ 2003 يوماً عادياً، بل كان يوما مفرحا عند الكثير من العراقيين، ومظلما لدى القلة من أزلام النظام البعثي والمستفيدين والنفعيين من النظام السابق، وهو اليوم الذي أعلن فيه الاستيلاء على العاصمة بغداد من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا، وبمساعدة وخيانة كبار ضباط الجيش العراقي السابق في الحرس الجمهوري الخاص والمرتزقة المحترفين، بعدما انسحب كثير من الضباط والجنود الذين شاهدوا هول الصدمة وضعف الامكانيات وعدم القدرة على المواجهة، وإن الموضوع ذاهب نحو الخسارة، بعد أن دخل الامريكان على خطوط الاتصال لكثير من القادة.

كانت أيام 3 -5 أبريل/ نيسان أياما حاسمة في- معارك بغداد- إذ سارت الدبابات الأمريكية من جنوب بغداد إلى طريق الدورة ومسجد أم الطبل وطريق المطار والجانب الغربي من منطقة الرضوانية إلى مطار بغداد الدولي، مدعومة بغطاء جوي كثيف، بالإضافة إلى القدرة العسكرية الأمريكية الهائلة على استخدام الهجمات الجوية لمناورة القوات وإرباك القوات المدافعة.

- تم إنزال المظليين في مناطق جسر ديالى وجسر دجلة وأبو غريب السريع، وبإبقاء طريق الراشدية مفتوحا للهرب من بغداد، تعطلت القوات المدافعة عن بغداد بسبب صعوبة حركتها، فيما فتح الباب أمام استهداف القوات المتحركة والتأثير من خلالها، وتعرضت لهجوم من قبل الطيران الأمريكي.

- كان أول تماس للقطعات الأمريكية داخل مدينة بغداد على طريق الدورة أم الطبول، حينما استخدمت سياسة الأرض المحروقة برمي كل ما يتحرك أمامها، رغم المواجهة الشرسة التي حصلت مع الحرس الجمهوري الخاص والأمن الخاص المتواجدين في المنطقة، حيث تم إعطاب عدد من الدبابات والمدرعات المتقدمة، على رغم الغطاء الجوي لها، وانكشاف المدافعين إلا أنه استمر الرتل باتجاه المطار ليلتقي من هناك بالرتل القادم من الرضوانية لتحصل أشرس معركة هناك، استمرت ثلاثة أيام ما بين كر وفر استخدمت فيها القنابل المحرمة دوليا من فسفور وقنابل عنقودية وقنابل تكتيكية، ليعلن السيطرة على المطار ويستقر الجيش الأمريكي داخله.

- رغم حجم الخسائر البشرية التي تكبدها المحتل أول الأمر لكنه اندفع صبيحة يوم الأثنين 7 نيسان إلى عمق العاصمة بغداد، ومن خلال طريق المطار وصولا إلى القصر الجمهوري وساحة الاحتفالات ليتمركز فيها طيلة ذلك الوقت.

- وجاء الإعلان عن الاستيلاء على بغداد في 9 أبريل/ نيسان 2003 بعد أن وصلت الدبابات إلى ساحة الفردوس في مشهد دراماتيكي مثير وإسقاط تمثال رأس النظام هناك، وسط نقل مباشر للحدث عبر فضائيات العالم ساهمت فيه معظم القنوات الفضائية العربية مثل الجزيرة والعربية وغيرها، السقوط الذي أفرح الملايين من العراقيين الذين ذاقوا ويلات الحروب التي خاضها دكتاتور العراق 1980-2003، ضد جيرانه... حينها اختفى رأس النظام وبطل التحرير الوهمي (صدام حسين المجيد) عن الأنظار.

- عملية الفجر الأحمر أو القبض على صدام حسين (بالإنجليزية: Operation Red Dawn)‏، هي عملية عسكرية قامت بها الولايات المتحدة وألقي القبض فيها على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في 13 كانون الأول/ ديسمبر/ 2003 في قضاء الدور في مدينة تكريت/ محافظة صلاح الدين بالعراق، نتيجة خيانة أحد المقربين له لقاء جائزة ثمينة تلقاها من الأمريكان.

- هناك من يقول: من أوشى برئيس النظام السابق، توجد روايتين أحدهما مضيفه قيس النامق واخوه، وثانيهما عقيد محمد الابراهيم وكلاهما ليس بسبب المال، وانما بفعل الضغط والتحقيق الذي وصل الى النساء والتهديد بالأعراض، وفق ما رواه لي أحد مقربيهم، رغم عدم قناعتي بهما.

- دخلت قوات الاحتلال إلى بغداد مستخدمة سياسة الأرض المحروقة واستخدمت القوة المفرطة ضد كل من يتحرك أو يحاول القيام بأي إجراء.

- احتفل العديد من العراقيين بسقوط النظام وإسقاط تمثال الدكتاتور وسط العاصمة بغداد.

- بدأت عملية الفرهود وسرقة الموارد الحكومية والتخريب وحرق الممتلكات من قبل بعض اللصوص وضعاف الوطنية.

- وقعت العديد من عمليات القتل والاغتيالات بحق الأكاديميين والطيارين وأساتذة الجامعات والقادة والعسكريين والرموز الوطنية والدينية في جميع محافظات العراق، وهرب من هرب منهم الى أقليم كردستان العراق، أو الى دول الجوار (سوريا والأردن) بمن فيهم عائلة الرئيس وأبناء عمومته.

- هرب جميع قادة الحزب الكبار من بغداد ومن مدنهم في المحافظات العراقية، ولبس البعض منهم العباءة النسائية من أجل التخفي خوفا من انتقام الجماهير الغاضبة منهم.

- ابتهج كثير من الناس بالفاتح، وأطلقوا عليه اسم الجيش الصديق أو جيش التحرير، واحتفلوا بيوم سقوط بغداد، بل وجعلوه عطلة رسمية، في بداية الآمر.

- بعد أن أصبح الاحتلال واضحا، تصاعدت المقاومة من قبل الوطنيين ورجال الدين من مختلف المجموعات العرقية، وأصبحت مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار أول مدينة تنهض بعد الاحتلال... في 1 يناير، كانون الأول عام /2014 هاجم مسلحو ثوار العشائر (المتمردون السنة) مراكز الشرطة المحلية في قضاء الفلوجة وسيطرو عليها دون مقاومة، بعدها أعلن تنظيم داعش عبر مكبرات الصوت في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار سيطرته الكاملة على المدينة وطلب من العشائر السنية الانضمام اليه لمواجهة القوات العراقية.

وكانت مدينة الفلوجة خلال حرب العراق الأولى المعقل الرئيسي لجميع التنظيمات السنية المتطرفة كتنظيم القاعدة، وقد شكل سقوطها هذه المرة مشكلة كبيرة للحكومة العراقية بسبب موقعها الاستراتيجي القريب من العاصمة بغداد ومطارها الدولي.

- كما ان معركة الفلوجة الاولى كانت بسبب عدم التزام القوات الامريكية بالاتفاق مع الاهالي ببقائهم خارج المدينة، فتمركزوا بأحد المدارس وحصلت مظاهرات، ردوا عليها بقوة وقتل عدد من المتظاهرين، فرد الاهالي على احدى سيارات الشركات الامريكية وقتلوا وحرقوا 4 منهم وعلقوا جثثهم على الجسر الحديدي..لتندلع بعدها معركة الفلوجة.

لم يكن تنظيم القاعدة اول الامر لهم دور كبير، وكان - مجلس علماء الفلوجة - صاحب القرار، وكان (عبدالله الجنابي وعمر حديد) من ابرز الوجوه اضافه الى قاده وضباط من الجيش والحرس الجمهوري المنحل ابرزهم (جاسم الفلاحي).

- حدثت معارك ضاريه في احياء الجولان والصناعي، وتكبدت على أثرها القوات الامريكية خسائر فادحة ولم تستطع الدخول للمدينة، ليتم ايقاف القتال بعد مفاوضات قاسيه، تم بعده تسليم المدينة الى ابنائها وكانت فصائل ثورة العشرين والجيش الاسلامي وابناء العشائر والقوات المسلحة وحتى فدائيين عرب وغيرهم.

اما المعركة الثانية نعم اختلفت الموازين عندما دخلت القاعدة وصَفت القيادات الحقيقية للمقاومة انسحب وانكفئ اغلب المقاومين لانهم بدأوا بقتل وتصفية المنتمين لأجهزة الدولة ومن يعمل مع الامريكان، وهذا ما كان مرفوضا عند المقاومة من ابناء البلد.

- كذلك التيار الصدري الشيعي يعلن الحرب على المحتل ودارت هناك معارك طاحنة في محافظات وسط وجنوب العراق ومنها معركة النجف الشهيرة: هي نزاع عسكري مسلح اندلع في 4 نيسان 2004 واستمر بشكل متقطع حتى شهر آب من العام نفسه بين التيار الصدري وجناحه العسكري جيش المهدي، الذي يرأسه مقتدى الصدر نجل المرجع الشيعي محمد صادق الصدر، ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف الداعمة لها في مدينة النجف وسط العراق بعد الغزو الأمريكي للعراق.

- اشتعلت شرارة المقاومة العسكرية المسلحة في معظم المناطق ضد الاحتلال، خاصة في المنطقة الغربية وفي منطقة تعرف بالمثلث السني (مثلث الموت). وكانت المقاومة في البداية عرقية بحته.

- استمرت الحرب عدة سنوات، حيث تغلغلت الجماعات الإسلامية المتطرفة في جماعات المقاومة الشعبية وأشعلت حروبا طائفية أحرقت البلاد وخلفت آلاف الشهداء والمشوهين والجرحى والنازحين. فهؤلاء أديانهم قائمة على تكفير وقتل وانتهاك حرمة من يخالفهم متى ما سنحت لهم الفرصة، وقد سنحت لهم الفرصة هذه الفترة، ولكن تحت مراقبة عدسات الكاميرات المتوفرة في كل مكان، والتي تنقل كل ما يفعلون من جرائم، والعالم يشهد هذه الجرائم ويشاهدهم أيضا، وهم يبررونها بأنها من الإسلام السني، أو جزء من قانون الإيمان عندهم باعتبار أنها مستندة لنصوص أو لتصرفات الحكام الذين يقدسونهم، مثل إحراق الإنسان وهو حي، فقد فعلها أبو بكر البغدادي وكررها السلفيون من بعده، وطبعا هذا جعل كثير ينفرون من دينهم، فبعض السنة شكلت لهم هذه التصرفات صدمة لم يتمكنوا من استيعابها فتوجهوا أما إلى دين آخر أو للإلحاد.

- حدثت جرائم قتل جماعي وتفجيرات باستخدام أقوى أنواع المتفجرات وأكثرها فتكا، وتدمر شوارع بأكملها ومناطق سكنية مأهولة وأسواق مزدحمة في المناطق الشيعية حصرا، وتهجير عائلات ومجمعات سكنية.

- اما الحرق والقتل بالنار ومجزرة سبايكر في يوليو، حزيران/ 2014 ومن قام بها هم طائفه من أهل السنة تسمى - السلفية الجهادية - او التكفيرية، وحتى هناك نوع من السلفية تسمى بالمرجئة رفضوا مقاتلة الامريكان لانهم يقولون: المفروض ان نصلح حالنا اولا ونوحد قوتنا، ومن ثم نتوجه للمحتل.وهو يحملون افكار الداعية السعودي (محمد عبد الوهاب الحنبلي 1703- 1792) ومن امثلتهم (محمد الخضير) او ما يسمى ابو المنار العلمي.

- رفض أغلب أهل السنة والجماعة الدخول بالعملية السياسية لأنها كانت مبنية على أسس طائفية وأنها من صنع الاحتلال ورفضوا الدستور بأغلبية ولم ينتظموا سياسيا إلا في عام/2010.

- العملية السياسية لم تكن تسير بانتظام والاحتقان الطائفي كان على أشده، وقد ولد نزعه لدى المناطق الغربية بالظلم، مما أدى إلى مظاهرات للمطالبة بالحقوق ما لبث أن استغلت واخترقت من تنظيمات متطرفة أحرقت المدن ودنست المناطق وقتلت كل من يختلف معها فكرا وممارسة.

- اختفت التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش (2014- 2017) بعد أن خلفت وراءها مدن مهدمة وآلاف الشباب المفقودة، وآلاف العوائل النازحة، وآلاف القتلى والأيتام، وسيطرة فصائل مسلحة من الحشد الشعبي من المناطق المحررة نفسها وبمساعدة قوات من الحشد الشعبي القادمة من وسط وجنوب العراق، نتيجة فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها السيد السيستاني.

- فتوى الجهاد الكفائي: هي فتوى شرعية أوجبها المرجع الديني علي السيستاني بتأريخ 13 حزيران 2014 على مقلديه في الأحكام الشرعية من المسلمين الشيعة، في العراق دون غيره من البلدان، للتصدي ومحاربة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذين أسقطوا عدداً من المناطق في غرب وشمال غرب وشمال شرق العراق.

- اليوم عاد الوضع إلى الهدوء النسبي واقتنع الجميع بعدم المسير منفردا رغم كل المحاولات للاستقواء باستعمال صيغ التهديد والتلويح واتباع الطرق الملتوية أحيانا.

- ما زالت العملية السياسية لا تسير وفق الديمقراطية الحقيقية وكل طرف يحاول مسك زمام الأمور ووضع الطرف الآخر تحت مظلته.

وأخيرا: في كل ظهيرة يوم جمعه يصعد المنابر رجال معممون يدعون إلى الزهد والتقشف وينادون بأعلى أصواتهم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم: يتناول التمر، ويشد الحصى على بطنه من الجوع، والخليفة الثاني عمر (رض) كان يلبس ثوبا مرقعا، وسيدنا علي عليه أفضل السلام لم يكن لديه مال ولا دار، ويطالبون الناس بالتحلي بالرسول وإله واتباع نهجه وسنته والعمل بما فعله أصحابه وسلفهم وحالما تنتهي الصلاة، ويتدنى من المنصة ينسى كل ما ذكره، ويعلو سيارته الفارهة ويذهب بها إلى وليمة الطعام التي كانت معده له مسبقا، لتناول ما لذ وطاب من الغذاء والحلويات على حسب مبدأ كل بيمينك وكل ما يليك، والمؤمنون حلويون، وما فات وافته المنية.

وكما قال العالم المصري البروفيسور ( فاروق الباز 1938):

* تخيلوا لو أننا لا نسمع فيروز لأنها أرثوذكسية!.

* ولا نعترف بنزار قباني كشاعر لأنه شيعي علوي!.

* ونمحو السياب من الذاكرة لأنه سني!.

* ولا نقرأ لمحمد الماغوط لأنه إسماعيلي!.

* ولا أدونيس وبدوي الجبل لأنهما علويان!.

* ولا ندرج فارس الخوري في كتب التاريخ لأنه مسيحي!.

* أو سلطان باشا الأطرش لأنه درزي!.

* ونتحفظ عن الضحك ونمتنع عن الفرح لأن دريد لحام شيعي!.

* غاندي إلهم الكثير من الأحرار وهو هندوسي!.

* آينشتاين أعطى الكثير من العلم للبشرية وهو يهودي!.

فلماذا لا تقاطعون شركة آبل.. ماكنتوش، حواسيب، جوالات، لابتوبات.. لأنها من اختراع رجل لا ينتمي لدينكم ؟ كفوا عن مقاطعة الإنسان، و قاطعوا الشر داخلكم الذي يحرمكم من هويتكم وتراثكم ومن علمكم، العلوم ترجمها العرب عن اليونان و لم يقاطعوها لأنها وثنية!.

لا تغيروا أديانكم، لا تخونوا طوائفكم لكن، احترموا الآخر وحقه في الحياة.. احترموا الإنسان لتنعموا بالأمان.. أيها العراقيون.

***

شاكر عبد موسى / العراق

كاتب وأعلامي

 

برستيج: الطريقة الصحيحة المهذبة للتعامل واللباقة بالتصرف، والأسلوب الأمثل في مراعاة قواعد السلوك للحفاظ على الصورة المشرفة التي تستوجب الإحترام.

لا تنطق بالحقيقة لأنها تجرح البرستيج!!

السياسة ربما هي فن إجادة مهارات الكذب، ووفقا لمنطلقات كتاب الأمير لميكافيلي، وبموجب ما تم التعارف عليه في وسائل الإعلام أثناء الحرب العالمية الثانية، التي أكدت أن تكرار الأكاذيب يساهم في تحويلها إلى حقائق راسخة، وصدق مطلق، لا يقبل المحاججة.

وفي زمن الإنفجار الإعلامي والتواصلي السريع بين البشر، أصبح من اللازم أن يكون الكذب سيد المواقف وقائدها، فبواسطته تتحول الملايين إلى حالة واحدة، وقوة قادرة على تحقيق مآرب مبرمجها ومروضها لإنجاز أهدافه بإرادتها المسلوبة، وعقلها المفقود.

وعندما تستمع لقادة العالم، تجدهم يتكلمون وفقا لآليات الكذب المدروسة بعناية فائقة، والساعية إلى تمرير نوايا الذي ينطقها ويجتهد في ترويجها وإصطياد الناس بها.

وهذه لعبة معقدة أعطت أكلها في الدول الديمقراطية الداعية للحرية وحقوق الإنسان، وما تقوم به هو تدجين وترويض البشر ليكون أعمى البصيرة، ومشحون بالعواطف والإنفعالات، وفيه أجيج إندفاعي نحو الهدف الذي تمكن منه وإستحوذ على مداركه ورؤاه.

فالملايين يمكن إختصارها بواحد أو ببضعة أفراد، إستوجب تفعيلهم على أنهم يمثلون الملايين المقبوض على مصيرها بالخداع والتضليل، والترويج الإعلامي الكاذب، وفقا لنظريات وقوانين سلوكية تمتلك النفوس والعقول وتصنع الرأي المطلوب.

فالصدق يتسبب بأضرار بالغة لمقام وهيبة الدول والقوى المهيمنة، ولا بد من الكذب المنمّق المعد بدقة وعلى ضوء النظريات والقوانين التفاعلية القادرة على خداع الملايين وترويضهم، ورميهم في ميادين السمع والطاعة والتبعية والخنوع، وهم المتوهمون بأنهم يعبّرون عن رأيهم، وما هم إلا صدى لرأي زرع في رؤوسهم وتمكن من القبض على بصائرهم.

وتلك لعبة الديمقراطية في مجتمعات الكرة الأرضية!!

"ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون"!!

***

د. صادق السامرائي

على مر التاريخ، لعبت الجدران دورا مهما في تشكيل الحضارة الإنسانية. من التحصينات القديمة إلى الحواجز الحدودية الحديثة، تم استخدام الجدران لأغراض مختلفة، بما في ذلك الدفاع والأمن والفصل. يعد تاريخ الجدران موضوعا معقدا ومتعدد الأوجه تطور عبر آلاف السنين ولا يزال يؤثر بشكل عميق على المجتمعات في جميع أنحاء العالم. سنستكشف في هذا المقال السياق التاريخي للجدران، والشخصيات الرئيسية، وتأثيرها على تاريخ البشرية، بالإضافة إلى تحليل الأفراد المؤثرين الذين ساهموا في مجال دراسة تاريخ الجدران. سنناقش أيضًا وجهات نظر مختلفة حول الموضوع وننظر في التطورات المستقبلية المحتملة المتعلقة بالجدران.

تم استخدام الجدران منذ آلاف السنين لحماية المدن والحصون والمواقع المهمة الأخرى من الجيوش الغازية والتهديدات الأخرى. في العصور القديمة، كانت الجدران غالبا ما تُبنى من الحجر أو الطوب أو غيرها من المواد المعمرة، وكانت مصممة لتكون طويلة وسميكة وغير قابلة للاختراق. ومن أشهر الأمثلة على الأسوار القديمة سور الصين العظيم، الذي تم بناؤه على مدى عدة قرون لحماية الإمبراطورية الصينية من الغزوات البربرية. ويعد السور العظيم شاهداً على براعة وعزيمة الأشخاص الذين بنوه، فضلاً عن أهمية الجدران في الحفاظ على الأمن والاستقرار.

وفي العصور الوسطى، أصبحت الجدران أكثر تفصيلا وتطورا، مع بناء الحصون والقلاع والخنادق الضخمة. تم تصميم هذه الهياكل لتحمل الحصار والهجمات التي تشنها قوات العدو، وغالبا ما كانت بمثابة رموز للقوة والسلطة. شهدت فترة العصور الوسطى أيضا تطور أسوار المدينة، التي أحاطت ببلدات ومدن بأكملها ووفرت الحماية لسكانها. غالبا ما كانت هذه الجدران مزينة بالبوابات والأبراج وغيرها من الميزات الدفاعية، مما يجعلها عملية وزخرفية.

خلال عصر النهضة وأوائل العصر الحديث، بدأت الجدران تفقد أهميتها العسكرية حيث جعلها التقدم في المدفعية والتقنيات الأخرى أقل فعالية كهياكل دفاعية. ومع ذلك، استمر استخدام الجدران لأغراض أخرى، مثل وضع علامات على الحدود، والسيطرة على الهجرة والتجارة، والحفاظ على النظام الاجتماعي. كان بناء سور برلين في القرن العشرين بمثابة تذكير صارخ بالتكلفة البشرية للجدران، حيث أدى إلى تقسيم الأسر والمجتمعات والبلدان لعقود من الزمن قبل سقوطه في نهاية المطاف في عام 1989.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الجدران قضية مثيرة للجدل في المناقشات الدائرة حول الهجرة، والعولمة، والأمن القومي. أثار بناء الحواجز الحدودية في دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والمجر معارضة شرسة من المنتقدين الذين يزعمون أن الجدران غير فعالة ومكلفة وغير إنسانية. ومع ذلك، يرى أنصار الجدران أنها ضرورية لحماية السيادة الوطنية، والسيطرة على الهجرة غير الشرعية، والحفاظ على السلامة العامة في عالم متزايد الترابط. وقد أدى الوباء العالمي الحالي أيضا إلى زيادة الاهتمام بالجدران كوسيلة لاحتواء انتشار الأمراض المعدية والتهديدات الأخرى.

وفي الختام، فإن تاريخ الجدران هو موضوع رائع ومعقد ساهم في تشكيل الحضارة الإنسانية بطرق عميقة. من التحصينات القديمة إلى الحواجز الحدودية الحديثة، لعبت الجدران دورا رئيسيا في الدفاع عن المجتمعات، وتحديد الحدود، والحفاظ على النظام. في حين أن الجدران لها جوانب إيجابية وسلبية، فإنها لا تزال تشكل مصدرا للجدل والنقاش في العالم الحديث. وبينما نتطلع إلى المستقبل، سيكون من المهم النظر في الدور المتطور للجدران في مشهد عالمي سريع التغير وإيجاد سبل لتحقيق التوازن بين الشواغل الأمنية والقيم الإنسانية. ومن خلال دراسة تاريخ الجدران، يمكننا الحصول على رؤى قيمة حول التحديات والفرص التي تنتظرنا في السعي لتحقيق السلام والأمن والتفاهم المتبادل بين الأمم والشعوب.

***

محمد عبد الكريم يوسف

...............................

المراجع

- Jones, A. F. (2015). The Great Wall: A Cultural History. Harvard University Press.

- Smith, J. K. (2010). Walls and Borders: A Global Perspective. Wiley-Blackwell.

- Patel, R. S. (2019). Beyond the Wall: Rethinking Borders and Security in the Twenty-First Century. Stanford University Press.

 

الشعب السوداني الذي همعت جفونه، وفاضت دموعه، جراء الجشع الدنيء، الذي تفاقم شره، واستطار أذاه، من قبل بعض التجار الذين لهم قلوب أقسى من الصّوان، وأفئدة أصلب من الجلمود، على الكادح الذي أضحى قبلة للنوائب، وعرضة للمصائب، هذه الفئة التي مرضت أهواؤها، وسقمت ضمائرها، حتماً سوف تهتبل هذه الفرصة التي أتاحها لها حصيف الحُجى وزير المالية الذي أظهر الخفي، وأعلن الممضمر، عن اقتصادنا الذي نكصت رايته، واستبهمت علامته، بعد أن وعرته جوانح الحرب، وطافت به مُلِمّات الأزمة الاقتصادية العالمية.

والمواطن الذي أرتاع قلبه، ونحب فؤاده، ظلّ يرقب تصرفات من لا يحجزه تقى، ولا يردعه نهى، التاجر الجشع الذي يسلك طريقاً معور، وأثراً مجهولاً، والذي لا يحتفي إلا بالمادة التي تربطه بها آصرة أبدية، وأخيةُ مستحكمة، وغفل عمّن نبا عصب صبره، وانتكت مرائره، فالشعب الذي أيبس الفقر عوده، وهّشم الغلاء فقاره، لن يظل دوماً راضياً بما قُدِّر له، ويسكن أبداً إلى ما قُسِمَ إليه، فالحزب الصمد الذي شاع حُسن الذكر له، وذاعت المحامد عنه، والذي اشتُهِرَ بنزاهة النفس، وحصانة اليد، وظلافة الهمة، يجب أنّ يخفض رفعة هذا التاجر، ويكبح تطاوله، فالتاجر الذي لا يخشى في المواطن إلاً ولا ذمة، سوف يجد في رفع الدعم عن المحروقات بلاغاً إلى مبتغاه، وسبيلاً إلى متوخاه، فصاحب الداء العُضال، والعياء المستشري، سوف يعمد إلى الأسعار فيقفز بها حتى تصل السحاب الجون، ولن تحرك الدولة المشبل صاحبة النظرة الثاقبة، والتدبير الموفق، ساكناً لنجدة من همد صوتُه، وسكنت حركاتُه، فسياسة التحرير تمنعها عن ذلك. إنّ صرعى الفاقة، وطرائد المرض، الذين حزبهم الأمرُ، وشجنهم الحال، لا يتوقون لأن تخمد جذوة الغلاء، وينطوي عهد الشره، ولكنهم يتطلعون لأن تكون رواتبهم التي ينالونها نظير السعي الدائب، والجهد المضني، مجزية حتى تصمد إذا أسرفنا في التفاؤل لمدة تربو عن الأسبوعين من صرف الراتب، كما تطمح تلك الطائفة التي تكابد الأين، وتعالج اللغوب، أن تسعى الظئر العطوف حكومتنا الرشيدة لتوفير كل السلع الضرورية في أماكن البيع المخفض، فالغلاء الذي أنطق لسان الأبكم يجب أن تتضافر كل الجهود لكف ضلاله، وكبح شروره.

***

د. الطيب النقر

 

قبل ثلاثة اسابيع؛ مرت علينا ذكرى الغزو الأمريكي للعراق في 19 مارس 2003. غزت أمريكا العراق عن سابق تخطيط وإعداد، لا كما يقول الأمريكيون، من أنه كان خطأ. كما أنه ليس بدفع من المحافظين الجدد على أهمية موقف هؤلاء من الغزو أو الدفع للتسريع به، الحقيقة أن عملية الغزو هي جزء من مخطط كوني أمريكي، وهذا هو ما أثبتته كل الأحداث التي تلت الغزو، سواء في العراق أو في المنطقة العربية.

أمريكا بغزوها هذا لم تسقط النظام فقط، بل إنها بتصميم مسبق دمرت الدولة العراقية بصورة كاملة.. وغيرت البيئة الجغرافية له؛ باستخدام غاز (الكيمتريل)، سواء في حربها عليه عام 1991، أو في عملية الغزو التي انتهت باحتلاله، إضافة الى استخدامها لليورانيوم المستنفد. استخدامها للأسلحة المحرمة دوليا؛ هو ما يفسر التصاعد المرعب لعدد المصابين بالسرطان في العراق. والأكثر رعبا لحاضر الشعب العراقي ومستقبله، والأكثر إجراما بحقه؛ هو استخدام أمريكا لتقنية (الكيمرتيل) حتى بعد احتلالها العراق ولسنوات.. هذه التقنية أثرت في مناخ العراق. الولايات المتحدة تريد تدمير العراق ليس حاضرا فقط، بل مستقبلا أيضا فقد خططت وتخطط لتجريده من كل مقومات وأسس التطور والتنمية؛ لإخضاعه لها ولسياستها، سواء في المنطقة العربية أو على المستوى الإقليمي. هذه التقنية وبالذات على المستوى العسكري، وعلى مستوى جغرافية الأرض في أي دولة في العالم؛ ستسبب كوارث بيئية، فهي وكما يقول خبراء الشأن العسكري العلمي؛ إنها ستكون مستقبلا بديلا عن السلاح النووي، الولايات المتحدة الأمريكية، سوف تجر العالم إلى سباق تسلح بين القوى العظمى في العالم؛ أي أنها بؤرة ومركز الخطورة على كل شعوب الأرض. تقول أمريكا إنها تسعى مع الحكومة العراقية إلى تطوير العلاقات بينهما، بما فيه مصلحة الدولتين، أي نفاق وأي فرية وأي كذبة هذه التي تقول بها أمريكا؛ وهي تستخدم تلك التقنية على الأرض العراقية؛ حتى تجرده من مقومات قوته، في الزراعة والبيئة. السؤال المهم هنا ماذا تريد أمريكا من العراق؟ هل تريد له أن يكون تابعا لها إلى الأبد؟ وهل تريد له أن يستمر بالاعتماد على النفط والغاز فقط كما هو حاصل بسبب البيئة في دول الجوار العربية. الولايات المتحدة تخطط للسيطرة على العراق إلى آماد بعيدة جدا؛ عبر هذه الوسائل وغيرها الكثير مما يقع في الاتجاه ذاته. وفي مقال كتبه مؤخرا، الدكتور جاسم يونس الحريري: (في ‏28‏ يناير‏1991‏ قامت الطائرات الأمريكية بإطلاق غاز(الكيمتريل) فوق العراق، بعد تحميله بالسلالة النشيطة من الميكروب المهندس وراثيا لحساب وزارة الدفاع الأمريكية، للاستخدام في الحرب البيولوجية، وذلك بعد أن قامت واشنطن بتطعيم الجنود الأمريكيين باللقاح الواقي من هذا الميكروب قبل إرسالهم لميدان المعركة). وفي ‏محاضرة ألقاها الكولونيل تامزي هاوس أحد جنرالات الجيش الأمريكي ونشرت على شبكة معلومات القوات الجوية الأمريكية، كشف فيها أن الولايات المتحدة ستكون قادرة في عام 2025 على التحكم في طقس أي منطقة في العالم عن طريق تكنولوجيا عسكرية غير نووية، يتم إطلاقها من خزانات ملحقة بالطائرات النفاثة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تسعى لاستخدام تقنية الكيمتريل كجزء من أدواتها الرئيسية للحروب المستقبلية. مشروع (الدرع لتبريد الكرة الأرضية بالهندسة الجغرافية والمناخية)، بدأت أمريكا في استخدامه في حروبها الخاصة، الأخطر أن إسرائيل حصلت على تلك التقنية، التي تجعل الأسلحة النووية بجوارها صفرا على الشمال، وربما يكون حصولها على «الكيمتريل» وراء موافقتها على تفتيش منشآتها النووية والموافقة على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. عالم الهندسة الجوية العراقي وخريج إحدى الجامعات الروسية البروفيسور نوري القيسي، يشير إلى حقيقة أخرى، فهو وبعد طول دراسة وبحث تأكد أن سبب تلك الظواهر البيئية الجوية في العراق، التي ميزته عن محيطه الدولي هو مادة (الكيمتريل). وكل عراقي يعرف هذه القضية، لكنه يفتقد الوعي بها، فمنذ سنوات ونحن نشاهد الطائرات المحلقة في أجواء العراق تنشر غازا أبيض بشكل كثيف فوق المناطق العراقية، وهذا الغاز يتكاثف ويتزايد حجمه، ويأتي بعده يوم مغبر حار جاف، وشتاء العراق لعام 2010 شاهد على هذا الأمر، فقد قمت بمتابعة القضية وصورت كل المرات التي حلقت بها تلك الطائرات، ونشرت سمومها ليتحول مناخ العراق إلى الجفاف والحرارة، وإلا فمن يصدق أن العراق بلد المطر (بارد ممطر شتاء) كما تقول العلوم الجغرافية، التي يدرسها العراقي منذ الأزل، يتحول إلى جاف حار شتاء، وحتى تاريخ 10/12/2010 والسماء لم تنزل قطرة مطر واحدة على العراق، ولا تزال درجة الحرارة تراوح عند 22 ـ 27 درجة مئوية) انتهى الاقتباس. أمريكا على خطأ تماما؛ إذ تتصور أن بإمكانها من خلال هذه الوسائل الإجرامية، كما في غيرها؛ أن تتحكم بمصير العراق شعبا ودولة وأرضا وسماء، إنها واهمة بالكامل؛ لأن شعب العراق لا يعرف الرضوخ والتبعية، وسيخرجها عاجلا أو آجلا من أرضه وسمائه.. لقد مرت على أديم أرضه في عصور وأحقاب مختلفة؛ سنابك خيول الغزاة، لكنها في نهاية مشوارهم الاحتلالي والإجرامي؛ خرجوا بخفي حنين من دون ان يحصلوا على ما خططوا للحصول عليه؛ من نهب واستغلال لثرواته. كما أن الشعب العراقي فيه الكثير جدا من المفكرين والباحثين عن الحقيقة؛ الذين يعرفون تماما ما تريد أمريكا من وطنهم، وفي كشف وإماطة اللثام عن كل ما تخطط وتنفذ أمريكا من جرائم. الولايات المتحدة الأمريكية، بسياساتها هذه؛ تسحب كل العالم للدخول مجبرا إلى أتون نيران جديدة؛ تسلب منه الأمن والاستقرار والسلام، سواء حاليا كما هو جار، أو في المستقبل المنظور والمتوسط والبعيد؛ بفتحها مجالات جديدة بالإضافة إلى القديمة؛ لسباق تسلح جديد بين القوى العظمى في العالم. الأمريكيون أكثر من اي دولة عظمى؛ تتحدث عن حقوق الإنسان وعن السلام والتنمية والاستقرار في العالم، بينما الحقيقة هي عكس هذا تماما. القوى العظمى وليس أمريكا وحدها؛ كل همها هو بقاؤها كدول عظمى، وبما يكفل لها البقاء متسيدة على العالم، وتمسك بكل مفاتيح التحكم فيه. أمريكا بفعل إمكانياتها وقدراتها؛ تدفع الدول الكبرى إلى سباق تسلح يختلف مع اختلاف العصر، كما حصل في الحرب الباردة، وكما هو حاصل فعليا في الوقت الحاضر. جل الشعوب ودول العالم، هما الضحية لهذه التطورات وآفاق هذه التطورات في جانبها العسكري، وحتى في الجغرافية لجهة تحولها طبقا للمصلحة الأمريكية. ماذا تريد أمريكا من العالم؟ إنها تريد أن تتحكم في مصيره لصالح شركاتها، التي هي في التحليل النهائي؛ الإدارة الأمريكية وهي أيضا البرلمان ومجلس الشيوخ ومؤسسات الدراسات الاستراتيجية؛ أي أن الشركات الأمريكية هي أمريكا دولة ونظام حكم وخططا طموحة، وقد سعت وتسعى لإقامة ما يشبه حكومة عالمية تحكم الكرة الأرضية. السياسة الأمريكية هذه؛ كان من نتيجتها تراجعها كقوة عظمى في الاقتصاد، وانحسار قوتها وهيمنتها في الكثير من الأمكنة في العالم. وهي في الطريق، لأن تفقد الكثير والكثير جدا، من قوتها ونفوذها، بالإضافة إلى الداخل الأمريكي القلق والمضطرب. لكنها حتى هذه اللحظة لم تتراجع قيد شعرة عن طموحاتها في التحكم بمصير العالم؛ دولا وشعوبا. السياسة الأمريكية هذه؛ تصدت لها القوى العظمى والكبرى في العالم ليس لمصلحة العالم، بل لمصلحتها في إطار التنافس على الهيمنة والسيادة والنفوذ والاستغلال، بطريقة أخف كثيرا، بل للحقيقة تختلف كليا عن الاستغلال الأمريكي لنفوذها في دول وشعوب بعينها.. ما يحدث في العراق من مخطط أمريكي؛ لاستدامة احتلالها له بطرق ظاهرة وطرق أخرى خفية، وفي الحرب الروسية الأمريكية على الأرض الأوكرانية، وفي آسيا الوسطى وفي بحر الصين الجنوبي، وفي غزة وما يجري فيها أو ما تقوم إسرائيل فيها من مذابح وإبادة جماعية؛ لا يخرج عن هذا الصراع، بل هو قلب هذا الصراع؛ الذي سوف يغير شكل وصورة المنطقة العربية وجوارها والعالم..

***

مزهر جبر الساعدي

 

قالها قس بن ساعدة قبل بزوغ  الإسلام، فهل أدركناها؟.. الواقع المعاصر يشير إلى أننا نتخندق في الفائتات، ولا نأبه للآتيات، ونستلطف الغوص في دياجير الغابرات، فلا ضوء في نهاية أنفاق متاهاتنا الظلماء.

لو تأملنا أية حالة لوجدناها غائرة في الفائتات، وما أكثر القول بالنظام السابق، والنظام البائد، الذي نضع على عاتقه ما نعانيه في حاضرنا، ولا نجرؤ على العمل بموجب "ما فات مات"!!

وإذا تكلمت في أي موضوع تأتيك التبريرات ودواعي المقبولية، لأنه قد حصل في زمن مضى، والمسألة تكرارية .

عالم يسير للأمام ويتسلق سفوح الأمجاد  بالإختراع والإبتكار والتنافس الإبداعي المطلق ، ونحن نندحر في نقاط زمنية، ونحسب الأرض متوقفة عن الدوران، فلا جديد، بل إعادة للقديم والعيش في رحم الغابرات، ولا قدرة على التفاعل مع الآتيات.

وكأننا مثل الذي حفر خندقا حول المدينة بعد معركة الخندق بعقود لحمايتها، متوهما بأن ذات الآلية تصلح لحاضره!!

وإياك، إياك أن تردد "ما فات مات"، وعليك أن تؤمن بأن ما فات عاد، ويمكننا أن نعيش ما نتصوره ونتخيله عنه، فالأوائل ما كانوا بشرا بل من جنس الملائكة، أو أصحاب طاقات وقدرات لا مثيل لها فوق التراب.

وما فات عظيم ومقدس ولا يمكنه أن يموت، وعلينا أن نتمسك به وندعي القدرة على إحيائه وتمثله والإنطلاق به.

وما عرفناه، ولا إتخذناه ركيزة إنطلاق نحو إنجازات معاصرة، ذات قيمة حضارية ساطعة.

وما فات ما مات، وهكذا نعمه في قيعان الويلات!!

و"كن مخلصا في عملك تبلغ أقصى أملك"!!

***

د. صادق السامرائي

 

1 - لا نعني هنا إيمان بسطاء الناس، الذين يتعاملون معه، بالصدق ونبل العواطف والنوايا الطيبة، وحلمهم في أن يعوضهم الله، عن جهنم الدنيا، بقطعة فردوس واشياء اخرى يفتقرون اليها، في جحيم وطنهم، الى جانب الخوف، من وهم عذاب القبر وعذاب الله لهم في جهنم الآخرة، ذلك الذي يفبركه شياطين الوسطاء، من أجل ابتزازهم في خرافة الشفاعة، نقصد هنا حصراً، الدين الذي تسير عليه، قدمي المصالح المشتركة، للأنظمة الشمولية وشياطين اصحاب المذاهب، وكذلك الذين، افترضوا تمثيلهم للرب على الأرض، وبمنتهى الشطارة والأحتيال، فرضوا على العامة، كتبهم وافعالهم ثم سوقهم بالأكراه، على قبول دين جديد، جرائم استغباء. لبلع عظمة تغيير العقائد.

2 - معدمي الأرض وجياعها، ونتيجة لقسوة الجهل والأوبئة والكوارث الطبيعية، ومنذ الاف السنين، يبحثون عن مخرج انساني، وعبر تلك المعاناة وقفزات الوعي الخارقة للعقل البشري، تشكلت في العراق، ما يقارب السبعة حضارات انسانية تقريباً، قدمت انجازات علمية وأجتماعية، لا زالت معالمها شاخصة، في اغلب متاحف الدنيا، العراق المتوج بالنهرين الخالدين (دجلة والفرات)، لم تتوقف انجازاته الحضارية، التي شاركت فيها، جميع مكوناته البشرية ما بين النهرين، حتى اجتياح الفتح (الغزو) الأسلامي قبل (1400) عام تقريباً، حيث تم قطع الشريان الحضاري، الذي يوصل بين تاريخ الأنسان ومستقبله، فوقع العراق كاملاً، في عتمة الجهل والفقر والأمراض والأذلال، وتخلف متواصل الى يومنا هذا.

3 - كان الصراع دموياً، بين شعب في رأسه عقل، وغزاة قلوبهم من حجر، طموح لا يهداء، في رغبة العودة الى ما كان عليه العراق، مسلسل انتفاضات وثورات عنيدة، كلفته قوافل شهداء وجرحى، وسجناء ومنفيين، وكان الدين غطاء، للاحلاف المشينة، بين القوميين والأسلامويين، وظفوا بعض الأماكن المقدسة، عند بسطاء الناس، فكانت مكة في السعودية، والأزهر في مصر، والنجف في العراق، المتاريس الحقيقية لتدمير الأنسان العربي، والعراقي منه بشكل خاص، وكسر معنوياته ومسح هويته الوطية، فالحلف غير الشريف، بين الدولة والدين السياسي، كلفت شعوب المنطقة، خسارات جسيمة، يرافق ذلك جرائم قطع الأعناق والأرزاق، وفرض العقوبات المجحفة، اقتصادياً واجماعياً وثقافياً.

4 - حلف الدين السياسي والأنظمة المتخلفة، قائم على مشتركات مصيرية، هذا الحلف لا يمنع الأثنين، عن ارتكاب جرائم الخيانات الوطنية، وذات الحلف، يتسع لأصحاب المذاهب ومختلف القوميات، فالمنافع الذاتية والحزبية، تجعل الحلف شديد التماسك وحشي الأجراءات، شاهدنا في العراق، كيف تعامل الأسلامويين والقوميين الصغار، بوحشية مفرطة مع أنتفاضة الحق العراقي، في الأول من تشرين 2019، كسروها بوحشية، لكنها لن تموت، حثالات الردة، من زاخو حد الفاو، ينامون على جمرة الخوف، والأحتمالات غير الساره، تقترب من ابوابهم، وغدا ستطرقها الأنتفاضة لتخرجهم منها عراة، الا من فضائح ملفات فسادهم وارهابهم، غداً ستشرق شمس الله، لتعلن حقيقة  العدل والجمال فيه، وأنه (ألله) في صميم الأنسان، وليس له وسطاًء على الأرض، وهو قابع فينا، لن يحتاج وسيطاً علينا، ليشيطن العلاقة الأنسانية، بين الله والمواطن العراقي، ذكراً كان ام انثى.

***

حسن حاتم المذكور

09 / 04 / 2024

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم