تجديد وتنوير

الإفتتان الديني مدخل لمصادرة العقل

asaad alemaraمرة أخرى يكون الدين عامل يقود العقل بلا تروي، بلا وعي، والأحرى لنقل مصادرة العقل تماما، أنه الإفتتان الديني!!. يَعرف من درس علم الإجتماع حق المعرفة هذا المفهوم؟ وما هو تأثيره على الإنسان؟ وكيف يقوده بلا وعي إلى الهلاك، فعلا أنه يكون مسير من قبل شخص ما، قد يكون مرجعه الديني، أو تلميذه أو مريده، أو من يزقه العلوم الدينية زقًا بلا وعي.. إنه الإفتتان الديني.

تعرف الموسوعة الفلسفية الوعي بوصفه حالة عقلية من اليقظة يُدرك فيها الإنسان نفسه وعلاقاته بما حوله من زمان ومكان واشخاص، كما يستجيب للمؤثرات البيئية استجابة صحيحة.

ويعرف ايضا بأنه اتجاه عقلي انعكاسي، يمكن الفرد من إدراك ذاته والبيئة المحيطة به بدرجات متفاوتة من الوضوح والتعقيد.

أما التلاعب بالوعي فيمكننا أن نعرفه

كما يطرحه"الباحث..د. اسعد الاماره" هو قوة تأثير نشر الأفكار المتطرفة، أو غير المقبولة لدى عامة الناس بأساليب ملتوية، مستهدفين بذلك التأثير على الجوانب المعرفية "الادراك، التفكير، اسلوب حل المشكلة، العاطفة" وتحريفها الوعي.

أما الإفتتان الديني

فهو الإفتتان برجل الدين حد العبادة، أو بالطائفة، أو المذهب، أو الدين، ويغلب على سلوك الفرد أو الجماعة التوحد أو تقمص شخصية الدين الجمعية، أو المذهب، أو الطائفة، ولن يكون هناك فرق بينه وبين موضوع الإفتتان، فيكون عقله مُصادرْ، وسلوكه جمعي، أي تقمص كامل له.

تعد العبادات والرقص الديني نوعاً من السلوك الجمعي التي تمارسه المجتمعات في مختلف بقاع العالم حيث كانت الموسيقى والرقص هي إحدى وسائل أداء العبادات الدينية، وقد استمر هذا التقليد لعدة قرون وما زال لدى بعض الملل والنحل والطوائف ومنها الفرق الصوفية في الإسلام وبعض المجموعات ذات البشرة السوداء التي تستخدم الايقاعات الموسيقية مثل الرقص الديني، وربما استخدمت الموسيقى كطقوس دينية ووسيلة للعلاج النفسي وفي اعتقاداتهم، انها تبرأ من الأمراض وبعض الحالات غير السوية .

وهناك بعض الامثلة:

- العبادة بالرقص:

مارس مجموعة من اليهود الآرثوذوكس وتسمى هذه الطائفة (اليهود الحسيديم) .. فهم يعبرون عن العبادة بالرقص والأغاني والموسيقى .. وهي جزء من ممارساتهم الدينية .. وعدوها أيضاً جزءاً من التقوى والصلاح والعبادة . ويتجاوز اليهود الحسيديم ذلك إلى التعدي على مكانة الانبياء وقداسة الرسل بنسب مالا يليق بهم .. فقد ذكروا في التوراة أن النبي اليسع عندما كان يريد التنبؤ يطلب أن يؤتى له بعوّاد يضرب له بالعود (والآن فآتوني بعواد، ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب - سفر الملوك الثاني - )، ويدعي الحسيديم أن أكثر المزامير التي تنسب إلى داود كانت تغنى مع ألات موسيقية .

كان موسيقيو المعبد مقسمين إلى 24 موسيقياً .. وبعد تهديم المعبد انتقل الغناء إلى الكنيس .

ويعُبّر الغناء والرقص عند الحسيديم عن تماسك الجماعة ووحدتها .. ويقولون بأن للغناء معنى تحلق فيه روح الإنسان إلى الآفاق العليا وترتقي .. وقد اعتقدوا أن الإنسان يكون قريبا من الحضرة الإلهية فقط حينما يكون سعيداً ومسروراً .. وللحسيديم أقوال كثيرة في أهمية الأغاني وتأثيرها ..

- وفي اسيا – جنوب شرقي أسيا - ضمن دول كوريا والصين واليابان فقد استخدمت الموسيقى الدينية باوسع اشكالها ففي مملكة كوريو- كوريا الحديثة، كانت موسيقى مملكة شيلا هي نفسها السائدة في عصر مملكة كوريو(918-1392) في الدول المجاورة لها، ولكنها سرعان ما تنوعت فيما بعد وتكونت موسيقى دينية خاصة نابعة من تراث تلك الدول والممالك وثقافاتها السائدة . فكان هناك ثلاث أنواع من الموسيقى في مملكة كورويو هي / تانغ اك أو موسيقى مملكة تانغ الصينية، هنلنجاك أو موسيقى القرى، وأه- آك أو موسيقى النبلاء. إذنْ كانت موسيقى للفقراء وموسيقى للنبلاء على حسب الطبقات الحاكمة في المجتمعات، وتم وراثة بعض من موسيقى كوريو بواسطة مملكة جوسون 1392-1910. كما لا يزال بعض منها يستخدم إلى الآن في المناسبات الخاصة مثل الشعائر والعبادات خاصة فيما يتعلق بعبادة الاجداد. . وكما هو الحال في الموسيقى كان أيضا في الرقص، حيث كان في كوريو من موروثات عصر الممالك الثلاث ولكنها أضافت عليه فيما بعد فنون أخرى للرقص وذلك مع بداية رقص النبلاء والرقص الديني من مملكة سونغ الصينية.

- أما في التاريخ الإسلامي فقد كانت الإيقاعات الموسيقية باستخدام بعض الآلات لدى معتنقي الطرق الصوفية كوسيلة للتوحد مع الشيخ من قبل المريد والذوبان في حب النبي "ص"، واستخدمت هذه الطقوس الدينية في بداية القرن العاشر الميلادي، وقادها رجال دين مسلمون زهاد عرُفوا بتقواهم وتوعد هذه الجماعة مريديها بمكاسب مادية ومعنوية لا في الدنيا فحسب بل في الآخرة ايضاً، إلا أن بعض رجال الدين ممن لا يؤمنون بهذه المذاهب حرموها واعدها البعض منهم بدعة.

- من أمثلة الافتتانات في العالم في تاريخنا الحديث ما حدث في غانا في العام 1978:   لقد مات أكثر من 900 رجل وامرأة وطفل في مجزرة انتحارية في العام 1978 في مقاطعة منعزلة بـ (جونزتاون) – غانا، يبدو أن قرار الموت صنعه شخص واحد وهو القس "جيم جونز" فقد احتسى معظم اتباع جونز ماء مذاب فيه اقراص سيناميد الموجود في الوعاء مما ادى إلى مقتلهم كلهم والسؤال ما الذي يجعل الناس يستسلمون لحكم الفرد بهذه الطريقة ؟

يرى علماء النفس والاجتماع، أن قادة هذه المجموعات يستخدمون عادة أساليب معضلة من شانها جعل مثل تلك الطاعة العمياء امرًا محتملًا، فهم يميلون إلى أن ينضم إلى الجماعة الأفراد المستجيبون خاصة والذين يتأثرون بالإيحاء والتقبل لهذه الأفكار.

أما اليوم وفي التاريخ المعاصر، بداية القرن الحادي والعشرون، وبالاخص انتشار الطائفية بشكل مذهل، فقد أنتشرت ظاهرة الإفتتان الديني برجل الدين، أو بسلوك الأفراد المتطرفين في العنف أو التعذيب أو التمثيل بقتل الضحية بأبشع صورة، وإسنادها إلى التاريخ الإسلامي، وإختلاق أما نص للكتب الدينية المقدسة، أو لإحاديث مشكوك نسبها إلى النبي أو إلى الامام،أو لرجل من الصالحين !!، لا سيما أن الصراع الطائفي هو السائد الآن، وهو الموضة لدى الجيل من الشباب وقوة التأثير هي الأقوى على عقول الشباب واستبدال الوعي بوعي جديد، يميل نحو التطرف، رغم إن العالم اليوم يميل نحو الإنفتاح بين الشعوب، والإعتدال الجمعي لسلوك البشرية، والتقارب بفعل العولمه بجانبها الإيجابي من خلال التواصل والتقارب وتبادل المعلومات، إلا أن الإفتتان الديني وإتباع المرجعية التي يؤمن بها الشباب سواء كانت دينية، أو مذهبية، أو سياسية، في عالمنا الثالث – العالم المتخلف، هي التي تؤثر على عقولهم، وإختلاق رموز ليست واقعية.

 

د. اسعد الاماره

*استاذ جامعي وباحث نفسي

 

في المثقف اليوم