تجديد وتنوير

بين النباهة والأستحمار

انطلاقاً من مشروع الدكتور علي شريعتي الذي يدعو الى (غربلة) الدين ومن ثم بناءه ايدلوجياً ليواكب التطور السريع الذي تشهده كثير من العلوم لتأصيل الحلول ومعالجة الإشكاليات التي تثار حوله . رأيت أن أكتب سلسلة من المواضيع (حسب طاقتي واطلاعي) تصب في هذا الباب وتفتح مجال لزيادة الوعي (النباهة حسب تعبير شريعتي) بكثير من الإشكاليات المطروحة على الساحة، ومحاولة لنبذ التزييف والتشويه ( الأستحمار حسب تعبير شريعتي ).. ولعل من أهم المصطلحات وأجدرها بالبحث والتعمق .

أولاً: التقليد - وهو قدوة وأسوة، يتحقق بمجرد العمل، أو بمجرد الجزم والعزم على العمل بقول عالم (مجتهد) معين، وهو (أي التقليد) الطريق الأكثر عملية لجل الناس، ولا يخفى على الباحثين والدارسين أن مسالة التقليد رغم عمرها القصير نسبياً فإنها ساهمت في إيقاف حركة الوعي (النباهة) عند الكثيرين بعد ما نجح بعض الدعاة الى تلقين جمهورهم شعاراً عائماً لا حدود لتفسيره منتزعاً انتزاعاً من قوله تعالى (فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) وحقنوه مخدراً شاع بين الناس (ذبها براس عالم وأطلع منها سالم) فضلاً عن مساهمتهم في تسطيح مفهوم الراعي والرعية من (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، فأنتجت هذه الدعوة مقلداً أعمى يطيع طاعة عمياء لا يقبل بها الواعي (النبيه) فضلاً عن العالم !!

فتحول التقليد الى التسليم المطلق والذي ورّث الآف المفاسد، ومن المؤسف أن بعض العلماء راحوا ينظرون بشكل حتمي للطاعة ويروجون لها، حاسبين ان عموم الناس مجرد قطيع وأن الراعي ليس عليه الإ علف الرعية وقيادتها الى المرعى حتى أضحى التقليد الذي يعتبر مبدأ من المبادئ (الإسلامية بوجه عام والشيعية بوجه خاص) الراقية أداة سلبية باتت تُخضع المكلّف للتقليد الأعمى حتى في الأمور العقلية والفكرية وراح المقلد يسأل مقلده عن أمور حياته اليومية البسيطة، وكأنهم أصبحوا (أي المقلدين) عبيداً لعقل أو عقلين يفكرون عنهم بالأجماع، ورحلت الكثير من العقول وغيبت بسبب مخالفتها لهذا التزييف المتعمد (الأستحمار)، وتصبح الكارثة أكبر اذا صارت الاستخارة هي العقل وهيمنت عليه، وقد تعرضت شخصياً لهذا الأستحمار !!! فقد طلب مني بعض الأطباء (الملتزمون) أن أقوم بتصميم مجمع طبي مكون من أربع طوابق يضم معظم الاختصاصات وبعد المضي في التصميم وقطع شوط طويل تفاجأت بإلغاء المشروع من قبلهم وعند الاستفسار عن السبب ؟ أتضح أنهم أخذوا استخارة أكثر من مرة وكانت غير جيدة !!.... هذا نموذج من الفهم الخاطئ وتغييب العقل والتخطيط السليم، ينقل عن أحدهم قوله: أن ضم الناس الى العالم كضم الحجر الى البشر !! .. فيما كتب آخر: فليس الحاكم الإسلامي كالحاكم الديمقراطي يستمد سلطانه وسلطاته من الأمة، فإن النظرية الإسلامية لا تعترف بمثل هذا السلطان للأمة!!

وأخيراً مما دفعني الى هذه العجالة هو ما أراه من أن الأستحمار قد بلغ درجة من القوة والشيوع في زماننا هذا، لم يسبق لها نظير على مر التاريخ . فقد كان الأستحمار في الماضي تابعاً لنبوغ المستحمرين وتجاربهم!، اما اليوم فقد أصبح معززاً (بالعلم) وبـ (القنوات الفضائية)، وبـ (المال)، وبـ(التربية والتعليم) صار فناً مجهزاً بالعلم والمعرفة، دقيق جداً، يصعب على المستحمرين رفضه والانفكاك عنه !!

 

حسنين الربيعي

................

مصادر البحث:

1) الفتاوي الواضحة للشهيد الصدر (قدس سره)

2) أزمة العقل الشيعي، مختار الأسدي

(3 النباهة و الأستحمار، الدكتور علي شريعتي

4) التشيع العلوي والتشيع الصفوي، الدكتور شريعتي

5) مجلة قضايا اسلامية معاصرة

في المثقف اليوم