تجديد وتنوير

أزمة الأديان بين الدعوة الكونية والخطاب الضيق (2)

mustafa alomariتعودت مجتمعاتنا على ثقافة الكبت والإتكال وإحالة كل ما يتعلق بالدين او الثقافة الغيبية الى رجال أطلقوا على انفسهم فيما بعد (اختصاص ديني) بحيث اضحى السؤال هو المحرم الفعلي في المساحة الدينية وليس من حقك البحث والتساؤل فيما يطلب منك التعبد به والتقرب فيه الى الله.

 الله الذي حوله بعض المنتفعين الى مؤسسات نفعية لسرقة أموال الناس مادياً والصعود على اكتاف المساكين اجتماعياً وخوض الحروب عسكرياً . ¬¬¬معظم المجتمعات الغربية والاسلامية تلهج باسم الله وان اختلفت التسمية لكن يبقى الله هو نفسه الذي نتحدث عنه في مجتمعنا العربي ونفسه الذي يتحدث عنه جاري الامريكي وهو ذاته في  البرازيل وافريقيا وفي اغلب دول العالم، أكيد هناك بعض الاضافات لشكله ومظهره لكن يبقى هو صاحب السلطة الفعلية على هذا الكون كما تقول كل الاديان . صاحب هذه السلطة الكبيرة والعريضة اختلف المؤيدون له، اختلافاً مميتاً في كثير من حالاته . دعونا ننطلق من حجم هذا الاختلاف الكبير ومن منظر مخيف يكاد يسحق العالم كله باسم الله، دعونا نحن البسطاء والذين نؤمن كما وجدنا عليه أهلنا، دعونا نسأل الله خالق البشرية جميعاً وليس خالق اليهود او المسيحيين او المسلمين او البوذيين فقط، دعونا نجتهد قليلاً لأن الله يحب المجتهدين الباحثين العاملين   ..

فنسأله أسئلة طالما تسآءل بها الكثير من البسطاء أمثالنا، لكي نكتشف الله الحقيقي وليس الله المتحزب المتطرف الله الذي يدعو للحب والتسامح وليس الى القتل والعداء والاستعداء فنسأله :

  1. هل أنت يا الله من خلق هذا الكون والسموات والارض والمسؤول عنهما ؟

 2 هل حقاً طلبت ان تعتنق الناس جميعاً ديناً واحداً والا سيخلدون في نار جهنم ؟ اذا كان كذلك .

 3-  لماذا لم تخلق الناس أمة واحدة وبدين واحد وبذلك يكونون مطالبين بالتطبيق وليس التغيير والتطبيق؟

4- اذا كانت اليهودية مثلاً هي الدين الحقيقي الذي ترتضيه انت، فلماذا يا ربي خلقتني مسلماً وفي بيئة تعاقب من يغير دينه بالقتل؟ وانت تعرف هذا .

5- يا ربي مجرد التفكير في التغيير من دين الى اخر يعني موتاً فعلياً او موتاً اجتماعياً . أيعقل انك خلقت الناس لكي يكون همها الدين ثم تتقاتل فتموت بدون شفقة؟

 6- هل انت ياربي من بعث الرسل والانبياء، أم أنهم إفتأتوا عليك وقالوا إنا رسل رب العالمين؟

 7- اذا أنت من بعث الرسل فما ذنب الذين يعيشون في أوروبا  وامريكا واليابان، ان يلتزموا بالاسلام الذي نزل بلغة العرب وعرب قريش تحديداً؟

  8- أيعقل انك أوجبت على الغربيين والعالم أجمعين ان يكونوا مسلمين وأنت تخاطبهم بلغة الصحراء وبمفردة الخيل والإبل والحمير والبغال والخيام، وهم ابناء الماء والخضراء والوجه الحسن وليس لهم خبرة ومعرفة بالذي تذكره او الذي تدعوهم اليه؟

9- هل صحيح ياربي ان الديانات مكملة بعضها للبعض الاخر أم هذه فرية ! اذا كانت كذلك فلماذا هذا الاختلاف بين رسالة ورسالة اختلافاً ليس جزئياً بل هو جوهرياً يصل مداه حدّ القتل والاستعباد والاستبعاد .

 10- إلهي ما ذنب والدي الذي خلقته مسلماً لا يجيد القراءة والكتابة وفي بيئة بالكاد تجد العيش لكي تعيش، ثم تطلب منه ان يتفقه بالدين وان يتحول الى دين اخر غير الدين الذي وجد عليه أهله وإلا سيكون مصيره العذاب والحرق والصديد والحديد .

 11- هل عدل منك يا الله تخلق المسيحي المنعم على شواطئ وبحار أوروبا  وامريكا وتقول له انك على الدين الحق وتبشره بالهدايا بالاخرة وتغدق عليه بركاتك في الدنيا؟

 12- هل أنت  من صرخ برأس الفقهاء ورجال الدين ليكون كلامك بهذا المستوى : أما اعدائي أولئك  الذين لم يريدوا ان أملك عليهم فأتوا بهم الى هنا واذبحوهم قُدامّي . وهل انت من أشار على الفقهاء بأن دم المسلم يختلف عن دم غير المسلم بحيث لا يقتل غير المسلم بالمسلم في القصاص وان دية المشرك لا تساوي حتى نصف دية المسلم؟

 هذه بعض الاسئلة على هامش الذهن لم تكن بالعمق الذي يريده بعض المختصين والباحثين، لكنها كانت بحجم تفكيرنا تفكير البسطاء والذين يبتغون نشر لغة المحبة والسلام بين الناس . الزعم ان الاديان كونية ويجب ان تعم الكرة الارضية، زعمٌ ما عاد يغري ولا يجذب الناس كما كان يشاع له من قبل، الدعوة الكونية هي الزعم على ان الدين عالمي ويجب ان يسود العالم اجمع، ترتطم هذه الدعوة بالخطاب الديني عموماً الذي يكاد ينغلق ويختنق تماماً على الافراد غير المنتمين إليه بل يسد عليهم أفاق ومنافذ الارض والسماء . أعتقد ان لا دين من دون نزعة انسانية بل لا يستحق اي دين او فكرة دينية ساعة عناء من البحث اذا لم يكن الانسان هاجسه الاول .وبما ان الزعم الديني جاء من أجل رقي الانسان ولخدمته تحركت بعض العقول الحية لكي تشذب الحالة الدينية وتتخلص من كثير من اثقالها الضارة، فاستحدثوا قانوناً وضعياً غير قابل للجمود فهو يتغير من حين لأخر بمقتضى الحال الذي تطلبه مسيرة التقدم العلمي وتأخذ بالحسبان المنفعة التي ستتحقق للانسانية، هذا ما حصل في اوربا وفي العالم الغربي عموماً، اما في عالمنا الاسلامي حصروا الله في مكانات خاصة وفي بعض الاحيان في بيوتات تدّعي العلم ولذلك زعمت انها المكان الحصري الذي تعرف الله وتروج له، ولا يمكن العبادة او التقرب والعبور له الا عن طريقهم .

 في عالمنا الاسلامي ضاع الله بين عنجهية فقيه لا يرى الا نفسه وحاشيته ومن يتبعه وبين عامية الاشخاص الذين يخافون من اي سؤال، سؤال لا يُجاب عليه لكنه سيشكل غضب زبانية المؤسسة الدينية وحنق الفقيه .

كم من الاسئلة القلقة والجادة التي تناقش بها الناس بدون معرفة  وبعدما قرروا ارسال هذه الاسئلة الى العارف الفقيه، أهملت أسئلتهم وألقيت في سلة المهملات ومع ذلك لم يشكل صمت الفقيه او إهمال اسئلة الناس ورميها والاستخفاف بها أي هاجس من المراجعة لمسيرة تلك المؤسسات التي تدعي الدعوة والقرب من الله، بالوقت نفسه هي تسرق وتغش وتدفع بالمساكين الى الموت متسترة باسم الله ! .

اذن نحن بحاجة ماسة لمراجعة فعلية فردية غير تواكلية، لكي نبحث عن الخلل الذي طوق بلادنا الاسلامية خاصة، نبحث عن الله أهو كلي أم جزئي ؟ هل فعلاً ان الله يحتاج الى وسيط  والى رجال ومؤسسات متخومة ؟... يلحق . 

 

مصطفى العمري

 

في المثقف اليوم