تجديد وتنوير

أزمة المجتمع العربي في اندماجه بالقديم

mustafa alomariفي طبيعة المجتمعات الساكنة شبه المخدرة هناك سلطة للضبط والهيمنة اللاهوتية فلا خوف ان تخترق نظريات المعرفة ومفاهيم التجديد طلائهم العام ولا خوف عليهم من أيدلوجيا الميول نحو فلسفة امانويل كانت او هوبز او جون لوك او ماركس.. بالتأكيد ستجد كل هذه المعارف مكانها النهائي في سلّة المهملات التي تعوّد المجتمع الجامد ان يسحقها بحوافر لا ترحم صوت الاستغاثة ولا تتريث عندما يصرخ العقل، كل من خالف الطريقة العامة للمجتمع او لم يسر وفق السياقات المعروفة سيكون تحت أقدام الفيلة . فيلة يرهبها صوت العقل وتخيفها الكلمة، كلمة وان كانت مقرونة بعطر الله لكنها ستشكل هيكلاً مخيفاً طالما فيها دعوة للتغيير او للمراجعة النقدية الحقيقية . سيرة المجتمعات عموماً تكاد تكون متشابهة في قابلياتها الادراكية في الرؤية الأحادية للأخر المختلف، فعادةً ما نسمع الكلام المحبوك بصياغة غير معرفية وبحروف تقطر غلّاً على المجتمع الاخر الذي يختلف عنّا في تفاصيل حياته وعيشه وسلوكه في التدين، ولذلك هو مختلف ولأننا لا نفهم طبيعة الاختلاف نتصور أن الاخر المختلف عنا هو ضدنا، لهذا السبب لم اسمع في مجتمعي من يثني على المجتمع الاخر المختلف، بل هناك دعوات متصاعدة للمجتمع الاخر ان يذوب بمجتمعنا بعاداتنا وتقاليدنا، لبسنا وبكيفية الاكل عندنا . هذه التجاذبات التي تزعم انها دائماً الأفضل والأقرب الى الحقيقة، لا تحرك في طبيعة المجتمع الجامد لأنها صيحات خارج الاطار المعرفي للمجتمع الواحد وان كان لها تأثير فلا يعدو ان يكون نسبياً لا تستطيع الأرقام الحسابية من اكتشافه .

المجتمعات الناهضة تشتغل من داخلها فتكرر افكارها ثم تحاول تطبيقها في الشارع العام .

في المجتمع الاسلامي العربي بالتحديد هناك معوقات قاهرة يتطلب عبورها مجازفة ربما تودي الى الموت، هذه المعوقات للفكر والنهضة أحالت المجتمع الى شبه ميت وعادةً ما يتمسك اشباه الاموات بالاموات لذلك تمسك المسلمون بكل ماهو ميت وقديم .

في كتابه تكوين العقل العربي يقول محمد عابد الجابري (العقل العربي كان وما يزال عقلاً فقهياً عقل تكاد تقتصر عبقريته في البحث لكل فرع عن اصل لكل جديد عن قديم يقاس عليه وذلك بالاعتماد على النصوص)

هذا العقل الفقهي الذي يستمد صلاحيته من القديم غير المؤصل أصلاً، جعل الحاضر والمستقبل رهينٌ للماضي، فبدل ان نرحل نحو التقدم واذا بنا نهاجر نحو الماضي، نحو الاموات، باتجاه قال فلان عن فلان، وبهذه الطريقة التي ظاهرها التقرب الى الله انسحق المجتمع العربي الاسلامي . المغادرة نحو القديم في جميع الجزئيات حوّل البيئة الاسلامية كالذي يسير الى الامام لكن رأسه للخلف .

الدعوة للاندماج المطلق مع اي ثقافة خطأ، والاندماج مع التأريخ خطأ أيضاً،الحاصل في ثقافتنا ان الحاضر والمستقبل يجب ان يرحل نحو الماضي.

انا ادعو للاستفادة من النهضة الغربية ولندع مزابل التاريخ لانها نتنة.

انا ادعو لان تكون انت صديقي المقدس والمحترم والذي يجب الحفاظ عليك وليس نصوص تأتيني من عمق الماضي لتجعل حاجزا بيني وبينك،  انا أؤمن بالانسان الفاضل فهو المقدس الوحيد في هذا الكون.

مغادرة الماضي والانعتاق من الاوبئة مرهون بوعي الجماعات المتطلعة نحو التقدم وليس المنقادة خلف بعض رجال الدين الجهلاء او المستفيدين من الدين لتكريس الجهل .

في طبيعة التقدم والنضج لا تكتفي الامم بشخص لكي يقود المرحلة، بل بتظافر الجهود والنزول من المثال الى الواقع، والواقع العربي يحتم علينا ان ننظر الى الامام لكي نستشرف المستقبل .

 

مصطفى العمري

 

في المثقف اليوم