تجديد وتنوير

غياب الفكر النقدي يُحيل العقل الى صخرة

mustafa alomariتختلف المعاناة باختلاف حجم المسؤولية وتعتمد على نوعية الفهم وطريقة التفكير، بالوقت الذي نحاول فيه اخضاع الفهم الديني للتحليل والنقاش والمساءلة لكي يكون ديناً حقيقياً يتوافق ومتطلبات الانسان ولكي لا يكون عثرة في طريق التفكير والتطور البشري، يختنق العالم العربي والاسلامي بغيوم ملبدة من التبريرات والمغالطات المشحونة، ويتفوق عالمنا عن عوالم الكون من انه يدافع عن التاريخ اكثر من دفاعه عن المستقبل ويهتم بالأموات اكثر من اهتمامه بالأحياء ويتمسك بالمنهج القديم ويقدسه ويرفض اي خطوة نحو التقدم ويعتبرها انحراف عن الخط العام.

الدين الذي عندنا لم يعد ديناً سماوياً بل اضحى ديناً أرضياً بامتياز، فرغبة المجتهد والفقيه ورجل الدين المنبري باتت واضحة في معالم الدين الأرضي، ولذلك اصبح الدين مشكلة ولنكون اكثر دقة الفهم او القراءة  الدينية أصبحت خاضعة للمزاجية الفردية وليس النظرة الدينية الروحية الخالصة .

في كتابه الاخير (نحو تاريخ مقارن للاديان التوحيدية) يشير الدكتور محمد اركون الى موضوع مهم وهو هل بالامكان اعادة قراءة النصوص الدينية الاسلامية وفق المنهجية العلمية الفيلولوجية ؟ ويعترف اركون انه عمل شاق جداً .

فهم الاديان يكاد يكون واحداً لكنه فهماً

مغايراً بطبيعته العامة، لما يريده الله وغائراً بعيداً عن المعنى العام للإتجاهات السماوية ومرد هذا الفهم الغائر الى الفهم البشري والعقل الذي لم تكتمل دورته التجريبية . فالمسلمون اختلفوا إختلافاً ليس فيه رحمة بعيداً عن الموازين المعرفية او العلمية الابستملوجية، وتمسكوا ببعض الاراء والاحاديث التي صبغوها بالتبرير لكي تحل محل الحقيقة . يبقى الفهم والادراك البشري قاصراً في معرفة الحقيقة الالهية ويبقى الهذيان من قبل بعض الادعياء مستمراً من أنهم يملكون الاطلاق بتلك المعرفة .

الشريعة قدسية كاملة وإلاهية المصدر والمنشأ، أما فهم الشريعة فلا يتصف بأيٍّ من هذه الصفات، ولم يكن في أيِّ عصر من العصور كاملاً ولا ثابتًا ولا نقيًّا، ولا بعيدًا عن الخطأ والخلل، ومنشأه ليس قدسيًّا ولا إلاهيًّا، وهو ليس بمنأى عن تحريف المحرِّفين أو الفهم الخاطئ لذوي العقول القاصرة، وليس خالدًا ولا أبديًّا  ...

وإن أسئلة كلِّ عصر هي وليدة علوم ذلك العصر، ولا يمكن أن تطرأ على بال أحد قبل نضج العصر علميًّا. وبما أن العلوم تتجدد، فإن الأسئلة، وثانيًا الأجوبة، تتجدد. ومن هذا المنطلق، تبقى المعرفة الدينية في تجدد مستمر

والحقيقة ان الاسئلة محرمة عندنا والاجوبة باتت تبريرية ممعنة في الازدراء بالعقل وملغية له، لذلك ولدت الغاية الاستمرارية للدين ميتة او كسيحة لا تقوى على الحراك . أسوء شيء فعله العقل الديني انه نصب نفسه المسؤول عن الله في الارض، فجار هذا العقل على الله وعلى عباده وبمراوغة إحتيالية زورت الغايات الكبرى للمقاصد السماوية وبُدلت الى منافع بشرية غايتها اشخاص معنين بعدما كانت غايات الله الانسان بالمطلق . أسوء شيء عندما يحاول البشر تقمص هيئة الله لكي يجيب باسم السماء يفتي ويقتل ويحرم ويحلل وينهى ويأمر ويجعل فواصل وخنادق ملغومة لكي لا تعبر الناس الى الناس ولكي لا تحب البشرية بعضها البعض الاخر . في موضوع سابق كنت قد سألت 12 سؤالاً وعنونتها الى الله الواحد الاحد، كم من الاشخاص الذين حاولوا الاجابة على تلك الاسئلة؟

رغم أنها ليس لهم وليس بمقدروهم الرد عليها لأنها تخص الخالق، من هنا نستطيع ان نكتشف ان تدخل البشر في المقررات الالهية كان ومازال قائماً ولن ينتهي . بعض الذين إطلعوا على الاسئلة وجدوها تمادياً او تشكيكاً في الخالق البعض الاخر قالوا انها حق بشري مضمون من الله، ليس المهم ماذا قيل المهم ماذا قال الله وليس ماذا قال البشر .

الخلاصة : إنحراف الاديان عن المقاصد الالهية أدى لكي تنحرف الانسانية ايضاً

الزعم ان الله يحاول جعل الناس في دين واحد زعمٌ بطُل في اول صدمة مع العقل

الله يبتغي للناس الرقي والاحترام الانساني والتقارب والتعارف بعضنا على البعض الاخر وليس الجمود او استعداء الاخر الذي يختلف معي .

يبقى الايمان شعور داخلي ليس من حق اي شخص السؤال عن حجمه ومقدرته الفعلية .

 ليس الايمان بالمظاهر الخارجية او الادعاء الاجوف او الممارسات الممسوخة  .

يبقى الله للجميع ليس لفئة او قومية او دين او بقعة جغرافية خاصة

لا يجوز لأي دين او مذهب استخدام اسم الله لتمرير الاغراض البشرية الدنيئة او جعل مميزات معنوية او مادية لأشخاص دون سواهم .

الله لا يحتاج الى مؤسسات الجباية او الجداية لكي تقنع الناس ان هناك حق في أموالهم لله، وما ان يدفع المساكين أموالهم التي جلبوها من عرق جبينهم حتى تسقط في جيوب المنعمين والمزيفين .

لا يحتاج الله الى رجال دين لكنه يبتغي دين فعلي واقعي عند الرجال .

الفعل هو الذي يقرر مسارات الاشخاص، والفعل الذي نتوقعه لو كان الرسول يعيش في هذا العصر بالتأكيد سيستخدم جميع التقنيات الحديثة وسيغير معظم المفردات العبادية وطريقة الدعوة اليها وأكيد سيركب الطيارة والسيارة وسيكون عنده حساب على الفيسبوك مثلاً .

لا يحتاج الإله الى افواج من من المبشرين بل يحتاج الى أفواج من الفاعلين الحقيقيين لخدمة المشروع الانساني .

الدين الذي يريده الله ليس فيه لعن للاخر او قتل او استباحة الدم والمال والعرض .         

أسئلة اخيرة الى القارئ الحاذق

من اختار أسمك انت أم أهلك؟

من اختار دينك انت أم أهلك؟

من اختار مذهبك انت أم أهلك؟

هل فعلاً عرفت الله بالعقل أم ان أهلك لقنوك وقولبوك كيف يكون الله؟

لاشك ان أغلبية الناس مساكين يدافعون عن اشياء ليس من اختيارهم ولم يبذلوا جهداً للبحث بها، ومع ذلك يصّرون على أنهم الحقيقة المطلقة . التأمل والتفكير بهذه الاسئلة أهم من الاجوبة .

 

مصطفى العمري

 

في المثقف اليوم