تجديد وتنوير

مصطفى العمري: أسباب الفشل: المسلمون وظاهرة الدعوة

mustafa alomariتحتل رغبات الانسان ونزعاته للتقدم مكاناً مبكراً منذ نشأته الاولى، فما ان يستنشق هواء الحياة حتى تبدأ غرائزه بالانفتاح نحو المجهول، رغبات طفولة مبكرة لا تعترف بالعراقيل ولا تعبأ بالمحذورات التي صنعها الكبار.

يكبر فتكبر معه رغباته ومشاريعه وميوله وتكبر معه أوهامه وسذاجته وتخلفه والمؤثرات الداخلية لمجتمعه . بالتأكيد ستأخذ هذه العوامل نسبة وحيزاً من شخصية اي فرد، لكي يرحّل معه رغباته البدائية الى ما بعد الاكتمال الجسماني او العقلي.

العلم الحديث وضع بعض المحددات العلمية والدراسات الاجتماعية والنفسية لقياس مدى تفاعل الفرد مع منجزه الداخلي ومدى استطاعة تفعيل هذا المنجز ليكون حقيقة، فبين المخطط الذهني الحبيس والمشروع الحقيقي الواقعي، مسافة زمن فيه حركة وفعل .

المشاريع النامية في عقل العربي او المسلم كبيرة وكثيرة، لكننا في صدد الاشارة الى ظاهرة خطيرة اذا ما درست دراسة علمية مستقلة، وهي إعتقادنا (المسلمون) أننا معنيون بتغيير العالم من دياناتهم الى الدين الاسلامي ! لأننا أصحاب الدين الحق والمنجي والاخير . ولو كلفنا هذا التغيير قتل الناس او نفيهم من الارض فسنفعل لأننا نريد ان ندخلهم الجنة ونبغي لهم الخير رغماً عنهم !

إنها رغبات طفولية ساذجة حقاً ! يولد الفرد منا فتسكن في ذهنه مهمة تغيير العالم تغيير الامم فينصب إهتمامنا نحو تغيير الاخر البعيد المختلف عنا بتفاصل حياته وعاداته وبيئته وطقوسه،بينما نهمل أنفسنا ومجتمعنا من التغيير الذي سيسوقنا نحو الخلاص المفترض .

يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي: أخطر ما نعانيه نحن وتعانيه البشرية هو الاختلاف العميق في المعايير الاخلاقية بين المسلمين وغيرهم من الأمم ووجود إحساس ملح لدى الكثير من المسلمين بأنهم أوصياء على العالم .

النزعة الطفولية الضاربة في أعماق المسلم من انه يريد ان يقود الحياة او تغيير الامم، نزعة تاهت بمجتمعنا وأضاعت منه فرص التقدم . نزعة متقدمة بالوهم المسف فبالوقت الذي تطور العالم علمياً من جميع الجهات، يحرن المسلم في تفكيره الطفولي القديم انه يجب ان يغير هذا الكون واستطاع وبسهولة ان يشبع رغباته في التغيير بنصوص دينية داعمه لمشروعه الجبار !

إنكفأ الفرد منا يفكر بما أملته عليه إيماناته الاولية وهي دفع الاخرين للدين والعلم ولكن اصبحنا أكثر الشعوب تخلفاً علمياً وأبعدنا عن مفايهم الدين الحاثة على الصدق والتسامح والاخلاق وإحترام الاخرين ... فالعقلية التي تؤمن انها الحق المطلق لا يمكن ان تركن الى الحوار او تذعن للتغيير، العقلية التي تؤمن أنها تتحدث باسم الله كيف لها ان تصغي لصوت البشر! الامة التي تؤمن بما لا يقبل الشك انها أعطيت خيراً كبيراً لم يعطى لمثلها من قبل أيعقل انها سوف تتغير بحضارة وثقافة أمم اخرى! إذن نحن ولدنا لكي نغير ولا نتغير، نؤثر ولا نتأثر! إنها مهزلة عقل ميت وأحلام جنينية أودت الى انتكاسة غير معروف نهايتها.

كان المسلم الأعرابي في جيوش الفتح يرى نفسه سيد المتحضرين ومعلمهم وقائدهم واستمرت هذه المعضلة مهيمنة على ثقافتنا منذ ذلك الحين حتى الآن . ففي بداية ظهور الاسلام صار المسلم مرادفاً لمعنى معلم أوداعية أو عالم حتى وهو أمي .... ولكن لم ينتبه المهتمون منا لهذه المعضلة الأساسية المزمنة التي أثرت ونهشت سلوك وعقل المسلم .

ينشغل بعض المتاجرين بالاسلام في الغرب لتغيير العدد الاكبر الى الاسلام من الغربيين ويبذلون أموالاً سخية لمثل هذا المشروع غير المدروس علمياً او دينياً او إجتماعياً. محاولين سحب العدد الاكبر من البسطاء ليكونوا مسلمين بدون معرفة الاسلام الحقيقي.

يقوم بمثل هذه المهمة بعض المتسربلين بوهم المعرفة وبأموال ووجهات إجتماعية، ليس غايتهم الله او الانسان إنما هو الاستكثار وزيادة العدد الرقمي غير المنتج . ملء بعض الذهنيات الفارغة بخصومات التاريخ العربي الاسلامي، التي لا تشكل في عقل الامريكي حيزاً ولو بنسبة بسيطة وهي لا تعنيه، لكنها تعني بعض المرضى الذين يحاولون إفشاء مرض عضال عمره قرون ولازال فعالاً وفتاكاً . مرض التكريه والالغاء والفتك والقتل وإستباحة كل ماهو مقدس..

إلتقيت ذات مرة باحد هؤلاء المتغيرين الجدد وهو امريكي اسمر صاحب لحية متمددة وثوب قصير، سألني هل أنت مسلم قلت نعم ضحك مستبشراً، ثم سألني بلغة الواثق، كيف ترى الحياة مع الكفار؟ قلت له ماذا تقصد بالكفار ! قال الامريكان ! أذهلني جواب هذا المسكين المفخخ والمعبأ بما لا يدرك . سألته من علمك ان الاخر المختلف كافر؟ ثم من أجاز لك وصف الاخرين بالكفار؟، وبثواني ركب سيارته واختفى .

علمياً هل سيستفيد العقل الاسلامي من هذا الشخص او أمثاله؟

دينياً هل سيرفع هذا المُلَقن راية الاسلام ليحاجج الامم؟

إجتماعياً هل تُعد هذه النبرة في الحوار مقدمة للتسامح وقبول الرأي الاخر؟ أم هي كما يقول ابن رشد وحدانية التسلط .

في كتابه محنة ثقافة مزورة يقول الصادق النيهوم

رغم ان الاسلام لا يعتبر الوعظ حرفة ولا يجيز الاكتساب منها ولا يعترف اصلا بشرعية رجال الدين فإن التاريخ لم يعرف ديناً ازدحم فيه الوعاظ والفقهاء كما حدث في تراث الاسلام .

أعتقد حان الوقت للمراجعة والتفكير الجاد، بعدما أسرفنا في أحلامنا الصبيانية ونزعاتنا السوريالية لتغيير العالم، العالم الذي غير نفسه بنفسه وبضربات التجارب القاسية، أيها الاخوة والسادة والقراء لا يحتاج العالم الى تغييرنا فهو يملك أدواته ومشاريعه المستقبلية بل نحن نحتاج الى التغيير لأننا لا نملك الادوات وليس عندنا خطط استشرافية للقادم . فلابد من المبادرة لتطمين العالم بتوحد الدول الإسلامية ضد التفكير التكفيري وإتباع القول بالفعل لتحرير عقل المسلم من هذا الوباء.

أننا أكثر الامم تحتاج الى التغيير بعد هذا التأريخ الطويل من نزف الدم، دعونا نترك دعوة الاخرين للاسلام ونلتفت الى المسلمين الذين لا يعرفون عن الاسلام والحياة الا ما لقنه لهم أهلهم عندما كانوا أطفالاً. لا تثقلوا كاهل الاسلام بدعوة غير المسلم، فرب إرتدادية أقوى من الدافعية .

 

مصطفى العمري

 

في المثقف اليوم