أقلام ثقافية

الإهزوجة المصرية.. سلاح الغلابة

ثامر الحاج امينالمصريون ناس غلابة وطيبون، عانوا مثل غيرهم من الشعوب الاخرى من جور الحكام وفساد الطبقة السياسية التي تعاقبت على حكم بلادهم، وقد وجدوا في الإهزوجة والانتفاضة وسيلة سلمية لمواجهة ازماتهم السياسية وفضح فرسان السيرك السياسي الذين تضخمت ثرواتهم على حساب جوع الشعب واستهتروا  بارواحه ومستقبل ابنائه .

فعبر حقب سياسية متعددة  كان صوت المواطن المصري المغلوب على أمره حاضرأ وبقوة في ساحات الانتفاضة والغليان ضد حكامه الظالمين، ففي انتفاضة الخبز التي اندلعت في يناير عام 1977 نتيجة قيام حكومة السادات برفع اسعار الخبز والسلع الضرورية الأخرى خرج الجائعون في انتفاضة كبرى منددين باجراءات الحكومة التعسفية التي استهدفت قوت الفقراء مرددين:

(غلوّ السكر غلّو الزيت بيَعونا عفش البيت)

ومشيرين الى حكومة قصر عابدين التي ادارت ظهرها لمعاناة الشعب وتركته فريسة الجوع والحرمان:

(قولوا للي عايش في عابدين كل الناس جعانين)

وبمفارقة سوداء تنطلق اهازيجهم صرخة مغمسة بالدموع مجسدة الفارق الكبير بين معيشة المسؤول والمواطن البسيط الذي لم يكن نصيبه من سياسة الحكومة العوجاء غير المزيد من الأزمات والوعود الكاذبة:

(انت تلبس آخر موضة .. واحنا نرقد سبعة في أوضة) - التي تذكرنا بأهزوجة فلاحي الشامية في انتفاضة عام 1954 يوم هتفوا بوجه الاقطاعي ــ (انت العنبر حايل عندك .. وآنه جميغ ماعنديش).

سائلين ممدوح سالم - رئيس الوزراء حينذاك -عن اسباب الغلاء الذي أرهق كاهلهم:

(ممدوح بيه ممدوح بيه .. ليه الجزمة بعشرة جنيه؟)

وموجهين ايضا اللوم والنقد لسيد مرعي الذي كان وقتها رئيس مجلس الشعب اعتراضا على ماتم اتخاذه من قرارات في المجلس اضرت بمعيشتهم:

(سيد مرعي سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه)

ولم ينسوا في أهازيجهم وهتافاتهم خيمتهم الواسعة مصر ام الدنيا:

(تعيشي يامصر ... يا أم الكوخ والقصر)

وعلى مدار يومين من ذلك الغضب الجماهيري العارم الذي اجتاح المدن الرئيسية في مصر اضطرت حكومة السادات الى التراجع السريع عن جميع قراراتها التعسفية بحق المواطنين الغلابة .

ويمتد الارث النضالى المصري وسلاحه السلمي المتمثل بالاهزوجة الى ثورة 25 يناير 2011 التي ازاحت من سدة الحكم واحدا من أطول الانظمة عمراً في المنطقة، فبعد ايام من اندلاع شرارة الثورة وباصرار ثابت وعزيمة لم تتراجع امام مشاهد الدبابات وقعقعة السلاح وانتهاكات البلطجية، انطلق المتظاهرون متجهين لميدان التحرير ثم الى قصر الرئاسة بعد أيام من التسويف في تنفيذ المطالب وتحت هتاف موحد (النهارده العصر هنهد عليه القصر)

وعندما لم يجدوا آذنا صاغية لتنفيذ مطالبهم تطور الأمر الى مطلب كبير وأساسي هو:

(الشعب يريد محاكمة الرئيس)

وازدادت جرأة الهتافات بعدما أخذ الهلع ينتشر بين اركان السلطة الحاكمة فتطور الى:

(باطل باطل .. مبارك قاتل قاتل)

(اللي عايز التغيير اطلع معانا على التحرير)

(ياللي رايح الميدان شعب مصر مش جبان)

(انزل يا مصري)

استمرت جموع الغلابة بالنزول الى الشوارع حاملين علم مصر ومطالبين الرئيس مبارك بالرحيل والى توفير الحرية للمصرين الذين سُلبت حقوقهم هاتفين:

(ارحل ارحل زي فاروق .. شعبىنا منك بقى مخنوق)

و قد لعبت الأهزوجة ايضا دورا فاعلا في التأثير على نفسية رموز السلطة عندما أشارت الى هروب رئيس تونس علي زين العابدين الى السعودية أيام تفجر انتفاضة بو عزيزي في تونس حيث جاءت لتذّكر بالهزيمة الحتمية للظالمين:

(يا بن علي قول لمبارك الطيارة في انتظارك)

(يامبارك يامفلسنا قول عملت ايه بفلوسنا)

كما استهدفت الاهازيج ابواق السلطة حيث ردد المتظاهرون هتافات مناهضة لأنس الفقي وزير الاعلام: (ياوزير الكدابين .. انت بتكدب على مين)

ورغم القمع الذي جربته سلطة مبارك ضد المتظاهرين لايقاف زحفهم الى قصر الرئاسة ولثنيهم عن تحقيق هدفهم باسقاط النظام لكنها فشلت واستسلمت في الأخير للزحف الكبير والصوت الهادر بالهتافات والاهازيج التي كانت هي السلاح الوحيد بيد المصريين الغلابة .

 

ثامر الحاج امين

 

في المثقف اليوم