أقلام ثقافية

محسن الأكرمين: هي الحياة قد تصيبك نبالها.. فانتبه !!!

محسن الاكرمينحين كان الكاتب الروائي يخطط للبطل بأن يعيش في مستنقع زوبعة أحداث من مآسي أمواج الحياة. وضع عنوانا مستفزا لكتابه "ريح الصدفة... في انتخاب سياسي" . هي حقيقة قديمة، أن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهيه السفن !!! لحظة وأنا أتابع قراءتي لأحداث "ريح الصدفة... في انتخاب سياسي" أحسست أن البطل انتفض من صميم دلالة اسمه الافتراضي (أفاتار) على الكاتب، ولم يعد يقدر على أن يتحرك مثل كراكيز ملاهي موسم العيد، طيلة العرض المتكرر.

اقتنعت بتمام التعاطف مع البطل الافتراضي (أفاتار)، وبدون خلفيات كيدية ضد الكاتب المتحكم في مسار الشخصيات الرئيسية والثانوية. حينها وقفت عند أسئلة تصدر حنقا من البطل. أسئلة تكتسي مطالب الاحترام، وبلا عنف فيزيائي، وحتى الرمزي منه. عندها تساءل البطل، ووجه استفساراته القاسية نحو الكاتب : لما تتفنن أن تلقي بي من مأزق لآخر؟ لما لا تقدر أن تجد لي حلولا إيجابية من أول انطلاقة، أرتاح بها من كد الحياة ومن تجديد المطالب؟ لما تتركني دائما بانفصال الزمن المغلوق، واتصال المكان المفتوح ؟ لماذا تعتبرني مسيرا ؟ لما لا تحترم قدراتي الابداعية والاقتراحية، ومنطق تفكيري تجاه حكامة الخير، وشر الفساد ؟ لما تحاول الفتك بي قتلا في نهاية المشاهد، وبالموت المأساوي؟ لما يحلو لك أن تنصع لحظة بكاء جماعية، وتصفيقات مدوية عن الألم والوجع لا عن الفرح؟

يخاطب البطل الكاتب: أنا من اليوم، لن ألعب أدوار بطولة (أفاتار) الموجهة منك بمحو ذاتي وتفكيري، وكيان وجودي. فرغم إني من الجيل الافتراضي، فإنني أحمل قبسا من نور الصدق و رؤية خير للجميع، ويمكن أن أتحتمل أعراض الكذب والشر في كتاباتك.

حينها، يتحرك البطل على الركح وهو يردد: أنا من ترمي به عنوة في حضن مصانع تدوير الأحداث المعفنة، ولا تنصفني إلا بالموت عند نهاية الفصل الأخير !!! وهو يكرر هذه الجملة بلا توقف عند خروجه !!! كان يبكي حقيقة...

حين انتهى البطل (أفاتار) من ثورته الفزعة، وعاد مبتهجا. رأيته لأول مرة يصنعها في وجه الكاتب ثورة مدوية، و على أدوات اشتغاله وتنميطه للأحداث السياسية المتقلبة. وجدت بأن الحق بجانبه، وله الصدق الأكبر في تعرية المستور. وجدت أن تفكير الكتابة خوف من خبايا مستقبل حياة المريخ. وجدت في تعبيرات التعليم القديمة (لبس قدك يواتيك)، تعلم التلاميذ أن الطموح مستحيل بوجود مطبات رادارات العقاب، و تناسل (التماسيح والعفاريت). نجح تلاميذ الصناديق الانتخابية في تجميع صور الإحباط !!! وقد يتفرقوا شيعا وقبائل!!!

لأول مرة أرى أن البطل الافتراضي (أفاتار) ينتفض على صانع أحداثه بالكتابة ، و مفكر التسييس، وأصفق له وبدون توقف وهو على كرسي الركح وحيدا. لأول مرة أرى البطل يطالب برؤية ايجابية نحو المستقبل، وثقة في الغد، وبدون تحكم من الكاتب. لأول مرة أصفق على البطل لا على الكاتب، وأعترف أنه كان يريد الحرية فقط في القرارات والتصرف غير التحكمي. لأول مرة وددت أن أحصل على نسخة من كتاب"ريح الصدفة... في انتخاب سياسي" موقعة من البطل الافتراضي لا من الكاتب.

أحسست عندها أن البطل رمى بقلم الكاتب الأسود على الجمهور، وخاطبه : (أسدي أنا باغي نعيش، باغي شوية ديال الإنسانية)، لما لا تكتب (تأتي الرياح بما تشتهيه السفن) وأتحرر منك، ومن رياحك الشتوية.

 

محسن الأكرمين

 

في المثقف اليوم