أقلام ثقافية

داود سلمان الشويلي: ظواهر معنوية في القصص الشعبي

داود سلمان الشويليمن يقرأ القصص الشعبي بكل أنواعه يجد أن هنالك ظواهر معنوية تنتظم في الحكايات، وهذه الظواهر المعنوية نجدها في هذه الحكاية، وفي الوقت نفسه نجدها في حكاية أخرى، وكأنها استنساخ "كوبي بيست" لها. ومن هذه الظواهر:

– أصغر الأبناء هو القادر على فعل كل شيء:

* يقول الدكتور عز الدين إسماعيل(1) أنه من الظواهر المعنوية البارزة في القصص الشعبي السوداني والمعروفة في القصص الشعبي العالمي، ظاهرة الأهتمام بأصغر الأبناء. والأغلب في الحكايات أن يكون عدد الأبناء ثلاثة، تتدرج أعمارهم من الأصغر إلى الأوسط إلى الأكبر، ولا يكاد الانسان في باديء الأمر يدرك مغزى هذا العدد، بخاصة حين يتبين ان الدور الذي يسند في الحكاية إلى الإبن الأكبر هو ما يقوم به الأوسط نفسه. فالحكاية تبرز موقفين إنسانيين، ونستخلص المغزى النهائي لها من التعارض بين هذين الموقفين، موقف الإبنين الأكبر والأوسط، وموقف الإبن الأصغر ومن ثم يبدو موقف الأوسط وكأنه تكرار لا مبرر له.

إن الفعل هنا يتكرر ثلاث مرات، ففي الأولى يخفق الإبن الأكبر، وفي المرة الثانية تتكرر النتيجة عند الإبن الأوسط، وإذا وصلنا إلى الدور الذي يقوم به الإبن الأصغر تتحدد النتيجة بقدرته على فعل الشيء. هذا التكرار الثلاثي للقيام بعمل ما هو سُنة تاريخية من سنن البشرية بصورة عامة، وفي المثل الشعبي نقول: "في الثالثة المنية" أي إن في المرة الثالثة تأتي نتيجة الشيء وهي إما الخسارة أو الربح. راجع حكاية "الملك وأولاده الثلاثة"، وحكاية "الفرسان الثلاثة".

***

- أهمية العدد ثلاثة:

يقول فردريش فون لاين: ((من بين مجموعة الشخوص أو الأشياء يمثل المكان الأول أسماها منزلة، ولكن في النهاية يكون أدناها. وفي هذه تتمثل أهمية ملحمية خاصة، فالمحاولة الأخيرة هي التي تتم بنجاح، والأخ الأصغر والأخير بين الأخوة الثلاثة هو الذي يصل إلى ما حاول أن يصل اليه أخواه الآخران دون جدوى.))(2).

إن بطل  الحكاية الشعبية "الأخوة الثلاثة" هو الابن الأصغر للملك، وكذلك، هو ابن الزوجة "البايرة" أي "الخائبة، المنبوذة"وهو الذي يستطيع السهر حتى الصباح ليتعرف على سارق أثمار شجرة الملك "والده" بعد أن أخفق اخوته في ذلك، حيث يعدهم القاص الشعبي "أبناء الزوجة المدللة".

إن أهمية العدد ثلاثة وكما تقول الدكتورة نبيلة إبراهيم: (( يكسب الحكاية الخرافية سرها. فإذا تساءلنا عن سبب هذا فأننا نقول: إن العدد واحد يدل على الشيء الذي لم يتطور بعد، والعدد اثنين الذي يساوي العدد واحد مزدوجاً يرمز إلى التضاد: النور والظلمة، والسماء والارض، والليل والنهار، ولكنه لا يدل على النهاية والاكتمال. وهو في ذلك يشبه الخط ويظل مع ذلك محصوراً بين نقطتين. أما العدد ثلاثة فهو يعطي للشكل سحره واكتماله، فالمثلث مثلاً شكل هندسي مكتمل عندما يصل بين ثلاث نقاط.))(3).

إن "السعلاة" وهي الشر مجسداً بهيئة حيوان خرافي في حكاية "حديدان" تستطيع القضاء على "رويشان" و "رخيصان" ولكنها تقع في حبائل ومكائد "حديدان" الولد الثالث، وتنتهي على يديه، حيث تؤكد عدم قدرتها على التخلص منه.

وكذلك راجع حكاية "الملك وأولاده الثلاثة"، وحكاية "الفرسان الثلاثة"

***

- حرية الحركة:

أن أهم ما يتصف به بطل الحكاية الخرافية حرية الحركة، لا لأنه يمتلك تلك الحرية بإرادة ووعي منه، بل ان هذه الحرية تمليها أسباب خارجة عنه، ومن خارج تكوينه النفسي والحياتي خاصة في الحكاية الخرافية. وبالمقابل فإننا نجده في الحكاية الشعبية على خلاف ذلك في هذا الجانب، ذلك لأنه يكون أسير عالمه المرئي وغير المرئي، وأسير تلك القيود التي نشعر من أعماقنا بأنها تكبلنا وتحد حياتنا(4). ومن هذا المنطلق – أي من هذه الخاصية – ينبغي على البطل الشعبي أن يكون واعياً ومدركاً لكل ما يحيط به، متبصراً لما يقوم به من أعمال وأفعال، لأنه إنسان واقعي، إنسان شعبي، يعيش الواقع بكل تناقضاته، سلبياته، وإيجابياته. راجع حكاية "البنت الذكية" كمثال على الحكاية الشعبية ومحدودية حركتها، وراجع حكاية "الشواك" كمثال على الحكاية الخرافية وحرية الحركة للبطل.

***

- نمو الشخصية:

تنمو شخصية البطل من خلال المغامرة التي يزج بها نفسه لسد النقص عنده، أو عند الغير، أو في ارتكاب المحظور، هو أو غيره. ويكون هذا النمو من الداخل، إلّا انه يأتيه من خارج ذاته وبفعل قوة خارجية. راجع حكاية "حسن آكل قشور الباقلاء".

***

- الصراع الإجتماعي:

ذلك الصراع المتمثل بسلب حرية، وطمس شخصية، وهوية البطل. وهذا الصراع هو الهمّ الرئيس الذي يشغله. إننا لا نستطيع القول ان في هذا البطل عيباً يخل بموقعه الإجتماعي لأن جميع العيوب التي تتراءى لنا مما تحمله هذه الشخصية هي عيوب متأتية من الخارج، من المجتمع الذي يعيش فيه ومن المفاهيم والقيم التي يحملها هذا المجتمع. راجع حكاية "الشيخ الكريم".

***

- تغير الوظائف:

نرى في القصص الشعبي ان الشخوص، الانسانية أو البشرية، أو الحيوانية، أو النباتية، وحتى الجمادات، تقوم بتغيير وظيفتها من وظيفة المساعدة إلى الوظيفة الشريرة، وهذا يتم كما تراه الدراسة هذه، على أيدي راوي الحكاية، فنجد مرة قد وضع "السعلوة" في وظيفة شريرة، وأخرى قد أصبحت شخصا مساعدا للبطل، أو مانحا للأداة السحرية.

"السعلاة" في حكاية "حديدان" هي شريرة، أما في حكاية "الأمير نور الدين والأميرة فتيت الرمان" فهي خيرة، تساعد البطل في اتمام مهمته.

***

- الفقير يصبح غنيا:

كما في حكاية "الشيخ الكريم"، حيث يعود الشيخ الى غناه كما كان قبل حوادث الحكاية. وفي حكاية "حسن آكل قشور الباقلاء"، يصبح "الكسول والتنبل" الفقير غنيا بفعل مساعدة زوجته، ابنة الملك.

 

داود سلمان الشويلي

.....................

الهوامش:

1  – القصص الشعبي في السودان – ص67.

2  – الحكاية الخرافية -  ص 146.

3  – قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية – ص39.

4   – المصدر السابق – ص 126.

 

في المثقف اليوم