أقلام ثقافية

ريبر هبون: نظرة في مرموز الحزن في ديوان كمآذن ألفت مراثي الريح

ريبر هبونللشاعر أحمد عثمان

لقد سلك الشاعر مسلكاً تصويرياً في ابتداع لوحات متعددة الأوجه، حداثوية الاتجاه، نحو فهم رهيف للغة المتخيلة والذهاب بعيداً نحو التلميح المبطن يصوغ تلك المشاهد على نحو مرهف وإدراك يقظ، فلم تك هنالك مواضيع متصلة بالقصائد على نحو مباشر بالسياسة أو المجتمع وإنما اقتصر المناخ الشعري هنا على إيراد الجماليات اللغوية متشحة بثوب العاطفة ومستعينة بالخيال والحكمة بعيداً عن الخطابية المتبعة في الشعر الكلاسيكي وإن راح الشاعر يحْدث مقاربات حداثوية ما بين مضمون تصويري حديث وشكل يعتمد على الوزن ما بين الكامل والرمل المجزوء راح يدوام في سبك تلك الصور على نحو متقن، وتراه يستحضر رموزاً تاريخية في عقد صلة ما بين المعين التاريخي: والنظرة الحالمة لمستقبل أفضل حيث يقول هنا ص 7

يعقوب مهلاً يا سليل الحزن

في أي اتجاهات الشرود تحدِّقُ

قمصاننا اهترأت كأسمال وأنت

بنول حزنك لا تزال ترتّقُ

فهنا يقيم حواراً يقارب فيها حزنه بحزن شخصية نبوية ذائعة بأنها مثال للحزن بما يتضمن من تحسر وندم، فالحزن هنا في هذين البيتين يتعلق بالحالة النفسية المحبطة التي يصفها الشاعر في مخاطبته ليعقوب والتعبير عن ذلك بصورة محسوسة "الأسمال المهترئة" أما يعقوب فهو على الجانب الآخر حسب تعبير الشاعر يسعى لفهم الحزن ودواعيه، فلنتأمل هنا ص 9

الرسائل

ما تبقى من دموع أب على وجع المداخل

حسرة الأرجاء حين يشوبها صمت

وصايا الفن فجراً

للذين تنكبوا طرق الرحيل

وفارقوا عبق المنازل

نلحظ ميل الشاعر إلى التكثيف والصور في آن فهو هنا يربط ما بين الوصف للحزن والمكان بطريقة فنية درامية تبعث على الرغبة في تتبع تلك الخيوط المتسلسلة لوحدة القصيدة ونلحظ التزام الشاعر بمناخ يوحد هذا الديوان الذي يمكن أن نطلق عليه بقاموس الحزن الصغير والذي يختزل علاقة الإنسان بالمكان والمحيط البشري، حيث ثمة إشارات للمكان كثيرة في تلك النصوص "مداخل، مصاطب، شبابيك، حجارة، خيوط العناكب، الخرائب" في إشارة إلى ملامح الحزن، أنعشتها الأوزان الخارجية التي تتوسط ما بين العمودي والنثر، فنجد التدفق في الصور والمشاهد والانزياحات التي أضفت على النصوص ضبابية قد يختفي بدواخلها المغزى أو الفكرة وراء تلك الصياغات الجامحة، حيث يكفي أن يكون الشاعر متمتعاً برفد بلاغي لغوي ناتج عن قراءات متعددة في الشعر حتى يبدو مجيداً ممزجاً التراكيب ببعضها على حساب غياب الأفكار وقد يكون ذلك من عيوب نظام التفعيلة الحديث فتوظيف الأوزان كجنوح زائد  ممتع فنياً، ويفقد معناه حينما يصبح عادة، كذلك نجد الشاعر يستعين بالمفردات التي تشير لآيات وردت في القرآن مثل ص 22 موقناً بعصا الأنبياء في الإشارة لعصا موسى، يهش بها ماعز الهم في إشارة إلى آية عصاي أهش بها على غنمي ولي بها مآرب أخرى، فالديوان بمجمله ماتع يتسم برمزية سلسلة وصور كثيفة ورشاقة مطواعة.

 

ريبر هبون

 

في المثقف اليوم