أقلام ثقافية

محمود سعيد: مذكراتي في سجن النساء

محمود سعيدحصلت هذه الرواية فعى داعية لا تدانيها أي دعاية من قبل ومن بعد، وطبعت عشرات المرات، وكتب عنها ما لا يحصى من المقالات، لكن كل ذلك جرى بأسلوب مبالغ فيه لأن الرواية خالية من فن سام في التعبير الروائي، فهي نوع من التقرير يشبه حكايات جدتي، وأسلوبها يعاني من اعراض الحكايات والتعميم، ويسفر عن أنانية لا قرار لها، أما التفاخر بالذات ، وإعلائها فلا يممكن أن يستر أو يدافع عنه، فاسلوب الرواية يغص بشعارات ولت وماتت، وأصبحت بخبر كان، وهي مليئة بالتعميم، والتبجح، وبطولات زائفة: ولدت في هذا الزمن لم يكن عجيباً أن أدخل السجن، فأنا اقترفت الجرائم جميعاً: كتبت القصة والرواية والشعر ..الخ، و: الجريمة الكبرى أنني امرأة حرة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد.، و"رأيت أمي حرة تغني للحرية.". و: "أراد زوجي أن يلغي وجودي فألغيت وجوده". و" وحين قال السادات: الحرية ترفرف والعدالة والرخاء والسلام قلت: أين الحرية والناس في القيود لم يبق لي من سلاح في حياتي إلى القلم. " يعني ان السادات هو من أثار نزعة الكتابة عنها، لكنه نسيت أنها كتبت قبل السادات، ووقفت ضد عبد الناصر فنزل اسمها إلى القائمة السوداء، ثم تركز بعد السادات، ولم يمحه إلى طيب الذكر "حسني مبارك" الذي اطلق سراحها، مثل هذه التقريرات التي لا تليق إلا لكتابة مقالة متواضعة لا عللاقة لها بالرواية، وهي موجودة ومتناثرة على طول ما سمته بالرواية والرواية منه براء، فكل نقطة تصلح كي تكون رواية في حد ذاتها. وعلى سبيل المثال تذكر مواقفها البطولية بالتفصيل الململ: لأنها تؤمن برأيها اصبحت مظنة السلطة، جاؤوا ليلاً، وكسروا الباب لكنهم صدموا عندما رؤواها تقف تتحداهم: كسرتم الباب، هذه جريمة، لكن ضابط الشرطة يثيرها بقوله أنه هو قارئ جيد: وعندما ركبت سيارة البوليس لم تعلم أين تتجه، لكن الضابط كان متعاوناً بشكل إنساني فقال لها إنه قرأ كتبها، "
ويظهر تفاهة التستجيل في السجن حين تصف المكان بالتفصيل وهذا هو أجمل ما في الرواية، وهو قليل م علأسف، لكنها تقضي على الجمالية حين تمط الوصف، فمن البيت إلى ان وصلت السجن 26 ص، معظمها زائد لا علاقة له بسرد الرواية، وكان يكفي بضع صفحات فقط، وتبدو عورات الرواية واضحة حين تصف وضعها مع غيرها في السجن: هي تمارس التمارين السويدية كل صباح حتى في السجن، وهي متفائلة دائماً وهي التي تمزق غلالة التشاؤم عند السجينات، وتضحك وتضحكهن، وكان أول عمل مهم تساهم به السجينات أنهن وقفن ضد فصل المسلمين عن المسيحيين، وربما كان هذا هو النضال الوحيد التقدمي التي قامت به، وكانت السجينات السياسيات لا يتجاوزن العشرين، لكنهن عقدن اجتماعاً ناقشن فيه نظافة المرحاض من الصراصر والحشرات والحصول على الخبز الملكي الأبيض، فخبزالسجن العادي الذي يتناوله السجينات العاديات لا يناسبهن، وإصلاح المراحيض وصنابير المياه وتركيب دش في احد المراحيض من أجل الاستحمام،
اما اهم شيء فهو التخلص من الضجيج، فهن كن في قاطع غير متصل إلا بنصف ستارة تفصلهن عن السجينات العاديات: 300 سجينة مع أولادهن، الامهات يتشاجرن ويصرخن، والأطفال ييكون، فإن كف هؤلاء بدأ هؤلاء، فالجحيم هو عنبر الامهات، وعنبر السياسيات هو هو النعيم وجنة الله فوق الأرض، فهن 14 واحدة فقط، يستطعن أن يفرد أجسامهن، ويمددن ساقيهن، ويتمشين بين الأسرة، لكن السجينات العاديات، يتكدسن على الأرض أجاساد متلاصقة مع الأطفال والحشارت، والمعانات، والتنازع على جرادل الماء، ولقليل من السكر، والنزاع وحشين، والأقدام الحافية المشققة تدوس على بطون الأطفال وأردافهن العارية فوق الأرض، فينطلق السب، وتلعن الواحدة الأخرى ، أما الأسباب فهي اب يجبر ابنته لتسرق، أو امرأة قتلت زوجها، لأنه يجبرها على ممارسة الدعارة، إضافة إلى الجهل، ووو
ولست أدري كيف تستيغ تقدمية فصلها عن ابناء شعبها لأنهم فقراء ومظلومون ومضطهدون مثلها لكنه تفرح حين تم الفصل وارتاحت هي ومن معها بالفصل، وابتعدت عنهن، فما أعرفه أن الشعب هو البحر والمناضلون هم السمك فيه، لكن نوال تختلف فهي طبيبة ومثقفة ويجب ان تفصل عن أبناء الشعب المضطهد الفقير، وما النضال إلا تعاليم من بعد، لكن هؤلاء المسكينات المظلومات استمروا يقلدونها بالرياضة التي رأؤها تمارسها أول مرة، ومن شقوق الجدار القليلة كانت تراهن كل صباح وتسمعهن يصرخن لتوجههن، فهذه هي الطيبة الرائعة التي يتمتع بها شعبنا البسيط في كل مكان ولم تكتشفها نوال السعداوي مع الأسف الشديد.
وهناك صفحات مقيتة بعد مقتل السادات مليئة بمدح حسني مبارك عندما التقى السجينات المثقفات، وكيف استقبلهن ببشاشة ولسان معسول، وكيف استبشرن الخير بلقائه.
الكتاب تقدمي من ناحية وحاقد على الشعب المصري من ناحية أخرى، وجرت المبالغة في الترحيب به من القارئ العربي في كل مكان بادرة جيدة، فنصف الجيد خير من السيء.

***

محمود سعيد

في المثقف اليوم