أقلام ثقافية

صادق السامرائي: عندما يغيب الشعراء!!

في نادي كلية الطب كنا نجتمع معظم أيام الأسبوع حول طاولة مستديرة، جذبت الشعراء ومحبي الأدب والثقافة والفكر، وبرز منا شعراء متميزون أطربونا بقصائدهم البديعة، في مهرجانات للشعر تُقام أكثر من مرة بالسنة وبالمناسبات الوطنية.
وكانوا ينشدون أشعارهم بعذوبة وحماسة، وما نشروها، أو وضعوها في دواوين، وبعضهم كان موهوبا ومؤثرا في شعره.
وما أن تخرجنا، حتى تناثرنا، فما عاد أحباب الشعر يقتربون منه، ولا برز منهم أحد في الساحة الثقافية، وقد خابت توقعاتي وتأملاتي فيهم، لأنهم غابوا بغتة.
ذات مرة قالت لي إحدى قريباتي وهي مدرِّسة لغة عربية، أن الشعر نزوة عاطفية شبابية ستخمد نيرانها بعد أن يأفل الشباب، وما صدقتها.
والعجيب، مضيت أكتب، وما كتبوا بعد أن كانوا يكتبون، فأتفاعل معهم وأسطر ما يشبه الشعر.
تواردت أسماء زملائي الشعراء (محمد، زهير، فلاح، محفوظ وآخرون)، وقد عثرت على قصاصة ورق، من التي كنا نتداولها ونحن نقرأ في مكتبة الكلية، التي أمضينا فيها أحلى أيام العمر.
وهي أشبه بالتفاعل الفكري الأدبي بين زميلي الشاعر ذو الخط الجميل والتفكير الأصيل، وهو يعلق على ما كتبته في إحدى الجذاذات.
"الأخ صادق إسمح لي أن أتصرف بما كتبتَ قليلا"
"العطاء نبيلٌ جدا .. ورائع بالكامل، فلا أخشى أن يأتي يوم لا أرغب أن تكون فيه خطواتنا الجديدة.. في الطريق الكبير.. أقل من هذا الحطام...إنني أتساءل.. وأبحث.. مَن هو المُصيب وما هو الصَواب..أريد أن أجد حلا لكل ما يتعلق بقضية الأرض والإنسان..وليس غريبا أن أكون القاضي..والإنسان"
يبدو أن صديقي قد حرر ما كتبته بأسلوبه، مع إحتفاظه بالفكرة والقصد، وعلق بهذه الأبيات:
"يا مَن..تُسائلُ..فالهوى دوّارُ
نحنُ السفين..وبحرها الأقدارُ
العُمرُ يَمضي..كالثواني خِلسةً
وسيعقبُ الليلَ الطويلَ نهارُ
واصلْ مسيركَ فالحياةُ قصيرةٌ
وامطرْ عطاءً..تورقُ الأشجارُ
الحبُّ في لغتي عَطاءٌ دائمٌ
فاحْببْ صديقي.. فاتنا التيارُ"
(....)
8\5\1979
لماذا غاب صديقي الشاعر عن الأضواء؟
لماذا طلّق الأدب وعاقر الطب وحسب؟
هل فعلا هناك نزوة شعرية تنطفئ بعد حين؟
أحتار في التفسير، لكنهم كانوا شعراء يمكن وصفهم من الدرجة الأولى، وعملاقهم الرائع الموهوب مات مبكرا بداء عضال!!
كانت تلك الجلسات المعرفية من أخصب الفترات الثقافية، وما أذكر يوما تحدثنا عن العروض وأبحر الشعر، بل كانوا شعراء مطبوعين، يقولون القصائد الرائعة كأنها كُتبت في قلوبهم.
"قطعت التذاكر للسفر... وتركت أمتعتي ..ضمانا للظفر"!!
وما بقي إلا أن نردد:
"هلْ غادرَ الشعراءُ مِن مُترَدَمِ
أمْ هلْ عَرِفتَ الدارَ بعدَ توهُمِ"!!
***
د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم