أقلام ثقافية

شاكر فريد حسن: شآبيب الشاعر شفيق حبيب

كان قد وصلني منذ فترة بعيدة من الصديق الشاعر الفلسطيني/ الجليلي الرقيق الغاضب، صاحب الموقف الوطني والفكر الحر، والحرف الانيق شفيق حبيب، ديوانه الشعري الموسوم "شآبيب" الصادر العام 2011، الواقع في 100 صفحة من الحجم المتوسط، وزينت غلافه لوحة "أغصان الزيتون" للفنان عماد حجاج.

وجاء انتقاء عنوان الديوان بدقة متناهية، وبصورة لافتة، فهو مكون من مفردة واحدة لكن معانيها متعددة، فكما جاء في المراجع وقواميس اللغة شآبيب هي جمع لكلمة شؤبوب، ومعناها القطرات الأولى من المطر، والدموع، والحسن، والشدة من كل شيء، وغيرها من المعاني.

يضم الديوان قصائد متنوعة الموضوعات والأغراض، منها الذاتية والإنسانية والوجدانية والسياسية والوطنية الغاضبة والثائرة المتمردة، فهو يخاطب ويحاكي روح الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، ويأسى على غدر الزمان والعمر وهو على شاطئ السبعين (اليوم هو في الواحد والثمانين)، ويعري الواقع العربي البائس والمعيب، الذي يراه أكثر سلبية وسوداوية وقتامة، فيلعن السياسة وثعابين السياسة ولحى أساطين السياسة الذين تنضح وجوههم لؤمًا وخسة، ويملؤون الدنيا شعارات صراخًا وحماسة، ولا ينسى العراق الذبيح وبغداد الرشيد المستباحة التي تخضبت أرضها بالدماء، وتنهش لحمها الديدان والذؤبان والقطعان من أهل الرذيلة والضغينة، ويعلنها بصوت عالٍ غاضب وبملء الفم: 

بحرُنا مُباحْ

وفكرُنا مُباحْ

وأُمّتي مشغولةٌ بالجنسِ

واللّواط ...والنّكاحْ

فالحبّةُ الزرقاءُ بيَّضَت وجوهَهْم

وغذَتِ الأعضاءَ.. والأشلاءَ..

في مخادعِ المِلاحْ

وشفيق شاعر عزة وكرامة ونخوة يؤمن بالإنسان وقضاياه، ويقف ضد العنف والقهر والظلم، ولا بدع إذا قال:

أنا شاعرٌ تغذْوهُ آمالُ أُمَّةٍ     وآلامُها، والحرفُ ثَرُّ المَواهِبِ

زرعتُ على التاريخِ راياتِ نصْرِها    ونكسَّتُها حين استُبيحَتْ ملاعبي

وإني عدوُّ العُنْفِ والقهّرِ والخنى       وأعلو بنفسي عن صِراعِ المذاهِبِ 

ويبقى أخي الإنسانُ في الكونِ سيّدًا    ولا أرتضي إذلالَةُ   في   الغياهِبِ 

تمتاز قصائد الديوان بجزالة اللغة والجمالية الفنية وقوة السبك والتكثيف والوضوح والصدق التعبيري والموسيقى العذبة المؤثرة التي تأسر القلب، فشفيق فنان ماهر في اصطياد الكلمات وانتقاء المفردات والألفاظ الجميلة ذات الإيقاع الشجي والمعنى المشع المتماوج الذي يترك أثره في الفكر والوجدان، فيحرك ويثير النفوس ويحفز العقل على التفكير والتأمل والسؤال، وينير البصائر، ويترك في نفسية القارئ والمتلقي متعة حسية وفنية.

وتشهد قصائد شفيق حبيب على أحاسيسه ومشاعره المرهفة وأفكاره النيّرة ومواقفه الوطنية والتزامه بالقضايا القومية والوطنية والمصيرية، وعلى لغته الثورية النابضة، وإيحاءاته الهادفة، ورمزيته الشفافة، وكلاسيكيته وحداثته، إنه شاعر مسكون بفلسطينيته وعروبته، قوي النبرة، يحلّق في فضاءات القصيدة والشاعرية الحقيقية، ومترع بالإبداع والتجديد والتوهج الدائم، نظرًا لموهبته وتجربته الثرية وطاقاته الشعرية وثقافته الشمولية، ونجده يمقت الشعارات ويدعو للتغيير ويرفض المذهبيات والعصبيات ويؤمن بالإنسان كإنسان بغض النظر عن ديانته ومذهبه وفكره، وكما قال الدكتور يحيى زكريا عنه: "شفيق حبيب من جيل الشعراء الذين فتحوا عيونهم على واقع مؤلم، وظلم شديد، فتحول الظلم الذي يختزنه هو وغيره من الشعراء إلى بركان تفجر ينابيع لظى".

تحية للصديق الشاعر شفيق حبيب (أبو وسام) ابن دير حنا، متمنيًا له العمر المديد والعطاء الشعري والأدبي المتجدد.

***

بقلم: شاكر فريد حسن 

في المثقف اليوم