أقلام ثقافية

الإسلام وأصول الحكم!!

كتاب صدر عام (1925) لمؤلفه  العلامة المصري (علي عبد الرازق)، (1888-1966)، تخرج من الأزهر، وسافر إلى بريطانيا ودرس القانون، وعاد ليكون قاضيا شرعيا، وعضوا في مجلس الشعب ووزيرا للأوقاف.

وفي كتابه ناقش شرعية الخلافة، وخلص إلى أن لا أساس لها شرعا، ودعى لإقامة الدولة المدنية.

وإعتمد على أسئلة موضوعية للبحث عن الدليل الشرعي للخلافة، أ هي من القرآن أو السنة أم من إجماع الأمة.

فالخليفة في الوعي الجمعي يستمد سلطانه وشرعيته من الله، والبعض يرى شرعيته مستمدة من إجماع الأمة .

ولا يوجد كما يرى آية تؤكد على الخلافة، ومعظمها تشرح واجبات النبي بتبليع الرسالة، ولا تتوِّجه حاكما على الآخرين ومسيطرا عليهم.

ويرى أن النبي لم يعين نائبا أو خليفة من بعده، ولم يترك آلية واضحة لإنتقال السلطة، مما يبرهن أنه لم يكن حاكما وقائدا سياسيا وإنما دينيا وحسب.

فالخلافة ظهرت بعد وفاة النبي، فهي منصب دنيوي وليست مكوِّنا في العقيدة الدينية.

فالنبي لم يجمع بين الرسالة والحكم، وفسر ما قام به النبي من تدابير، كإجتهاد شخصي وفقا للظروف، لنشر الرسالة وتأمين الدين.

فيستنتج أن الخلافة ليست تفويضا إلهيا، وعندما تكون شرعيتها من إجماع الأمة، فهذه شرعية شعبية، مما يؤكد دنيوية مصدرها، ولا يوجد إجماع تام من الأمة لتعيين خليفة، فالناس تبايع أن يكون شخص ما خليفة، وبعد ذلك تحولت إلى وراثية، وهي وسيلة لممارسة الحكم.

وبهذا فصل بين الدين والسياسة، وجعل الدين متخصصا بالحالة الإيمانية، والسياسة في شؤون الدنيا ومتطلباتها.

فلا شأن للدين بالخلافة، فهي نشاط سياسي بحت، والدولة المطلوبة هي القائمة بموجب عقد إجتماعي (دستور).

ولا يمكن إعادة فكرة الخلافة، فالحكم الديني أثبت فشله، لتكريسه شرعية السلطة المطلقة، فتكون إستبدادية فردية لأنها ممارسة بتفويص إلهي، فالخليفة قائم بأمر الله.

والله والدين براء من الخلافة، ففقهاء السلطان كرسوا فكرة الخلافة المستندة على تفويض إلهي، فطاعة الخليفة تعني طاعة الله ونبيه، فالخليفة هو خليفة الله في ملكه.

وتحقق العدوان على الرجل وتكفيره وإتهامه بالزندقة من قبل معاصيره.

فشجبَ الكِتاب علماء وفقهاء منهم، (رشيد رضا) كفّر المؤلف ووصفه بالزنديق، وإعتبر الكتاب خروج عن الإسلام والشرع وبدعة شيطانية، و(محمد شاكر)، الذي هاجم الكتاب بقسوة، وآخرون غيرهم.

وأكد (أحمد شوقي) و (طه حسين)، على ضرورة الرد على الفكر بالفكر، والرأي بالرأي.

لكنهم حاكموه، وفرضوا عليه حصارا شديدا، فأخرجوه من زمرة العلماء ونزعوا رتبته العلمية، ورفعوا إسمه من الأزهر، ومنعوه من أي وظيفة.

ويُقال أنه ربما تبرأ من كتابه في نهاية عمره.

فظروف تأليف الكتاب كانت بعد سقوط الخلافة العثمانية، وتصور المسلمين أن لابد من خليفة يلم شملهم ويحميهم.

ويمكن الجزم أن المؤلف كان واعيا لما يجري وسبّاقا لعصره، وجاهد لإخراج الفكرة من الوعي الجمعي المخمور بها، فلعبة الخلافة تم إستعمالها للضحك على العرب والمسلمين ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، فكان (الملك فؤاد) في مصر يُراد له أن يكون خليفة، وكذلك (الحسين بن علي) في الحجاز الذي قاد ثورة العرب الكبرى.

وإنتهى الأمر بإستعمار العرب والمسلمين، ولا تزال اللعبة مستمرة، ومسيسة بالأحزاب المؤدينة، التي لا تؤمن بوطن أو وطنية، وإنما بدولة خلافة!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم