أقلام ثقافية

المدلول الاجتماعي للزاحف

بما ان التراث يمثل حياة اقوام تشمل لغتهم وافكارهم وعقيدتهم وممارساتهم الحياتية وكذلك عاداتهم الشعبية وتقاليدهم فان هذه المفردات عرضة للتغيير والتجدد تبعا لمتغيرات الحياة الاجتماعية واستمرارها، واللغة التي تعد واحدة من الموروثات التي تشكل ملامح التراث تخضع مثل سواها للتغيير والتجدد .

لقد برزت على الساحة العراقية في العقدين الاخيرين عدد من المصطلحات الطارئة التي لم تكن متداولة ومعروفة اجتماعيا وذلك بفعل المتغيرات التي خلفتها ظاهرة العولمة على البنى الاجتماعية والتي أثرّت بشكل ملحوظ على طبيعة الحياة العراقية خصوصا في نمط التعاملات ومنها ما يتعلق بمفردات التخاطب وأوصاف السلوك الاجتماعي حيث افرزت عددا من المصطلحات الغريبة التي يتم تداولها الان على نطاق واسع، فعلى الصعيد الاجتماعي ظهر مصطلح (القافل) وهو الشخص الذي انغلق عقله امام كل حوار مع الآخر ويرفض التغيير حتى عند اكتشاف خطأ ما كان يعتقده صواب، كذلك مصطلح (الزاحف) الذي هو الآخر شاع تداوله مؤخرا والذي يعبّر عن سلوك اجتماعي يلجأ اليه البعض من أجل تحقيق منفعة خاصة .

جاء في معجم المعاني الجامع تعريف مصطلح (الزاحف) على انه النبات الذي يزحف مجموعه الخُضريّ على سطح الأرض وكذلك الحيوانات مِنْ فَصيلَةِ الفَقارِيَّاتِ الَّتِي تَدِبُّ، تَزْحَفُ على بَطْنِها، ولكن في العقدين الأخيرين شاع في مجتمعنا هذا المصطلح بدلالة اجتماعية واقترن بسلوك الشخص المتملق الذي يحاول التقرب للمرأة والسعي لنيل رضاها بأي ثمن كان حتى لو كلفه ذلك كرامته بقبول الاذلال الذي يمارس عليه من قبلها، وعليه فان الزحف هو نوع من التملق للمرأة خصيصا اذ ان التملق حين يكون للرجل فانه يأخذ وصفا أخر هو (اللواگة) والقائم بهذا السلوك هو الشخص (اللوگي) وفي الحالتين فأن التملق صفة بشرية مذمومة يسعى القائم به الى تحقيق المصلحة بطريقة مذلة .

والتملق بكل اشكاله هو آفة اجتماعية قديمة كانت ومازالت اداة لتحصيل الجاه والمال، وقد برزت واضحة عند العديد من الكتاب و الشعراء في وقوفهم المذل على أبواب وبين يدي الملوك والأمراء وكيل المدائح لهم، ولا أجد فارقا بين كل هذه السلوكيات (المديح، اللواكة، الزحف) فكلها تعمل على اسباغ صفات حميدة هي غير موجودة في الاخر من أجل كسب رضاه ونيل العطايا منه . ولكن الذي يعجبك في بعض التملق هو البلاغة وحسن الصياغة والقدرة على تزيين الاهانة وقبولها مثل رد الشاعر العباسي ابو العميثل عندما قبَّل يوماً كفّ عبد الله بن طاهر الحاكم على خراسان زمن المأمون فاستخشن مسَّ شاربيه، فقال له : قد آذت خشونة شاربك يدي فقال كلا أيها الامير ان شوك القنفذ لا يضر ببرثن الأسد، وكذلك في انشاد المتنبي لسيف الدولة الذي كان قد أمر بخيمة فصنعت له، فلما فُرُغ من نصبها لينظر إليها، وكان قد أعد الرحيل إلى العدو هبت ريح شديدة فسقطت، فتشاءم بذلك ودخل الدار واحتجب عن الناس، فدخل عليه المتنبي بعد ثلاثة أيام فأنشده حيث قال : :

يا سيف دولة دين الله دم أبدا ... وعش برغم الأعادي عيشةً رغدا

هل أذهل الناس إلا خيمةٌ سقطت ... من المكارم حتى ألقت العمدا

خرّت لوجهك نحو الأرض ساجدةً ... كما يخرّ لوجه الله من سجدا

للأسف نعيش اليوم وسط عدد من الناس فقدوا عزة النفس التي هي أغنى القيم النبيلة عند الانسان .

***

ثامر الحاج امين

 

 

في المثقف اليوم