أقلام ثقافية

ماذا تقرأ بطرسبورغ الآن؟

ماذا تقرأ بطرسبورغ الآن؟ - أثارني هذا العنوان في صحيفة (ليتيراتورنايا غازيتا) الروسية الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 6-12 / ابريل (نيسان) من عامنا الحالي 2022، وتوقفت رأسا عند تلك المقالة، رغم اني كنت أتصفّح العدد بسرعة ليس الا . المقالة جاءت على الصفحة 17 من العدد المذكور، وشغلت حوالي نصف الصفحة بأكملها، وكانت تحت عنوان (استيبيان)، وكلمة استبيان مطبوعة بالخط الاحمر الواضح . وهكذا بدأت أقرأ بامعان هذا الاستيبيان، لأني كنت اريد ان أعرف ماذا تقرأ عاصمة روسيا الفكرية في هذا الزمن العاصف (الذي تدور الحرب فيه بين الشقيقة السلافية الكبرى روسيا مع شقيقتها السلافية الصغرى اوكرانيا)، وهل تنعكس هذه الحرب على مسيرة القراءة في تلك المدينة الروسية العريقة، التي يرقد في ثراها بوشكين ودستويفسكي، والتي تجسّد واقعيا أحد اهم الفصول في تاريخ الادب الروسي والثقافة الروسية بشكل عام منذ ان أسسها القيصر بطرس الاعظم والى حد الان .

اجرت الاستيبيان مندوبة صحيفة (ليتيراتورنايا غازيتا) عند زيارتها لمخزن بيع الكتب للادباء في بطرسبورغ، وسألت مجموعة متنوعة من القراء حولها هناك – (ماذا تقرأ الان ؟)، ونريد هنا ان نتوقف قليلا عند بعض هؤلاء القراء، واجاباتهم عن هذا السؤال الطريف والذكي، والذي يمكن على اساسه ان نصل الى تحديد (ولو تقريبي) لموقف المثقفين الروس المعاصرين من تلك الاحداث الرهيبة بين روسيا واوكرانيا، والتي تجري على الارض الاوكرانية.

رئيس اتحاد ادباء بطرسبورغ فاليري بوبوف أجاب عن سؤال مندوبة (ليتيراتورنايا غازيتا) قائلا – في الصباح اتابع اخبار الحرب، وفي المساء أقرأ – وبكل سرور – كتاب غوغول – امسيات في قرية عند ديكانكا، لأني أجد في هذا الكتاب - اوكرانيا (..المنيرة والمرحة)، وذلك لان من طبيعة الادباء والكتّاب ان يحلموا بالافضل دائما . جواب بوبوف كان مدهشا وذكيّا و حاذقا جدا، اذ انه ربط – وبعمق - بين ما يحدث الان من تصادم مسلّح بين روسيا واوكرانيا مع غوغول (وهو رمز الوحدة الاوكرانية – الروسية التي لا تنفصم ابدا في مسيرة الادب الروسي)، وأشار بشكل غير مباشر (ولكنه صريح طبعا)، الى انه (يحلم !) ان يرى اوكرانيا (منيرة ومرحة) كما رسمها غوغول (الكاتب الروسي ذو الاصول الاوكرانية المعروفة) . جواب رئيس اتحاد ادباء بطرسبورغ هذا، هو خلاصة لموقف فكري واضح المعالم جدا ورائع جدا في آن.

الشخص الثاني، الذي ساهم في هذا الاستيبيان هو المؤرخ والصحافي دنيبروفسكي، الذي قال، انه يعيد قراءة رواية نيقولاي أستروفسكي الشهيرة (كيف سقينا الفولاذ)، لأنها ترتبط (وبشكل نادر جدا) مع الاوضاع الراهنة في الوقت الحاضر، اذ انها تتحدث بالذات عن نفس تلك الاماكن، التي جرت فيها المعارك في اوكراينا آنذاك وتجري الآن ايضا، وأضاف دنيبروفسكي قائلا – انني من أب اوكراني، وعندما اعيد قراءة أستروفسكي، فانني أتأثر وأتألم جدا، واختتم قوله - اني احلم ان يسود السلام في اوكرانيا .  

الشخص الآخر، الذي نتوقف عند اجابته هي ايرينا رومانوفسكايا، والتي قالت، انها تعيد الان – وبامعان ودقّة - قراءة رواية دستويفسكي (الجريمة والعقاب) بطبعتها الجديدة، بعد ان عرفت، ان جامعة ميلانو الايطالية قد منعت حتى ذكر اسم هذا الاديب الروسي العبقري في الفترة الاخيرة، وذلك لأنها تريد ان تفهم، لماذا لا ينسجم (او لا يتوافق) الكاتب الكبير دستويفسكي مع متطلبات واهداف هذه الجامعة الايطالية ؟

اخيرا، توجهت مندوبة الصحيفة بسؤالها الى بائعة الكتب في ذلك المخزن الخاص ببيع الكتب للادباء، فقالت اولغا كوزي، انها استلمت قبل ايام كتابا صدر حديثا بعنوان – (اوكرانيون خدموا روسيا . اوكرانيون في سانت – بطرسبورغ)، وهو مجموعة دراسات وثائقية، وما ان تم عرض الكتاب للبيع، حتى تم شراء كل النسخ التي عرضناها .

الاستيبيان هذا شمل الكثيرين من القراء، وهناك اشارة الى كتب متنوعة عديدية، منها – مثلا – كتاب بعنوان (قصص عن المتحف الروسي) الذي يتناول الفنانين التشكيليين الروس الكبار ولوحاتهم عن المناظر الطبيعية، وكتاب يتحدث عن ولادة اول دولة روسية في التاريخ وكان اسمها (كيفسكايا روس)، وهي دليل لا يقبل الشك للاخوة الروسية – الاوكرانية، وكتاب يتضمن قصصا قصيرة للكاتب الياباني (سانيوتيّا) الذي يتحدث عن الحدائق اليابانية ذات الاحجار وعن الفلاحين والفلاحات في اليابان وقصص العشق بينهم، وقد قال القارئ الروسي انه يقرأ هذا الكتاب (كي تشعر روحه بالهدوء والطمأنينة) في اجواء هذه الحياة الصاخبة ...الخ .

الاستبيان هذا يقول لنا، ان الكتاب لا يزال – كما كان دائما- بخير، ويقول لنا ايضا، ان الانسان لا يزال – كما كان دائما – بحاجة الى قراءة الكتب ...

***

أ.د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم