أقلام ثقافية

حاجة الأمة للتربية الجمالية

حشاني زغيديمن منا لم يتلذذ بمرحلة الطفولة، ومن منا لم يعش أفراحها، ويتمتع بلحظاتها الجميلة، كنا حقا نستمتع بجمال وسحر الطفولة، كانت أيامها صفحة بيضاء مزينة بألوان الطبيعة الزاهية، لا زال جميعنا   يتذكر كل لحظة جميلة عشناها في حضن الأم الدفيء، كنا نتذوق دفء العواطف، كنا  نحسها عند كل لمسة وكل ضمة تبعث فينا الحياة. مع تلك البساطة كنا نجد متعة لا تصور.

لا زال جميعنا يتذكر جمال الأيام الماضية، نتذكر عرائسنا المصنوعة من القماش القديم البالي،  ونتذكر الكرات المصنوعة من جوارب مرمية، المحشوة من قش وصوف، كانت بديلا عن الجلد المنفوخ.

مع تلك البساطة الأيام التي عشناها كنا نحلق مثل الطيور في سعادة لا مثيل لها ..

إن الجمال سر من أسرار الحياة، لا يدركه سوى البسطاء، الذين يتعاملون مع الحياة دون تعقيد، نعشق سحرا لكلمات بسيطة، فترسل من شفائنا  ابتسامات صادقة، لا مكان فيها لحقد أو حسد أو غل .

إن سحر الجمال ندركه في جلسة صفاء مبسوطة في فضاء الطبيعة الرحب، تتفجر في داخلنا روحا متجددة، تمنحنا طاقة وحيوية، فيها تتناغم أرواحنا مع صدق الطبيعة  فتكون  الجلسة لقاء وئام تتصالح فيه الأجساد مع الأرواح، فنرى الدنيا بعيون السعداء .

و يدرك الجمال في استراحة روحية في محراب التعبد،و نحن نستمع بلذة الإيمان المتدفق من أنوار الهداية، فندرك الجمال الحقيقي  الذي يبحث عنه الذين يعيشون الغربة والانفصال أن الجمال موجود بداخلنا،؛ لكن القليل من يدرك سحره الأخاذ، إن الجمال الذي نبحث عنه قد تصنعه نوطة شعرية أو لطيفة أدبية أو صورة جميلة، تصنع بداخلنا متعة لا تشترى بالمال.

ليس لغيره، فإن كل من يدرك الجمال والحس المرهف يسيح في الملكوت، يتأمل الجمال في كتاب الله  المفتوح، يدرك المتعة الحقيقية حين نتأمل جمال الطبيعة في شطآنها ونرى الجمال في جبالها وسهولها، في مروجها المبسوطة الخضراء  .

و قد ندرك الجمال المكنون في بديع صنع الله، ض وفي كل العوالم، ندركه في جمال الطيور والأزهار والخيول والإبل.

إن سحر الجمال الذي نبحث عنه يعطينا شعوراً بالاستمتاع، بل يوقظ داخلنا طعم الإيمان ونحن نبصر ونرى عجائب عظمة الله في خلقه.

و قد ندرك الجمال وحسنه في صفاء القلوب، وحسن المعاملة، وقد ندركه في سرور ندخله على مريض نخفف ألمه، نعيد له ابتسامة الأمل بعد حرمانها، وندركه حين تُملأ النفوس بعواطف الحب الصادق الخالي من المطامع، حين يخلو الحب من نزوات ورجاسة  المادة الرخيصة التي تكدر صفو الحياة وجمالها .

إن الحسن والجمال أفسدت طعمه  رعونة طباعنا، وجفاء معاملتنا، وانصراف شواغلنا في صروف الدنيا لإشباع نزواتنا الرخيسة وهروبنا من أنس الحياة الجماعية إلى حياة الأنانية، فصرنا لا نبصر الجمال، ولا نبصر الحسن، فنابض حاسة إدراك الجمال فينا أصابه عطب كبير، عطل وظائفه وحبس منافعه.

إن حاجة الإنسان اليوم للحس الجمالي وو أن حاجتنا  لمعاملات الأريحيات والأذواق مفقودة، ومرد ذلك كله، غياب الاهتمام بالتربية الجمالية، التربية الجمالية  التي تحول البيوت اليائسة لبيوت سعيدة، التربية الجمالية  التي تزيل جفاء طبعنا وغلظتها، من عقوق وتشدد، من شحناء وخصام إلى الفجور في الخصومات، كل تلك الصفات السلبية هدمت بيوتنا السعيدة .

لهذا كله يتوجب على الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع وجوب المساهمة لإرساء منظومة القيم الجمالية في مناحي حياتنا كلها، حتى تصوغ لنا مجتمعا صالحا متحابا، يكون نتاجه أسرا سعيدة بعيدة عن التفكك والضياع ويكون نتاجه أبناء بارين، يكونون لبنات صالحة لمجتمع صالح.

***

الأستاذ حشاني زغيدي

في المثقف اليوم