أقلام ثقافية

قالتْ لي المرآةُ

علي كرزازي"ليس خطأ المرآة إذا كانت للوجوه عيوب".. مثل روسي

قالت لي المرآة: أنتَ انا وأنا لستُ أنتَ

مذ وقعت عيناك عليّ أول مرّة لا تبغي عني فكاكا

تطالعني كلّ صباح بعينين وديعتين تارة، زائغتين تارة أخرى.

قالت لي المرآة:

أنا حافظة تاريخك، وعلى صفحتي تدوّن سيرتك وتدفن أسرارك مذ كنت طفلا متصابيا، شابّا نزقا، كهلا متزنا، شيخا خرفا.

قالت لي المرآة:

أنا مطرح آلامك وأمالك، أحلامك وخيباتك.

تداعب وجنتي وأنت تستعد للمغادرة إلى المدرسة، إلى العمل، إلى الادارة، إلى الملعب، إلى الحفلات. لا تكتفيك نظرة واحدة، تُحملق فيّ، تتفرّس في وجهي كمن يبحث عن حقيقة ضائعة

قالت لي المرآة:

عديدة هي ابتساماتك التي احتضنتها ودمعاتك التي تطايرت على صفحة خدّي

قالت لي المرآة:

صرتُ أعرَفَ بك منك، أفرحُ حين تبثُني أحزانك وتشاركني أفراحك.

قالت لي المرآة:

أنا أحملك وأنت لا تحملني للأسف !

قالت لي المرآة:

أفرح حين تفرك وجهي بلمستك الحانية ذات نشوة، وأحزن حين تكسر أضلاعي ذات غضبة.

قالت لي المرآة:

أنا أقرب إليك منها..من زوجتك..وحتّى من نفسِك لأني بتّ خبيرة في قراءة أفكارك وما يجول في تجاويف قلبك.

قالت لي المرأة:

الأخ مرآة أخيه.. لكني أقرب إليك من أخيك لأني أنا المرآة.

قالت لي المرآة:

أنت أناني بطبعك..أنصت اليك فلا تعيرني أذنك ولو لمرّة..أواسيك ولآ تواسيني.، وحتى حين تهرع لتُنظفنِي وتلمّعني فَلِكيْ ترى وجهك بشكل أوضح.

قالت لي المرآة:

أنا حقيقتك التي تهرب منها وتُداريها

أنا الوحيدة التي أراك كما أنت..بلا مساحيق

أنا الوحيدة التي أتحسّس وجيب قلبك، وأسمع همس روحك وأفكّ طلاسم اللغة الساكنة في عينيك.

قالت لي المرآة:

أنا الشاهدة على ضعفك وانكسارك حين تصعد في منحنى العمر، حين تتقلّص عضلات قلبك وأنت تلْحظ شعيرات بيضاء تتسلّل الى أجمة رأسك..وأنت تبكي راثيا شعيرات أخرى تسّاقط في غفلة منك، وأسنان تغادر فمك عن طواعية وتجاعيد تغزو وجهك بدون استئذان.

قالت لي المرآة:

كم أنت هشٌّ يا ابن آدم..منّ عليك الخالق بنعمه فما تني تستزيد ببطن لا يشبع ونفس لا ترتدع.

صوّرك فأحسن صورتك لكنّك أبدا ما رضيت..قسّم لك رزقك لكنك أبدا ما قنعت.

قالت لي المرآة:

أستغرب لحرصك على التشبث بها..لِمَ أنت متيّم بها إلى هذه الدرجة؟ أمَا دريت أنها زائلة؟ أنها وهم...أنها دار الغرور.

قالت لي المرآة:

قال لك: لا تسرق فسرقت، لا تقتل فقتلت، لا تنهب فنهبت..قال لك وقال لك وقال لك..فعلت كل ما فعلت لأنك غبي أخرق..صدّقت أوهامك..حدّثت نفسك: لن أرحل ! سأُقيم ها هنا. لم تدر أن إقامتك قصيرة، أقصر مما يمكن أن تتصوّره أو تحلم به: يا زارع الريحان حول خيامنا لا تزرع الريحان لست مُقيمُ.

قالت لي المرآة:

حتّى حين تدرك أنك أخطأت لا تمتلك شجاعة الاعتراف، تتنصل من مسؤوليتك وترمي باللائمة على الشيطان: الشيطان ابن الحرام هو من فعل..ولطالما زعمت أنني شيطان أنا الأخرى..يا للعار.. !!من منّا الشيطان؟؟.

أنا لم أُزيّن لك أفعالك..أنا لم أوسوس لك بالشرّ.

أنا في أخر المطاف حقيقتُك التي تهرب منها دائما وأبدا.

قالت لي المرآة:

عذرا سيدي الانسان، ابحث لك عن خليل جديد، عن مؤرخ جديد، سأغلق صفحتي في وجهك مادام قول الحقيقة لا يعجبك.

المرآة أغلقت صفحتها

Le miroir a fermé sa page

The mirror has closed its page

***

د.علي كرزازي/ المغرب

 

 

في المثقف اليوم