أقلام ثقافية

أنَا والعِيدُ وصديقَتي النَّملة

علي الجنابي- موعِدُنا فجرُ يومٍ جديدٍ يا دِلدِل، وداعاً ولكن بلا خفاراتٍ ليليةٍ وإحتقار؟

-نعم، لا خفاراتٍ ليليةٍ يا خليلَ نبتةِ الصّبار، ولكن مازالَ في سَمَرِنا فسحةٌ من وقتٍ بحرفِكَ الآسرِ يُستَجار، فتَمَهَّلْ وأكرمْنا بمزيدٍ من نبأٍ آسرٍ منَ التكلُّفِ عار، ولَكَ ألّا تحرمنا من وصلةِ بيانٍ آخاذٍ بيننا جار، ودعني أستَعلمُ منكَ أمراً، نبضِي الضعيفِ لا يحتملُهُ، وفيه مِحتار؛ " أراكَ تفضلُنا على بني جنسِكَ المُفَضَّلِ المُختار، فتمكُثُ فينا أجملَ وقتٍ من دقائقَ النَّهار، رغمَ أنّها دقائقُ (عِيدِ فِطرٍ مباركٍ ) قد عادَ وإستَدار، ثمَّ أني لا أرى الآن ضيفاً قد حلَّ في الدارِ وزار؟

- أجل دِلدِلَ، أفَضِلُكُم على كثيرٍ من بني جنسي ظلومٍ خوَّانٍ وخوّار، وسَعْدي في عَوْدي لكم يُستَثار، فأعودُ لكم إن تَاقَ الفكرُ لبهاءٍ وإِسْتِبْشار، وإن حاقَ بالصّدرِ بلاءٍ و

إختبار، وإن سَاقَ الغَمُّ لهيبَ مَأْزِقه والتَّنّورُ فار، ولكأنّي يا دِلدِلَ ببعضِ من بني جنسي؛ إمّا قردٌ يتنطّطُ، إمّا جُرذٌ يتَأبَّطُ، وإمّا يتَخبَّطُ تَخَبُطَ فَار، وإنّما جمالُ العيدِ في أُنسٍ ودودٍ للقلب معَ مَن يَختار، وإنَّ خيرَ ما يتمناه المرءُ من أيامِ عُمُرٍ قصيرٍ أو مديدْ؛ صلةَ رَحِمٍ من صفاءٍ ووفاءٍ ويُريد، خلَّةَ فَهمٍ من بهاءٍ ومن هناءٍ تَزيد، وعن سُبُلِ الصِّدقِ لا تحيدْ، فما أبن آدمَ إلّا (إنسانٌ) بلسانٍ، وفؤادُهُ ودودٌ ورشيدٌ، أو رُبَما لدودٌ، أو رُبَّما بليدْ.

وارانيَ يا دِلدِلَ ما إنفككتُ أستأنسُ بسَمَرٍ مع أناسِيّ مثلي وابغي منهُم مزيدْ، لكنِ (الأرواحَ جنودٌ مجندةٌ، ما تعارف منها إئتلف) بصدقٍ وبإخلاصٍ سَديد، (وما تناكر منها اختلف)، فلا تنفعُ مداهناتٍ، ولا تدفعُ بسماتٍ من كذبٍ ولا تٌفيدْ، ذاكَ أنَّ تناكرَها بحُبِّ الذاتِ غائرٌ، وبِعبِّ الدراهمِ حائرٌ بتنضيدْ، فخابَ فيها وصلُها، وذابَ من وجدِها ودُّها  الحَميدْ، وأضحتِ الأنفسُ تُصَيِّرُ من دِفْقِ التآلفِ غُثاءً من حصيدْ، ومن رِفقِ المعارفِ وَبَاءً بصديدْ.

ما بالُ النفسِ يا دِلدِل لمالٍ تفاهةٍ راجفٍ نراها عابدةً، ولحالِ وجاهةٍ زائفٍ نراها عامدةً وتُريد! أوَلا يعلمُ الإنسانُ ألّا هاديَ لصاحبٍ من أولي نُهىً أصيلٍ نزيهٍ ورشيدْ، إلا  نقاء السريرةِ مع بني جنسهِ، وذاك هو السبيلُ السديدُ، وذاكَ هو الطريقُ الوحيد. فمن أقبحُ مِمَّن صَيَّرَ بني جنسهِ بغلةً يتقافزُ بها بخِداعٍ، لا ينخدعُ منهُ بالغاً ولا حتّى الوليدْ، وإنَّما يهوي في شراكِ خداعهِ ماكرٌ مثلهُ، أو مسكينٌ بليد.

أوَيحسبُ الأنسانُ أنّ راوغانَهُ، وأنَّ زوغانَهُ الماكرَ بما يخططُ وبما يَكيدْ، أنَّهُ نباهةٌ أو وجاهةُ؟ كلّا، بل تفاهةٌ وسفاهةٌ، ولن يحظى بعيشٍ لا مُحترمٍ ولا سعيدْ، وليتَ المخادعَ يُمسي بلا (زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) علّهُ يُبطِئُ من لهاثهِ أو عنهُ يَحيدْ، فما أقبحهُ من رجلٍ سمعُهُ من بطنهِ، ودمعُهُ من فرجهِ، ونراهُ يلعقُ ثمَّ ينهقُ: هل مِن مزيدْ.

أوَلا يعلمَ الإنسانُ أنَّ (حسْبَ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقمْنَ صلبَه) مع جليسِ صدقٍ طيّبٍ وعميدْ.

أوَ أضحى لينُ الكلامِ وعَذبُهُ شِراكاً، ورمحاُ يُرمى به على صدورِ الخلقِ بتسديدْ.

عجبي!

كيفَ لنفسٍ أن تتعوّدَ (دبلوماسيةَ) حرفٍ كاذبٍ، فتجعلُ منهُ ذخراً لها ورصيدْ، فما أحلى البراءة، إذ هي تُلازمُ الروحَ طفلاً، وما أعلاها إذ تستمرُّ حتّى تَستعمرُ الوجهَ التجاعيدْ. أَفَهَجَرَتِ البراءةُ بَصْمَة مَسَرَّةٍ! أم زَجَرَتِ النَّاسَ بوَصْمَةِ مَعَرَّةٍ، أم فَجَرَتِ النَّاسٍ بقَصْمَةِ مَضرَّةٍ؟ أم لعَلَّها مازالت تغرِّدُ بيننا بتَرَنَّمٍ ونشيدْ.

لا أدري يا دِلدِل، غُلِبَ حماري، وما عادَت فراستي تُنجيني من هَولِ خلطةِ أنفُسٍ بتعقيدْ.

أوَ عليَّ أن أعتزلَ، لكيلا أُكَشِّرَ بأنيابِ قهقهةٍ لجليسي يحسبُها المسكينُ مودةً أو تأييدْ. أم عليَّ أن أسلكَ حديثاً (دبلوماسياً) عنوانه؛ (حَشِّدْ لغايَتِكَ كلَّ تَحشيدْ؟ لا تَنذهِلي ولا  تَوجَلي يا دِلدِل، وإنَّ العيدَ عندي؛ "عيدٌ نقيٌّ وسعيدْ"، فأنا لن أشْتَهَيَ نفخةَ من جاهٍ زائفٍ، ولن ألتَهيَ بمداعبةِ فاهٍ راجفٍ بطرفةٍ أو بزغاريدْ، وحسبي من جليسي؛ "جمالُ سلامٍ، وكمالُ كلامٍ"، بلا تبييتٍ وبلا تلبيدْ، فلا رغبةَ عندي، ولا زَغبَةَ مَعِيٍّ تهضمُ ما يُطعمني جليسي من تبييتٍ ومن تلبيدْ، ولن أقيمَ وزناً لجثمانٍ أبلدٍ يتمايلُ، ووجهٍ أمردٍ  يتحايلُ بنعومةٍ ويتَصَنَّعُ التغريدْ. إنَّهُ عندي -واللهِ- جميلُ هو العيدُ، بلِ إنّهُ الأكملُ من الحولِ للحولِ بتكبيرٍ وتمجيدْ.

وسلامٌ على إخوَّةِ فكرٍ سليمٍ صنديدٍ بتَجريدْ، وقلبٍ قويمٍ شهيدٍ بتَجديدْ، وحلمٍ حليمٍ بتَفنيدٍ وتَنديدْ، وبُعداً لزَمْهَرَةٍ في مصائدٍ للصفيرِ بتَرديدْ، وجَمْهَرَةٍ في موائدٍ للثريدْ بتَعبيدْ.

وسلامٌ عليكم أخوةَ النّملِ في كلِّ عيد، أعاده الله علينا جميعاً بظِلٍّ نديٍّ صفيٍّ سعيدْ، وبعفوٍ منهُ عليِّ وغفرانٍ، وبرضوانٍ منهُ أكبر، وسبحانهُ؛ هوَ أهلٌ للمغفرةِ، وأهلُ  للتوحيدْ، وأنّهُ هوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذَابَهُ أَلِيمٌ شديدْ.

كلُّ عامٍ والنَّملُ بحبورٍ وسرورٍ، وبرحماتٍ وبركاتٍ من الرحمنِ، نعمَ الوليّ هوَ، وهو على كلِّ شيءٍ شهيد.

وداعاً دِلدِلَ، فقد إشتقتُ لظلالِ نظراتِ أولادي بتنهيدْ، وكذلكَ لتلالِ نبراتِ زوجٍ رِّعْدِيدْ .

-وداعاً ياسيّدي العميدْ، يا توأمَ الحرفِ الفريد.

***

علي الجنابي - بغداد

..........................

* هذه صفحةُ مُقتَطَفَةٌ من مخطوطةِ كتابي المعنون: صديقتي النَّملة.. وإسمُ نملتي "دِلدِل.

 

في المثقف اليوم