أقلام ثقافية

رسالةٌ عراقية (1): من الرسائلِ الآشوريةِ القديمة

عبد يونس لافيوإنكَ –  يا ابْنَ عَمّي –

لَتقفُ ذاهِلًا لا تنبُسُ ببنتِ شَفَةٍ،

وأنت تتصفَّحُ الرسائلَ التي كان يتبادلُها العراقيونَ

 منذ أزمانٍ سحيقةٍ، وهي كثيرة.

هاتيك الرسائلُ

 نظَّمتِ العلاقةَ بين الأفرادِ والجماعات،

وأرْستْ دعائمَ المجتمع المُتَحَضِّر·

**

ومن هذه الرسائلِ

 رسالةٌ توقَّفتُ عندها ولك - إن شئتَ - أنْ تتوقف؛

إنها رسالةٌ مالية لاسْتيفاءِ قَرْضٍ ماليّ!

وكما يظهر في الرسالة

 أنَّ قرضًا كان قد مُنحَ لقاءَ أقساطٍ  كان ينبغي أن تُدفعَ في وقتها،

إلاّ أن المقترِضين

لم يكونوا ليوفوا قِسطًا واحدًا خلالَ ثلاثينَ سنة·

إليك عزيزي القارئ

 فحوى الرسالةِ العراقيةِ قبل آلافٍ السِّنين:

هذه رسالةٌ من

 شيلا ـ لابُم  (Silla – Labbum) 

وإيلاني (Elani)

أخْبِرْ كُلًّا من بوزور- آشور (Puzur – Aššur)

وأموا(Amua)

وآشور شمشي (Aššur – šamši):

منذُ ثلاثينَ عامًا كنتم قد غادرتم آشور،

ومنذ ذلك الوقت لم تودِعوا مبلغًا من الديونِ المستحَقَّةِ عليكم،

ولم نَسْتَعِدْ منكم شاقِلًا واحدًا من فِضَّة،

ومع ذلك لم نجعلْكم تشعرونَ بسوءٍ جرّاءَ ذلك.

**

لقد أرسلنا الرسالةَ تلوَ الرسالةِ،

نطالبكم بما هو مُسْتَحَقٌّ عليكم،

لكن دونَ جدوى،

لم نستلمْ منكم جوابًا،

ولقد وجهنا خطاباتٍ الى والدِكم

 بشأن هذه المُسْتَحَقّاتِ،

دون أن نطالبَ بشاقِلٍ واحدٍ

 من رصيدكم الخاصِّ من الفضة·

**

لطفًا عودوا حالًا،

وإنْ تعذَّرَ ذلك لانْشغالِكم في أعمالِكم،

أوْدِعوا الفِضَّةَ لِحِسابِنا في أماكنَ وجودِكم.

**

تذكَّروا أننا لم نكنْ لِنُعَكِّرَ شعورَكم بسببِ هذا،

لكننا نجدُ أنفُسَنا مُضْطرّينَ

أن نظهرَ في عيونِكم كرجالٍ إذا لم تفعلوا·

نكرِّرُها عودوا حالًا أو أوْدِعوا الفِضَّةَ لِحِسابِنا،

وعكس ذلك سنبعثُ إنذارًا من الحاكم المحليِّ والشرطة

سيضعُكم موضِعًا مُخْجِلًا

 بين أعضاء جمعيةِ التُّجّارِ،

وسوف تُحرَمون أن تكونوا أعضاءَ بيننا·

انتهت الرسالة!

**

عزيزي القارئ،

قبل آلافِ السٍّنين،

كان في العراق حكّامٌ محلِّيونَ وشرطةً،

وكان هناك نظامٌ للقُروضِ ومصارفُ وفروع،

بل كان هنالك جمعِيّاتٌ متخصِّصَةٌ للتجار،

وقواعدُ تُنَظِّم أعمالَها وشؤونَ أعضاءِها

بل تقومُ بتصنيفِ ائْتِمانِهم جَوْدَةً أو رَداءة،

نعم كان كلُّ ذلك وأكثر.

**

ونعم تَشْرَإبُّ أعناقُنا الى البُناةِ الأوائِلِ فخورينَ

ولكن لا نريدُ أن نفخَرَ بالماضي،

بينما نعيشُ ذِلَّةَ الحاضرِ،

وغيابَ رؤيةِ المستقبل!

**

أما آنَ لكُلِّ أبناءِ الأُمَّةِ أن يَنْتَبِهوا من غَفلَتِهِم،

لكي يحقّقوا رسالتَهم في إعمارِ الأرضِ،

ولكي يكونوا سادةً كما كانوا؟

أما آن لهذا العالمِ أن يُعيدَ الفضلَ لأهلِهِ؟

أيْهاهُ أيْهاه،

"لا يعرفُ الفضلَ لذوي الفضلِ إلاّ ذووه"؛ سلام.

***

عبد يونس لافي / العراق

 

في المثقف اليوم