أقلام ثقافية

طائر "القطا" في سماء الشاعر النواب

لميزاته المتعددة التي لا تجدها عند باقي الطيور، أحب العرب قديما  "طائر القطا" وأكثروا من ذكره في اقوالهم حتى صار ملهما لشعرائهم ومثيرا لشجون عشاقهم ، ومما يذكر عن الهامه ان قيس بن الملوح (مجنون ليلى) حين رأى سربا من القطا هاجت شجونه وقال:

بكيت على سرب القطا اذ مررن بي .. فقلت ومثلي بالبكاء جدير

أسرب القطا هل من معير جناحه .. لعلي الى من قد هويت أطير

 شغل هذا الطائر مخيلة الشعراء العرب وتغنى عدد منهم بجماله وضربوا بصفاته الأمثال ومنها حسن المشي بسبب تقارب خطاه حتى وصفوا مشيه بمشي النساء وهو ما جاء في البيت الشعري المنسوب لهند بنت عتبه في قولها :

نحن بنات طارق .. نمشي على النمارق .. مشي القطا الموانق

 وجاءت ايضا صورة مشي القطا عند الشاعر كميت بن معروف الأسدي في قوله :

يمشين مشي القطا البطاح تأؤداً .. قب البطون رواجح الأكفال

واذا أردن زيادة فكأنما .. ينقلن أرجلهن من أوحال

ولأنها تهتدي الى مواضع بيضها في المجاهل، وتعرف مواضع المياه فقد ضربت بدقتها الأمثال فقيل فيها (أهدى من القطا)، ولهذه الميزات وغيرها حلّق هذا الطائر الجميل في الفضاء الشعري للكبير " مظفر النواب " حيث وظفّ " طائر القطا " في عدد من الصور الشعرية المكتنزة بالدلالة والغنى المعرفي الذي يتمتع به الشاعر، ففي قوله (يا لعيناك فحل الگطه .. الگاطع چول) ينفرد النواب في كشف ميزة اخرى لهذا الطائر الجميل تتعلق بعيونه التي يستعيرها في وصف عيون الحبيب ، فالمعروف عن طائر القطا  انه لا يستطيع العيش الاّ اذا وجد الماء في نفس المكان الذي يعيش فيه ويضطره هذا الأمر الى السفر لمسافات طويلة وبعيدة تصل الى مسيرة عشرين ليلة بحثا عن الماء له ولصغاره ومن المؤكد ان هذه الرحلة الشاقة تحتاج الى عيون ثاقبة وحادة لكي تكتشف منابع الماء والواحات وهي تقطع الفيافي الواسعة ،  كما وظفّ النواب وفي صورة اخرى جمال تكوين جسم القطا ، ففي قصيدته  الذائعة الصيت "للريل وحمد" يصف اختباء صدر الحبيب النافر تحت انسدال الشعر الجميل اللامع أشبه باختباء القطا تحت اعواد السنابل وذلك في قوله (هودر هواهم ولك حدر السنابل گطه) .

***

ثامر الحاج امين

 

في المثقف اليوم