أقلام ثقافية

مظفر النواب واثره على نظم "الابوذية" (1)

راضي المترفيقبل ان تسطع شمس مظفر النواب الشعرية كانت قوالب الشعر الشعبي ومضامينه اشبه بخرافة مقدسة لايمكن الاقتراب منها او المساس بها حتى تحول الى رتابة مقيتة حد مجه المتلقي واصبح اقل القراء خبرة قادرا على تخمين ماياتي به اللاحق وكانت القصيدة الشعبية او الضروب الاخرى مشتتة الاغراض من دون ان تكون لها وحدة موضوع او صورة شعرية تتيح للقارئ التامل والابحار معها ومن هذه الضروب كانت (الابوذية) التي كانت غالبا بثلاثة جناسات متشابه باللفظ مختلفة بالمضمون واشبه ماتكون بالالغاز مع اختلاف المعنى بين شطر واخر وللتدليل سنرجع لاول بيت ابوذية مدون باسم صاحب الابوذية (العبادي) والتي سميت على اسمه في البداية (العبوديه) ثم حملت اسمها الاخر (الابوذية) والتي يفسرها البعض على انها آهات يطلقها شخص تعرض للـ (اذية) يقول العبادي ..

(عيوني عمن يبن امي على الراح

ابو ريج اليميزونه على الراح

مثل ماثبتن الخمسه على الراح

ثبت حبك بكلبي للمنيه)

وهنا لاتجد وشيجة قربى او مشتركات بين شطر واخر اللهم عدا الشطر الثالث و(القفل) اذ يشتركان بايصال معنى واحد من دون ان تكون له علاقة بالشطرين الاول والثاني وهذا تجده قاسما مشتركا لكل بيت ابوذية قبل وضوح معالم مدرسة النواب الشعرية وتاثر ناظمي الابوذية بها ولناخذ رد حسين العبادي على ابيه ..

(ادك تيول متعهد مردهن

جلاي برمشة عيونه مردهن

يوادم جان العبادي مردهن

توفى وذب طلايبهن عليه)

ولو دققت فيما نظمه حسين بن سيد حصموت الذي جاء بعد العبادي باكثر من قرن من الزمان لما وجدت اختلاف في النظم ..

(حركت اليابس بهجرك وناداي

وكل مغرم برت علته وناداي

يساير قف على البطحه وناداي

يسلمى حسين مشرف ع المنيه)

ومع ان للابوذية مشارب ومسارب واغراض تختلف من منطقة الى اخرى سلبا وايجابا واختلافا في المضامين مع توحد كامل في السياق والقالب فمثلا مدرسة (سوق الشيوخ) التي كانت اكثر المدارس شمولا وتنوعا بسبب استقرار المنطقة واعتبارها مقرا للشيوخ والاقطاعيين مما يتيح لها نوعا من الرخاء تفتقده المناطق التي تعيش غارات وحروب بين عشائرها لذا حملت ابوذياتها مطاردات ومطارحات شعرية والغاز ولوعات عشق وشكوى والهين على عكس مدرسة علي الغربي وسوق جنديل التي كانت ابوذياتها اما رسائل حربية او تسجيل انتصارات في غارة على عشيرة اخرى ..

(انه نكره ونكير ومنكراني

وللديان واجب منكراني

كبلك يافريح منكراني

مرمر والمساحي انثنت بيه)

وكان هذا البيت ردا على هذه الرسالة ..

(بعزم الله لضربك بيس واكراك

واحرمك من لذيذ الوسن واكراك

بعون الله لاوجر رفوك وكراك

واهلس ريش جنحانك بأديه)

في حين شابهت مدرسة (المجر) مدرسة سوق الشيوخ ومدرسة العمارة المدينة بالاستقرار لكن مدرسة المجر اندفعت نحو الطرب والتطريب اكثر من غيرها في حين حمل طابع مدرسة العمارة طابع المدينة المترف خصوصا بعد ان برز الكثير من الناظمين بين الصاغة من الصابئة وربما اعلاهم ذكرا الناظم (عباس عماره) ..

(اريد امشي واعاشر زول ورده

على الماوردت بتيموز ورده

اكطفها وياك يبن الجلب ورده

وكطاف المستوي يبطي عليه)

او

(خف عكلي يبو عريبي وجنه

وحين الخفكن عمده وجنه

شفت برزخ بخصرينه وجنه

ونمت نومه على ذراعه هنيه)

لكن لم تشذ مدرسة من هذه المدارس عن القواعد الثابتة لنظم الابوذية والتي كان من اهمها ان لايتشابه (جناسان) في المعنى ومن هنا جاء تصنيف الابوذية ببيت (فحل) واخر عادي لكن تبقى مدرسة العمارة هي الاقرب الى نهج مظفر النواب في طريقة نظم الابوذية .

***

يتبع

راضي المترفي

في المثقف اليوم