أقلام ثقافية

مقداد جاسم جمعة.. شاعر مهم اختار العزلة

ثامر الحاج امينشهدت ساحة الشعر الشعبي العراقي في عقد السبعينيات وما قبله ظهور تيار شعري جديد تبنى كسر القواعد الشعرية القديمة وخلق قواعد تقوم على اسس جديدة من حيث الشكل والمضمون والصورة والمفردة والابتكار في النسق وكان رائد هذا التيار الشاعر الكبير مظفر النواب، رافق ذلك ظهور اسماء شعرية لامعة حققت حضورا متوهجا في ساحة الشعر الشعبي العراقي، البعض منها واصل العطاء والحضور المستمر في المحافل الشعرية وصار اسما يشار اليه بالبنان فيما للأسف انكفأ البعض الآخر مبكرا وآثر العزلة لأسباب شخصية ولكن ظل صدى شاعريته يتردد في فضاء الشعر من خلال القصائد التي تركها طرية في اذهان الكثيرين من متابعي مسيرة القصيدة الشعبية ومن بين هذه الاسماء الشاعر (مقداد جاسم جمعة)، فهو واحد من الأسماء الشعرية المهمة التي ظهرت في ذلك الوقت، وكان بعطائه مؤهلا ان يصطف الى جانب الشعراء الكبار لو انه لم يختار العزلة بعد فترة قصيرة من اشراقته التي أطل بها على الساحة الشعرية بقصائد تفصح عن امكانية شعرية ذات مواصفات فنية عالية ومنها قصيدته الذائعة الصيت (سراديب) الذي حاول فيها مجاراة قصيدة (الخرانيب) للشاعر عبد الواحد معلة من حيث اسلوب النظم والمضمون فجاءت كقرينتها محملة بالعتب ولوم النفس والصبر على ظلم ذوي القربى والتي يقول في مطلعها:

مثل گاع النجف صدري سراديب...

وسيع وبالشدايد ما تعذر

گضيت أيام عمري بسيل تغريب...

يدنيه ولا شفت منچ فجر طر

وكذلك في قصيدته (رضاب الكاس) التي رد فيها بذات النسق الشعري على قصيدة الشاعر سعدي المصور حيث يقول المصور في قصيدته الخمرية:

إترك ْبگايا الكاس يا صاحبي..

وبْعَثْ علينا من شفافك نسم

واطلب أنا گايل يولفي اشتبي..

حتى ابعهد يقظه يصير الحلم

حيث جاء رد الشاعر مقداد في قصيدته " رضاب الكاس " معاكسا لدعوة المصور:

إرشف رضاب الكاس يا صاحبي..

خلينه نتهنه بليالي العمر

بينه أشعليها الناس منّه اشتبي..

احنه نعَرفْ الينفع من اليضر

 مؤخرا اهداني الشاعر مقداد جاسم مخطوطته الشعرية التي ضمت أكثر من (1500) بيت من الشعر الدارمي وقد تناول فيها اغراضا متعددة وجدتها جديرة بالسياحة في عالمها المتعدد الألوان والمواقف وكان فيها للأم حصة كبيرة حيث وجدها الشاعر أهلا للتبجيل والتقديس فأهدى لها لمناسبة عيدها حزمة من الدارميات اذكر منها:

درة انتي بالميزان كلّش ثجيله...

الجنّه يمه وياچ كلّش قليلة

للأم ذهب تمثال ينحط على الروس..

مدرسه ومنها الناس تتعلم دروس

الأم حديقة بيت شوفتها جنه.. ومن عدها دوم تفوح رياح اهلنه

كما خص المعلم في مخطوطته المذكورة بمجموعة من الدراميات مشيرا فيها الى منزلة المعلم وسمو رسالته وفضله على الأجيال:

منك عرفنه اسرار الدنيه والكون...

شما رادوا يزغروك تكبر بالعيون

والله الك بالروح خلينه تمثال..

وبعيدك معيدين يمربي الأجيال

وله ايضا في ميدان الغزل صولات وجولات يظهر فيها ذلك العاشق المتيم بجمال الحبيب واصفا طلته بأرق وأعذب الأوصاف:

من تجبل من بعيد العنبر يفوح...

من حگ تريد تصير ماصخ يمملوح

شوفتكم هلالين هلّن عليه..

أضحه وفطر عيدين طبگن عليه

وي روحي اسولف بيك يا سلوة الروح..

أتسودن من تغيب عن عيني وتروح

يالوسط گلبي تبات يالتسري بالدم..

بالمبعد اعله هوالك چايمته نلتم

بيه شعمل فرگاك يمي اگرب وشوف..

بلچي الله من يهديك اتسوي معروف

كما تناول بتهكم وسخرية حال المرشحين للانتخابات البرلمانية مشيرا الى سمعتهم ونفاقهم:

ردت انتخب هميّت دوّرت الوجوه...

ياهو الأشوفه الگاه طاريه مكروه

من كوكب المريخ لوجبنه نواب..

بالمجلس يسيرون ابراي الاحزاب

چانت تصلي الناس بس لله ركعات..

وگامت تصلي اليوم للانتخابات

ويحكي بحرقة عن حال البلاد لما ألت اليه الأوضاع من خراب وانفلات وغياب الروح الوطنية بسبب تسلط الجهلة ومعاتبا الوطنيين الذين تركوا البلاد نهبا لمطامع اللصوص والغرباء:

العاقل بهذا اليوم من يصفن يشيط...

دنيانه لعبه تصير بيد الزعاطيط

مْن الظلمه اجونه بليل مثل الخفافيش...

فلشوّا كل بنيان باعونه تفليش

غزلك تعوفه شلون وعيونك تنام..

ينلعب بي لو بات ابحضرة ايمام

ويؤكد في بعضها ثباته الراسخ على حب الشعب والوطن رغم المحاولات التي جرت لحرفه عن وطنيته:

شما رادوا يغيرون فكري الأعادي...

اعزاز وتظل اعزاز اهلي وبلادي

كما يخصص عددا كبيرا من أبياته للعتب على ناكري الجميل:

روحي الك عت مجنون گامت تعتني...

بغالي اشتريتك دوم وانته البعتني

الدنيه بس وياي عزّت مطرها..

وزخّت على البذات غيمه شكبرها

كل ساعه روحي عليك يمدلل تشيط..

تلعب گمت وياي لعب الزعاطيط

ويخص شاعر الشعب عريان السيد خلف بعدد كبير من الأبيات، فعندما تعرض الراحل لحادث السيارة المشؤوم قال فيه:

الشعر شعبي انصاب سوره وعميده..

احفظ يرب البيت رب القصيدة

ابكل گلب عريان شاتله سباح..

طاحت گلوب الناس من ع الجسر طاح

وعندما فاضت روح عريان الى بارئها نزف الشاعر مقداد ابياتا من الدارمي تقطر حزنا على رحيله:

حزنت الحسچه وفار تنور الأحزان...

وعين القوافي دموع تبچي اعله عريان

مات ويظل عريان بالدنيه عنوان..

كل الانس يقرون بشعاره والجان

شلون المِثلْ عريان نايم بالگبور..

عاتبوا ملچ الموت گال اني مامور

كما انبرى الشاعر لمجاراة عدد من ابيات الدارمي الشهيرة والمجهولة القائل، فهو يرد على بيت الدارمي القائل (كلش گصيرة وياي دشداشة الذل.. ألبسها گلي شلون وانه أطول الكل) بقوله:

موش الك يالمهيوب دشداشة الذل..

ملبوسك العز دوم وانته أطول الكل

 وفوجئت بتضمن المخطوطة رسالة طويلة كتبها لي مهنئا فوزي برئاسة اتحاد ادباء الديوانية في دورة 2018 معززا اياها بعدد من ابيات الدارمي جاء فيها:

أهل الأدب رادوك كلهم سويه..

چي زاخر اختاروك الها القضية

اليوم الأديب اختار برحي من العثوگ..

تاج الشعر مبروك الثامر يلوگ

 وفي الأخير أجد من الصعوبة الاحاطة بكامل محتوى المخطوطة التي وذلك لتعدد الاغراض والمواقف التي تناولتها شعرا ولكن حاولت في هذه الاضاءة التوقف عند أبرز المحطات فيها متمنين للشاعر مقداد جاسم جمعة العطاء الدائم.

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم