أقلام ثقافية

بيت بوشكين في اكاديمية العلوم الروسية

ضياء نافعولد بوشكين عام 1799، وقد احتفلت الامبراطورية الروسية عام 1899 بالذكرى المئوية الاولى لميلاده، وفي تلك الاحتفالات المتنوعة في روسيا ظهرت فكرة تأسيس (بيت بوشكين)، او، حسب الترجمة الحرفية - (البيت البوشكيني)، اعتزازا بابداعه وحفاظا على قيمة هذا الابداع ومكانته واهميته في تاريخ الفكر الروسي عموما، وقد حظيت الفكرة بعدئذ بدعم وتأييد الدولة الروسية ورعايتها، ووصل الامر الى صدور موافقة تحريرية (وأمر اداري تفصيلي بشأن تنفيذها وتحقيقها وتمويلها) من قبل القيصر الروسي نيقولاي الثاني نفسه (آخر قياصرة الامبراطورية الروسيّة كما هو معروف).

الفكرة بدأت عندما تمّ جمع اكثر من (700) مادة متحفية ثمينة ماديّا ومعنويّا، وترتبط (بشكل مباشر او غير مباشر) ببوشكين ومسيرة حياته وابداعه، وذلك لغرض تنظيم معرض خاص بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده، وبدأ الحديث آنذاك عن ضرورة اقامة تمثال جديد لبوشكين في هذه المناسبة، وقد اقترح رئيس اكاديمية العلوم الروسية عندئذ تشكيل لجنة خاصة من المثقفين الروس الكبار لمناقشة موضوع التمثال، واثناء سير المناقشات وتشعباتها في جلسات تلك اللجنة ولدت فكرة جديدة كليّا، وهي تاسيس (بيت بوشكين) بمثابة متحف او مركز ادبي يجمع كل المواد الارشيفية المرتبطة ببوشكين (وبقية ادباء روسيا في القرن التاسع عشر)، وذلك تخليدا لهم وحفاظا على تلك المواد الثمينة من الضياع والتلف اولا، ولدراستها وتحليلها من قبل المتخصصين ثانيا نظرا لاهمية تلك المواد لتدوين تاريخ ومسيرة الادب الروسي، وحدث ذلك يوم 15 ديسمبر/ كانون الاول عام 1905، ولهذا تم اعتبار هذا اليوم - تاريخ تأسيس (بيت بوشكين) منذ ذلك الحين والى يومنا الحالي، وقد وافق القيصر عام 1907 على تمويل هذا المشروع المهم من قبل الدولة الروسية كليّا، بما فيها - جمع كل ما له علاقة بحياة بوشكين وابداعه وحفظها هناك، وكذلك جمع كل ما له علاقة بحياة وابداع الادباء الروس الكبار الآخرين لنفس الغرض النبيل هذا . وكانت مكتبة بوشكين طبعا اول خطوة تطبيقية في هذا المجال، وتم شراء هذه المكتبة فعلا باكملها من قبل الدولة،وتمّ وضعها في (بيت بوشكين)، كبداية لتأسيس مكتبة عامة في ذلك (البيت !)، واعقبت تلك الخطوة التخطيط لشراء مكتبة اخرى اسسها أحد المواطنين الروس، الذي كان معجبا جدا بابداع بوشكين لدرجة انه أطلق على نفسه لقب (اونيغين)، اي مثل لقب بطل الرواية الشعرية لبوشكين (يفغيني اونيغين)، وقد هاجر هذا المواطن الروسي في حينها للعيش في باريس، وهناك أقام متحف لبوشكين في شقته الباريسية، وهو أول متحف لبوشكين بشكل عام، والذي عرض فيه كل ما حصل عليه حول بوشكين، واهمها طبعا الكتب التي نشرها بوشكين نفسه وكل المؤلفات حوله، والتي جمعها طوال حياته، وتمّ فعلا شراء كل محتويات ذلك المتحف وحسب الشرط الذي وضعه اونيغين نفسه، وينص هذا الشرط على استلام كل تلك الكتب بعد وفاته، وقد توفي اونيغين عام 1925، وتمّ نقل تلك المكتبة الثمينة عام 1928 من ذلك المتحف في باريس الى بيت بوشكين في روسيا، وتوسّع مشروع (بيت بوشكين) هذا، وضمّ بعدئذ مكتبات ومخطوطات ومسودات كل من تورغينيف وليرمنتوف ونكراسوف وتولستوي ودستويفسكي، وقررت الدولة السوفيتية تحويّل بيت بوشكين عام 1930 الى (معهد الادب الروسي) في اكاديمية العلوم، مع الاحتفاظ بالاسم التاريخي له، وهو بيت بوشكين، وهكذا اصبح يسمّى منذ ذلك التاريخ ولحد الان – معهد الادب الروسي (بيت بوشكين) في اكاديمية العلوم الروسية .

معهد الادب الروسي (بيت بوشكين) في اكاديمية العلوم الروسية يقع في مدينة بطرسبورغ الروسية، وهو معهد بحوث ودراسات تابع لوزارة العلوم والتعليم العالي الروسية، ويحتوي هذا المعهد على اقسام علمية – بحثية عديدة، وتوجد فيه مراكز علمية ومجاميع متنوعة وعدة مختبرات، ومتحف أدبي فريد من نوعه، وقسم فخم للمخطوطات والتسجيلات (بما فيها تسجيلات فولكلورية لشعوب العالم)، وقد أصدر هذا المعهد الكثير من الكتب والمصادر الاكاديمية في الادب الروسي، منها مثلا (وليس حصرا) - مجلة فصلية تصدر منذ عام 1958 ولحد الان دون انقطاع (اي طوال 64 سنة)، واسم المجلة – الادب الروسي، وتعد هذه المجلة واحدة من أشهر المجلات الاكاديمية العلمية المعتمدة بروسيا في مجال دراسات الادب الروسي بمراحله كافة (من الادب الروسي القديم الى الادب الروسي المعاصر)، وتشترك في هذه المجلة معظم اقسام اللغة الروسية وآدابها في الجامعات العالمية، وأصدر المعهد (62) مجلّدا من أعمال قسم الادب الروسي القديم ، و(33) مجلّدا للفلكلور الروسي، و(40) مجلّدا بعنوان بوشكين ومعاصروه ...و.. و.. و..، ولا مجال هنا لذكر الندوات والؤتمرات العلمية العديدة جدا، التي قام هذا المعهد بتنظيمها حول الادب الروسي طوال كل هذه السنين ...

معهد الادب الروسي (بيت بوشكين) في اكاديمية العلوم الروسية – مثل رائع يُحتذى به عالميا، ولكل الشعوب، لدراسة آدابها وتوثيقه، وما أحوج أدبنا العربي العملاق الى مؤسسات أكاديمية مماثلة .....

***

أ. د. ضياء نافع

 

في المثقف اليوم