أقلام ثقافية

ضحايا الوهم

ثامر الحاج امينيشكّل الانتظار قاسما مشتركاً بين الأمل والوهم ولكن بين الاثنين فارق كبير يتعلق بإمكانية بلوغ الهدف، فالأمل ممكن تحقيقه بالاجتهاد والصبر بينما الوهم هدف غير قابل للتحقيق مهما بلغ فيه الصبر وجسامة التضحية، لذا هناك الكثير ممن أضاع حياته ومستقبله في متاهة الوهم، ورغم تعدد الفلاسفة الذين قالوا في محاسنه ومنهم الفيلسوف الفرنسي فولتير الذي اعتبر الوهم يحتل صدارة المتع الا ان علم النفس يصف مرض الوهم والتخيلات على انه اضطراب ذهني حيث يفقد فيه الشخص القدرة على تمييز الواقع والوهم، ومن مخاطر هذا المرض انه يقود في بعض الاحيان الى تصرفات عدوانية قد تضر بالمريض نفسه او في البيئة التي يعيش فيها، وهذا الداء لم يكن اكتشافا حديثا انما يعود الى قرون عديدة فالشاعر الانكليزي "جيفري تشوسر" مؤلف (حكايات كانتبري) الذي عاش في القرن الرابع عشر يذكر هذا المرض في قوله (يا لقوة الوهم! الناس سريعو التأثر لدرجة انهم قد يلقون حتفهم من مجرد خيال)، ولا ننسى ان نفرق في هذا المجال بين مرضى الوهم وبين مدعي النبوة والألوهية الذين ظهروا في مراحل متعددة من التاريخ الاسلامي حيث يمثلون هؤلاء ظاهرة دجل اكثر منها لوثة عقلية او مرض نفسي اصاب اصحاب هذا الادعاءات .  

خلال عملي الوظيفي بصفة مشاور قانوني صادفتني قضايا ومواقف غريبة وعجيبة منها ما يتعلق بمرض الوهم، ففي أحد الايام التي اشتدت فيها هجمات د11ش في العراق والتي طالت الاسواق والتجمعات والاضرحة اتصل بي مركز شرطة احد اقضية المدينة طالبا حضوري لتدوين اقوالي في حادث ارتكبه احد السائقين التابعين للدائرة وعند وصولي المركز واطلاعي على أوراق القضية وبضمنها اقوال السائق التي دونها في التحقيق تبين ــ وحسب اقواله المدونة ــ انه بينما كان يقود سيارته بالقرب من أحد الأضرحة أتاه صوت من الغيب يبشره بأنه أصبح أحد الأولياء الصالحين وعليه الانطلاق بسرعة الى الضريح القريب منه ليعلن من حضرته هذه البشرى وقد استجاب السائق لهذا النداء وانطلق سريعا صوب ضريح الامام مقتحما موانع السيطرة المسؤولة عن حماية الضريح مما دفع الحماية الى امطاره بالرصاص الحي والتمكن من ايقاف السيارة على مقربة من الضريح بعد ان أثار الرعب والذعر في نفوس الزائرين الذين كانوا يتخذون من الساحة المحيطة بالضريح مكانا للاستراحة والغريب ان كل وابل الرصاص الذي نخب بدن السيارة واطاراتها لم تنل جسمه رصاصة واحدة بالرغم من انها وجهت اليه ومرّت من جانب رأسه واخترقت الزجاجة الأمامية وقد اكد لي السائق هذه الرواية عندما زرته في التوقيف بعد مرور ساعات على الحادث واستقرار حالته النفسية، يذكر ان السائق كان انسانا وديعا وعلى درجة من الخلق وشديد الانغمار بالطقوس الدينية وقد كلفه الحادث ان لجنة التحقيق قد أوصت بمنع قيادته للسيارة في المستقبل وترتب على ذلك حرمانه من المخصصات المتعلقة بالمهنة وكل ما جرى له من ذلك الحادث كان بسبب مرض الوهم .

***

 ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم