أقلام ثقافية

ألفاظ خطاب الحيوان فى العربية

ايمن عيسىالإنسان فى نشاطاته اللسانية لم يكتف بالتواصل مع بنى جنسه فقط. بل إنه امتد ليتواصل مع عدد من الحيوانات الموجودة فى الطبيعة والتى تعيش معه فى نفس البيئة أو يعتمد على بعض منها فى حياته. من هنا كان ابتكاره لبعض أصوات ذات دلالات يتواصل بها مع الحيوان ويستعملها وسيلة تواصلية معه، هذه الأصوات تشكل كلمات ذات معنى ودلالة. ولا نجد لغة على سطح الأرض إلا ولها قاموسها الخاص من الكلمات التى يخاطب بها أفراد الجماعة اللغوية ما يعيش معهم أو حولهم من حيوانات.

واستنادا إلى قاعدة القياس الاستدلالى، فإنه يمكن القول إن ابتكار أصوات تشكل كلمات يخاطب بها الإنسان الحيوانات، إنما هو نشاط لسانى منذ نشأة الخليقة على سطح الأرض. ويأخذنا العجب حين نرى استجابة الحيوان لهذه الكلمات وكأنه يفهم معناها ويعيها جيدا، فيُنفـِّذ ما يقوله الإنسان أو ما يعنيه من دلالة. والحقيقة العلمية هنا أن الحيوان لا يستجيب للكلمة وإنما يستجيب للإشارات الجسمية المصاحبة للكلمة، أو يرتعد من الزجرة الصوتية العنيفة التى تخرج بها الكلمة

مثال ذلك أنك حين تقول لقطة " بـِس "، فإنها تجرى من أمامك، لسبب من السببين، أو للسببين معا. فإما لإشارتك وحركتك الجسمية التى صاحبت قولك، وإما للزجرة الصوتية العنيفة التى قلت بها اللفظة. وقد يكون للسببين معا، وهذا هو الغالب. وكذلك حين تقول للكلب " جـِر "، فإنه ينفر من أمامك لنفس التفسير السابق.

ويمكن لأى واحد إجراء هذه التجربة الصوتية عمليا، فلو أن قطة جاءت إلى جوارك وقلت لها " بــِس " دون حركة جسدية وفى هدوء صوتى. فانظر ماذا تكون نتيجة التجربة، نجد القطة لا تتحرك بل تظل مستمرة فى المواء أو فى خط سيرها دون أن تعبأ أو تكترث بما قلت لها، ولو قلت لها ألف " بس " على هذه الحالة فإنه لا يتغير شىء فى النتيجة.

إذن الحيوان لا تحقق معه الكلمة أثرها إلا للتفسير الذى ذكرنا. ولا يجدى معه أثرها إلا إذا أخضعته لعملية تدريب ولابد فيها من استخدام الإشارات الجسمية والطبقات الصوتية المختلفة التى تصحب معنى كل كلمة تقولها له.

بعد ذلك يمكن أن تقول له أى كلمة حتى من ألفاظ البشر فينفذها، ذلك لأنك دربته عليها، فيمكن أن تقول له " تعال " أو " اذهب " أو أن يحضر لك شيئا. والدليل على ذلك ما نراه فى ترويض الأسود والوحوش، فالمدرب يقول كلمة فينفذها الحيوان، إذن التدريب هو ما يجعل اللفظة تقع على معناها عند الحيوان ويفهمها، أما غير ذلك فإن استجابته ليست للكلمة وإنما لما ذكرنا من أسباب.

ومن الكلمات التى استعملها العرب فى خطابهم مع الحيوان، نجد:

للإبل: لزجر الإبل تقول العرب " عه عه " أو " حاى ". ولإناختها أى بروكها، تقول " نخ نخ ". ولتسكينها عند حلبها، تقول " بَس "، وكذلك استعملوها فى استدعاء الناقة أو الشاة للحلب. واستعملتها قبائل بفتح الباء وأخرى بكسرها.

للبغل: لزجر البغل، قالوا " عَدسْ ". واستعمل اللفظة الشاعر الأموى أبو المقدام بيهس الجرمى، فى شعره، قائلا:

ألا ليت شعرى هل أقولن لبغلتى عدسْ بعدما طال السـِّفارُ وتحلـَّتِ

للكلب: لزجر الكلب، يقولون " جـِرْ "، ويقولون " هَجْ ".

للقطة: لزجر القطة " بـِس ". وقد تستعمل عند البعض للاستدعاء والمجىء، فهى تستعمل فى الضدين حسب طبقة الصوت، إلا أن الغالب أنها للزجر.

للغنم: لتسيير الغنم ودفعها للمشى، يقولون " هِرْ "، وكذلك تقال هذه اللفظة لتجميع الأغنام إلى الطعام. ولتجميعها على الماء يقولون " بـِرْ ". ولجعلها تصطف فى صف واحد يقولون " سِكْ "، وهى مأخوذة من بيوت سكاك أى مصطفة، والسكة هى السطر المصطف من الشجر، من هنا أخذ العربى كلمة " سك " للأمر بالاصطفاف للأغنام.

ونلاحظ أن من هذه الكلمات التواصلية السابقة، ما يستمر استعماله حتى اليوم ويجرى على الألسن، ومنه ما ندر أو لم يعد له استخدام. ومنها ما حمل معنى الضدية اللغوية مثل " بس " التى هى للزجر وللاستدعاء فى استعمالها مع القطة. وهذه الكلمات السابقة فى معظمها إن لم يكن كلها، قد جاءت على صورة الأمر.

وختاما فإنا نرجو أن نكون قد حققنا قدرا من الإفادة للقارىء، وأن نكون قد أسهمنا فى تحديد رؤية إعرابية للكلمات التى عرضناها، وألا نكون قد وقفنا عند حد البحث اللسانى فقط.

***

د. أيمن عيسى - مصر

في المثقف اليوم