أقلام ثقافية

أشقّاء وشقيقات (1)

عمار عبدالكريم البغداديحينما نتحدث عن الشقيق أو الشقيقة فإننا نصف ركنا مفروضا من أركان ذواتنا، وسعيد من أدرك أحدهما او كلاهما بوصف الدعامة الراسخة التي يتكئ عليها في أصعب الأوقات .

شهرزاد: أجده حديثا محرجا، فمهما حاولنا أن نضع الرموز او الكنى او الألقاب فحديثنا لا يعدو أشخاصا قلّة حملتهم بطون أمهاتنا وقاسمونا رعاية الوالدين، لكنني أتساءل دائما، ماالذي يجبرنا على علاقة وطيدة لم تكن من إختيارنا او إختيار الطرف الآخر؟ .

شهريار: إنه القدر ياشهرزاد نحن لم نختر آباءنا ولا إمهاتنا، ولا أسماءنا ولا بيئتنا التي نعيش فيها عقدين من الزمن على أقل تقدير، فكيف لنا أن نختار أشقاءنا وشقيقاتنا؟، هي علاقة مفروضة بكل المقاييس لكن جذورها المشتركة، آحلام صباها المتشابكة، آلاما وحسرات طالت الجميع، مخاوف دقت لها القلوب مجتمعة، أفراحا تبسمت لها كل الشفاه ، وهموما تقاسمتها الصدور بالتساوي ، كل ذلك وأكثر يجعل لتلك العلاقة المفروضة قيمة عليا لمن أدرك أن جينات أبيه، وحليب أمه يسير في شرايين شقيقه وشقيقته.

ولم يعد خافيا علينا ما ذكرناه مرتين فيما سبق، عندما تحدثنا على الوعي فوق الحسي الذي يقول عنه علماء النفس:" أن الأفراد من ذوي الروابط الإنفعالية القوية لديهم فرصة أعظم لتحقيق التواصل النفسي فوق الطبيعي، او مايسمى (الوعي فوق الحسي) "، وان كان الوالدان أشد قربا الى هذا الأحساس الذي يربطهما بأولادهم وإنْ كانوا على بعد مسافات شاسعة عنهم، ويشعرهما بأي خطر داهم، أو همٍ قائم، أو راحة وفرح يحيط بأولادهم، فإن للأشقاء والشقيقات نصيب منها، تلك الإنفعالية القوية، وكل هذه الصفات الخَلقية، وظروف الحياة المتطابقة، والكنز الأعظم المشترك (الوالدان)، أسباب في غاية الأهمية لتكون محبة الأخوة والأخوات أمرا بديهيا، لاغنى لنا عنه، مهما فارقت بيننا أسباب الحياة، وجرحت عواطفنا القساوة والأطماع والتقلبات، فهي ركن شديد نأوي إليه في الأتراح والملمّات .

شهرزاد: تتحدث دائما عن وصفات مثالية لعلاقة يفتقد إليها الكثيرون، وطالما سمعتُ أناسا يقولون: (أخي في الهوية فقط)، لكنني أتساءل: هل يكفي ماذكرتَهُ لدوام المحبة مع الأشقاء والشقيقات؟.

شهريار: نحن نعيش معاً في بيت واحد، وقد نتنافس على كل شيء من دافع ( الأنا)، حتى على محبة والدينا، وليس غريبا أن يحدث جدل أو خصام بين شقيقين أو شقيقتين ، او شقيق وشقيقته، ولا يختصر ذلك على مراحل العمر المبكرة، بل إن الأمر قد يمتد الى آخر أيام حياتنا، وأسوأ تنافس ذلك الذي يقطع حبال المودة حينما يجلس (الإخوة والأخوات) لتقاسم الإرث، وكم ضيّعتْ الدنيا روابط الأخوة المقدسة تحت طاولة المال؟، عجبا كل العجب أن النفوس المتكاتفة المتحابة والمترابطة بكل تلك المعاني المقدسة تبيع كل شيء مقابل (غنيمة فاسدة) تظلم بها تاريخها وأصولها، وذكرياتها، وأحلام طفولتها، وحتى جيناتها ودماءها !.

في صباي كنت أحضر مع والدتي مناسبات عائلية في منزل أحد أخوالي او خالاتي،وطالما ساورني العجب العجاب وأنا أرى أثنين منهما لا يسلمان على بعضهما، فأسأل أمي: ماسبب هذه القطيعة؟! .

ولا أذكر مرة إنني حصلت على إجابة وافية، وعندما كبرتُ إنهالت عليّ الردود المقنعة من كل صوب، إنها (الأنا المتعالية) ياشهرزاد، تطيح بكل ماسواها، وأنها لتجد السبيل الى القلوب أسرع حينما نتحدث عن علاقة (مفروضة) مهما علا شأنها وسمتْ صفاتها.

شهرزاد: وكيف السبيل يارجل المحبة إذا كانت (الأنا المتعالية) تهدم معاني الأخوة بين الأشقاء والشقيقات؟ .

شهريار: هذا حديث طويل وسأجيبك في المرة المقبلة

***

بقلم : عمار عبد الكريم البغدادي

..............................

 * من وحي شهريار وشهرزاد (64)

مقتبسات من مؤلفي: شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة

 

في المثقف اليوم