أقلام ثقافية

أشقّاء وشقيقات (2)

عمار عبدالكريم البغداديشهريار: وعدتك ياشهرزاد بالاجابة عن سؤالك في آخر حديثنا السابق عن حل لمواجهة (الأنا المتعالية) التي تهدم معاني الأخوة بين الأشقاء والشقيقات.

وأقول: إننا من حيث ندري أو لا ندري نعول على الترابط المفروض في علاقتنا مع أشقائنا وشقيقاتنا، كأننا في جزيرة معزولة مهما بعد أو قرب كل فرد فيها، فإنه لن يغادرها الى البحر فيغرق،ذلك الآمان الزائف بإستمرار معاني الأخوة يجعلنا قساة القلوب على بعضنا، إلا من رحم الله، كأننا نردد على أنفسنا أسئلة متشابهة: ماالذي سيتغير إذا خاصمني أخي أو لا؟، ماالفائدة اذا تصالحت مع أختي؟، مازالت أمي تفضل شقيقي الأكبر فلماذا أفكر بالإعتذار منه؟.

تلك الأسئلة وغيرها تبرر لنا من قريب أو من بعيد بعض سلوكيات الجفاء التي نعامل بها بعضنا تحت سقف واحد.

والأجوبة الشافية للأسئلة المتجاهلة لمعاني المحبة المقدسة بين الإخوة والأخوات يحملها مركب واحد تتقاذفه بحور الحياة، ويقف كل راكب فيه بمقدمته، أو بأحد جانبيه بعيدا على الآخرين، حتى يتهاوى الجميع الى المؤخرة بمجرد أن يواجه المركب موجة عاتية، ويبدأ التكاتف من جديد، وتنطمر الأنا المتعالية تحت تلك الموجة، ويسعى كل واحد منهم الى إنقاذ المركب من الغرق، وتلتف الأكف على بعضها لتمسك بالسارية، ويتقاسمون مهمات التوازن بحماس كبير، فإذا سكنت الموجة عاد كل واحد منهم الى ركنه البعيد.

كأننا نسخر من ذواتنا عندما نطمئنها بفلسفة الجزيرة الواحدة التي لن يغادرها أحد وننسى أو نتناسى إن مياه البحر،إذا علت، لن ترحم أحدا، وستغرق الجميع في لحظة واحدة، ولعلك ياشهرزاد تدركين هذه المعاني في دموع أنسان رحل شقيقه او شقيقته الى العالم الآخر وهو على خصام معه أو معها.

وقد يقول قائل: إن هذا الوصف ينحصر بعقد أو عقدين يعيش فيهما الأخوة والأخوات تحت سقف واحد، ومن بعدها يشق كل فرد منهم طريقه بعيداً عن الجزيرة الأم ويسكن جزيرة أخرى، ويعيش في كنف عائلة جديدة يكون هو أحد أركانها،وهو رأي سطحي يغفل عن مقاييس السمعة الواحدة، والشرف الواحد، والهم الواحد، ببساطة مازالتْ شقيقتي التي تطلب الدعم والمساندة إن أحست بظلم من زوجها، أو عصيان إبنها الشاب الذي لا تقوى على أقناعه بأمر ما تراه يصب في مصلحته، ومازلتُ شقيقها الذي يلجا إليها لطلب العون في مناسبة مفرحة،أو يحل ضيفا عليها حينما يخرج من بيته مغاضبا، أو يطلب نجدتها لإصلاح ذات بينه مع زوجته.

وهكذا كلما زاد وعينا أدركنا عمق تلك العلاقة المفروضة التي لا إنفصام لها إلا بسيف ظلم بتّار، أو كِبْرٍ جبار يقتلع الشقيق أو الشقيقة من جذورهما العتيدة.

ألآن بعد أن علمنا بأهمية تلك العلاقة دعيني أجيبك عن سؤالك ياشهرزاد: ألم نقل آنفا أن نهر المحبة يجف من غير إطلاقات تروي مجراه؟، وإن الإختلاط الدائم والتنافس على تفضيل الوالدين، وربما التنافس في ميادين العلم والتفوق يخلق حالات من التوتر والزعل، وكل ذلك تحت وطأة الأنا المتعالية، وإنني أخاطب هنا كل شقيقة أو شقيق عالمٍ بأن الأخوة والأخوات نجوم لامعات في سمائه يهتدي بها في الليالي المظلمات، وإنهم لينافسون الصديق الصدوق في تلبية نداء الإستغاثة وربما يتفقون عليه فهم يملكون من حاسة التواصل فوق الحسي التي تؤهلهم الى سماع النداء قبل أن تنطلق به حناجرنا.

ولي أختان مامررت بضيق إلا وبلغهما الخبر في منامهما، وتسابقتا بالإطمئنان عليّ وإنْ كنت قاصدا إخفاء أحوالي عن الجميع.

أن إدراكنا لعظيم معنى الشقيق والشقيقة يجعلنا حريصين على أطلاقات محبة دائمة ترطب الأجواء، وتمتص الشحنات السلبية، وتلتمس لنا الأعذار في أوقات الخصام، ولعلَ من أعظم إطلاقات المحبة في نهر الأخوة والأخوات أن لا ينام أحدنا ليلته من غير أن يصلح ذات بينه مع شقيقته التي تنام في الغرفة المجاورة، أو شقيقه الذي يعيش في بلد آخر.. ويكفي أن نقول: أحبكَ أخي.. أحبك أختي، ولو كان ذلك برسالة نبعثها عبر الهاتف.

نحن لا نرضي، بإطلاقات المحبة الدائمة، أشقاءنا وشقيقاتنا فقط، بل نطفئ نار (الأنا المتعالية)، ونجسد أنقى المشاعر الإنسانية، وأعظم معاني التكاتف وكأننا نردد (نحن ونحن فقط).

***

بقلم: عمار عبد الكريم البغدادي

.........................

* من وحي شهريار وشهرزاد (65)

مقتبسات من مؤلفي: شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة

في المثقف اليوم