أقلام ثقافية

أهاجر إليه!!

صادق السامرائيأهاجر بروحي وعقلي وقلبي ونفسي ووجداني وأعماقي وكياني، ونبضات أحلامي وفضاءات خيالي، مثل فراشة تسعى إلى مجد التفاني، وتتألق حول شعاع ضوء يخترقها ويلهمها التجلي، والتناهي إلى منبع الإشراق العظيم.

أهاجر إلى ينابيع المحبة وأنوار السلام واليقين والبرهان وتطلعات الكواكب، التي ترتل آيات الشكر والعرفان، لبارئ الموجودات وفاطر السماوات والأكوان.

إلى الذين يحبون مَن هاجر إليهم، ويتطعمون بحلاوة الإيمان والتقوى، والمتحابين بجلاله، وفي يوم لا ظل فيه إلا ظله.

إلى الذين مَن أحبهم أحبه الله، الجالسين على منابر من نور وقد وجبت محبته لهم، والذين يحبهم أهل السماء.

أهاجر إلى بلاد طلع البدر عليها من ثنيات الوداع، ووجب الشكر عليها ما دعا للداعي داع، التي تحولت إلى بهجة منيرة لأبد الدهر، ومنطلقا للحق المبين وعاصمة لجوهرة الصيرورة الكبرى على تراب الأرض، التي تسبّح بفيض الخلاق الكريم.

أهاجر إلى قل هو الله أحد، و"وتعاونوا على البر والتقوى" و"خذ العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين" و" وكنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" و"إنما المؤمنون أخوة" و"أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" و"إن الله يأمر بالعدل والإحسان" و"الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس"و "يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".

أهاجر إلى ينابيع الرحمة والأمان ومواضع المسرات والنقاء والصفاء، وإلى "وأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر" وإلى "كلكم لآدم وآدم من تراب" وإلى "ورحمتي وسعت كل شيئ".

أهاجر إلى مَن يأتي بالحسنة ويمقت السيئة، ويمسح الدمعة عن عيون الأطفال والنساء، ويرسم الابتسامة على وجوه البائسين، ويطعم الجياع ويعين الفقراء، ويشهد أن الناس ولدتهم أماتهم أحرارا، فيأبى استعبادهم وهوانهم وذلهم.

أهاجر إلى " وأنك لعلى خلق عظيم"، وإلى "فاصفح الصفح الجميل" وإلى "واخفض جناحك للمؤمنين"، وإلى "وعباد الرحمن الذين يمشون في الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".

أهاجر إلى مَن يكتب عند الله صدّيقا، ويؤدي الأمانات إلى أهلها، ويرتقي بروحه ونشده إلى حيث يحقق رفاه أخيه الإنسان، ويبث السعادة في قلبه ونفسه فيبتهج ويفرح معه، ويتمم فرحته بالأمن والرجاء والأمل.

أهاجر إلى سيد الكائنات وخاتم الأنبياء والمرسلين، النبي الصادق الأمين الذي أطلق دعوة الحق والعدل المبين وبشر المؤمنين بالخلد في عليّن.

إلى المغيث الغيّاث وحادي ركب الطيبين الصالحين لبر أمان النهى واليقين . وحبيب الأولين والآخرين من أبناء آدم وحواء أجمعين، والقمر الساطع في دواجي الأنام، ومسيرات الراحلين إلى وادي الختام.

أهاجر إلى منير الطلعة ونقي الصفات الذي أدبه رب العباد، وألهمه بديع القول وجوهر الحكمة وأنوار البهجة، ورياض المحبة والمسرات والجمال، فكان كتاب القادر القدير الذي يسعى وهاجا في الحياة ويصنع شواهد لآيات ربه البينات.

إلى جامع الحسن المهاب وواهب الفيض فيضا، وينابيع النور نورا وبهاءا وجلالا وسناءً، وواسع العلم وعظيم الخلق والصبر الجميل.

أهاجر إلى راحة الروح ومملكة الوجدان وكنه البرهان، ونبراس الخير والشفقة والرحمة والطيبة، والرأفة والألفة والأخوة والصدق والإيمان، الذي يأسو جراح القلوب ويغسل النفوس بقطر الأشواق والنقاء والرجاء والإحسان.

أهاجر إلى حبيب مَن نحب ورسول مَن نعبد والعارج ببراق الأنوار إلى آفاق فوق آفاق، الذي تشدنا إليه لوعة الحب وصبابته وأشواقه، إلى السامي المعلى وومضة اليقين في أعماق أهل الأرض وأكوان العالمين.

أهاجر إلى شمس الجلال ونور التسامي وفيض الإشراق الرباني في قلوب المدركين الشاربين قطر الأقمار وسلافة المعنى ومنهج الفحوى، البشير المنير الساعي للخير الطاهر النبيل، الذي يضع على رأسه تاج المعالي الكونية وينهل بكأس النور من زلال القدسية قرب عرش رب عظيم.

أهاجر إليه فأدرك " وخلقناكم من نفس واحدة وجعلناكم شعوب وقبائل لتعارفوا..."، فتشعشع أنوار المعرفة من آفاق الإدراك، وتحيط الشمائل الربانية قلب البشر الإنسان، فيسمو إلى حيث أراده الله.

وبهذا تتحقق معاني الهجرة النبوية، ودلالات الفتح الرباني الفياض الذي تأكدت فيه إرادته، فانتشر دينه وعمّت العدالة والرحمة تفاعلات البشر، وارتقى بروحه ونفسه وعقله إلى مرتبة الإنسان الزاهي بقيم السماء ومنهاج العمل الطاهر الرحيم، مسبحا للذي خلقه في أحسن تقويم.

فهاجروا معي وتعانقوا وتواصلوا محبةً في الله فالمحبة أعظم الإيمان.

وخيرنا الذي يبدأ بالابتسام والسلام.

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم