أقلام ثقافية

ما كل كتاب بكتاب!!

صادق السامرائيالمقال يبحث في موضوع محيّر، فتأليف الكتب أصبح وكأنه موضة عاصفة، فالكل تؤلف كتبا وليس كتابا، فهذا لديه عشرات الكتب، وذاك تجاوزت كتبه المئة وهلم جرا!!

وتقترب من الكتب وإذا بها لا تستحق قضاء بضعة دقائق معها، ومعظمها تتميز بمقدمات مكتوبة من قبل أشخاص ما تصفحوها، وذلك واضح من اللغة التي تشترك فيها مقدمات الكتب، وهي أشبه بتعليقات المجاملة المنتشرة في المواقع الإفتراضية، التي لا تشير إلى أن المعلق قرأ النص الذي علّق عليه.

فلان لديه عشرات الكتب، وعندما تستمع لكلامه لا يوحي  بأنه يجيد كتابة صفحة واحدة بلغة عربية تامة، فكيف تفسر تأليف الكتب الكثيرة التي تحمل إسمه؟

إنها كتب لتسويقه، فهو كبضاعة والكتب لترويجه، وما هو الذي كتبها بل هناك أقلام كتبتها بأجر.

فالعديد من الكتب المطبوعة باللغة العربية، خالية من بذل الجهد والجد والإجتهاد، والإتقان المعرفي والرصانة البحثية، وفاقدة للغة السليمة والتعبير الجميل عن الفكرة، فتكتسف أنها أكداس كلمات وأكوام عبارات، لا تجذب القارئ ولا تضيف إليه من المعرفة شيئا، وكأنها وجدت لتنفيره من القراءة ونأيه عن الكتاب.

ترى ما قيمة الكتاب إن لم يُقرأ؟

ولماذا نقرأ لكُتاب النصف الأول من القرن العشرين أكثر مما نقرأ للمعاصرين؟

الكتاب الذي يُبذل به الجهد الأصيل وتُستحضَر به المعلومة الساطعة المدروسة، له دوره في بناء العقل وترتيب آليات السلوك الحضاري في المجتمع، أما الكتاب الذي يشبه الأكلات السريعة، فهو من المطبعة إلى سلال المهملات أو الموت في رف أو مخزن مظلم.

فما أكثر الكتب وأقل الكتاب الصادقين المتوثبين الجادين الذين يتقنون ما يكتبون، ويحترمون الكلمة ويؤمنون بدورها في صناعة الحياة الطيبة.

وما يميز كتاب النصف الأول من القرن العشرين، أنهم يجدّون ويجتهدون ويجددون، ولا يقتربون من الغثيث،  ويمعنون بالوصول إلى أقصى درجات الإتقان والرصانة فيما يكتبون، فهم يبحثون ويتساءلون ويراجعون ويتحاورون، ويزنون ما ينشرون بميزان العقل والجمال والذوق واللغة، ويقرأون عشرات الكتب القيمة ليكتبوا بضعة صفحات، وهم يتوجسون، وأكثر كتبهم ذات مقدمات شيقة بُذل جهد كبير في كتابتها، لأن كاتبها قد قرأ الكتاب أكثر من مرة وقيمه بميزان المعرفة الأمين المعاصر.

فهل من كِتاب للأحياء ؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم