أقلام ثقافية

هذا كل ما في الأمر

هشام بن الشاوي(هذيان صيف مختلف)

إنه صدأ الأيام. ذلك الألم الذي يكمن في تفاصيل الحياة. هكذا، وبكل بساطة، ستنسى نظرتها؛ تلك النظرة، التي تشبه شلالا من الدموع ينهمر في داخلك. تلك النظرة التي ستمطر في عينيك بدل عينيها.. سوف تتذكر شيئا واحدا فقط: الصرخة المكتومة، التي لا يمكن أن تجاهر بها، وترتد - دوما - في الأعماق مثل سياط، وكآبة عارمة تفشل الملامح/ مرآة الداخل في إخفائها.هناك حاجز ما، بيني وبينك، بيني وبينهن، جميعهن. آه من نون النسوة، كم يلزمني من حياة لأرثيهن واحدة، واحدة...! ذلك الحاجز يحولني إلى مجرد شبح غير مرئي. نعم، ترينه ولا ترينه.. لا ترون دموعه، غنيمته الوحيدة في حروب الحب.سرب من الجميلات حلق فوق رفاتي، بالأمس. كنت مشدوها بفرحهن بالحياة حد الرغبة في البكاء. رفيف ذلك الفرح الجارح جعلني أدرك أن كينونتي مجرد خردة، شيء منتهي الصلاحية. العالم يشبه بصقة على طاولة طعام.

سوف تلوذ ببستان قديم، لا تتذكر أشجاره ولا ثمارها. كنتما تركضان خلف فاكهة واحدة، أكبر منكما سنا. لا تتذكر من كان الغاوي؟ أنتما أم هي؟ من قال إن الأطفال أبرياء؟! تلك الفاكهة، حتما فقدت طعمها حالياً، لكن هل يمكن أن يعود الزمن إلى الخلف، فقط، لكي تعرف أشجار ذلك البستان، الذي شاخ مثل كل شيء جميل. من المؤكد أن تلك المرأة صارت ذابلة، وكئيبة كبقية الزوجات، ولحوحة مثلهن؛ ذلك الإلحاح الذي يجعلك تنسى سكرة ذلك الدوار الحلو، اللذيذ الذي داهمك، وأنت ترنو إلى البهجة المحلقة، سوف تنسى مذاق الكتابة عن خسائر عاطفية متتالية، وتنزلق فوق رصيف نباح ثقوب الجيوب. ذلك النباح الكريه، الذي يجعلك تمقت هذه الحياة البالية متجعدة الملامح. كل شيء يصير عاديا ومملا، حتى النظرة تفقد سحرها ودهشتها، الشهوة أيضاً تذبل، في كل الأحوال، تماما كالحياة. الحب القديم يفقد وهجه أيضًا، يصير مثل جارة عجوز متصابية تدفعك إلى أن تبصق في وجه الرداءة وتصوم عن النظر في وجوه الجميلات طوال النهار . هل سيكتب هذا في صفحة حسناتها ؟!

سوف تقاوم الضجر، الغثيان، وأنت الذي أدمنت التسكع في أزقة الحنين الخلفية. حتما، هم ينظرون إليك بريبة دوما، دون أن يراعوا أنه اختيار جمالي، لا يدركون أنك لا تحب الكتابة عما هو مؤقت.. ما معنى أن تكتب من خلف شاشة صقيلة: #ارحل_أخنوش.. بينما في الواقع، لم تضرب أية سيارة عن السفر ؟!سوف تتغاضى عن نباح جيوبك، الظاهر منها والباطن، وتبحث عن ضحكة عينين تضيء ليل حياتك السرمدي، وتمعن النظر إلى خاصرة الآنسة، التي تعمدت أن تشهر سحرها المبين.. هي تعرف أنه سبب انحطاط هذه الأمة، لكنها لا تشغل بالها سوى بالإيقاع بأحد ما، سوف تتحول حياته إلى جحيم، وهي توبخه: لماذا تزوجت ؟!

المغفلة!

لا تعرف أن الحياة تشبه ذلك العائد من المقبرة، وهو يحمل الأغطية التي لم يرها الميت الذي تركوه وحده هناك، لا يعرف حامل الثياب أنه سيكسن تابوتا آخر...

***

هشام بن الشاوي

 

في المثقف اليوم