أقلام ثقافية

حول الغموض في الشعر

محمد عرجونيمتى نعتبر أن الشعر يلفه الغموض أو بالأحرى الإبهام؟ بمعنى هل هناك عتبة ما، لا يمكن تجاوزها من قبل الشاعر إن هو أراد أن يكون أقرب إلى المتلقي؟ حينها قد لا يُتهم بالغموض، الذي غالبا ما يُرجعه المتلقي لعدم قدرة الشاعر على التواصل مع المتلقين، أو يصفونه بالتطاول على الشعر ودليلهم في ذلك أنه "يجمع" بتعسف بين الكلمات بشكل فوضوي من غير معنى.

أمام هذا التساؤل، أسئلة أخرى تفرض نفسها: هل بوسعنا أن نجد جوابا واحدا، كافيا ومقنعا؟ ثم على ماذا يستند من يحاول الإجابة؟ وهل يستطيع أن يتطرق إلى جميع المستندات، أم تراه يستعين فقط بما يبدو له معززا لرأيه؟ أسئلة في نظري تجعلنا أمام بحر من الحيرة، إذا كنا فعلا نبحث عن إجابات موضوعية (حسب فهمنا طبعا، لأنه ما يبدو لنا موضوعيا، قد لا يجد صدى عند الآخر). من بين الإجابات، اخترت هذا على شكل تساؤل: هل قمنا بعملية إحصاء مثلا لنعرف كم هي نسبة المتلقين الذين اعتبروا عملا شعريا (نصا أو ديوانا مثلا) غامضا أو مبهما؟ تساؤل يبدو لي منطقيا إذا كنا نبتغي الميل إلى الموضوعية، لأن الحديث عن النصوص "الغامضة" أو "المبهمة" بشكل ملتبس وفضفاض، لا يستسيغه عقل. لهذا وجب بناء هذا الحكم على عملية إحصاء بين المتلقين المهتمين بالشعر.

بطبيعة الحال جوابهم لن يكون مقتصرا فقط على نعم أو لا. يجب أن يكون مدعما بحجج وتفسيرات ولو أقرب إلى عتبة الإقناع. أم ترانا نعتمد فقط على الميولات الفنية التي تتغذى من الميولات الإيديولوجية أو من تلك التي ترسخت بقوة الحفظ والنقل ولم يستطع أصحابها التحرر منها ومن منطقها، فنضحي من أجلها، بالغالي والنفيس الذي نصطدم به ونعتبره مبهما وغامضا، بقناعة ترتدي غمامات ولا تسمح بالاكتشافات؟

***

محمد العرجوني

في المثقف اليوم