أقلام ثقافية

مفهوم الموت.. في مرثية خورخية مانريكي

هديل عادل كاملخورخي مانريكي (1440- 1479 م) شاعر اسباني من العصر الوسيط، ومن اسرة ارستقراطية عرقية وفي رواية اخرى قيل انه ولد في 1439 في سيكورا دي لاسييرا في (خيان) ومعروف كونه من اسرة اسبانية عريقة الحسب والنسب، فهو نجل الكونت دون رودريكو مانريكي قائد رهبانية سانتياكو العسكرية ووالدته السيدة مينثيا دي فيكيروا، والتي توفيت في سنه 1444 حين كان خورخي طفلا صغيرالعمر ولان خورخي لاقى حتفه في ريعان شبابه فتكاد معرفته تقتصر على النتف والشذرات المتبعثلرة النادرة، ومنها اشعاره التي مجد فيها الملك دون خوان الثاني واباه الميايستري دون رودريكي مانريكي، الذي كان احد ابرز الشخصيات الارستقراطية المتنفذه في البلاط عهد ذاك، والخص اللدود كونديستابلي لونا، وقد لعب الشاعر الامير خورخية مانريكي، دورا مؤثرا في البلاط، وتقلد مناصب مهمة منها قيادة ميليشيا وبرز فارسا محاربا في جيش الملكة ايزابيل .ولعل جو البلاط (الذي كان الامراء والنبلاء يتهافتون عليه)يتبين لنا عبر تشخيص اميركو كاسترو" كان البلاط بمثابة معبد يتم اللجوء اليه، للحصول على لنفع مادي، مثلما الحال عندما يقوم المرء بزيارة الكنيسة ليحظى بالغفران الالهي" وكانت حياة النبل والكهانة من الاسس المتينة التي يتدثر بها الاسباني.

ورغم انه لاسباب ذاتية وموضوعية في هاتيك الظروف التاريخية لم يتفرغ كلياللادب. ولم يخلف الاديوانا صغير الحجم يضم مرثيته المطولة لوالده وهي مرثية لابية والشهيرة ب (المقطوعات المانريكية) ونحو خمسين قصيدة متوزعة على ثلاثة محاور (الحب، الهزل والهجو والوعظ الاخلاقي) منها (قلعة الحب) (العاشق الذي قبلته حبيبته في الحلم)، (اغنيات) وهي تعد من ابرز بواكير الشعر الاسباني، ولا احد يعرف من يقف وراء هذه الاشعار الرقيقة ؟اهو انسان ام شاعر؟ والتي تتمز بايقاعها الواضح الذي يوحي باجراس الحداد، وبحيوية المشاهد ولاسيما في اخرها حين يدخل الموت ليقي خطابه على الميت ويستمع الى جوابه وتعد من عيون الشعر الاسباني على مر العصور، والتي حظيت بالترجمة الى العديد من اللغات العالمية ومجموعة من القصائد الاخرى، فقد حقق مجده المشهود كشاعر ارستقراطي جامع بين السيف والقلم.

لقد شهد عصر مانريكي انقلابات وتحولات تاريخية كبرى، فقد كان عصرصراعات حاسمة وارهاصات (النهظة الاوربية) والاصلاح الديني والمتغيرات المشهودة على صعيدي شبه الجزيرة الايبرية (اسبانيا والبرتغال) والمعمورة قاطبة، لاسيما اوربا..

لقد كان عصر خورخي مانريكي حاضنه فتن سياسية ودسائس ومكائد ومؤامرات وصراعات عسكرية دامية، وكان والده من المشاركين البارزين فيها، اذ عاصر وشهد وخبر حيثيات ومجريات بلاطات ثلاثة من الملوك الكاستيلانيين، لاسيما مظاهر الابهه والفخامة والحفلات الصاخبة.

تتجلى في مرتية مانريكي نزعة حسية وعاطفية غامرة تتجسد في استحضار لصور الطبيعية بشتى عناصرها والوانها واضوائها الزاهية، ويتبين لنا ان مانريكي يركز في لغته الشعرية على محتوى ما يقال لا على كيف يقال ولذا فهي دقيقة التفاصيل وصارمة الايجاز في الوقت نفسه، وتخلو من الزخارف والاستعارات والمجازات الصعبة .

وتتسم المرثية بالتلقائية والعفوية وقوتها الموسيقية والايقاعية.بحيث اضحى نمط مقطوعاته ب الموشحة او الاهزوجة الشعبية ليست منفصلة عن البعضها .فالبنية الفنية لهذه المرثية مشابه (الحطاية الشعرية) الى حد كبير، حيث يمزج الشاعر في سرده الوصف الحوار، متنقلا في خطابه الشعري الى ثلاثة اصوات: صوت كراوية، صوت الموت، وصوت والداه. وقد لصوت الموت الذي يخاطب والده، الذي يجيبه ممتثلا لاجله المقدور، ومن ثم يختتمها الشاعر الراوي بالمقطوعة الاخيرة برغم طول المرثية (42 مقطوعة) فانها تتسم ببنية معمارية متماسكة، حيث يتلاحم مضمونها وشكلها، علما ان (المقطوعات ال 16 الاخيرة لها مساس مباشر بالفقيد الدون ريكاردو والتي تشمل قسمها الثالث حيث يعرض الشاعرفضا ئلة وماثرة، ثم يدع الموت يحاوره، ومن ثم يسلم امره الى قدره المحتوم حسب العقيدة المسيحية، اما قسمها الا ول من (1-15) ففيه يتحدث الشاعر عما يتعلق بحياة البشروالدنيا الفانية، بينما يقدم في قسمها الثاني (16_ 26) امثله وصورا ملموسة لفلسفته في الوجود.

***

ا. م. هديل عادل كمال

في المثقف اليوم