أقلام ثقافية

اللغة المخادعة.. ووحشية اهلها

4193 جورج اورويلدعا الكاتب البريطاني المعروف جورج اورويل في مقالة له، كتبها عام 1946، قبل رحيله الاخير عن عالمنا بأربعة أعوام، إلى أهمية الوضوح اللغوي في الكتابة، محذرًا من اللغة المخادعة التي يسلك دروبها الكثيرون من كتبة اللغة الانجليزية وهو ما يدل على شيء من التهاوي اللغوي.. ويمكن بالتالي الانظمة الشمولية الطاغية من التمويه والتوسيع من تحكمها وهيمنتها.

حملت هذه المقالة الهامة عنوان" السياسة واللغة الانجليزية"، وتضمنها كتاب صاحبها " الكتب مقابل السجائر"، الصادر في طبعة جديدة هذه الفترة. هذه الطبعة متوفرة في المكتبات وبإمكان الاخوة القراء الحصول عليه وقراءتها. ذكرتني مقالة اورويل هذه بذاك اللف والدوران في العديد مما يكتبه الكثيرون من اصحاب القلم بين ظهرانينا، فانت تقرأ للكثيرين من هؤلاء طروحات غامضة مبهمة، تستعصي على الافهام، الامر الذي قد يشكك في فهم كاتبها وادراكه لمرامي وأبعاد ما يريد أن يقوله فيها.

صحيح أن الكتابة العلمية الرصينة تحتوي في العادة شيئًا من الغموض، جراء جدتها وجديتها في الآن ذاته، وصحيح أن الدارس المتمكن عادة ما يبتعد عن التسطيح الفكري، ما يضطره لانتهاج شيء من الغموض في كتابته، غير أن هذا الباحث يفترض ان يعرض افكاره بالوضوح المطلوب والمرغوب به لدى أبناء الفئات الشعبية الواسعة، ألم يقل الكثيرون من الكتاب، منهم الكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير إن المبدع الحقيقي يوصل أصعب الافكار بأسهل الكلمات؟

أضف إلى هذا، أن تمكن الباحث/ الكاتب من موضوعه يُسهّل عليه توصيل فكرته بأيسر ما يمكن من اللغة، بدليل أن هناك فرقًا بين كاتب وآخر، ولعلّي أستشهد هنا بكتابات عالم النفس الالماني/ الامريكي، أو الذي عاش جُلّ حياته في الولايات المتحدة الامريكية، وأقصد به اريك فروم صاحب الكتاب الهام في "فن الهوى"، فهذا الكاتب يكتب بالأسلوب السهل الممتنع ويطرح أعقد الافكار بأكبر قدر من اليسر.. وبإمكان كل قارئ تقريبًا الولوج إلى عالمه.. وفهم مكنوناته.

بالعودة إلى صاحب الروايتين الهامتين" 1984"، و" مزرعة الحيوان"، فإننا نراه يقترح في مقالته المذكورة عددًا من الامور من شأنها أن تُسهّل على الكاتب طرح أفكاره بوضوح وجلاء. فيما يلي اورد هذه المقترحات وهي موجهة إلى الكتاب وأهل التعبير والقول:

- لا تستخدم أبدًا كلمات طويلة حيث يمكنك استخدام أخرى قصيرة لها نفس المعنى.

- إذا أمكنك الاستغناء عن كلمة من النص.. إفعل ذلك.

- لا تستخدم أبدًا صيغة المبني للمجهول حيث يمكنك استخدام المبني للمعلوم.

- لا تستخدم أبدًا كلمة أجنبية أو كلمة علمية أو كلمة ذات رطانة إن أمكنك التفكير بكلمة يومية نظيرة لها.

- كسر هذه القواعد أسرع من قول أي شيء همجي بصراحة.

ذكّرني رأي اوريل هذا وهو موجه للكثير من الكتاب الانجليز، من أصحاب اللغة المخادعة وسالكي دربها، بمقولة للغوي العربي العريق أحمد ابن فارس، مؤلف "الصاحبي في فقه اللغة" ، مفادها أن الكاتب عادة ما يلجأ إلى الغموض والوحشي من الكلام، عندما يكون غليظ الطبع وحشيه. فهل يعني هذا أن سالكي طريق الغموض ومتعمدي السير فيه من هؤلاء الوحشيين؟.. وهل يعني أنهم يدفعون لغتنا إلى مشاركتهم فقرهم الفكري واللغوي.. دفعًا؟.. وهل يفترض بنا أن نعيد عليهم ما وجهه اورويل إلى كتبة الانجليزية من مقترحات؟..

***

هاجس: ناجي ظاهر

 

في المثقف اليوم