أقلام ثقافية

قصيدة (اشلون داده) ووطأة الاعراف الاجتماعية

راضي المترفيملاحظة: قد لا تكون القصة حقيقية وانما من بنات افكار شاعر اراد محاربة اعراف مجتمع بالية فرسم هذه القصة (المأساة) وصاغ هذه القوافي الموحية المؤثرة

في سبعينات القرن الماضي شهدت مدينة الثورة نهضة ضد بعض الاعراف العشائرية وقف خلفها شعراء متمردون على تلك الاعراف لكنهم خشوا وطأة تلك الاعراف القاسية ولم يضعوا اسمائهم على قصائدهم التي انتشرت كانتشار النار في هشيم يابس ولعل ابرز تلك القصائد هي قصيدة (فصلية) التي صدح بها صوت المطرب الراحل (عبادي العماري) من دون الاعلان عن اسم شاعرها وقد ادعاها البعض لنفسه وهناك من نسبها للمطرب لكن المرجح انها للشاعر (جودة التميمي) ومعلوم ان هذا الشاعر كان يخاف الاعراف ويمقتها بشدة حتى انه ابدل اسمه الحقيقي ولقبه هروبا منها وهناك قصيدة اخرى حاربت (النهوة) لم يعرف شاعرها ونسبها البعض الى اخت المطرب عبادي رغم انها تحمل نفسا رجوليا وتقول بعض كلماتها:

(ردوا فلوسكم منهي عليها

بت عمي الي ومن يدنا ليها

ابن عمها ولو بس هاي عادات

اندفنت ويا ابو القرنين من مات)

وقد اداها المطرب نفسه لكنها لم تنل شهرة قصيدة (فصليه) التي سبقتها واليوم تعالوا نقف عند قصيدة اخرى غناها اكثر من مطرب وحصلت على شهرة كبيرة لكنها اسيء فهمها بسبب لحنها الراقص وقدرة شاعرها بالوصول الى المسكوت عنه ومحدودية شهرة مطربها (وحيد الاسود) تقول كلمات هذه القصيدة المغناة:

(اشلون داده ويلي داده .. اشلون داده

حلف بالعباس والزهرة الزچيّه

حلف بالعباس واتعذبت زهره

شال وانگطعت أخباره وتعب گلبي من النشاده

قشمراني ونثر بعيوني رماده

من افيض صخام وجهي شسوّه بيّه

لو سمعوا هلي وعمامي وطشّت بكل العشيره

موش انه وعاري يدفنوني بحفيره

خيّه حسبالي وَفي وصاحب شهامه

خيّه گلي ودگ لي صدره وخمس تيام وهلي يخطبوچ اليّه

لنّي أفيض صخام وجهي شسوّه بيّه

شوّغ نهيدي باصبعه وبالشفايف خدّراني

زرت كل إيمام ما خلّيت ساده

لا هيّه طلابه عشاير تنتهي بفنجان وتفض

ولا هيّه عرگة وكت وألبس عباتي وياك وأركض

لو گرب يوم الولادة اشلون داده)

ومعلوم ان من يقرا القصيدة بتمعن يجد ان مفرداتها (حضرية) وان حملت مسحة جنوبية وهذه المفردات يشيع استخدامها في مكان معين هو مدينة الثورة وامتداداتها ولاتنتمي لريف او مكان ما في الجنوب او مدينة اخرى غير حاضنتها وهي وان تطرقت لاعراف سارية المفعول في الجنوب او غيره فهذا دليل على ان التعامل بهذه الاعراف يكون شاملا عند الاغلب وان كانت وطأته تختلف من مكان الى اخر فبنت الموصل وبنت الانبار وبنت الديوانية وبنت ميسان وبنت ديالى وبنت السليمانية تذبح اذا شاعت علاقتها باخر واختلى بها دون عقد او علم من اهلها سواء كانت بنت ريف او مدينة في حين لاينال الشاب تلك العقوبة اذا ارتكب نفس الذنب انما ينظر له في بعض الاماكن بتقدير وتدفع العشيرة عنه الدية وينتهي الامر ومن المؤلم حد البكاء أن يرقص الجميع على جراح غيرهم من دون شعور به، حيث عانت صاحبة القصة من خديعة أحدهم لها باسم الحب وتجاوز معها كل الخطوط الحمر ويوم حملت منه (سفاحا) هرب وتركها تواجه مصيرا اسود وعقاب قاسي من مجتمع يتعامل مع النتيجة دون أسبابها ومن يقف خلفها لذا غالبا مايفلت الجاني الحقيقي في مجتمعنا ويدفع الوزر من ثق بغيره . ولو وقفنا عند بعض ابيات القصيدة حيث تشرح بطلتها المعاناة وثقتها المطلقة بمن رقص له قلبها حبا وكان هو مخادعا بطبيعته وغير صادق في حبه ..

(حلف بالعباس واتعذبت زهره

شال وانگطعت أخباره وتعب گلبي من النشاده

قشمراني ونثر بعيوني رماده)

لقد اقسم لها باغلظ الايمان بسيدنا العباس الذي يهابه كل اهل الثورة ولايحنث ايا منهم بيمينه عند القسم به وعندما تشد (راية) له في النزاعات العشائرية داخل المدينة تتوقف كل الاعمال العدوانية ويتم تسوية المشكل حتى لو زهقت فيه ارواح بطرق سلمية لكن هذا المخادع تنكر للقسم ولمن اقسم لها وتركها تعاني مصيرا مظلما وارتحل بعيدا وتركها ضحية لاعراف قاسية تواجه مصيرا معلوما هو الموت بسكاكين (غسل العار) وناى بنفسه بعد ان خدعها وذر بعيونها رماد املا كاذب .

(خيّه حسبالي وَفي وصاحب شهامه

خيّه گلي ودگ لي صدره وخمس تيام وهلي يخطبوچ اليّه

لنّي أفيض صخام وجهي شسوّه بيّه)

هنا تبث اختها او صديقتها شكواها وتخبرها انها وثقت به وسلمته نفسها واعز ماتملك عندما ظنت به خيرا وحسبته صاحب شهامة ووفاء خصوصا انه الزم نفسه بعهد اذ لاتمضي خمسة ايام الا وهي على ذمته زوجة محبة وزوج وفي لكنه خيب ظنها واختفى نائيا بنفسه تاركا لها تعاني مصيرا معلوما بالموت بسكاكين غسل العار عن ما ارتكبه هو معها بعدما وثقت به ففاض وجهها بسخام الفضيحة واختفى هو بفعلته الشنبعة وخيانته لها .

(لا هيّه طلابه عشاير تنتهي بفنجان وتفض

ولا هيّه عرگة وكت وألبس عباتي وياك وأركض

لو گرب يوم الولادة اشلون داده)

وكم تمنت في لحظاتها الاخيرة قبل مواجهة جسدها وروحها مع سكين الاعراف الممسوكة بقوة بقبضة غاسل العار ان لم يكون هذا مصيرها وتكون قضيتها مثل كل القضايا العشائرية العامة الاخرى (الطلايب) لتنتهي بجلسة صلح وتراضي وتداول اقداح القهوة او مثل كل المشاكل والشجارات اليومية حيث تتدخل اطراف اخرى ويفض النزاع بسبب الجيرة والعشرة وغيرها لكن مشكلها انها على اعتاب ولادة غير شرعية مخالفة للدين والمجتمع واعرافه نتجت عن الالتقاء بشخص عديم الضمير عديم الوفاء غير ملتزم بوعوده وهذا مايرفضه الدين ويرفضه المجتمع ويسميه عارا ويوجب على اهل من قامت به غسله بالدم من دون معاملة الطرف الاخر بالمثل .

ان اعراف المجنمع ذكورية في الغالب تحاسب المراة على كل هفوة مهما كانت بساطتها وتقتل الزانية حتى لو كان الزنا بفعل الاغتصاب لكنها تغض الطرف عن الرجل مهما كان العمل شنيعا وقد تكتفي بالتراضي او الدية (الفصل) في حين يحاسب الاسلام الزاني والزانية على حد سواء لكن المجتمع ياخذ بالاعراف عندما تتعارض مع الدين .

***

راضي المترفي

 

في المثقف اليوم