أقلام ثقافية

أعراض انسحاب المثقف من المشهد الثقافي

في منظور علم النفس الانسحاب هو: "نمط من السلوك يتميز عادة بإبعاد الفرد عن نفسه وعن القيام بمهمات الحياة العادية، ويرافق ذلك إحباط وتوتر وخيبة أمل، كما يتضمن الانسحاب الاجتماعي الابتعاد عن مجرى الحياة الاجتماعية العادية، ويصاحب ذلك عدم التعاون وعدم الشعور بالمسؤولية، وأحيانا الهروب إلى درجة ما.."فهذا الانسحاب حسب هذا المفهوم تتبعه أعراض منها : الابتعاد عن القيام بالمهمات والشعور بالإحباط والتوتر وخيبة الأمل ...

نفس هذه الأعراض نجدها عند المثقف المنسحب وهذا الانسحاب ليس وليد موقف صعب مر به  بل تراكمات سنين من التهميش واللامبالاة و التيئيس من الممارسة الثقافية بصفة عامة ..

يبدأ المثقف حياته مثقلا بأحلام التغيير والتأثير في مجتمعه فينهمك في مشاريعه الثقافية قراءة وبحثا و كتابة فيستغل كل مناسبة لطرح آرائه في شتى وسائل الإعلام وبعد مدة قد تطول أو تقصر يقف لحظات مع ذاته ويتساءل: هل ساهمت كتابته في تغيير المجتمع والتأثير فيه ؟ وهل له دور فاعل كمؤثر حقيقي ؟ ماذا استفاد من الكتابة على المستوى الشخصي والأسري؟..

والإجابة عن هذه الأسئلة يصدمه فتتراءى له الحقيقة المرة : أنه لا شيء، المؤثرون الحقيقيون هم صناع التهريج والتفاهة لحظتئذ يصاب بإحباط و يتوارى عن كل نشاط ثقافي أو فكري فلا تعد تسمع له صوت ولا تقرأ له كلمة، يتقوقع على ذاته ويفقد الأمل في الكلمة والكتابة ولم تعد تلك الكتب التي كان يعشقها ويتعطر بأريج اوراقها تغريه وتستفز عقله ..

هكذا يفقد المجتمع مثقفا نوعيا كان بالإمكان أن يكون منارة في الليالي الحالكة ولكن للأسف فقدان التحفيز المادي والمعنوي والاعتراف بثمرات عقله وفكره والأخذ بيده وسط دهاليز الحياة غياب كل هذا يدفعه إلى هذا الانسحاب أو الانتحار الثقافي فيا أيها المسألون عن قطاع الثقافة ارفقوا بهذا الكائن الرقيق الذي هو كتلة من مشاعر وفروا له حياة كريمة و احتضنوا كتاباته وكتبه وامسحوا عنه غبار النسيان.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

 شدري معمر علي

 

في المثقف اليوم